برتقال فلسطين يفوح بنيويورك في عرض راقص من تصميم سمر حدّاد

مصمّمة الرقص الفلسطينية - الأميركية: نقاوم الإلغاء رغم محاولات الإسكات

عرض «Gathering» يحكي قصة فلسطينية في نيويورك الأميركية (مسرح «يا سمر» للرقص)
عرض «Gathering» يحكي قصة فلسطينية في نيويورك الأميركية (مسرح «يا سمر» للرقص)
TT

برتقال فلسطين يفوح بنيويورك في عرض راقص من تصميم سمر حدّاد

عرض «Gathering» يحكي قصة فلسطينية في نيويورك الأميركية (مسرح «يا سمر» للرقص)
عرض «Gathering» يحكي قصة فلسطينية في نيويورك الأميركية (مسرح «يا سمر» للرقص)

هي ذاتها «أرض البرتقال الحزين» التي كتب عنها الأديب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني. هي فلسطين ذات الأحلام المكسورة والتغريبة الأزليّة، التي تستحضرها سمر حدّاد كينغ في عرضها «Gathering (تجمّع)» على مسرح «The Shed» في نيويورك.

حدّاد المولودة في الولايات المتحدة الأميركية، المتنقّلة دائماً بين أرض الأجداد والبلد الذي استضافها، لم تنسَ لغتها العربية ولا قضيّة شعبها. تتحدّث لـ«الشرق الأوسط» عن عرضها الجديد الذي «لا يذكر الوطن بالاسم، لكنه يجسّده بكل التفاصيل».

مصمّمة الرقص الفلسطينية - الأميركية سمر حدّاد كينغ (مسرح «يا سمر» للرقص)

فصول الحرب

يجمع «Gathering» الرقص التعبيريّ والتمثيل وتحريك الدمى وفنّ الحكواتي ضمن عرضٍ واحد. يحكي قصة «إسراء» ذات الأحلام البسيطة؛ تريد زواجاً وأطفالاً لكنّ العدوّ ونارَه بالمرصاد. تندلع الحرب دائماً وأبداً، تعود كالمواسم العاصفة لتقتلع الأحلام.

بين نغمات سيمفونية «الفصول الأربعة» لفيفالدي، وسطور رواية «الحرب والسلام» لتولستوي، تنقّلت مصمّمة الرقص الفلسطينية - الأميركية، مستلهمةً فكرتها: «شغلتني أحوال الناس خلال الحروب التي تعود إلى بلادنا كما المواسم. يعيشونها تحت المطر والثلج شتاءً، وتحت الشمس الحارقة صيفاً وهُم في العراء». وُلدت الفكرة عام 2018 لتأتي جائحة «كورونا» وتؤخّر التنفيذ. ثم اندلعت حرب غزّة لتحدّد الزاوية وتفرض نفسها على الرواية والكوريغرافيا، فتدخل ثيمات الصدمة والتشتّت والموت.

فرضت حرب غزة نفسها على الرواية والكوريغرافيا (مسرح «يا سمر» للرقص)

دبكة مع الجمهور

كان حضوراً مكتمل النصاب خلال الأمسيات الثلاث من 20 إلى 22 يونيو (حزيران)، وفق ما تؤكّد حدّاد. لم يكتفِ الجمهور بالتفرّج، بل شكّل جزءاً من العرض، إذ صعد بعض المشاهدين إلى الخشبة ليتولّوا تحريك الدمى بأنفسهم. واكتمل التفاعل بمشاركة الحاضرين جميعاً في حلقة الدبكة الفلسطينية على وقع الزغاريد ونغمات «يا ظريف الطول».

تحلم إسراء بزفافها فيما هي في غيبوبةٍ تسبق وفاتها. يتلاقى ذلك مع ما يحدث في غزة منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث تطايرت مخططات وآمال كثيرة مع تطايُر الشظايا والأشلاء في الهواء. تتابع حدّاد ما يجري هناك من خلال اتّصالاتها اليومية بالأصدقاء العالقين في القطاع. تقول: «لكن علينا أن نعمل وإلّا سنجلس عاجزين ونبكي طيلة الوقت». تضيف بواقعيّة: «أدرك تماماً أنّني لا أضع خبزاً على موائد الغزّيّين ولا أقدّم لهم الدرع الواقية من القذائف والصواريخ، لكن القصص التي نحكي تُخبر الناس هنا بأنّنا بشر، مثلنا مثلهم».

التفاعل مع الجمهور جزء أساسي من العرض المسرحيّ الراقص (مسرح «يا سمر» للرقص)

تشكّك الفنانة الفلسطينية في قدرة الفن على تغيير العالم، «لكنها بداية جيّدة بأن تلمسي قلوب البشر من خلاله، وتوقظي إنسانيّتهم، والأهمّ أن تقاومي الإلغاء الذي يتعرّض له الشعب والإرث الفلسطينيَّان». تكشف حدّاد أنه «رغم محاولات الإسكات الكثيرة، فإننا نجحنا في تقديم هذا العرض في قلب نيويورك، وهذا إنجاز بحدّ ذاته».

لا يقتصر الحضور على العرب، وقد كُتب النص بالإنجليزية عمداً كي يفهمه الأميركيون وسائر المشاهدين الأجانب. أما الموسيقى فهي مزيجٌ من «فصول» فيفالدي والنغمات الفلسطينية الفلكلورية، إضافةً إلى أغانٍ بالإنجليزية من تأليف حدّاد.

تقديم العرض الفلسطيني في قلب نيويورك إنجاز (مسرح «يا سمر» للرقص)

برتقالة على قبر إسراء

تحضر الرموز لتكرّس الرسالة الفلسطينية، وعلى رأسها البرتقال الذي يأخذ حيّزاً كبيراً من العرض. لهذه الفاكهة المرتبطة عضوياً بأرض فلسطين مكانة خاصة في قلب حدّاد: «كان أجدادي موزّعين بين يافا وعكّا، وأنا أتحدّر من عائلة مزارعين. مع الأسف، اندثرت أشجار الليمون الآن وانتهت مواسم القطاف». «خسرنا البرتقال»، تقول سمر، «من الفاكهة النادرة التي لا تستلزم سكّيناً من أجل تقطيعها إلى حصص فرديّة». هي ترمز إلى الفرد والجماعة في آنٍ معاً. توضح حدّاد في هذا الإطار «بصفتنا عرباً نحبّ التجمّعات وهي جزء من ثقافتنا، لكن لا يجب أن نهمل فرديّتنا وتطلّعاتنا الشخصية».

تتدحرج مئات حبّات البرتقال على الخشبة، تلاعبها أجساد الراقصين. تنبعث الرائحة في أرجاء القاعة. «هي الحدود بين الأشخاص، وهي الدموع على إسراء والورود على ضريحها»، تشرح حدّاد. يُدعى الحضور في نهاية العرض الممتدّ ساعة وربع الساعة، إلى وضع برتقالة على قبر إسراء. لكن رغم النهاية الحزينة، فإن حداد تُصرّ على أنّ البرتقال هو الأمل وانبعاث الحياة رغم الموت الكثيف.

برتقال فلسطين... أحد أبطال الرواية (مسرح «يا سمر» للرقص)

رحلة على أجنحة الرقص

في عرض «Gathering»، لا يقتصر التنوّع على الجمهور، بل ينسحب على الراقصين الآتين من كل صوب. 13 راقصاً يملأون المسرح، وهم من جنسيات مختلفة: فلسطين، ومصر، وتركيا، وماليزيا، واليابان، وتايوان، وبريطانيا. أمضَى الفلسطينيون من بينهم الأشهر الأخيرة وهم يتدرّبون عن بُعد، وعندما اقترب موعد العرض، انتقلوا من مخيّم عسكر للاجئين في الضفّة الغربية، ومن القدس، وحيفا إلى نيويورك.

أسّست سمر حدّاد مسرح «يا سمر» للرقص عام 2005، وصمّمت منذ ذلك الحين أكثر من 30 عرضاً راقصاً. لم تحصر مشروعها بموقعٍ جغرافيّ واحد، بل أرادت له أن يكون عابراً للحدود، فتآلفَ الراقصون مع فكرة التمرين عن بُعد؛ تعلّق بالقول: «أن تكون فلسطينياً، أي أن تكون قادراً على التكيّف».

تأمل حدّاد في نقل العرض إلى العواصم العربية (مسرح «يا سمر» للرقص)

كلّما اقتضت الحاجة، ينتقل الراقصون من فلسطين إلى الولايات المتحدة. فلسطين هي روح الفرقة وعمودها الفقريّ، وخلال أولى سنوات انطلاقتها جالت بين مهرجانات الرقص في الضفّة الغربية والأردن. أما اليوم فأملُ حدّاد كبير بأن ينتقل عرض «Gathering» إلى أرضه الأصليّة، إلى قلب العواصم العربية: «إذا سمحت الأوضاع الأمنيّة وتوفّر التمويل، ستكون المحطة التالية رام الله، وبعدها القاهرة».

في الأثناء، تستمتع حدّاد بالأثر الذي تركَه العرض على الجمهور وعلى الإعلام الأميركي، وقد وصفته صحيفة «نيويورك تايمز» بـ«الملحميّ». أمّا بعد «Gathering» فالموعد مع عروض أخرى حول العالم، ومتابعة لأحد المشروعات الأغلى إلى قلب حدّاد؛ ورش عمل الرقص والتمثيل التي تستهدف السجناء واللاجئين.


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق إيفان كركلا يُهدي رئيس أكاديمية الرقص في بكين كتاباً عن مهرجانات بعلبك (فرقة كركلا)

إيفان كركلا: لبنان لا يموت وهو حاضر أبداً بمبدعيه وتاريخه

هذه هي المرة الثانية على التوالي التي يُدعى فيها المخرج إيفان كركلا إلى هذا المنتدى العالمي، بعد إدراج «مسرح كركلا» عضواً بـ«جمعية العالم للفنون المسرحية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق الكاتب الراحل مروان نجار (زياد نجار)

«عريسين مدري من وين» استعادة الابتسامة في زمن لبنان - الحرب

رغبت عائلة الكاتب المسرحي الراحل في هذه الخطوة من باب تحريك عروض المسرح في زمن الحرب. واليوم بعد مرور نحو 40 عاماً على عرضها الأول تعود إلى الحياة.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق الفنانة إسعاد يونس في لقطة من مسرحية «إس إس هانم» (حساب المستشار تركي آل الشيخ على «فيسبوك»)

«إس إس هانم» تحصد الإشادات في «موسم الرياض»

حصدت مسرحية «إس إس هانم» التي عرضت بالعاصمة السعودية ضمن فعاليات «موسم الرياض»، وبرعاية «الهيئة العامة للترفيه»، إشادات بعد ما حظيت به من إقبال جماهيري.

داليا ماهر (القاهرة )

في عالم أصبحت فيه القوة العقلية ضرورة... كيف تتعامل مع النقد؟

4 طرق لتعلم التعامل مع الانتقاد (رويترز)
4 طرق لتعلم التعامل مع الانتقاد (رويترز)
TT

في عالم أصبحت فيه القوة العقلية ضرورة... كيف تتعامل مع النقد؟

4 طرق لتعلم التعامل مع الانتقاد (رويترز)
4 طرق لتعلم التعامل مع الانتقاد (رويترز)

القوة العقلية ليست رفاهية في عالم اليوم، بل إنها ضرورة في مواجهة الشدائد والمشتتات.

وتُظهِر الأبحاث أن الأحداث «السيئة» والعواطف والمعلومات وردود الفعل أكثر تأثيراً من الأحداث «الجيدة». على سبيل المثال، من المرجح أن نتذكر الأحداث التي تنطوي على عواطف سلبية 4 مرات أكثر من تلك التي تنطوي على عواطف إيجابية.

مع ذلك ليس النقد ما يجعلنا أضعف، بل تجنبه. لذلك، إذا كنت تريد أن تصبح أقوى عقلياً فعليك أن تتعلم كيف تتعامل مع النقد بشكل جيد.

وفيما يلي 4 طرق قدَّمها سكوت ماوتز، وهو متحدث مشهور ومدرب ومعلم في مجال التعلم عبر «لينكدإن»، عبر موقع «سي إن بي سي» للقيام بذلك.

1- حدد مَن يحق له انتقادك

الحقيقة هي أنه لا ينبغي للجميع أن يحصلوا على الفرصة لانتقادك.

ربما ينبغي لرئيسك ورئيس رئيسك وشريك حياتك أن يحصلوا جميعاً على فرصة لتقديم الملاحظات لك، ويتوقعوا منك أن تفكر فيها بعناية، ولكن ابن عمك الثاني الذي يحب أن يتحدَّث إليك في أثناء التجمعات العائلية حول كيفية قيامك بعملك، على الرغم من عدم وجود سياق أو خبرة في مجالك، لا يحق له توجيه الانتقادات.

النقطة المهمة، هي أنك لست مضطراً إلى قبول الملاحظات من أي شخص وكل شخص يريد مشاركتها.

حدِّد مَن الذي مِن المنطقي أن تستمع إليه حقاً وتأخذه على محمل الجد.

2- إدارة رد فعلك الأول

لا يتعلق الأمر بتقليل عواطفك، بل يتعلق بإدارتها.

بالطبع، قد يكون ذلك صعباً، لأن النقد قد يكون مؤلماً. في الواقع، تظهر أبحاث علم الأعصاب أن الدماغ يسجل الرفض الاجتماعي في المنطقة نفسها التي يسجل فيها الألم الجسدي. ولهذا السبب قد يشعرك النقد كأنه لكمةً في البطن في بعض الأحيان.

ولكن يمكنك العمل على تنظيم عواطفك. على سبيل المثال، لنفترض أنك تتلقى بعض الانتقادات التي لا تشعرك بالارتياح. وفي الاستجابة لذلك، يمكنك أن تشعر بأن أفكارك بدأت تتسابق وأن عواطفك بدأت تتدفق.

في تلك اللحظة، اخرج من رأسك وادخل إلى جسدك.

خذ نفساً عميقاً وركز على هذا التنفس. سمِّ ما تشعر به حتى تفقد العواطف بعض سيطرتها عليك.

ثم يمكنك الاستماع وطرح الأسئلة لفهم ردود الفعل بشكل كامل.

لا يمكنك تغيير الكلمات التي تُقال لك، ولكن يمكنك التحكم فيما تختار القيام به بها. لست مضطراً إلى التصرف بناءً على فكرتك الأولى بينما يتدفق هذا النقد عليك. يمكنك اختيار الثانية أو الثالثة.

يدير الأشخاص الأقوياء عقلياً عواطفهم حتى يتمكّنوا من الاستجابة بوعي.

3- أعد صياغة النقد

من المفيد النظر إلى النقد من خلال عدسة التمكين بدلاً من عدسة الانكماش.

عندما صاغ الناقد المسرحي ألبرت ويليامز فلسفته حول سبب قيامه بما يفعله، أوضح أن الأمر يتعلق بإنشاء فن أفضل مع النظر إلى المستقبل. ليس الأمر قاسياً، أو لإنقاذ الجمهور من إنفاق أموال كسبها بشق الأنفس على عرض سيئ.

حاول إعادة صياغة الملاحظات، مسترشداً بالاعتقاد بأن نية ناقدك هي، على نحو مماثل، مساعدتك على تحقيق نتيجة أفضل أو نسخة أفضل منك.

إليك طريقتان أخريان لإعادة الصياغة. في أثناء تلقي ومعالجة النقد، ذكّر نفسك بما يلي:

- من الأفضل أن يحكم عليك الناس بدلاً من تجاهلك. بالتأكيد، ربما لا تشعر ببعض الأحكام التي يتم إصدارها عليك بأنها عادلة. لكن الحكم يأتي من وجود شيء يستحق الحكم عليه، وإلا فسيتم تجاهلك.

- الفكرة هي السعي إلى التحسين، وليست الموافقة. ليس من الضروري أن يتفق الجميع معك، أو يعتقدوا أن كل ما تفعله خالٍ من العيوب. إذا كان الشخص الذي يقدم الملاحظات يريد حقاً أن تتحسَّن، وأنت أيضاً تريد ذلك، فيمكنكما العمل معاً نحو هذا الهدف.

4- احتفظ بما هو مفيد... واترك الباقي

تخيل مصفاة للحظة. الآن تخيل أن النقد الذي تتلقاه يتدفق عبر هذه المصفاة.

لا يتعيَّن عليك استيعاب كل جزء من هذا النقد والاحتفاظ به. يمكنك الاستماع إليه، وغربلته بالكامل، وترك الأجزاء غير المفيدة تمر مباشرة، والتركيز على النقاط المفيدة المتبقية.

لنفترض أن شخصاً ما قدَّم لك ملاحظات حول عرض تقديمي. ربما، في أثناء غربلتك للنقد، تجد أنه على الرغم من حسن النية، فإن بعضه غير ذي صلة أو مفيد لأنه يفتقر إلى فهم السياق الذي أبلغ عن الاستنتاجات والاستراتيجيات التي وصفتها.

ولكن هناك بعض النقاط التي يجب الاحتفاظ بها، مثل كيفية أن تكون أكثر إيجازاً أو استخدام شرائح أكثر جاذبية بصرياً في عرضك التقديمي.

استخدم المصفاة المجازية لمساعدتك على تصفية ما هو غير ذي صلة، والتركيز على ما سيجعلك أفضل.