أدريانا الحاج ترسم الجداريات وتبوح بالمجرَّد

الرسامة اللبنانية لـ«الشرق الأوسط»: أتعمَّد التحدّيات لأتعلّم

اللبنانية أدريانا الحاج أدركت الطريق منذ البداية (صور الرسّامة)
اللبنانية أدريانا الحاج أدركت الطريق منذ البداية (صور الرسّامة)
TT

أدريانا الحاج ترسم الجداريات وتبوح بالمجرَّد

اللبنانية أدريانا الحاج أدركت الطريق منذ البداية (صور الرسّامة)
اللبنانية أدريانا الحاج أدركت الطريق منذ البداية (صور الرسّامة)

بينما كانت المعلّمة تشرح، شرَدَت ابنة السنوات الـ11 في خيالها وسلّمته للرسم على طاولة الصفّ. شجَّعت العائلة الرسّامة اللبنانية أدريانا الحاج على تطوير الموهبة، فكان التتلمُذ على الفنّان التشكيلي حيدر حموي. إكمال الدراسة في فرنسا عرَّفها أكثر على ما ولعت به: فنّ الجدارية. قرأتْ، وتعلّمتْ، وشاركتْ في ورشات عمل، للتمكُّن من الأدوات. اليوم، تقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا مكان لأضع لوحاتي!». ذلك أنّ نتاج الفنانة يتجاوز الـ2000 عمل طوال 20 عاماً، وسط مواصلة التعلُّم والتوق إلى الأفضل.

الجدارية تمنح المكان الضيّق «مجالاً آخر» (صور الرسّامة)

استهواها الجدار وضخّ الألوان على سطحه، فشكَّل هذا السطح المادة الأحبّ إليها. درَّبها أستاذ فرنسيّ على تقنيات الرسم عليه وتلوينه. تقول: «منذ البداية عرفتُ طريقي. وضعتُ هدفي وانطلقتُ. لم أكفَّ عن السعي».

لـ6 سنوات درست الهندسة الداخلية، لتزور المنازل وتُشكّلها قبل مدِّها بالرسم واللون. تتحدّث عن فسحات ضيّقة، لا متّسعات فيها، فتمنحها الجدارية «مجالاً آخر»: «بعض المنازل يخلو من مشهديات الطبيعة، ولا يطلّ على الاخضرار. حين تزيّنه جدارية مستوحاة من الشجر والورد وأشكال الانشراح، يتحلّى بالطلاقة. لا يعود محدوداً، فيتحرّر من الضيق لمجرّد مَنْحه ألواناً مريحة».

استهواها الجدار وضخّ الألوان على سطحه (صور الرسّامة)

أرادت تعميم الجداريات ورفض حصرها بالطبقة المخملية القادرة على دفع المال للحصول عليها. راح هواة الجَمْع يألَفون فنّها ويطلبونها للرسم في منازلهم. وحدث ذات صدفة أنها كانت ترسم على الشرفة حين مرَّ مهندس أسترالي ولمَحَ ما أراده. تروي: «حينها قال لي، أريدكِ غداً في الأشرفية، وأعطاني العنوان. ذهبتُ. قدَّم إليّ صورة وطلب رسمها على جدار طوله 5 أمتار. بعد أيام، أنهيتُ العمل وقد سرَّه جداً، فسلّمني الرسم في مطعم، صدَفَ أنه للفنان راغب علامة، لتبدأ علاقتي بالمشاهير من هذه الفرصة».

تناقلت الأسماء فرادة فنّها، وراحت تُعرَف، ليس في منازل الفنانين، من راغب علامة إلى كارول سماحة، بل بين طلابها وجيل الغد. تستعدّ أدريانا الحاج لمعرضها مع رسّامي «الجامعة اللبنانية - الأميركية» (LAU) المُتزامِن مع تخرّجهم، وبالتوازي تُواصل الرسم لإنجاز معارض فردية مقبلة. تقول مَن ألقت ريشتها في الماء لئلا تجفّ الألوان بينما تُجري اللقاء: «لا أستطيع التوقُّف. أرسم كمَن يشرب قهوته كلّ صباح ولا يكتمل نهاره من دونها. حياتي تنقُص بلا رسم يومي. ولا أختار السهل، بل أتعمّد التحدّيات. أطارد لوحة تُشعرني بأنني في مسار التطوُّر. فحين يصقل الفنّان مساره بالبحث المستمرّ والدرس، يستطيع إفادة الآخرين. في حالتي، أفيد طلّابي. أعطيهم لأنني لا أكفُّ عن النَهْل».

أدريانا الحاج ومصمّم الأزياء نجا سعادة خلال تصميم «أنا بيروت» (صور الرسّامة)

محطّة أخرى جسَّدها تعاون أدريانا الحاج مع مصمّم الأزياء اللبناني نجا سعادة. ذلك بدأ من إضافة لمساتها على جاكيت يرتديها، وقِطع ثياب يطلّ بها في عروضه الخاصة. ولمّا لاقت اللمسة الإعجاب، اتّفقا على إدخالها في فساتين وبعض فولارات الحرير. أصبح الرسم بعض تصاميمه، وبلغ ذروته حين شكَّلا فستان «أنا بيروت» بُعيد انفجار المرفأ. لقي التصميم أصداء، فارتدته الإعلامية رابعة الزيات وسط الحطام، ليُعرض لاحقاً في مزاد ويجمع ما يزيد على 80 ألف دولار لإصلاح المنازل المتضرّرة.

الريشة الناطقة تتغلّب على الكلام القليل (صور الرسّامة)

يكتمل الشغف بالتعبير المجرَّد، فتقول: «التجريد يُخرج مني ما لا أقوله دائماً. هو فسحتي للبوح. يُشعرني باللاحدود». شيءٌ في أدريانا الحاج يميل إلى الصمت، فتُغلّب الريشة الناطقة على الكلام القليل والإجابة المختَصرة. أداة الرسم بديلُ صفِّ الكلمات الطويلة، والسطح يصبح فضاءً لما لا يُقال فيختار الاختزال والاقتضاب والتورية.

يكتمل الشغف بالتعبير المجرَّد (صور الرسّامة)

ولمّا حلَّ المرض، عكَسَت القاعدة. تُدرك أنّ الرسم علاج، وتُطبِّق ممارسته على الآخرين، بينهم أولاد يهدُّ السرطان أجسادهم، من دون أن يُطفئ حماستهم حيال التعلُّم منها والشفاء بخليط ألوانها. وإنما اختراقه جسدها جمَّد الريشة وكتَّف اليد، باستثناء محاولات ضئيلة خلال رحلة العلاج. نسألها عن المرض حين يصبح نقطة تحوُّل، كيف يوظّفه الفنّان ليُخمِّر فنّه؟ ردُّها: «شلّني في البداية، وفرض عليَّ التركيز الكامل لاستعادة الصحّة. ثم نهضت. حين رسمتُ مجدداً، شعرتُ بحلاوة الرسم وبتلك الإضافة الجميلة الفارقة. رحتُ أتطلّع إلى اللوحة بنظرة مغايرة، وأمنحها تفسيراً آخر».

التجريد يُخرج من أدريانا الحاج ما لا تقوله دائماً (صور الرسّامة)

جوائز حصدتها بين فرنسا ولبنان وشرم الشيخ في مصر، حين حضرت قامات، بينهم نور الشريف ومحمود حميدة معارضها. تبقى بيروت عزيزتها، ولعلَّها تشبهها. الاثنتان اختارتا النهوض في عزّ الوجع.


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق لمُّ الشمل (مواقع التواصل)

اثنان من قدامى المحاربين يلتقيان مصادفةً بعد 70 عاماً

التقى اثنان من قدامى المحاربين مصادفةً بعدما فرّقتهما الأيام لـ70 عاماً... هذه قصتهما.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق وداعٌ بعد أعوام طويلة (غيتي)

ألمانيا تودّع متحف البطريق بعد نفاد صبر إدارته

قرّر متحف البطريق الوحيد في ألمانيا بيع مقتنياته التي وصفها بأنها أكبر مجموعة من نوعها في العالم؛ وذلك قبل إغلاق أبوابه في مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

«الشرق الأوسط» (برلين)
يوميات الشرق تقدير وفخر (إكس)

مربّى يعمّق العلاقات اليابانية - البريطانية

كُرِّمت سيدة تنشر متعة صناعة «المَرْمَلَاد» (نوع من المربّى) لمساهمتها في تعزيز العلاقات بين بريطانيا واليابان.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق العناكب كابوسية هنا ولطيفة هناك (غيتي)

عشاق العناكب في كولورادو: كائنات أليفة وليست كابوسية

إنه موسم تزاوج العناكب، فتخرج الذكور من جحورها بحثاً عن شريكة، ويتوافد المئات من عشاقها إلى بلدة لا جونتا الزراعية الصغيرة لمشاهدتها بأعداد غفيرة.

«الشرق الأوسط» (لا جونتا (كولورادو الأميركية))

فنانون مصريون يتجهون للإنتاج السينمائي والدرامي

ياسمين رئيس مع أسماء جلال في مشهد من الفيلم (حسابها على «فيسبوك»)
ياسمين رئيس مع أسماء جلال في مشهد من الفيلم (حسابها على «فيسبوك»)
TT

فنانون مصريون يتجهون للإنتاج السينمائي والدرامي

ياسمين رئيس مع أسماء جلال في مشهد من الفيلم (حسابها على «فيسبوك»)
ياسمين رئيس مع أسماء جلال في مشهد من الفيلم (حسابها على «فيسبوك»)

انضمت الفنانة المصرية ياسمين رئيس لقائمة الممثلين الذين قرروا خوض تجربة الإنتاج السينمائي من خلال فيلمها الجديد «الفستان الأبيض» المنتظر أن يشارك في النسخة السابعة من مهرجان الجونة السينمائي، المقرر انطلاقها يوم 24 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.

وأظهر «التريلر» الدعائي للفيلم، الذي تقوم ببطولته ياسمين رئيس مع أسماء جلال، اسم رئيس كمنتج شريك في الفيلم مع المنتج محمد حفظي بأولى تجاربها في مجال الإنتاج الفني، وهو الفيلم الذي كتبته وتخرجه جيلان عوف، فيما تدور الأحداث حول قصة فتاتين تُضطر إحداهن للبحث عن فستان زفافها عشية العرس، لكن رحلة البحث تتحول لرحلة من أجل اكتشاف الذات.

تقول ياسمين رئيس إن خوضها للتجربة ارتبط بقوة المشروع والسيناريو الذي اطلعت عليه، مضيفة لـ«الشرق الأوسط» أنها اتخذت القرار لإعجابها بالفكرة والمعالجة وطريقة تقديمها، مشيرة إلى أن رغبتها في خروج الفيلم للنور ورؤية الجمهور شخصية «وردة» التي تقدمها بالأحداث في الصالات السينمائية جعلها تنخرط كشريكة في الإنتاج لدعم المشروع.

ويشيد الناقد الفني المصري أحمد سعد الدين بخطوة ياسمين رئيس للمشاركة في الإنتاج، معرباً عن أمله في أن يتجه الفنانون للانخراط في تجارب إنتاجية تقدمهم بشكل مختلف.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «كثيراً من الفنانين خاضوا تجربة الإنتاج وقدموا تجارب مهمة سينمائياً، سواء فيما يتعلق بالأدوار التي قدموها أو حتى بالقضية التي تناولوها، منهم الفنان الراحل فريد شوقي الذي خاض تجربة الإنتاج بفيلم (جعلوني مجرماً) الذي تسبب في تغيير القوانين وقتها».

وياسمين رئيس ليست الممثلة الأولى التي تخوض تجربة الإنتاج هذا العام، فقد سبقتها الفنانة هند صبري بمشاركتها كمنتج فني لمسلسلها «البحث عن علا 2» الذي انطلق عرضه الشهر الماضي على منصة «نتفليكس».

هند وظافر في مشهد من «البحث عن علا 2» (نتفليكس)

ويملك عدد من الفنانين شركات إنتاج في الوقت الحالي أو شركاء فيها مع آخرين من بينهم أحمد حلمي، ومنى زكي، ومحمد هنيدي، وإلهام شاهين، بالإضافة إلى بعض صناع السينما، منهم المخرجان رامي إمام وطارق العريان، بالإضافة إلى المؤلف صلاح الجهيني.

وأوضح الناقد المصري محمد عبد الخالق أن «مشاركة الفنانين في الإنتاج لا يكون الهدف منها ضخ الأموال فحسب، ولكن مرتبط برغبة الممثل في تقديم التجربة بمستوى وشكل معين ربما لا يلقى الحماس من المنتج بحماس الممثل نفسه الذي تكون لديه حرية أكبر بالعمل عندما يكون منتجاً أو شريكاً في إنتاج العمل الفني».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن هند صبري قدمت هذا النموذج في مسلسل (البحث عن علا) بجزأيه، فلم يكن ذلك مرتبطاً بضخ الأموال في الإنتاج بقدر اهتمامها بمتابعة جميع التفاصيل الفنية الخاصة بالعمل، من الكتابة والتصوير والنقاش مع الكتاب بمنظور الممثلة والمنتجة وصولاً لتسليم الحلقات وبدء عرضها».

وخاضت الفنانة إلهام شاهين تجربة الإنتاج من خلال عدة أفلام؛ أبرزها «يوم للستات» الذي حصد العديد من الجوائز في المهرجانات التي شارك بها، لكن إلهام أكدت في تصريحات تلفزيونية سابقة أن تجربة الإنتاج جعلتها تخسر على المستوى المادي بسبب اهتمامها بأدق التفاصيل، رغم تصريحها بمساندة زملائها لها بتخفيض أجورهم في الأعمال التي أنتجتها.

وأكدت إلهام أن الخسائر التي تعرضت لها على المستوى الإنتاجي كانت سبباً في عدم قدرتها على إنتاج أعمال أخرى كانت ترغب في تقديمها من بينها فيلم «حظر تجول» الذي استمر معها لمدة عام، ولم تستطع إنتاجه إلى أن تحمست له شركة أخرى قامت بإنتاجه.

ويختتم محمد عبد الخالق حديثه بالتأكيد على أن «مشاركة الفنانين في العملية الإنتاجية أمر إيجابي؛ لأنهم سيكونون قادرين على تقديم أعمال فنية تبقى في ذاكرة السينما والدراما، دون التركيز على الربح المادي».