تينا يمّوت: «النوستالجيا» تعيدنا إلى الأعمال القديمة

تتحدّث لـ«الشرق الأوسط» عن «عيون السود» تكريماً لصباح وعبد الحليم

تُكرّم في «عيون السود» صباح وعبد الحليم حافظ (صور تينا يمّوت)
تُكرّم في «عيون السود» صباح وعبد الحليم حافظ (صور تينا يمّوت)
TT

تينا يمّوت: «النوستالجيا» تعيدنا إلى الأعمال القديمة

تُكرّم في «عيون السود» صباح وعبد الحليم حافظ (صور تينا يمّوت)
تُكرّم في «عيون السود» صباح وعبد الحليم حافظ (صور تينا يمّوت)

تُشكّل أغنيات زمن الفنّ الجميل محطَّ اهتمام غالبية النجوم في لبنان والعالم العربي. فبينهم مَن يعيد غناء أشهرها بتوزيع موسيقي جديد، وبينهم مَن لا يُغيّبها عن برنامج حفلاته. اللافت أنّ الناس يتفاعلون مع هذه الأعمال كأنها صدرت للتوّ، فيستعيدون معها مراحل حياتهم وذكريات يحبّونها.

ولتأثُّر الفنانة اللبنانية تينا يمّوت بأغنيات العمالقة، أصدرت أغنية بعنوان «عيون السود»، مشتقّة من أغنيتَي «جيب المجوز» لصباح، و«جانا الهوا» لعبد الحليم حافظ؛ فجمعتهما بمحتوى حديث كتبت كلماته، وبقالب موسيقي معاصر من توزيع ريان بيلوني.

ما الذي دفعها إلى القيام بهذه الخطوة، علماً بأنها حافظت في الوقت عينه على روح الأغنيتين وهويتهما الموسيقية؟ تجيب «الشرق الأوسط»: «الفكرة تراودني منذ عام 2020 خلال الجائحة. رغبتُ في الابتعاد قليلاً عن الأعمال الموسيقية الجدّية؛ فمعظم ما قدّمته هو من تأليفي ويندرج ضمن الألحان الخاصة».

تقول إنها اختارت الأغنيتين لأنهما أحدثتا «ترند» في حقبة ولادتهما. فعبد الحليم، كما صباح، كانا سبّاقَيْن في تقديم المختلف: «البعض عدَّهما في تلك الفترة دخيلَيْن على الساحة. فلم يتقبّلوا الجديد الذي قدّماه. استغرق الأمر وقتاً لاستيعاب رؤيتهما الغنائية. كانا يشقّان طريقهما نحو (البوب ميوزك) الرائج اليوم. ووجدت أنّ العملَين ملائمان لفكرتي تماماً».

«عيون السود» ستتبعها أغنيات أخرى قريباً (صور تينا يمّوت)

تجربة موسيقية جديدة تُضيفها يمّوت إلى مشوار بدأته في برنامج «ستار أكاديمي» للمواهب. دمجت العملين بكلمات سهلة تقول فيها: «بدي دقّة بتقلب قلبي/ بدي لحن يجود. حاجي آخد كل شي جدّي حاجي حاطة حدود. جيب المجوز يا عبّود ورقّص إم عيون السود». لم تكتفِ باستحضار موسيقى الأغنيتين لتقدّم لفتة تكريمية للفنانين الراحلين، بل أضافت من كلماتها التغيير الذي رغبت في إحداثه، كما استعارت من حضورهما أفكاراً تُذكّر بهما. توضح: «راقبتهما بدقة على المسرح. ولحقتُ بيدي صباح عندما تغنّي».

أرادت تينا يمّوت أن يُشكّل المحتوى تحية تقديرية لأسلوب صباح وأناقتها الخالدة، ولموسيقى عبد الحليم حافظ التي لا تزال تلاقي انتشاراً واسعاً. ظهرت في إطلالات متعدّدة من تنسيق ريم شقير؛ وبتصميمَيْن بالأحمر والأزرق يذكّرانا بأزياء صباح الخارجة على المألوف، قدَّمت الأغنية.

تُعلّق: «بحثتُ كثيراً وحضرتُ مئات التسجيلات المصوّرة للفنانَيْن. حركات اليدين خلال الغناء لم تأتِ مصادفة. فهي تُطابق حركاتهما عندما يغنّيان».

وعن ظاهرة العودة إلى الأغاني القديمة الرائجة اليوم، تقول: «لدينا دائماً إحساس بالحنين إلى فترة الزمن الجميل. الأحلى أنّ هذا الحنين يُحدث تفاعلاً كبيراً عند الناس من مختلف الأعمار».

ترى يمّوت أنّ الفنانين يشعرون أحياناً خلال مسيرتهم بضرورة إعادة الأغنية القديمة إلى الواجهة: «تنقل كثيرين إلى موسيقى مختلفة، فيعيدون إنشادها على طريقتهم لتُشكّل محطة يستمتعون بها».

بالنسبة إليها، فإنّ إعادة غناء عمل قديم تتطلّب من صاحب الخطوة نقلها بصدق: «من الضروري احترام اللحن والإبقاء على وتيرته الأصلية».

تجد في الأغنيات القديمة «نوستالجيا» حلوة (صور تينا يمّوت)

كاميرا المخرج إيلي فهد، مُوقّع كليب الأغنية، لعبت دوراً في إيصال فكرة يمّوت: «أفكاره تحمل أبعاداً فنية جميلة. وفي (عيون السود)، عرف كيف يأخذ لقطات تترجم تكريم لبنان والفنانين معاً. أثق بنظرته إلى الأمور، وكنا متّفقين تماماً على مسار الكليب النابع من فكرة تكريم صباح وعبد الحليم. وحتى عندما قدّمتُ لوحات راقصة تعبيرية، عرف كيف يضعها في قالب راقٍ».

تستعدّ لإصدار أغنيات جديدة، معظمها من ألحانها وكلماتها، ومتحمِّسة لإصدار إحداها في الخريف. تختم: «أسعى إلى إبقاء هذا التواصل بيني وبين الناس، وأرغب في مدّ الجسور نحو جيل الشباب، فأقدّم لهم البسيط والمختلف لتوطيد العلاقة بيننا».


مقالات ذات صلة

رحلة أم كلثوم في باريس تثير «إعجاباً وشجناً»

يوميات الشرق أم كلثوم (أرشيفية)

رحلة أم كلثوم في باريس تثير «إعجاباً وشجناً»

تأرجحت مشاعر رواد «السوشيال ميديا» العربية، بعد إذاعة حلقة «أم كلثوم في باريس»، التي قدمها «اليوتيوبر» المصري أحمد الغندور، في برنامجه «الدحيح».

محمد عجم (القاهرة)
يوميات الشرق فريق «كولدبلاي» البريطاني في جولته الموسيقية الأخيرة (إنستغرام)

ألبوم مصنوع من النفايات... «كولدبلاي» يطلق إصداره الجديد

يصدر غداً الألبوم العاشر في مسيرة «كولدبلاي»، الفريق الموسيقي الأكثر جماهيريةً حول العالم. أما ما يميّز الألبوم فإنه مصنوع من نفايات جمعت من أنهار جنوب أميركا.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق النجمة الأميركية سيلينا غوميز (أ.ب)

بعد دخولها نادي المليارديرات... كيف علّقت سيلينا غوميز؟

بعد دخولها نادي المليارديرات... كيف علّقت سيلينا غوميز؟

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الأوركسترا الملكي البريطاني (هيئة الموسيقى) play-circle 01:33

حفل الأوركسترا السعودي في لندن... احتفاء بالوطن وأرجائه

سرت الأنغام السعودية الآتية من قلب الجزيرة العربية في أرجاء إحدى أعرق قاعات لندن؛ وهي «سنترال ويستمنستر هول» لتطوف بالحاضرين، حاملةً معها روائح الوطن.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ النجمة تايلور سويفت والرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (أ.ف.ب)

بين تايلور سويفت وترمب... من يتمتع بشعبية أكثر؟

أظهر استطلاع رأي أن عدد الأميركيين الذين ينظرون إلى نجمة البوب تايلور سويفت بشكل إيجابي أقل من أولئك الذي ينظرون بطريقة إيجابية للمرشح الجمهوري دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الصحة النفسية أولى ضحايا الحرب... ما وسائل إنقاذها؟

طفلة نازحة إلى أحد شوارع بيروت بعد أولى ليالي القصف الإسرائيلي على الضاحية (د.ب.أ)
طفلة نازحة إلى أحد شوارع بيروت بعد أولى ليالي القصف الإسرائيلي على الضاحية (د.ب.أ)
TT

الصحة النفسية أولى ضحايا الحرب... ما وسائل إنقاذها؟

طفلة نازحة إلى أحد شوارع بيروت بعد أولى ليالي القصف الإسرائيلي على الضاحية (د.ب.أ)
طفلة نازحة إلى أحد شوارع بيروت بعد أولى ليالي القصف الإسرائيلي على الضاحية (د.ب.أ)

في أحد مشاهد الفيلم التوثيقي «من المسافة صفر» الذي جرى تصويره تحت القصف في غزة، تصعد فتاة إلى سطح بيتها وترقص فيما السمّاعات على أذنيها، تردّ عنها هدير الطائرات الإسرائيلية المحلّقة فوق رأسها.

لكلٍ أسلوبه في التصدّي للحروب. منهم مَن يرقص ويغنّي، ومنهم مَن يعبّر كتابةً أو كلاماً، في وقتٍ يلوذ آخرون بالصمت ويبتلعون الصدمة تلو الأخرى.

لكن مهما تعدّدت أساليب ترويضها، تبقى «الحروب من أقسى الأحداث التي يمرّ بها الفرد والمجتمع، وهي تترك آثاراً كبيرة على الصحتَين النفسية والجسدية»، وفق ما تشير الاختصاصية في علم النفس العيادي باسكال نخلة في حديث مع «الشرق الأوسط».

يصنّف علم النفس الحروب كأقسى تجارب ممكن أن يمرّ بها البشر (أ.ف.ب)

يتلاقى كلام نخلة والأرقام الواردة من أوكرانيا إلى «المنتدى الاقتصادي العالمي» قبل 5 أشهر. فالحرب الروسية أدّت إلى ارتفاع عدد مرضى السكّري الأوكرانيين بنسبة 20 في المائة، كما تزايدت النوبات القلبية في صفوفهم بنسبة 16 في المائة، أما الجلطات الدماغية فارتفعت بنسبة 10 في المائة. وتلفت إحصائيات المنتدى إلى أنّ 57 في المائة من الأفراد غير المتأثرين مباشرةً بالحرب، أي المتواجدين في أماكن بعيدة نسبياً عن القصف، يواجهون صعوبات في أداء واجباتهم اليومية بسبب القلق العاطفي الذي يصيبهم.

(أرقام المنتدى الاقتصادي العالمي 2024)

تشرح نخلة كيف أن الحرب، بما فيها من أصواتٍ مرعبة ومشاهد دمارٍ وموت، تنعكس «خوفاً وقلقاً وصدمةً وغضباً على البشر، ما قد يعرّضهم للاكتئاب وللقلق المزمن ولاضطرابات ما بعد الصدمة، إلى جانب مواجهة صعوبة في التركيز، ومشكلات في النوم، ونوبات هلع». وقد أثبتت الدراسات على مرّ العصور والحروب أنّ المدنيين يعانون من تفاقم الأعراض النفسية، ولا يقتصر الضرر على مَن خسروا أحبّة لهم أو على من اضطرّوا إلى النزوح عن منازلهم، بل ينسحب على مَن هم في أمانٍ نسبيّ والذين يشعرون بذنبِ هذا الأمان، وكذلك بالخطر الذي قد يداهمهم في أي لحظة.

في مراكز الإيواء التي نزحت إليها العائلات اللبنانية الهاربة من النيران الإسرائيلية جنوباً، غالباً ما تشتكي الأمهات من تبدّلاتٍ صادمة في تصرّفات أولادهنّ وردود أفعالهم. يتحدّثن لـ«الشرق الأوسط» عن بكاءٍ متواصل وعن أطفالٍ يستفيقون ليلاً بحالة ذعر وصراخ. تفسّر نخلة الأمر بالقول إنّ «أكثر الفئات تأثراً بالحروب هم الأطفال والمراهقون لأنّ شخصياتهم ما زالت في طور النموّ ولم تكتمل بعد، ما يجعلهم عرضةً لاضطرابات النوم والانعزال الاجتماعي والصعوبة في التعبير عن مشاعرهم».

أكثر الفئات عرضة للأذى النفسي بسبب الحرب هم الأطفال والمراهقون (رويترز)

أما الأجيال الأكبر سناً فعرضة «لحالات نفسية معقّدة أكثر من سواهم، لأنّ لديهم تراكمات من تجارب سابقة مشابهة لم تجرِ معالجتها»، تشرح الاختصاصية النفسية. في المقابل، يتميّز الجيل الصاعد بوَعيِه إلى أهمية الصحة النفسية، ما قد يقيه الصدمات إلى حدٍ ما.

تتعدّد الفئات المتأثرة بالحرب إذاً ويتفاوت عمق الندوب النفسية، مع تفاوت الأعمار والتجارب والأماكن الجغرافية. لكن المؤكّد أنّ التعامل مع الضغوط النفسية الناجمة عن الحرب ضروري، أكان بمجهودٍ فرديّ أو من خلال الاستعانة بالعلاج النفسي المتخصص.

سيدة من جنوب لبنان نزحت إلى أحد مراكز الإيواء (د.ب.أ)

في ظلّ ما يمرّ به اللبنانيون من ظرفٍ استثنائيّ وفائق الصعوبة، تنطلق نخلة من عبارةٍ بسيطة لكن ذات معنى عميق: «ما يحصل غير طبيعي وغير شرعي، لكن كل ما يشعر به المواطن اللبناني نفسياً حياله طبيعي وشرعي». أهمّ ما في الأمر عدم إهمال الآلام النفسية التي تتسبب بها الحرب وعدم نكرانها، بل الاعتراف بها. أما السبل المتاحة للتعامل معها فكثيرة.

كُن لطيفاً مع نفسك

تنصح نخلة بالتعبير عن المشاعر كلاماً أو كتابةً، إلى جانب التحدّث إلى أشخاص هم محطّ ثقة؛ قد يكونون أصدقاء أو أفراداً من العائلة. هذا جزء من الإقرار بالتعب النفسي وعدم تجاهله، بل تقبّله من دون إطلاق أحكامٍ هدّامة أو لوم النفس. فالتعامل بلطفٍ مع الذات ومنحُها الحقّ بالشعور بالقلق والخوف يشكّلان مدخلاً لتحسين الحالة النفسية في ظلّ الحرب.

الاختصاصية في علم النفس العيادي باسكال نخلة (الشرق الأوسط)

خفّف من متابعة الأخبار

من بين الخطوات الأساسية كذلك، التخفيف من الاستهلاك المتواصل للأخبار. هذا لا يعني الامتناع كلياً عن متابعة التطوّرات، لكن يجب وضع ضوابط لذلك، لا سيّما عندما يتعلّق الأمر بكثافة المعلومات الواردة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي قد تكون أحياناً مضلّلة.

تنفّس عميقاً

ربّما يبدو الأمر مستحيلاً وسط أصوات القصف وأزيز الطيران، لكنّ محاولة ممارسة تقنيات الاسترخاء وإن لـ5 أو 10 دقائق تعود بفائدة نفسية كبيرة. تعدّد نخلة من بين تلك التقنيات التأمّل، والتنفّس العميق، واليوغا. وتضيف أنّ «الحركة الجسدية كالمشي وممارسة الرياضة الخفيفة تساعد كذلك في ضبط القلق ومعالجة المشاعر المكبوتة».

نازحات يتابعن أخبار الحرب في لبنان على هواتفهنّ (أ.ب.)

الروتين المفيد

تذكّر نخلة بأهمية «الحفاظ على روتين يوميّ ضمن الإمكانيات المتاحة». يحصل ذلك من خلال تكريس بعض الوقت للعناية بالذات، كتخصيص نصف ساعة يومياً للمشي في الهواء الطلق، ومحاولة تثبيت مواعيد تناول الطعام، وإطفاء الهاتف قبل ساعة من الخلود إلى النوم.

فكّر بغيرك

من السلوكيّات البشريّة التي تساعد على تخطّي الحرب بأقلّ أضرار نفسية ممكنة، الانخراط في المساعدة الاجتماعية. فمدّ يد العون إلى الفئات الأكثر تضرُراً يمنح شعوراً بالاكتفاء والرضا عن الذات. لذلك فإنّ علم النفس ينصح مَن هم قادرون على فعل ذلك بأن يتطوّعوا لإعانة النازحين أو أهالي الضحايا، أو على الأقلّ بأن يقدّموا ما يستطيعون من مساعدات وتبرّعات.

التطوّع في خدمة الفئات الأكثر تضرراً يعود بفائدة نفسية كبيرة (أ.ب)

العلاج النفسي أوّلاً وأخيراً

تلفت الأخصائية النفسية باسكال نخلة إلى أنّ «مشاهدة القصف والدمار والتعرّض للأصوات العنيفة يولّدان حالة من التأهّب وبالتالي ضغطاً على العضلات وآلاماً جسدية». وهي تشدّد في هذا السياق على أنّ «العلاج النفسي والسلوكي ضروري حتى لمَن ليسوا في أماكن الخطر». من هنا أهمّية خلايا الدعم النفسي التي تنشط في ظل الحرب، وتقدّم استشاراتٍ مجانية لمَن هم بحاجة إليها.

لكن لعلّ أبرز ما تذكّر به نخلة هو ضرورة تصويب سرديّة الصمود التي اقتاتت عليها أجيالٌ متعاقبة من اللبنانيين. فالصمود، في المفهوم النفسيّ، ليس التأقلم مع الظروف القاهرة ولا اعتماد النكران والتجاهل للمصائب المحيطة. الصمود، وفق ما تعرّفه الأخصائية النفسية، هو «نموّ ما بعد الصدمة أي محاولة النهوض والازدهار من جديد». وقد تكون باكورة الصمود مجرّد تذكير الذات بأنه لا حرب تدوم وبأنّ لكل محنةٍ نهاية.