«على مركب لوريان المتجه إلى الإسكندرية، يقف نابليون بونابرت مخاطباً مجموعة من العلماء الذين اصطحبهم معه، ومن خلفه يظهر القائد الفرنسي جان كليبر»... هذا ما تصوره إحدى لوحات معرض «الإسكندرية بين بونابرت وكليبر»، الذي يستضيفه المتحف القومي بالإسكندرية، لتوثيق الحملة الفرنسية على مصر (1798 - 1801م).
يتضمن المعرض – الذي يستمر حتى منتصف يونيو (حزيران) الحالي - مجموعة من اللوحات التي أبدعها الرسامون المرافقون للحملة الفرنسية؛ حيث حرص بونابرت على اصطحاب عشرات العلماء المتخصصين في مختلف العلوم والفنون والآداب.
يعتمد المعرض على اللوحات والخرائط التي يتضمنها كتاب «وصف مصر»، الذي أنجزه علماء الحملة، ونقلوا من خلاله ملامح الثقافة والحضارة المصرية بعمق وتحليل ليس له مثيل، بعد أن أطلق «نابليون» ومن بعده «كليبر» العنان للعلماء لكي يكتبوا عن مصر، فانطلقوا يدوّنون عن كل ما يقابلهم، من عادات وتقاليد وأزياء وحالة اجتماعية واقتصادية، وتقديم وصف لكنوز مصر التاريخية والثقافية والفنية والدينية، في رسوم وخرائط وملاحظات وبحوث.
المتخصص في التاريخ الفرنسي، والمُشرف على المعرض، الدكتور عباس أبو غزالة يقول لـ«الشرق الأوسط»: «تزامن تنظيم معرض (الإسكندرية بين بونابرت وكليبر) مع الاحتفال باليوم العالمي للمتاحف، ويتناول المعرض من خلال عدد من اللوحات الفنية التي رسمها الفنانون المرافقون للحملة التأريخ لها، منذ إنزال القوات الفرنسية في خليج المرابط، العجمي حالياً، في يوليو (تموز) عام 1798، وحتى مغادرة قائد الحملة نابليون مصر في أغسطس (آب) 1799، ثم تولي الجنرال كليبر قيادة الحملة من بعده».
ومن بين أعمال المعرض، نجد إحدى اللوحات تسجل الهجوم على الإسكندرية، وهي من رسومات الفنان الفرنسي بيلانجيه، وأخرى تعكس الاستيلاء على الإسكندرية وظهور بونابرت أمام أبراجها. أما المقاومة الشعبية ضد الحملة فيمكن أن نراها في لوحة بطلها محمد كُريّم، حاكم مدينة الإسكندرية خلال الحكم العثماني، الذي يظهر وهو يلقي بالحجارة على الفرنسيين.
ويوضح «أبو غزالة» أن «المعرض يحاول تسليط الضوء على الدور الذي قام به الجنرال كليبر في إنجاز موسوعة (وصف مصر)، التي تمت بتحفيز كبير منه، وهي معلومة لا يعرفها كثير من المصريين، لكنها حقيقة تاريخية؛ حيث يتم نسب الكتاب إلى زمن الحملة الفرنسية، لكن كليبر هو من حدد الخطوط الكبرى للموسوعة، ويعده المؤرخون وراء هذا الإرث العلمي، لحثه العلماء على مهمتهم في جمع كل المعلومات التي من شأنها التعريف بالحالة المصرية».
وبحسب المصادر التاريخية، استمر كليبر في قيادة الحملة منذ مغادرة نابليون مصر، وحتى مقتله في 14 يونيو (تموز) 1800 على يد سليمان الحلبي، وهو شخص سوري من حلب، وقد تم القبض عليه بعد ذلك ومحاكمته وإعدامه، ولم يتجاهل المعرض مقتل كليبر، فقد سجل الواقعة أحد الفنانين موضحاً استخدام الحلبي خنجراً يسدد به طعنات إلى صدر كليبر.
ومن الوقائع والأحداث الأخرى التي ترصدها لوحات المعرض معركة أبي قير البحرية، التي وقعت في 2 أغسطس (آب) 1798، بين الأسطول البريطاني والأسطول الفرنسي على شواطئ خليج أبي قير بالإسكندرية، التي أسفرت عن تدمير الأسطول الفرنسي. كما ترصد لوحة أخرى معركة أبي قير البرية، التي انتصر فيها الفرنسيون على الأتراك في 25 يوليو (تموز) 1799.
وتسجّل اللوحات مشاهد أخرى مثل رحيل نابليون عن مصر، وتقدم الحملة الفرنسية إلى مدينة رشيد، على ساحل البحر المتوسط، بعد سقوط الإسكندرية.
وإلى جانب ما جاء في موسوعة «وصف مصر»، يتضمن المعرض لوحات أخرى تؤرخ للحملة الفرنسية، منها لوحة تجسد نابليون بونابرت فيما يحمله جنوده بعد أن كاد يغرق، وهي لوحة بمتحف فنون مدينة ليل الفرنسية، وأخرى تنقل مشهداً من حفر بارز على قوس النصر بباريس، يمثل الاستيلاء على الإسكندرية.