باربي في سن الـ65... أحلام الصغيرات وذكريات الكبيرات

معرض لندن يستكشف عالم الدمية وارتباطه بعالم التصميم والموضة

«باربي» رقم 1 عام 1959 (ماتيل)
«باربي» رقم 1 عام 1959 (ماتيل)
TT

باربي في سن الـ65... أحلام الصغيرات وذكريات الكبيرات

«باربي» رقم 1 عام 1959 (ماتيل)
«باربي» رقم 1 عام 1959 (ماتيل)

بعد الضجة التي أحدثها فيلم عنها، العام الماضي، تعود الدمية الرشيقة باربي لتروي قصتها، هذه المرة عبر معرض شامل يقيمه «متحف التصميم» (ديزاين ميوزيام) بلندن. هنا رؤية مختلفة للدمية التي أكملت عامها الـ65، نتابعها منذ بدايتها، ونرى مراحل صناعتها، وتأثيرها على أهم صيحات الموضة والتصميم والتيارات الاجتماعية المختلفة وتأثرها بهم. تتخطى «باربي» في هذا المعرض كونها الدمية التي تحلم بها الصغيرات، فهي هنا نتيجة حلم صانعتها روث هاندلر التي غزت العالم، أصبحت محور صناعة بأكملها، وهنا في قاعات العرض نرى كل ذلك عبر 180 دمية سجَّلت كيف تحولت الدمية من لعبة بسيطة للبنات لتصبح شاهدة على تطورات الحياة في القرن العشرين.

«باربي» رقم 1 عام 1959 (ماتيل)

ولادة «باربي»

في القاعة الأولى للعرض نرى نسخة من أول إصدار لـ«باربي»، الدمية الأصلية بلباس البحر المخطط بالأبيض والأسود في صندوق زجاجي، تقف سيدة خمسينية تنظر إلى الدمية بابتسامة، وتطلب التقاط صورة لها إلى جانبها، ثم تقول: «لم يكن لدي (باربي) في طفولتي، فأنا من جنوب آسيا، ولم تكن الدمية متوفرة في أسواقنا وقتها». ورغم ذلك ظلت الدمية حلماً لتلك السيدة. بدا من ملامحها سعادة الطفلة الصغيرة التي بداخلها، وهي ترى الدمية الشهيرة بجميع نسخها تُعرَض أمامها. تلك السعادة بدت في حضور العرض أيضاً الذي تكون أغلبه من السيدات، حيث دارت بينهن أحاديث مرحة، وسُمِعت الضحكات اللطيفة، ما منح العرض إحساساً بالدفء، فكأن العرض داعب ذكرياتهن، وأعادهن لتلك اللحظات البسيطة في طفولة بعيدة حيث كان الدمية رفيقة الصحو والمنام.

نسخ من دمية باربي في المعرض المقام بـ«متحف التصميم» (ديزاين ميوزيام) في لندن (أ.ف.ب)

في القاعة الثانية، نهبط من السحابة الوردية التي تربعت عليها النسخة الأولى من «باربي»، لنرى مراحل الصناعة والتصميم المختلفة خلف الدمية، نرى عرضاً لأول شريط أُذيع في التلفزيون الأميركي للدعاية عن «باربي»، ثم فيلماً وثائقياً عن صناعة أول مجموعة من الدمى في مصنع باليابان عام 1958 يعرض تفاصيل صناعة أجزاء الدمية البلاستيك وحياكة الملابس وصناعة الشعر. تشير معلومة في ملصق على الحائط إلى الإقبال وقتها على شراء الدمية، حيث بيع منها نحو 300 ألف نسخة في عام 1958. سنوات قليلة من النجاح شهدت تطورات في صناعة «باربي»، حيث تعددت تصميمات القطع المكملة للدمية، واتخذت أشكالاً مختلفة لتلائم خيال الأطفال في اللعب. وسرعان ما أطلقت خطوطاً من القطع المكملة، وظهرت الدمية في الكتب، وظهر شعارها على القطع المختلفة. يظهر العرض كيف تحولت «باربي» من الدمية الجامدة (نعرف أن النسخة الأولى المعروضة هنا بها ثقوب في قدمَي الدمية لتثبيتها على حامل) إلى الدمية المتحركة التي يمكن تحريكها، وتخيُّلها وهي ترقص، وتلعب الرياضة، وتدفع بعربة أطفال أمامها، وتعزف على الغيتار، وأمامنا نماذج من كل تلك الشخصيات التي نجحت في تحريك مخيلة الأطفال وتمكينهم من تخيل أنفسهم في أدوار مختلفة.

يشير العرض إلى أن شركة «ماتيل»، المنتجة للدمية، قد كلفت جامعة كارديف في عام 2022 بإجراء دراسة على تأثير النسخ المختلفة من الدمية على قدرة الأطفال على لعب شخصيات مختلفة، وأفادت الدراسة بأن تقمص الشخصيات المختلفة له تأثير في التطور الاجتماعي والعاطفي للأطفال.

منازل «باربي»

مع كل تطور للدمية كان هناك حاجة أكبر لترجمة العالم الخيالي لها؛ فالدمية لها أخت صغرى اسمها «سكيبر دول»، ولها صديق اسمه «كن» وصديقات مختلفات، ولكن أين يعيش كل هؤلاء؟ في القاعة التالية يفرد المعرض تفاصيل العالم المصنوع من البلاستيك والورق المقوى الملون الذي شكَّل عالم الدمية الشهيرة. عالم «باربي» هنا على سذاجة وبساطة صناعته، ارتبط إلى حد بعيد بتطورات أخرى في عالم التصميم، من تصميم المفروشات التي نرى قطعاً منها في بيت «باربي». الهياكل البلاستيكية التي تشكل بيوت «باربي» المختلفة. هنا تظهر حياة متخيَّلة للدمية وأصدقائها؛ غرف نوم مصغرة وغرف معيشة وحدائق مكملة بإكسسوارات منزلية وقطع أخرى مثل السيارات والدراجات النارية، كل تلك القطع صُنعت بحسب الطرز السائدة في وقتها.

بيت أحلام «باربي» 1979 (ماتيل)

يتصدر القاعة نموذج نادر لأول بيت صنع للدمية، وأطلق عليه اسم «باربي دريم هاوس» (بيت الأحلام) أُطلق في عام 1962. وصُنِع من الورق المقوى، وعكس التصميم الحديث الدارج للمنازل في ذلك الوقت. نرى هنا أيضاً أول سيارة لـ«باربي» أيضاً صنع عام 1962، إضافة إلى «بيت الأحلام»، نرى هنا نماذج لأماكن أخرى تعيش فيها الدمية في سفرها. على سبيل المثال، هنا كوخ التزلج وسفينة فضائية لرائدة الفضاء «باربي». في كل تصميم نرى انعكاسات للأذواق والتصميمات السائدة، ومن أهمها الأزياء، وهو موضوع القاعة التالية.

«باربي» والموضة

ما داعب خيال الصغيرات في دميتهم المفضلة إمكانية إلباسها الفساتين والحقائب وتغيير القطع بحسب ما يردن. ولكن ملابس «باربي» ليست مجرد قطع من القماش الملون وبعض الشرائط والبلاستيك، بل هي أيضاً مستوحاة من آخر صيحات الموضة في وقتها، وهو ما نرى نماذج له في كل دمية موجودة في العرض؛ فالأزياء كانت، ولا تزال، جانباً مهماً في كل دمية وعالمها. ولكن هناك جانب آخر لأزياء «باربي»، وهو أنها كانت ملهمة في بعض الأوقات لتصاميم حقيقية، فمن ينسى أزياء النجمة مارغو روبي بطلة فيلم «باربي» التي حولت أزياء الدمية لحقيقة عبر ارتدائها لنسخ من تصاميم شهيرة ظهرت على الدمية البلاستيكية من قبل؟! وفي العرض أيضاً نسخة من زي ارتدته المغنية الأميركية بيلي آيليش، وهو فستان باللون الأخضر مع سترة طويلة وإيشارب زهري اللون على الرأس، هذا الذي ظهرت به الدمية في عام 1965.

من جانب آخر، يسلط العرض الضوء على تعاون مصممي الأزياء العالميين مع ماركة «باربي» وتصميم الأزياء خصوصاً لها، مثل زي من تصميم أوسكار دي لا رينتا، وهو الأول في قائمة من المصممين الذين صمموا خصوصاً للدمية. وسيتمكن الزوار من تتبع الصور المتغيرة للأزياء السائدة على مدار السنوات الـ65 الماضية من خلال المعرض، وسيشاهدون تأثير المصممين - من كلير مكارديل وكريستيان ديور، إلى نولان ميلر وزاك بوسن - على اختيارات أزياء «باربي».

باربي والأزياء (المتحف)

أما شعر «باربي»، فله ركن خاص مكتمل بثريا مصنوعة من الشعر الأشقر الذي اشتهرت به الدمية، وعبر مجموعة من الدمى يسرد العرض قصة تطور تسريحات وألوان وقصات شعر الدمية التي واكبت آخر الصيحات؛ بداية من ذيل الحصان الأشقر أو الأسود إلى قصة شعر اشتهرت بها جاكلين كينيدي والشعر المجعَّد المنفوش أو المنسدل بكثافة على الكتفين.

يضم العرض أيضاً «باربي راكبة الأمواج» (سانسيت ماليبو باربي) التي حظيت بشعبية كبيرة في السبعينات، و«باربي ذات الشعر الطويل» التي طُرحت عام 1992، وتتميز بشعرها الطويل، وكانت النموذج الأكثر مبيعاً في العالم (10 ملايين نسخة).

وضمن الـ180 «باربي» في العرض نرى أيضاً أول «باربي» سوداء، وأول «باربي» من أصل لاتيني، وأول «باربي» آسيوية، وأول دمية «باربي» مصابة بمتلازمة داون، وأول «باربي» على كرسي متحرك. وفي العرض «دمية باربي الوحيدة التي ذهبت إلى الفضاء»، وقد صُممت لتشبه الإيطالية سامانتا كريستوفوريتي، أول أوروبية تتولى قيادة محطة الفضاء الدولية. وقد اصطحبت الدمية معها إلى المحطة لـ6 أشهر.

* معرض «باربي» في «ديزاين ميوزيام» من 5 يوليو (تموز) إلى فبراير (شباط) 2025


مقالات ذات صلة

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

يوميات الشرق جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

احتفل فن أبوظبي بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم.

عبير مشخص (أبوظبي)
يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
لمسات الموضة كان حب إيلي صعب الإنسان الخيط الذي جمع كل الفنانين الذين حضروا الاحتفالية (رويترز)

5 أشياء تدين بها صناعة الموضة العربية لإيلي صعب

المهتمون بالموضة، من جهتهم، يكنون له الاحترام، لرده الاعتبار لمنطقة الشرق الأوسط بوصفها تملك القدرة على الإبهار والإبداع.

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق إحدى لوحات معرض «يا عم يا جمّال» (الشرق الأوسط)

«يا عم يا جمّال»... معرض قاهري يحاكي الأغاني والأمثال الشعبية

يحاكي الفنان التشكيلي المصري إبراهيم البريدي الأمثال والحكايات والأغاني والمواويل الشعبية المرتبطة بالجمل في التراث المصري والعربي.

حمدي عابدين (القاهرة )

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
TT

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)

وجدت دراسة جديدة، أجراها فريق من الباحثين في كلية الطب بجامعة نورث وسترن الأميركية، أن الأجزاء الأكثر تطوراً وتقدماً في الدماغ البشري الداعمة للتفاعلات الاجتماعية -تسمى بالشبكة المعرفية الاجتماعية- متصلة بجزء قديم من الدماغ يسمى اللوزة، وهي على اتصال باستمرار مع تلك الشبكة.

يشار إلى اللوزة تُعرف أيضاً باسم «دماغ السحلية»، ومن الأمثلة الكلاسيكية لنشاطها الاستجابة الفسيولوجية والعاطفية لشخص يرى أفعى؛ حيث يصاب بالذعر، ويشعر بتسارع ضربات القلب، وتعرّق راحة اليد.

لكن الباحثين قالوا إن اللوزة تفعل أشياء أخرى أكثر تأثيراً في حياتنا.

ومن ذلك ما نمر به أحياناً عند لقاء بعض الأصدقاء، فبعد لحظات من مغادرة لقاء مع الأصدقاء، يمتلئ دماغك فجأة بأفكار تتداخل معاً حول ما كان يُفكر فيه الآخرون عنك: «هل يعتقدون أنني تحدثت كثيراً؟»، «هل أزعجتهم نكاتي؟»، «هل كانوا يقضون وقتاً ممتعاً من غيري؟»، إنها مشاعر القلق والمخاوف نفسها، ولكن في إطار اجتماعي.

وهو ما علّق عليه رودريغو براغا، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب بكلية فاينبرغ للطب، جامعة نورث وسترن، قائلاً: «نقضي كثيراً من الوقت في التساؤل، ما الذي يشعر به هذا الشخص، أو يفكر فيه؟ هل قلت شيئاً أزعجه؟».

وأوضح في بيان صحافي صادر الجمعة: «أن الأجزاء التي تسمح لنا بالقيام بذلك توجد في مناطق الدماغ البشري، التي توسعت مؤخراً عبر مسيرة تطورنا البشري. في الأساس، أنت تضع نفسك في عقل شخص آخر، وتستنتج ما يفكر فيه، في حين لا يمكنك معرفة ذلك حقّاً».

ووفق نتائج الدراسة الجديدة، التي نُشرت الجمعة في مجلة «ساينس أدفانسز»، فإن اللوزة الدماغية، بداخلها جزء محدد يُسمى النواة الوسطى، وهو مهم جدّاً للسلوكيات الاجتماعية.

كانت هذه الدراسة هي الأولى التي أظهرت أن النواة الوسطى للوزة الدماغية متصلة بمناطق الشبكة المعرفية الاجتماعية التي تشارك في التفكير في الآخرين.

لم يكن هذا ممكناً إلا بفضل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهي تقنية تصوير دماغ غير جراحية، تقيس نشاط الدماغ من خلال اكتشاف التغيرات في مستويات الأكسجين في الدم.

وقد مكّنت هذه المسوحات عالية الدقة العلماء من رؤية تفاصيل الشبكة المعرفية الاجتماعية التي لم يتم اكتشافها مطلقاً في مسوحات الدماغ ذات الدقة المنخفضة.

ويساعد هذا الارتباط باللوزة الدماغية في تشكيل وظيفة الشبكة المعرفية الاجتماعية من خلال منحها إمكانية الوصول إلى دور اللوزة الدماغية في معالجة مشاعرنا ومخاوفنا عاطفياً.

قالت دونيسا إدموندز، مرشح الدكتوراه في علم الأعصاب بمختبر «براغا» في نورث وسترن: «من أكثر الأشياء إثارة هو أننا تمكنا من تحديد مناطق الشبكة التي لم نتمكن من رؤيتها من قبل».

وأضافت أن «القلق والاكتئاب ينطويان على فرط نشاط اللوزة الدماغية، الذي يمكن أن يسهم في الاستجابات العاطفية المفرطة وضعف التنظيم العاطفي».

وأوضحت: «من خلال معرفتنا بأن اللوزة الدماغية متصلة بمناطق أخرى من الدماغ، ربما بعضها أقرب إلى الجمجمة، ما يسهل معه استهدافها، يمكن لتقنيات التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة استهداف اللوزة الدماغية، ومن ثم الحد من هذا النشاط وإحداث تأثير إيجابي فيما يتعلق بالاستجابات المفرطة لمشاعر الخوف والقلق».