«اللعب مع العيال»... رسائل اجتماعية في إطار كوميدي

الفيلم المصري يُجدد تعاون المخرج شريف عرفة مع عائلة «الزعيم»

بوستر الفيلم (الشركة المنتجة)
بوستر الفيلم (الشركة المنتجة)
TT

«اللعب مع العيال»... رسائل اجتماعية في إطار كوميدي

بوستر الفيلم (الشركة المنتجة)
بوستر الفيلم (الشركة المنتجة)

يشهد فيلم «اللعب مع العيال» الذي يُعرض حالياً بدور السينما بمصر ضمن موسم عيد الأضحى مفارقة لافتة تتمثل في أن مخرج ومؤلف العمل شريف عرفة هو نفسه مخرج فيلم «اللعب مع الكبار»، الذي لعب بطولته «الزعيم» عادل إمام والد الممثل محمد إمام، والذي يلعب بطولة العمل الجديد.

ورغم أن «اللعب مع الكبار» تم إنتاجه 1991 وكان يدور في أجواء شديدة الجدية حول شخصية شاب عاطل تقدمت به السن دون أن يستطيع الزواج، فإن صناع «اللعب مع العيال» أرادوا اللعب على عنوان شبيه يتضمن تنويعة ساخرة على اسم العمل القديم الذي يحظى بشهرة واسعة.

ويجسد محمد إمام في الفيلم الجديد شخصية «علام» مدرس التاريخ الذي يعاني من اهتزاز الشخصية والجبن المبالغ فيه نتيجة أساليب التربية الخاطئة من جانب الأب الديكتاتوري.

محمد إمام مع أحد الأطفال المشاركين (الشركة المنتجة)

ويقرر «علام» الهرب من سيطرة عائلته عليه فيتقدم بطلب نقل وظيفته إلى «شرم الشيخ» ويذهب بالفعل ليتسلم مهام عمله مدرساً، متصوراً أنه سيحظى بحياة مرفهة وسط الجميلات في المدينة السياحية التي تطل على البحر الأحمر وتحظى بشهرة عالمية.

ويفاجأ المدرس الشاب بوجه آخر للمدينة حيث المدرسة بدائية، نائية، تفتقر إلى أبسط مبادئ الحياة العصرية وتعاني من الإهمال والأتربة. وتتوالى المفاجآت حين يظهر وسط مجتمع البدو الذي انتقل المدرس للعيش به خارجون عن القانون يتورطون في أنشطة غير مشروعة مثل تجارة المخدرات والسلاح ويتشككون في حقيقة هوية الوافد الجديد إلى مجتمعهم.

ويعتبر الناقد الفني طارق الشناوي، المخرج شريف عرفة أهم مخرجي السينما المصرية منذ بداياته الأولى في الثمانينات وحتى الآن، حيث عمل مع كبار النجوم مثل أحمد زكي وعادل إمام، وساهم في تقديم جيل كامل من نجوم الشباك لاحقاً على رأسهم علاء ولي الدين.

محمد إمام وباسم سمرة من كواليس التصوير (الشركة المنتجة)

وأوضح الشناوي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «(اللعب مع العيال) يعد أصدق تجارب عرفة على الإطلاق، حيث يجسد ملامح وإحساس وطفولة المخرج المخضرم»، مشيراً إلى أن «عرفة استطاع أن يمرر عدداً من الرسائل المهمة ذات الطابع المجتمعي، بل والسياسي، لكن بنعومة شديدة دون مباشرة أو تقريرية، من خلال بناء درامي شديد البساطة».

أسماء جلال تجسد البطولة النسائية أمام محمد إمام (الشركة المنتجة)

وينتمي الفيلم إلى نوعية الكوميديا الخفيفة، وتم تصويره بمحافظات مختلفة مثل البحر الأحمر وجنوب سيناء ومطروح، حيث تراهن كاميرا شريف عرفة على الصورة المبهرة التي تبرز جمال المناطق الصحراوية والجبلية ذات الطابع السياحي وتنوع الإضاءة بين الليل والنهار وما بينهما من درجات رمادية.

ويقدم العمل محمد إمام في صورة مختلفة عن تلك المعتادة جماهيرياً، والتي كرستها أعمال سابقة له كان يظهر فيها شاباً وسيماً تطارده الجميلات ويتفوق على منافسيه في معارك الأكشن والمشاهد البطولية.

ويشارك إمام في البطولة كوكبة من فناني الضحك أبرزهم بيومي فؤاد، ومصطفى غريب، وويزو، وباسم سمرة. وجسدت الفنانة أسماء جلال شخصية الفتاة البدوية «كمامة» التي تقع في حب «علام» وتكون بمثابة بوابته لدخول عالم البدو بأسراره وطقوسه وخصوصيته.

ولفت طارق الشناوي إلى «وجود حالة من التناغم في الأداء التمثيلي حيث كان كل ممثل في مكانه الصحيح»، مشيراً إلى أن «التلاميذ الصغار في المدرسة النائية كانوا أحد عناصر التوهج في الفيلم، وظهروا بقدر عال من المصداقية وخفة الظل».

من كواليس تصوير الفيلم

ومنذ طرحه يحتل فيلم «اللعب مع العيال» المركز الثاني في سباق إيرادات موسم عيد الأضحى السينمائي، خلف فيلم «ولاد رزق 3»، وهو ما يراه الشناوي «أمراً ليس سيئاً مع عدم تناسبه مع شريف عرفة ومحمد إمام»، مشيراً إلى أن «السبب يعود إلى جاذبية (أولاد رزق 3)».

ويضيف: ورغم ذلك، فإننا أمام «عمل قادر على الصمود في دور العرض وسيبقى طويلاً في الذاكرة السينمائية». بحسب وصف الشناوي.


مقالات ذات صلة

فيلم «الجوكر2»... مزيد من الجنون يحبس أنفاس الجمهور

سينما يبدأ الجزء الثاني من سجن آرثر فليك.. الصورة من صالة سينما سعودية حيث يُعرض الفيلم حالياً (الشرق الأوسط)

فيلم «الجوكر2»... مزيد من الجنون يحبس أنفاس الجمهور

يخرج آرثر فليك (واكين فينيكس) من زنزانته، عاري الظهر، بعظام مقوّسه، يسحبه السجانون بشراسة وتهكّم...

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق يشجّع المهرجان الأطفال والشباب في مجال صناعة السينما (الشرق الأوسط)

الشيخة جواهر القاسمي لـ«الشرق الأوسط»: الأفلام الخليجية تنمو والطموح يكبُر

الأثر الأهم هو تشجيع الأطفال والشباب في مجال صناعة السينما، ليس فقط عن طريق الإخراج، وإنما أيضاً التصوير والسيناريو والتمثيل. 

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق صورة تذكارية لفريق عمل مهرجان «الجونة» (إدارة المهرجان)

فنانون ونقاد لا يرون تعارضاً بين الأنشطة الفنية ومتابعة الاضطرابات الإقليمية

في حين طالب بعضهم بإلغاء المهرجانات الفنية لإظهار الشعور القومي والإنساني، فإن فنانين ونقاد رأوا أهمية استمرار هذه الأنشطة وعدم توقفها كدليل على استمرار الحياة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق البرنامج يقدم هذا العام 20 فيلماً تمثل نخبة من إبداعات المواهب السعودية الواعدة (مهرجان البحر الأحمر)

«سينما السعودية الجديدة» يعكس ثقافة المجتمع

أطلق مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي برنامج «سينما السعودية الجديدة»؛ لتجسيد التنوع والابتكار في المشهد السينمائي، وتسليط الضوء على قصص محلية أصيلة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما ألفرد هيتشكوك (يونيڤرسال بيكتشرز)

ألفرد هيتشكوك... سيد التشويق وسينما الألغاز

تعرِض منصة «نتفليكس» الأسبوع الحالي فيلمين متميّزين من أفلام المخرج ألفرد هيتشكوك الذي لم يوازِه أحد بعد في مجال الرّعب والتشويق واللعب على الغموض.

محمد رُضا‬ (لندن)

الصحة النفسية أولى ضحايا الحرب... ما وسائل إنقاذها؟

طفلة نازحة إلى أحد شوارع بيروت بعد أولى ليالي القصف الإسرائيلي على الضاحية (د.ب.أ)
طفلة نازحة إلى أحد شوارع بيروت بعد أولى ليالي القصف الإسرائيلي على الضاحية (د.ب.أ)
TT

الصحة النفسية أولى ضحايا الحرب... ما وسائل إنقاذها؟

طفلة نازحة إلى أحد شوارع بيروت بعد أولى ليالي القصف الإسرائيلي على الضاحية (د.ب.أ)
طفلة نازحة إلى أحد شوارع بيروت بعد أولى ليالي القصف الإسرائيلي على الضاحية (د.ب.أ)

في أحد مشاهد الفيلم التوثيقي «من المسافة صفر» الذي جرى تصويره تحت القصف في غزة، تصعد فتاة إلى سطح بيتها وترقص فيما السمّاعات على أذنيها، تردّ عنها هدير الطائرات الإسرائيلية المحلّقة فوق رأسها.

لكلٍ أسلوبه في التصدّي للحروب. منهم مَن يرقص ويغنّي، ومنهم مَن يعبّر كتابةً أو كلاماً، في وقتٍ يلوذ آخرون بالصمت ويبتلعون الصدمة تلو الأخرى.

لكن مهما تعدّدت أساليب ترويضها، تبقى «الحروب من أقسى الأحداث التي يمرّ بها الفرد والمجتمع، وهي تترك آثاراً كبيرة على الصحتَين النفسية والجسدية»، وفق ما تشير الاختصاصية في علم النفس العيادي باسكال نخلة في حديث مع «الشرق الأوسط».

يصنّف علم النفس الحروب كأقسى تجارب ممكن أن يمرّ بها البشر (أ.ف.ب)

يتلاقى كلام نخلة والأرقام الواردة من أوكرانيا إلى «المنتدى الاقتصادي العالمي» قبل 5 أشهر. فالحرب الروسية أدّت إلى ارتفاع عدد مرضى السكّري الأوكرانيين بنسبة 20 في المائة، كما تزايدت النوبات القلبية في صفوفهم بنسبة 16 في المائة، أما الجلطات الدماغية فارتفعت بنسبة 10 في المائة. وتلفت إحصائيات المنتدى إلى أنّ 57 في المائة من الأفراد غير المتأثرين مباشرةً بالحرب، أي المتواجدين في أماكن بعيدة نسبياً عن القصف، يواجهون صعوبات في أداء واجباتهم اليومية بسبب القلق العاطفي الذي يصيبهم.

(أرقام المنتدى الاقتصادي العالمي 2024)

تشرح نخلة كيف أن الحرب، بما فيها من أصواتٍ مرعبة ومشاهد دمارٍ وموت، تنعكس «خوفاً وقلقاً وصدمةً وغضباً على البشر، ما قد يعرّضهم للاكتئاب وللقلق المزمن ولاضطرابات ما بعد الصدمة، إلى جانب مواجهة صعوبة في التركيز، ومشكلات في النوم، ونوبات هلع». وقد أثبتت الدراسات على مرّ العصور والحروب أنّ المدنيين يعانون من تفاقم الأعراض النفسية، ولا يقتصر الضرر على مَن خسروا أحبّة لهم أو على من اضطرّوا إلى النزوح عن منازلهم، بل ينسحب على مَن هم في أمانٍ نسبيّ والذين يشعرون بذنبِ هذا الأمان، وكذلك بالخطر الذي قد يداهمهم في أي لحظة.

في مراكز الإيواء التي نزحت إليها العائلات اللبنانية الهاربة من النيران الإسرائيلية جنوباً، غالباً ما تشتكي الأمهات من تبدّلاتٍ صادمة في تصرّفات أولادهنّ وردود أفعالهم. يتحدّثن لـ«الشرق الأوسط» عن بكاءٍ متواصل وعن أطفالٍ يستفيقون ليلاً بحالة ذعر وصراخ. تفسّر نخلة الأمر بالقول إنّ «أكثر الفئات تأثراً بالحروب هم الأطفال والمراهقون لأنّ شخصياتهم ما زالت في طور النموّ ولم تكتمل بعد، ما يجعلهم عرضةً لاضطرابات النوم والانعزال الاجتماعي والصعوبة في التعبير عن مشاعرهم».

أكثر الفئات عرضة للأذى النفسي بسبب الحرب هم الأطفال والمراهقون (رويترز)

أما الأجيال الأكبر سناً فعرضة «لحالات نفسية معقّدة أكثر من سواهم، لأنّ لديهم تراكمات من تجارب سابقة مشابهة لم تجرِ معالجتها»، تشرح الاختصاصية النفسية. في المقابل، يتميّز الجيل الصاعد بوَعيِه إلى أهمية الصحة النفسية، ما قد يقيه الصدمات إلى حدٍ ما.

تتعدّد الفئات المتأثرة بالحرب إذاً ويتفاوت عمق الندوب النفسية، مع تفاوت الأعمار والتجارب والأماكن الجغرافية. لكن المؤكّد أنّ التعامل مع الضغوط النفسية الناجمة عن الحرب ضروري، أكان بمجهودٍ فرديّ أو من خلال الاستعانة بالعلاج النفسي المتخصص.

سيدة من جنوب لبنان نزحت إلى أحد مراكز الإيواء (د.ب.أ)

في ظلّ ما يمرّ به اللبنانيون من ظرفٍ استثنائيّ وفائق الصعوبة، تنطلق نخلة من عبارةٍ بسيطة لكن ذات معنى عميق: «ما يحصل غير طبيعي وغير شرعي، لكن كل ما يشعر به المواطن اللبناني نفسياً حياله طبيعي وشرعي». أهمّ ما في الأمر عدم إهمال الآلام النفسية التي تتسبب بها الحرب وعدم نكرانها، بل الاعتراف بها. أما السبل المتاحة للتعامل معها فكثيرة.

كُن لطيفاً مع نفسك

تنصح نخلة بالتعبير عن المشاعر كلاماً أو كتابةً، إلى جانب التحدّث إلى أشخاص هم محطّ ثقة؛ قد يكونون أصدقاء أو أفراداً من العائلة. هذا جزء من الإقرار بالتعب النفسي وعدم تجاهله، بل تقبّله من دون إطلاق أحكامٍ هدّامة أو لوم النفس. فالتعامل بلطفٍ مع الذات ومنحُها الحقّ بالشعور بالقلق والخوف يشكّلان مدخلاً لتحسين الحالة النفسية في ظلّ الحرب.

الاختصاصية في علم النفس العيادي باسكال نخلة (الشرق الأوسط)

خفّف من متابعة الأخبار

من بين الخطوات الأساسية كذلك، التخفيف من الاستهلاك المتواصل للأخبار. هذا لا يعني الامتناع كلياً عن متابعة التطوّرات، لكن يجب وضع ضوابط لذلك، لا سيّما عندما يتعلّق الأمر بكثافة المعلومات الواردة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي قد تكون أحياناً مضلّلة.

تنفّس عميقاً

ربّما يبدو الأمر مستحيلاً وسط أصوات القصف وأزيز الطيران، لكنّ محاولة ممارسة تقنيات الاسترخاء وإن لـ5 أو 10 دقائق تعود بفائدة نفسية كبيرة. تعدّد نخلة من بين تلك التقنيات التأمّل، والتنفّس العميق، واليوغا. وتضيف أنّ «الحركة الجسدية كالمشي وممارسة الرياضة الخفيفة تساعد كذلك في ضبط القلق ومعالجة المشاعر المكبوتة».

نازحات يتابعن أخبار الحرب في لبنان على هواتفهنّ (أ.ب.)

الروتين المفيد

تذكّر نخلة بأهمية «الحفاظ على روتين يوميّ ضمن الإمكانيات المتاحة». يحصل ذلك من خلال تكريس بعض الوقت للعناية بالذات، كتخصيص نصف ساعة يومياً للمشي في الهواء الطلق، ومحاولة تثبيت مواعيد تناول الطعام، وإطفاء الهاتف قبل ساعة من الخلود إلى النوم.

فكّر بغيرك

من السلوكيّات البشريّة التي تساعد على تخطّي الحرب بأقلّ أضرار نفسية ممكنة، الانخراط في المساعدة الاجتماعية. فمدّ يد العون إلى الفئات الأكثر تضرُراً يمنح شعوراً بالاكتفاء والرضا عن الذات. لذلك فإنّ علم النفس ينصح مَن هم قادرون على فعل ذلك بأن يتطوّعوا لإعانة النازحين أو أهالي الضحايا، أو على الأقلّ بأن يقدّموا ما يستطيعون من مساعدات وتبرّعات.

التطوّع في خدمة الفئات الأكثر تضرراً يعود بفائدة نفسية كبيرة (أ.ب)

العلاج النفسي أوّلاً وأخيراً

تلفت الأخصائية النفسية باسكال نخلة إلى أنّ «مشاهدة القصف والدمار والتعرّض للأصوات العنيفة يولّدان حالة من التأهّب وبالتالي ضغطاً على العضلات وآلاماً جسدية». وهي تشدّد في هذا السياق على أنّ «العلاج النفسي والسلوكي ضروري حتى لمَن ليسوا في أماكن الخطر». من هنا أهمّية خلايا الدعم النفسي التي تنشط في ظل الحرب، وتقدّم استشاراتٍ مجانية لمَن هم بحاجة إليها.

لكن لعلّ أبرز ما تذكّر به نخلة هو ضرورة تصويب سرديّة الصمود التي اقتاتت عليها أجيالٌ متعاقبة من اللبنانيين. فالصمود، في المفهوم النفسيّ، ليس التأقلم مع الظروف القاهرة ولا اعتماد النكران والتجاهل للمصائب المحيطة. الصمود، وفق ما تعرّفه الأخصائية النفسية، هو «نموّ ما بعد الصدمة أي محاولة النهوض والازدهار من جديد». وقد تكون باكورة الصمود مجرّد تذكير الذات بأنه لا حرب تدوم وبأنّ لكل محنةٍ نهاية.