مصر: جدل حول تأجيل موعد افتتاح «القومي للمسرح»

رئيس المهرجان محمد رياض لـ«الشرق الأوسط»: أنا مسؤول عن القرار

بوستر الدورة الـ17 للمهرجان القومي للمسرح (إدارة المهرجان)
بوستر الدورة الـ17 للمهرجان القومي للمسرح (إدارة المهرجان)
TT

مصر: جدل حول تأجيل موعد افتتاح «القومي للمسرح»

بوستر الدورة الـ17 للمهرجان القومي للمسرح (إدارة المهرجان)
بوستر الدورة الـ17 للمهرجان القومي للمسرح (إدارة المهرجان)

أثار التأجيل المفاجئ لموعد انطلاق الدورة الـ17 من المهرجان القومي للمسرح جدلاً واسعاً بين المسرحيين في مصر.

وكان من المقرر أن تبدأ أعمال الدورة الجديدة التي تحمل اسم الفنانة سميحة أيوب يوم 15 يوليو (تموز) الجاري، لكن إدارة المهرجان قررت تأجيلها لنحو أسبوعين لتبدأ يوم 30 يوليو وتنتهي في 15 أغسطس (آب) المقبل.

وبينما أعرب عدد من النقاد والمهتمين بالشأن المسرحي عن «استيائهم الشديد» من قرار التأجيل لاعتبارات عدة منها «غياب الشفافية» و«حالة الارتباك»؛ فإن مسؤولي المهرجان دافعوا عن قرارهم معتبرين أنه يصب في صالحه.

وقال الناقد المسرحي يسري حسان إن «الالتزام الصارم بالموعد السنوي المعلن مسبقاً هو من أبجديات المهرجانات الكبرى التي تتسم بالأصالة والتقاليد العريقة، لكن المسؤولين لم يراعوا ذلك وهم يتخذون هذا القرار غير المفهوم والمثير للأسف» وفق تعبيره، مضيفاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «ما زاد الطين بلة هو حالة الغموض التي رافقت قرار التأجيل، فلا وزير الثقافة الجديد الدكتور أحمد هنو ولا رئيس المهرجان أصدرا بياناً، وهذا أمر في غاية السوء ويعبر عن الاستهتار بجموع المسرحيين».

محمد رياض رئيس المهرجان (إدارة المهرجان)

في المقابل، دافع الفنان محمد رياض، رئيس المهرجان، عن قرار التأجيل، مستنكراً الهجوم عليه وانتقاده. وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «المسؤول الوحيد عن التأجيل». وأضاف: «كل فعاليات المهرجان من ورش عمل وندوات مستمرة وفق خطتها المرسومة المعتادة، وكل ما هنالك أنني قررت تأجيل حفل الافتتاح 15 يوماً فقط؛ لأسباب لست مطالباً بالإفصاح عنها».

وتابع: «استأذنت وزير الثقافة في القرار، وهو قال إنني رئيس المهرجان والأدرى بتفاصيله».

وتساءل رياض: «أليس من حقي كرئيس للمهرجان أن أديره بالشكل الذي يخصني وفق معطيات وظروف أنا على دراية بتفاصيلها؟!».

وتتكون اللجنة العليا للمهرجان في دورته الجديدة من الفنان محمد رياض «رئيساً»، والفنان ياسر صادق مديراً للمهرجان، أما أعضاء اللجنة فهم: السينارست مدحت العدل، والكاتب وليد يوسف، والفنان نضال الشافعي، والمخرج إسلام إمام، والكاتبة الصحافية علا الشافعي، والناقدة عبلة الرويني.

ويعد المهرجان القومي للمسرح أكبر ملتقى للمسرحيين في مصر، وتنظمه سنوياً وزارة الثقافة، ويعود تاريخ تأسيسه إلى عام 2006 على يد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني. وحملت الدورة الـ16 من المهرجان اسم الزعيم عادل إمام وتصدرت صورته منشوراته، في حين تم تكريم عدد كبير من الفنانين أبرزهم صلاح عبد الله، ورياض الخولي، وخالد الصاوي، ورشدي الشامي، ومحمد أبو داود، ومحمد محمود.

جانب من إحدى جلسات العمل الخاصة بالمهرجان (إدارة المهرجان)

واعتبر المؤرخ والمخرج المسرحي الدكتور عمرو دوارة «تأجيل المهرجان بداعي الرغبة في ظهور الدورة الجديدة بصورة أفضل، أمراً غير مفهوم»، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «المسؤولين عن الدورة الجديدة يعرفون بأمرها منذ عام كامل مضى، وليس مفهوماً أن يأتوا الآن في هذا التوقيت ليقولوا إنهم ما زالوا في حاجة إلى المزيد من الوقت».

وأضاف الدكتور دوارة: «هناك تداعيات سلبية وراء التأجيل سوف تشمل الفرق المشاركة وارتباطات العاملين بها؛ إذ سيعاني الوسط المسرحي كله من الارتباك الناجم عن قرار التأجيل الذي لم يعتذر عنه أحد أو يشرح ملابساته» وفق تعبيره.

وسيكرم المهرجان خلال حفل افتتاحه 10 مسرحيين، من بينهم الفنانون: أحمد بدير، وأسامة عباس، وأحمد آدم، وسلوى محمد علي، وأستاذة المسرح نجوى عانوس، والدكتور ومخرج الأوبرا عبد الله سعد، والمنتج والمؤلف أحمد الإبياري، والفنان حسن العدل، ومصمم الاستعراضات الدكتور عاطف عوض.


مقالات ذات صلة

حضور مصري لافت في مهرجان ظفار المسرحي بعمان

يوميات الشرق تكريم إلهام شاهين في حفل افتتاح مهرجان ظفار للمسرح (إدارة المهرجان)

حضور مصري لافت في مهرجان ظفار المسرحي بعمان

يشهد مهرجان ظفار الدولي للمسرح بسلطنة عمان، حضوراً مصرياً لافتاً في نسخته الأولى، المقامة حتى التاسع من شهر أكتوبر الحالي، بمسرح المروج.

«الشرق الأوسط» (ظفار (عمان))
ثقافة وفنون «المسرح الألماني المضاد»... رد الاعتبار لتجربة راينر فاسبندر

«المسرح الألماني المضاد»... رد الاعتبار لتجربة راينر فاسبندر

رغم وفاته في سن السادسة والثلاثين، فإن الكاتب المسرحي والمخرج السينمائي والممثل الألماني راينر فيرنر فاسبندر (1945 - 1982) ترك وراءه كنزاً من الإبداع

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق فريق العمل خلال البروفة التحضيرية (المسرح القومي)

يحيى الفخراني يُعيد «الملك لير» إلى المسرح القومي المصري

يعود الفنان المصري الكبير يحيى الفخراني للوقوف على خشبة المسرح مجدداً عبر إعادة تقديم رائعة ويليام شكسبير «الملك لير»، التي ستعرض على خشبة المسرح القومي بالقاهر

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الممثلة اللبنانية ندى أبو فرحات (إنستغرام)

ندى أبو فرحات من قلب بيروت... مسرح تحت القصف

النيران تسيّج المدينة، ونارٌ من نوعٍ آخر تتّقد على خشبات مسارحها. «في انتظار بوجانغلز» جزء من هذه الفورة المسرحية البيروتية، وبطلتها الممثلة ندى أبو فرحات.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق التمرين على تقديم عروض يتواصل (مسرح شغل بيت)

«مسرح شغل بيت» يحتفل بـ8 سنوات على ولادته

تُعدّ الاحتفالية حصاد 8 سنوات من العمل والاجتهاد، خلالها قدّم «مسرح شغل بيت» نحو 40 عملاً توزّعت على أيام تلك السنوات عروضاً شهرية استمرت طوال أزمات لبنان.

فيفيان حداد (بيروت)

الصحة النفسية أولى ضحايا الحرب... ما وسائل إنقاذها؟

طفلة نازحة إلى أحد شوارع بيروت بعد أولى ليالي القصف الإسرائيلي على الضاحية (د.ب.أ)
طفلة نازحة إلى أحد شوارع بيروت بعد أولى ليالي القصف الإسرائيلي على الضاحية (د.ب.أ)
TT

الصحة النفسية أولى ضحايا الحرب... ما وسائل إنقاذها؟

طفلة نازحة إلى أحد شوارع بيروت بعد أولى ليالي القصف الإسرائيلي على الضاحية (د.ب.أ)
طفلة نازحة إلى أحد شوارع بيروت بعد أولى ليالي القصف الإسرائيلي على الضاحية (د.ب.أ)

في أحد مشاهد الفيلم التوثيقي «من المسافة صفر» الذي جرى تصويره تحت القصف في غزة، تصعد فتاة إلى سطح بيتها وترقص فيما السمّاعات على أذنيها، تردّ عنها هدير الطائرات الإسرائيلية المحلّقة فوق رأسها.

لكلٍ أسلوبه في التصدّي للحروب. منهم مَن يرقص ويغنّي، ومنهم مَن يعبّر كتابةً أو كلاماً، في وقتٍ يلوذ آخرون بالصمت ويبتلعون الصدمة تلو الأخرى.

لكن مهما تعدّدت أساليب ترويضها، تبقى «الحروب من أقسى الأحداث التي يمرّ بها الفرد والمجتمع، وهي تترك آثاراً كبيرة على الصحتَين النفسية والجسدية»، وفق ما تشير الاختصاصية في علم النفس العيادي باسكال نخلة في حديث مع «الشرق الأوسط».

يصنّف علم النفس الحروب كأقسى تجارب ممكن أن يمرّ بها البشر (أ.ف.ب)

يتلاقى كلام نخلة والأرقام الواردة من أوكرانيا إلى «المنتدى الاقتصادي العالمي» قبل 5 أشهر. فالحرب الروسية أدّت إلى ارتفاع عدد مرضى السكّري الأوكرانيين بنسبة 20 في المائة، كما تزايدت النوبات القلبية في صفوفهم بنسبة 16 في المائة، أما الجلطات الدماغية فارتفعت بنسبة 10 في المائة. وتلفت إحصائيات المنتدى إلى أنّ 57 في المائة من الأفراد غير المتأثرين مباشرةً بالحرب، أي المتواجدين في أماكن بعيدة نسبياً عن القصف، يواجهون صعوبات في أداء واجباتهم اليومية بسبب القلق العاطفي الذي يصيبهم.

(أرقام المنتدى الاقتصادي العالمي 2024)

تشرح نخلة كيف أن الحرب، بما فيها من أصواتٍ مرعبة ومشاهد دمارٍ وموت، تنعكس «خوفاً وقلقاً وصدمةً وغضباً على البشر، ما قد يعرّضهم للاكتئاب وللقلق المزمن ولاضطرابات ما بعد الصدمة، إلى جانب مواجهة صعوبة في التركيز، ومشكلات في النوم، ونوبات هلع». وقد أثبتت الدراسات على مرّ العصور والحروب أنّ المدنيين يعانون من تفاقم الأعراض النفسية، ولا يقتصر الضرر على مَن خسروا أحبّة لهم أو على من اضطرّوا إلى النزوح عن منازلهم، بل ينسحب على مَن هم في أمانٍ نسبيّ والذين يشعرون بذنبِ هذا الأمان، وكذلك بالخطر الذي قد يداهمهم في أي لحظة.

في مراكز الإيواء التي نزحت إليها العائلات اللبنانية الهاربة من النيران الإسرائيلية جنوباً، غالباً ما تشتكي الأمهات من تبدّلاتٍ صادمة في تصرّفات أولادهنّ وردود أفعالهم. يتحدّثن لـ«الشرق الأوسط» عن بكاءٍ متواصل وعن أطفالٍ يستفيقون ليلاً بحالة ذعر وصراخ. تفسّر نخلة الأمر بالقول إنّ «أكثر الفئات تأثراً بالحروب هم الأطفال والمراهقون لأنّ شخصياتهم ما زالت في طور النموّ ولم تكتمل بعد، ما يجعلهم عرضةً لاضطرابات النوم والانعزال الاجتماعي والصعوبة في التعبير عن مشاعرهم».

أكثر الفئات عرضة للأذى النفسي بسبب الحرب هم الأطفال والمراهقون (رويترز)

أما الأجيال الأكبر سناً فعرضة «لحالات نفسية معقّدة أكثر من سواهم، لأنّ لديهم تراكمات من تجارب سابقة مشابهة لم تجرِ معالجتها»، تشرح الاختصاصية النفسية. في المقابل، يتميّز الجيل الصاعد بوَعيِه إلى أهمية الصحة النفسية، ما قد يقيه الصدمات إلى حدٍ ما.

تتعدّد الفئات المتأثرة بالحرب إذاً ويتفاوت عمق الندوب النفسية، مع تفاوت الأعمار والتجارب والأماكن الجغرافية. لكن المؤكّد أنّ التعامل مع الضغوط النفسية الناجمة عن الحرب ضروري، أكان بمجهودٍ فرديّ أو من خلال الاستعانة بالعلاج النفسي المتخصص.

سيدة من جنوب لبنان نزحت إلى أحد مراكز الإيواء (د.ب.أ)

في ظلّ ما يمرّ به اللبنانيون من ظرفٍ استثنائيّ وفائق الصعوبة، تنطلق نخلة من عبارةٍ بسيطة لكن ذات معنى عميق: «ما يحصل غير طبيعي وغير شرعي، لكن كل ما يشعر به المواطن اللبناني نفسياً حياله طبيعي وشرعي». أهمّ ما في الأمر عدم إهمال الآلام النفسية التي تتسبب بها الحرب وعدم نكرانها، بل الاعتراف بها. أما السبل المتاحة للتعامل معها فكثيرة.

كُن لطيفاً مع نفسك

تنصح نخلة بالتعبير عن المشاعر كلاماً أو كتابةً، إلى جانب التحدّث إلى أشخاص هم محطّ ثقة؛ قد يكونون أصدقاء أو أفراداً من العائلة. هذا جزء من الإقرار بالتعب النفسي وعدم تجاهله، بل تقبّله من دون إطلاق أحكامٍ هدّامة أو لوم النفس. فالتعامل بلطفٍ مع الذات ومنحُها الحقّ بالشعور بالقلق والخوف يشكّلان مدخلاً لتحسين الحالة النفسية في ظلّ الحرب.

الاختصاصية في علم النفس العيادي باسكال نخلة (الشرق الأوسط)

خفّف من متابعة الأخبار

من بين الخطوات الأساسية كذلك، التخفيف من الاستهلاك المتواصل للأخبار. هذا لا يعني الامتناع كلياً عن متابعة التطوّرات، لكن يجب وضع ضوابط لذلك، لا سيّما عندما يتعلّق الأمر بكثافة المعلومات الواردة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي قد تكون أحياناً مضلّلة.

تنفّس عميقاً

ربّما يبدو الأمر مستحيلاً وسط أصوات القصف وأزيز الطيران، لكنّ محاولة ممارسة تقنيات الاسترخاء وإن لـ5 أو 10 دقائق تعود بفائدة نفسية كبيرة. تعدّد نخلة من بين تلك التقنيات التأمّل، والتنفّس العميق، واليوغا. وتضيف أنّ «الحركة الجسدية كالمشي وممارسة الرياضة الخفيفة تساعد كذلك في ضبط القلق ومعالجة المشاعر المكبوتة».

نازحات يتابعن أخبار الحرب في لبنان على هواتفهنّ (أ.ب.)

الروتين المفيد

تذكّر نخلة بأهمية «الحفاظ على روتين يوميّ ضمن الإمكانيات المتاحة». يحصل ذلك من خلال تكريس بعض الوقت للعناية بالذات، كتخصيص نصف ساعة يومياً للمشي في الهواء الطلق، ومحاولة تثبيت مواعيد تناول الطعام، وإطفاء الهاتف قبل ساعة من الخلود إلى النوم.

فكّر بغيرك

من السلوكيّات البشريّة التي تساعد على تخطّي الحرب بأقلّ أضرار نفسية ممكنة، الانخراط في المساعدة الاجتماعية. فمدّ يد العون إلى الفئات الأكثر تضرُراً يمنح شعوراً بالاكتفاء والرضا عن الذات. لذلك فإنّ علم النفس ينصح مَن هم قادرون على فعل ذلك بأن يتطوّعوا لإعانة النازحين أو أهالي الضحايا، أو على الأقلّ بأن يقدّموا ما يستطيعون من مساعدات وتبرّعات.

التطوّع في خدمة الفئات الأكثر تضرراً يعود بفائدة نفسية كبيرة (أ.ب)

العلاج النفسي أوّلاً وأخيراً

تلفت الأخصائية النفسية باسكال نخلة إلى أنّ «مشاهدة القصف والدمار والتعرّض للأصوات العنيفة يولّدان حالة من التأهّب وبالتالي ضغطاً على العضلات وآلاماً جسدية». وهي تشدّد في هذا السياق على أنّ «العلاج النفسي والسلوكي ضروري حتى لمَن ليسوا في أماكن الخطر». من هنا أهمّية خلايا الدعم النفسي التي تنشط في ظل الحرب، وتقدّم استشاراتٍ مجانية لمَن هم بحاجة إليها.

لكن لعلّ أبرز ما تذكّر به نخلة هو ضرورة تصويب سرديّة الصمود التي اقتاتت عليها أجيالٌ متعاقبة من اللبنانيين. فالصمود، في المفهوم النفسيّ، ليس التأقلم مع الظروف القاهرة ولا اعتماد النكران والتجاهل للمصائب المحيطة. الصمود، وفق ما تعرّفه الأخصائية النفسية، هو «نموّ ما بعد الصدمة أي محاولة النهوض والازدهار من جديد». وقد تكون باكورة الصمود مجرّد تذكير الذات بأنه لا حرب تدوم وبأنّ لكل محنةٍ نهاية.