مهرجان عمّان السينمائي يختتم فعالياته ويتوّج أجمل حكاياته

رئيسة مهرجان عمّان السينمائي الدولي الأميرة ريم علي متوسّطةً الفائزين (إدارة المهرجان)
رئيسة مهرجان عمّان السينمائي الدولي الأميرة ريم علي متوسّطةً الفائزين (إدارة المهرجان)
TT

مهرجان عمّان السينمائي يختتم فعالياته ويتوّج أجمل حكاياته

رئيسة مهرجان عمّان السينمائي الدولي الأميرة ريم علي متوسّطةً الفائزين (إدارة المهرجان)
رئيسة مهرجان عمّان السينمائي الدولي الأميرة ريم علي متوسّطةً الفائزين (إدارة المهرجان)

بعد 9 أيام حفلت بعروض الأفلام، وورش العمل، واللقاءات مع المخرجين والممثّلين وصنّاع السينما من العالم العربي والعالم، اختتم مهرجان عمّان السينمائي الدولي فعاليات دورته الخامسة في العاصمة الأردنيّة.

موعد الليلة الأخيرة كان مع توزيع جوائز «السوسنة السوداء» على الأعمال الرابحة، في مقرّ «الهيئة الملكيّة الأردنيّة للأفلام».

وسط حماسة المرشّحين ورهبتهم، ومعظمهم من الجيل الشاب، بدأ الإعلان عن الجوائز التي تصدّرها عن فئة الوثائقيات فيلما «ق» للمخرجة اللبنانية جود شهاب، و«حلوة يا أرضي» للمخرجة الأردنيّة الأرمنيّة سارين هايربديان.

المخرجة اللبنانية جود شهاب وجائزتان لفيلمها الوثائقي «ق» (إدارة المهرجان)

يوثّق فيلم «ق» رحلة 3 أجيال من جماعة «القُبَيسيّات» النسائية الإسلاميّة، التي تمارس العمل الدعويّ، وذلك من خلال التركيز على قصة والدة المخرجة، وهي الأكثر انخراطاً في الجماعة وتفاعلاً معها.

أما «حلوة يا أرضي» فيواكب طفلاً أرمنياً على مدى 6 سنوات، وهو يعيش الصراعات الدامية في إقليم ناغورنو كاراباخ.

منتجة فيلم «حلوة يا أرضي» الأردنية عزة حوراني (إدارة المهرجان)

وبالانتقال إلى الأفلام الروائية الطويلة، حصد جائزة الجمهور الفيلم الأردني «إن شاء الله ولد» للمخرج أمجد الرشيد. الفيلم الذي يضع قضايا المرأة الأردنيّة والعربية عموماً تحت المجهر، أعربَ مخرجه عن تأثّره بهذا التكريم في بلده بعد سلسلةٍ من الجوائز حول العالم.

المخرج الأردني أمجد الرشيد والطفلة سيلينا ربابة التي مثّلت في فيلم «إن شاء الله ولد» (إدارة المهرجان)

أما جائزة لجنة التحكيم عن فئة الفيلم الروائي الطويل، فذهبت إلى «المرهقون» وهو فيلم يمنيّ من إخراج عمرو جمال، الذي فاز كذلك بجائزة أفضل ممثلة لعبير محمد. وتدور الأحداث حول زوجَين يرزحان تحت وزر الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ويفكّران في الإجهاض بعد حَمل الزوجة بولدهما الرابع.

الفيلم الثالث الفائز عن فئة الروائي الطويل هو «عصابات» من إخراج المغربيّ كمال لزرق، الذي حصل كذلك على تنويه أفضل ممثل لعبد اللطيف مستوري. ويضيء الفيلم على الواقع المظلم لبعض الأحياء الهامشيّة في مدينة الدار البيضاء، حيث تنتشر الجريمة والعصابات والبطالة.

الممثلة اليمنيّة عبير محمد متسلمةً جائزتها عن فيلم «المرهقون» من عضو لجنة التحكيم الممثل التونسي ظافر العابدين (إدارة المهرجان)

بالانتقال إلى الأفلام القصيرة، فقد فاز كلٌ من «وذكرنا وأنثانا»، و«الحرش»، و«سكون» من الأردن، إضافةً إلى الفيلم اللبناني «عصفور كشّاف».

أما عن فئة الأفلام العالمية الطويلة، فقد فاز فيلم «قضية الغرباء» لبراندت أندرسن من الولايات المتحدة الأميركية.

عن فئة الأفلام القصيرة فاز كلٌّ من الأردن ولبنان (إدارة المهرجان)

في حديثٍ خاص مع «الشرق الأوسط»، عبّرت رئيسة «مهرجان عمّان السينمائي» الأميرة ريم علي عن سعادتها وفخرها بهذه الدورة من الحدث الثقافيّ الجامع، «الذي بات يفرض نفسه عاماً تلو عام»، وفق تعبيرها. ولفتت إلى أنه إضافةً إلى تميّز المهرجان بتركيزه على المحتوى، فهو يتيح أمام المشاركين جميعاً الاقتراب من كبار صنّاع الأفلام ومحاورتهم والاستفادة من خبراتهم. «ثمّة قُرب وتساوٍ بين الجميع. الكل يتحدث مع الكل، ونحن حرصنا على أن يفسح المهرجان هذا المجال للجيل الشاب وألّا تقف أي حواجز بينهم وبين كبار المهنة».

وأضافت أن المهرجان هذا العام «شكّل فسحة تفاؤل رغم كل ما يحصل في المنطقة حولنا»، ولا سيّما أنه ركّز على الحكايات والأصوات العربية عموماً، والفلسطينية خصوصاً، انطلاقاً من شعاره «احكيلي... قصصنا وسرديّاتنا».

الأميرة ريم علي وزوجها الأمير علي بن الحسين في حفل ختام مهرجان عمّان السينمائي الدولي (إدارة المهرجان)

في ظلّ الأوضاع الأمنية التي تهزّ منطقة المشرق العربي، تقول علي إنّ «مَن لا يستطيعون سرد حكاياتهم في البلاد حيث هم موجودون، يمكنهم أن يحكوها من خلال هذا المهرجان»، وتضيف: «رغم إمكاناتنا المحدودة، نحن على الأقل نفرد مساحة تعبير لمَن يرغبون في سَرد حكاياتهم عبر أفلامٍ ذات محتوى نوعيّ».

ولفتت علي إلى أنها عاماً تلوَ آخر، تلاحظ تقدّماً لافتاً في نوعيّة الأفلام التي تتأهّل إلى المهرجان. ومن هذا المنطلق، فهي توافق على ما قاله المخرج الإيراني العالمي أصغر فرهادي في إحدى ندوات المهرجان، عن أنّ أفضل الأفلام ستخرج من المنطقة العربية خلال السنوات القليلة المقبلة.

من جانبها، تحدّثت مديرة المهرجان ندى دوماني خلال الحفل الختاميّ، مشيرةً إلى أنّ الحدث السينمائيّ الأردنيّ طبّق القول بالفعل، «فهو كان فسحة استطاع من خلالها الناس أن يحكوا قصصهم وسط الظروف الصعبة التي تمرّ فيها المنطقة». وأضافت أن «المهرجان ليس احتفالاً بقدر ما هو احتفاء بالسينما كأحد أرقى أشكال التعبير، وهو منصة وبيئة حاضنة لكل صانع أفلام يقاوم بالفنّ ويؤكد أن الثقافة تزدهر حتى في أحلك الظروف».

مديرة مهرجان عمّان السينمائي الدولي والمؤسسة الشريكة ندى دوماني (إدارة المهرجان)

على مدار 9 أيام، كان قد شهد المهرجان عرض 52 فيلماً من 28 دولة، وقد تلت معظم العروض حلقات نقاش مع مخرجي تلك الأفلام أو منتجيها أو الممثلين فيها. كما شملت العروض عدداً من المحافظات الأردنية، في كلٍ من وادي رم والبتراء وإربد والزرقاء.

وحرصاً منه على التوعية البيئية، يتبرّع مهرجان عمّان السينمائي بزراعة الأشجار تعويضاً عن الانبعاثات الكربونية، حيث زرع منذ عام 2021 حتى اليوم أكثر من 1600 شجرة. وهذه السنة، سيجري زراعة مزيد من الأشجار في الأردن وفلسطين.


مقالات ذات صلة

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
TT

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

في النسيج الواسع لتاريخ الفن التشكيلي، تبرز بعض الأعمال الفنية وتكتسب شهرة عالمية، ليس بسبب مفرداتها وصياغاتها الجمالية، ولكن لقدرتها العميقة على استحضار المشاعر الإنسانية، وفي هذا السياق تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود»، وهي كذلك شهادة على «قوة الفن في استكشاف أعماق النفس، وصراعاتها الداخلية».

هذه المعالجة التشكيلية لهموم البشر وضغوط الحياة استشعرها الجمهور المصري في أول معرض خاص لماهر البارودي في مصر؛ حيث تعمّقت 32 لوحة له في الجوانب الأكثر قتامة من النفس البشرية، وعبّرت عن مشاعر الحزن والوحدة والوجع، لكنها في الوقت ذاته أتاحت الفرصة لقيمة التأمل واستكشاف الذات، وذلك عبر مواجهة هذه العواطف المعقدة من خلال الفن.

ومن خلال لوحات معرض «المرايا» بغاليري «مصر» بالزمالك، يمكن للمشاهدين اكتساب فهم أفضل لحالتهم النفسية الخاصة، وتحقيق شعور أكبر بالوعي الذاتي والنمو الشخصي، وهكذا يمكن القول إن أعمال البارودي إنما تعمل بمثابة تذكير قوي بالإمكانات العلاجية للفن، وقدرته على تعزيز الصحة النفسية، والسلام، والهدوء الداخلي للمتلقي.

لماذا يتشابه بعض البشر مع الخرفان (الشرق الأوسط)

إذا كان الفن وسيلة للفنان والمتلقي للتعامل مع المشاعر، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فإن البارودي اختار أن يعبِّر عن المشاعر الموجعة.

يقول البارودي لـ«الشرق الأوسط»: «يجد المتلقي نفسه داخل اللوحات، كل وفق ثقافته وبيئته وخبراته السابقة، لكنها في النهاية تعكس أحوال الجميع، المعاناة نفسها؛ فالصراعات والأحزان باتت تسود العالم كله». الفن موجود إذن بحسب رؤية البارودي حتى يتمكّن البشر من التواصل مع بعضهم بعضاً. يوضح: «لا توجد تجربة أكثر عالمية من تجربة الألم. إنها تجعلهم يتجاوزون السن واللغة والثقافة والجنس لتعتصرهم المشاعر ذاتها».

الفنان السوري ماهر البارودي يحتفي بمفردة الخروف في لوحاته (الشرق الأوسط)

لكن ماذا عن السعادة، ألا تؤدي بالبشر إلى الإحساس نفسه؟، يجيب البارودي قائلاً: «لا شك أن السعادة إحساس عظيم، إلا أننا نكون في أقصى حالاتنا الإنسانية عندما نتعامل مع الألم والمعاناة». ويتابع: «أستطيع التأكيد على أن المعاناة هي المعادل الحقيقي الوحيد لحقيقة الإنسان، ومن هنا فإن هدف المعرض أن يفهم المتلقي نفسه، ويفهم الآخرين أيضاً عبر عرض لحظات مشتركة من المعاناة».

وصل الوجع بشخوص لوحاته إلى درجة لم يعد في استطاعتهم أمامه سوى الاستسلام والاستلقاء على الأرض في الشوارع، أو الاستناد إلى الجدران، أو السماح لعلامات ومضاعفات الحزن والأسى أن تتغلغل في كل خلايا أجسادهم، بينما جاءت الخلفية في معظم اللوحات مظلمةً؛ ليجذب الفنان عين المشاهد إلى الوجوه الشاحبة، والأجساد المهملة الضعيفة في المقدمة، بينما يساعد استخدامه الفحم في كثير من الأعمال، وسيطرة الأبيض والأسود عليها، على تعزيز الشعور بالمعاناة، والحداد على العُمر الذي ضاع هباءً.

أحياناً يسخر الإنسان من معاناته (الشرق الأوسط)

وربما يبذل زائر معرض البارودي جهداً كبيراً عند تأمل اللوحات؛ محاولاً أن يصل إلى أي لمسات أو دلالات للجمال، ولكنه لن يعثر إلا على القبح «الشكلي» والشخوص الدميمة «ظاهرياً»؛ وكأنه تعمّد أن يأتي بوجوه ذات ملامح ضخمة، صادمة، وأحياناً مشوهة؛ ليعمِّق من التأثير النفسي في المشاهد، ويبرز المخاوف والمشاعر المكبوتة، ولعلها مستقرة داخله هو نفسه قبل أن تكون داخل شخوص أعماله، ولمَ لا وهو الفنان المهاجر إلى فرنسا منذ نحو 40 عاماً، وصاحب تجربة الغربة والخوف على وطنه الأم، سوريا.

أجواء قاتمة في خلفية اللوحة تجذب العين إلى الألم البشري في المقدمة (الشرق الأوسط)

وهنا تأخذك أعمال البارودي إلى لوحات فرنسيس بيكون المزعجة، التي تفعل كثيراً داخل المشاهد؛ فنحن أمام لوحة مثل «ثلاث دراسات لشخصيات عند قاعدة صلب المسيح»، نكتشف أن الـ3 شخصيات المشوهة الوحشية بها إنما تدفعنا إلى لمس أوجاعنا وآلامنا الدفينة، وتفسير مخاوفنا وترقُّبنا تجاه ما هو آتٍ في طريقنا، وهو نفسه ما تفعله لوحات الفنان السوري داخلنا.

لوحة العائلة للفنان ماهر البارودي (الشرق الأوسط)

ولا يعبأ البارودي بهذا القبح في لوحاته، فيوضح: «لا أحتفي بالجمال في أعمالي، ولا أهدف إلى بيع فني. لا أهتم بتقديم امرأة جميلة، ولا مشهد من الطبيعة الخلابة، فقط ما يعنيني التعبير عن أفكاري ومشاعري، وإظهار المعاناة الحقيقية التي يمر بها البشر في العالم كله».

الخروف يكاد يكون مفردة أساسية في أعمال البارودي؛ فتأتي رؤوس الخرفان بخطوط إنسانية تُكسب المشهد التصويري دراما تراجيدية مكثفة، إنه يعتمدها رمزيةً يرى فيها تعبيراً خاصاً عن الضعف.

لبعض البشر وجه آخر هو الاستسلام والهزيمة (الشرق الأوسط)

يقول الفنان السوري: «الخروف هو الحيوان الذي يذهب بسهولة لمكان ذبحه، من دون مقاومة، من دون تخطيط للمواجهة أو التحدي أو حتى الهرب، ولكم يتماهى ذلك مع بعض البشر»، لكن الفنان لا يكتفي بتجسيد الخروف في هذه الحالة فقط، فيفاجئك به ثائراً أحياناً، فمن فرط الألم ومعاناة البشر قد يولد التغيير.