«انشالله ولد»... عندما تضع السينما الأردنيّة المرأة في عين العدسة وتتبنّى قضاياها

المخرج أمجد الرشيد: أنطلق من الواقع لأحثّ المجتمع على النقاش وطرح الأسئلة

يطرح الفيلم الأردني «انشالله ولد» مجموعة من القضايا الاجتماعية والقانونية المرتبطة بالمرأة العربية (صور المخرج)
يطرح الفيلم الأردني «انشالله ولد» مجموعة من القضايا الاجتماعية والقانونية المرتبطة بالمرأة العربية (صور المخرج)
TT

«انشالله ولد»... عندما تضع السينما الأردنيّة المرأة في عين العدسة وتتبنّى قضاياها

يطرح الفيلم الأردني «انشالله ولد» مجموعة من القضايا الاجتماعية والقانونية المرتبطة بالمرأة العربية (صور المخرج)
يطرح الفيلم الأردني «انشالله ولد» مجموعة من القضايا الاجتماعية والقانونية المرتبطة بالمرأة العربية (صور المخرج)

«نوال» امرأة عاديّة. ملامحها عاديّة، لغتها عاديّة، وكل ما فيها يمكن أن تتماهى معه نساءٌ عربيّاتٌ كثيرات. لكنّ ثقلَ حكايتها غير عاديّ على الإطلاق. بعد أن يفارق زوجها الحياة بشكلٍ مفاجئ، تصبح نوال مهدّدة بخسارة بيتها وطفلتها. يبدو كل مَن وما حولها متآمراً عليها، من قوانين الأحوال الشخصية المجحفة بحقّ النساء، إلى رجال العائلة الذين لا يرحمون ظرفها الأليم، وليس انتهاءً بأرباب عملها القُساة، ولا ما خلّفه زوجها من ديون وأسرار صادمة.

«سنسمح لكِ»...

«نوال» هي بطلة فيلم «انشالله ولد» للمخرج الأردني أمجد الرشيد، والذي ينافس على جائزة «السوسنة السوداء» في الدورة الخامسة من «مهرجان عمّان السينمائي الدولي»، عن فئة أفضل فيلم روائي طويل. يتحدّث الرشيد لـ«الشرق الأوسط» عن رحلته مع هذا الفيلم الطويل الأول في مسيرته، كاشفاً عن أن القصة التي كتبها وأخرجها مستوحاة من حادثة حقيقية حصلت مع إحدى نساء عائلته.

بعد وفاة زوجها، سمعت الأرملة وأمّ البنات من أهله أقسى العبارات: «طبقاً للقوانين، لنا نصيب من البيت حيث تعيشين، لكن سنسمح لك بأن تبقي فيه»، مع العلم بأنها كانت قد اشترته من مالها وسجّلته باسم زوجها. كان لجملة «سنسمح لك بالبقاء في بيتك» وقع الصاعقة على المخرج الشابّ، الذي بدأت تدور أسئلة كثيرة في رأسه. يقول الرشيد إنّ «فكرة الفيلم انطلقت من فرضيّة ماذا لو لم يسمحوا لها بالبقاء في منزلها».

المخرج والكاتب السينمائي الأردني أمجد الرشيد (صور المخرج)

قصص من الواقع

استحالَ هذا السؤال مَشاهدَ في مخيّلته فقرر تحويلها فيلماً، مضيفاً عناصر روائيّة منبثقة هي الأخرى من الواقع. يوضح أنه أجرى أبحاثاً كثيرة خلال عمليّة تطوير السرديّة، عن حالاتٍ مشابهة تتعرّض لها النساء في الأردن والعالم العربي. لم يتعمّد الرشيد صناعة فيلمٍ نسويّ وهو لا يصنّفه كذلك، بل يُدخله ضمن خانة الأفلام الاجتماعية التي تحكي قصصاً إنسانيّة.

إلّا أنّ «انشالله ولد» يضع قضايا المرأة في عين العدسة ويتبنّاها، رافعاً صوت النساء المظلومات والمقموعات. يُرجع الرشيد جزءاً من ذلك إلى ظروف تربيته، حيث كان محاطاً منذ الصغر بسيّداتٍ غالباً ما يحكين عن أحزانهنّ المرتبطة بالرجال.

الممثلة منى حوّا والطفلة سيلينا ربابة بشخصيتَي «نوال» وابنتها «نورا» (صور المخرج)

جرأة «لورين»

شخصية «لورين» مثلاً، وهي ابنة أرباب عمل «نوال»، تحمل في حكايتها قضايا شائكة وعلى لسانها مواقف حادّة وبالغة التحرّر والجرأة. فمن خلالها، يتطرّق الفيلم إلى مواضيع مثل الخيانة الزوجيّة، والطلاق، والإجهاض، والتعنيف الأسريّ. تكاد شخصيتها توازي أهميةً الشخصية الرئيسية، ويلفت المخرج الأردني في هذا السياق إلى أنّ «الكلام الذي تقوله لورين في الفيلم منقول بحذافيره عن أحاديث سمعتُها من نساء وصديقات حولي».

صحيحٌ أن «لورين» تمثّل الطبقة المتوسطة العليا في الأردن في حين تنتمي «نوال» إلى الطبقة الفقيرة، «لكن أياً تكن الخلفيّة الاجتماعية أو الثقافية أو الدينية للمرأة في مجتمعنا، فإنّ معاناتها واحدة والأغلال هي ذاتها»، وفق ما يقول الرشيد. في لحظةٍ حرجة من لحظات الفيلم، تجمع المصلحة المشتركة ما بين المرأتَين، إلّا أن تلك العلاقة لا تتحوّل أبداً صداقة، فهما تنتميان إلى عالمَين مختلفَين.

الممثلة يمنى مروان بشخصية «لورين» (صور المخرج)

«خلطة شاميّة»

أدّت شخصية «نوال» الممثلة الفلسطينية منى حوّا، أما «لورين» فمن تمثيل اللبنانية يمنى مروان. أتقنت الاثنتان أداءيهما وأظهرتا إمكانياتٍ استثنائيّة أمام الكاميرا. وقد تعمّد الرشيد تنويع هويّات الممثلين على أن يشكّلوا «خلطة شاميّة» تعكس تركيبة المجتمع الأردنيّ، بما فيها من أردنيّين وفلسطينيين ولبنانيين.

هذا التنوّع ميّز إنتاج الفيلم كذلك؛ إذ إنه أردنيّ - سعوديّ - قطريّ - مصريّ - فرنسيّ مشترك. كانت لكلٍ من الهيئة الملكيّة الأردنيّة للأفلام، وصندوق دعم الأفلام في الأردن، وصندوق البحر الأحمر السعودي، اليد الطولى في دعم الفيلم، إلى جانب عددٍ من شركات الإنتاج والمؤسسات التي تُعنى بالشأن السينمائي. يعلّق الرشيد قائلاً إنه فخور بكون فيلمه من إنتاجٍ عربيّ متعدّد الهويات.

أمجد الرشيد في كواليس تصوير «انشالله ولد» مطلع 2022 (صور المخرج)

أمنيات الفوز بـ«السوسنة»

في رصيد «انشالله ولد» حتى اليوم أكثر من 25 جائزة عربية وعالمية، وأكثر من 100 محطة في مهرجانات المنطقة والعالم، كما أنه مثّل الأردن في السباق إلى الأوسكار عام 2023. كان عرضُه العالميّ الأول في مهرجان «كان» العام الماضي، أما العرض العربي الأول فجرى في «مهرجان البحر الأحمر» السعودي في جدّة.

«أنا سعيد جداً بكل إنجازات الفيلم وبالجوائز التي حصدها، لكن للنجاح في بلدي نكهة مختلفة»، يجيب الرشيد رداً على سؤال حول توقّعاته بالفوز بجائزة «السوسنة السوداء». يتابع: «أتمنّى ذلك من قلبي فهذا يعني لي الكثير».

في رصيد «انشالله ولد» حتى الآن أكثر من 25 جائزة عربية وعالميّة (صور المخرج)

عروض عربية قريبة

الفيلم منبثقٌ عن المجتمع الأردني وهو يتوجّه إليه. يوضح المخرج أنه لم يرد توجيه رسائل من خلال عمله السينمائي، بل رغبَ في طرح الأسئلة التي تحثّ المجتمعَين الأردني والعربي عموماً على التفكير والنقاش؛ أسئلة مثل: «ألم يحِن الوقت لإعادة تقييم بعض العادات والتقاليد، لنرى ما إذا كانت ما زالت مناسبة لمجتمعاتنا العصريّة أم يجب تعديلها وتطويرها؟».

على الرغم من صراحة «انشالله ولد»، فإنّ الرشيد لا يحبّذ وصف نفسه أو فيلمه بالجريء. يفضّل القول إنه يعالج بصِدقٍ قصصاً طالعة من الواقع، من دون افتعال الجرأة. أما المشاهدون العرب الراغبون في اكتشاف الفيلم وما يخبّئ لغز عنوانه، فيعطيهم المخرج موعداً ابتداءً من منتصف هذا الشهر، انطلاقاً من دور العرض الأردنيّة وصولاً إلى المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومصر، وتونس.

يبدأ عرض الفيلم في الصالات العربية خلال هذا الصيف (صور المخرج)

على قدر فخره بفيلمه، يفتخر أمجد الرشيد بالسينما الأردنيّة التي، «ورغم كونها فتيّة، فإنها ترتكز إلى مواهب فريدة وقصص مميّزة ومواضيع مهمّة» وفق تعبيره. وكما يحلم لفيلمه بتكريمٍ في بلده، فإنه يحلم بمستقبل لامع للإنتاجات السينمائية الأردنية، من خلال أفلام محترفة وقادرة على المنافسة العالميّة.


مقالات ذات صلة

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)
سينما دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة.

محمد رُضا (لندن)

كيف تحوّل روتينك اليومي إلى مصدر «للفرح والرضا»؟

كشف مسح جديد أن واحداً من كل أربعة أميركيين يمر بنوبات من الملل مع روتينه (رويترز)
كشف مسح جديد أن واحداً من كل أربعة أميركيين يمر بنوبات من الملل مع روتينه (رويترز)
TT

كيف تحوّل روتينك اليومي إلى مصدر «للفرح والرضا»؟

كشف مسح جديد أن واحداً من كل أربعة أميركيين يمر بنوبات من الملل مع روتينه (رويترز)
كشف مسح جديد أن واحداً من كل أربعة أميركيين يمر بنوبات من الملل مع روتينه (رويترز)

يعتقد البعض أنه عليه الذهاب في إجازة باهظة، أو على الأقل الانتظار حتى انتهاء أسبوع العمل، للشعور بالسعادة والرضا الحقيقيين في الحياة. في الواقع، يمكنك أن تجد الفرح في روتينك اليومي، كما تقول المؤلفة وخبيرة اتخاذ القرارات السلوكية كاسي هولمز، بحسب تقرير لشبكة «سي إن بي سي».

وفقاً لمسح حديث أجري على ألفين من سكان الولايات المتحدة، يمر واحد من كل أربعة أميركيين بنوبات من الملل مع روتينه. لمكافحة ذلك، تقول هولمز لنفسها عبارة بسيطة في اللحظات التي تدرك فيها أنها غير مهتمة: «احسب الوقت المتبقي».

على سبيل المثال، كانت هولمز تأخذ ابنتها في مواعيد لشرب الشاي منذ أن كانت في الرابعة من عمرها. بعد خمس سنوات، يمكن أن تبدو جلسات التسكع وكأنها مهمة روتينية.

قالت هولمز: «الآن أصبحت في التاسعة من عمرها، لذلك ذهبنا في الكثير من المواعيد في الماضي... لكن بعد ذلك، فكرت، (حسناً، كم عدد المواعيد المتبقية لنا)؟».

بدلاً من الانزعاج من النزهات المتكررة، بدأت في حساب عدد الفرص المتبقية لها للاستمتاع قبل أن تكبر ابنتها وتنتهي أوقات الترابط هذه.

أوضحت هولمز، التي تبحث في الوقت والسعادة «في غضون عامين فقط، سترغب في الذهاب إلى المقهى مع أصدقائها بدلاً مني. لذا سيصبح الأمر أقل تكراراً. ثم ستذهب إلى الكلية... ستنتقل للعيش في مدينة أخرى».

ساعدها حساب الوقت المتبقي لها في العثور على «الفرح والرضا» في المهام الروتينية.

«الوقت هو المورد الأكثر قيمة»

إلى جانب مساعدتك في العثور على السعادة، قالت هولمز إن التمرين السريع يدفعها إلى إيلاء اهتمام أكبر لكيفية قضاء وقتها. لم تعد تستخف بالنزهات مع ابنتها -بدلاً من ذلك، تسعى إلى خلق المحادثات والتواصل الفعال، وهو أمر أكثر أهمية.

من الأهمية بمكان ما أن تفعل الشيء نفسه إذا كنت تريد تجنب الشعور بالندم في المستقبل، وفقاً لعالم النفس مايكل جيرفيس.

وشرح جيرفيس لـ«سي إن بي سي»: «الوقت هو المورد الأكثر قيمة لدينا... في روتين الحياة اليومي، من السهل أن تخرج عن التوافق مع ما هو الأكثر أهمية بالنسبة لك. لكن العيش مع إدراكنا لفنائنا يغير بشكل أساسي ما نقدره وكيف نختار استخدام وقتنا».

وأضاف: «إن تبنّي حقيقة أننا لن نعيش إلى الأبد يجعل قيمنا في بؤرة التركيز الحادة. بمجرد إدراكك أن الوقت هو أغلى السلع على الإطلاق، فلن يكون هناك انقطاع بين الخيارات التي تريد اتخاذها وتلك التي تتخذها بالفعل».