المشاهدون في السعودية ومصر يريدون حكايات وشخصيات تلفزيونية «تشبهُهم»

دراسة جامعية أميركية تكشف ما يفضّل الجمهور العربي متابعته على الشاشة

دراسة من جامعة جنوب كاليفورنيا ترصد السلوكيات التلفزيونية لدى المشاهدين السعوديين والمصريين (جامعة جنوب كاليفورنيا)
دراسة من جامعة جنوب كاليفورنيا ترصد السلوكيات التلفزيونية لدى المشاهدين السعوديين والمصريين (جامعة جنوب كاليفورنيا)
TT

المشاهدون في السعودية ومصر يريدون حكايات وشخصيات تلفزيونية «تشبهُهم»

دراسة من جامعة جنوب كاليفورنيا ترصد السلوكيات التلفزيونية لدى المشاهدين السعوديين والمصريين (جامعة جنوب كاليفورنيا)
دراسة من جامعة جنوب كاليفورنيا ترصد السلوكيات التلفزيونية لدى المشاهدين السعوديين والمصريين (جامعة جنوب كاليفورنيا)

يفتقد صنّاع المحتوى في المنطقة العربية، خريطة طريق تقودهم في اتّجاه ما يحبّ المشاهدون استهلاكه تلفزيونياً. بهدفِ مساعدتهم على التعرّف إلى أذواق الجمهور وابتكار برامج يتوق إليها، ارتأى معهد العلوم السينمائية في جامعة جنوب كاليفورنيا الأميركية USC، وبدَعمٍ من «مبادرة الشرق الأوسط للإعلام (MEMI)»، أن يُعدَّ دراسةً حول البرامج التلفزيونية والمحتوى الترفيهي المفضّل لدى المشاهدين في كلٍ من المملكة العربية السعوديّة ومصر.

توضح جوهانا بليكلي، وهي الباحثة الرئيسية في الدراسة، في حديث مع «الشرق الأوسط» أنّ الهدف الأساسي من المشروع هو «تقديم معلومات للكتّاب التلفزيونيين العرب، قد تساعدهم على فهم متطلّبات مشاهديهم، بما في ذلك أنواع البرامج المفضّلة لديهم، وعناصر السرد التي يحبّذون». وتركّز دراسة «MEMI»، البرنامج المدعوم من السفارة الأميركية في الرياض ووزارة الخارجية الأميركية، على ما يبحث عنه المشاهدون على الشاشات العربية ولا يجدونه.

تهدف الدراسة إلى تقديم معلومات لصنّاع المحتوى العرب حول سلوكيّات المشاهدين التلفزيونية (أ.ف.ب.)

الضحك و«الأكشن» في الصدارة

توصّلت الدراسة، التي استطلعت آراء مئات السعوديين والمصريين من الإناث والذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و40 عاماً، إلى أنّ أوّل ما يتوقّعه المُشاهد من المسلسل الذي يتابعه، أن يجد فيه قصصاً وشخصياتٍ تشبهه ويستطيع التماهي معها. يتّفق المستَطلعون على عبارة «أريد حكاياتٍ عن أشخاص يشبهونني». واللافت أنّ المشاهدين الأصغر سناً (18 - 26 سنة) غير راضين بوجهٍ عام عن المحتوى العربي، فيتّجهون إلى الإنتاجات الغربية أكثر من الفئة الأكبر سناً (27 - 40 سنة).

أما أبرز الاستنتاجات التي توصّل إليها الاستطلاع، فهو أنّ أعمال الإثارة والحركة والمغامرة والكوميديا هي أكثر ما يحب المُشاهدان السعودي والمصري متابعته على الشاشة. كما يتّفق الجمهور في كلا البلدَين على أنّ الأحداث والشخصيات هي أهمّ عناصر البرنامج، وليس طاقم التمثيل والأبطال الذين يشكّلون القسم الأكبر من التكلفة الإنتاجيّة.

تتصدّر الكوميديا ومسلسلات التشويق الأنواع التلفزيونية المفضّلة لدى المشاهد السعودي (جامعة جنوب كاليفورنيا)

الواقع بديلاً عن الخيال

تلفت بليكلي في هذا الإطار إلى أنّ أكثر ما فاجأها خلال إعداد الدراسة، «تفضيل الجمهور السعودي الحكايات المرتبطة بأحداث آنيّة، على القصص الخياليّة التي تكون بمثابة هروب من الواقع». وتضيف أن «السعوديين يتطلّعون إلى محتوى عربي ذي جودة عالية، يركّز على تجارب معاصرة لشخصيات حقيقية من المنطقة». ووفق الدراسة، فإنّ المُشاهد السعودي يستهلك كثيراً من المحتوى التلفزيوني غير العربي عبر المنصات العالمية، معدّداً «Friends (أصدقاء)»، و«Game of Thrones (صراع العروش)»، و«Squid Game (لعبة الحبّار)» من بين مسلسلاته المفضّلة. في المقابل، يتّجه المصريّون صوب الإنتاجات المحلّيّة، وهم يضعون «الحكاية مع عمرو أديب»، و«معكم منى الشاذلي»، و«صاحبة السعادة» في طليعة برامجهم المفضّلة.

توصّلت الدراسة كذلك إلى أنّ النساء يشاهدن التلفزيون ومنصات البثّ أكثر من الرجال في كلٍ من السعوديّة ومصر. أما خلال شهر رمضان، فترتفع نسبة المشاهدين من الرجال، ما يعني أنّ على صنّاع المحتوى الأخذ في الاعتبار ابتكار مسلسلات منبثقة من الواقع والأحداث الجارية، وهو صنفٌ تلفزيونيّ يحبّذه المشاهدون الذكور.

مجموعة من البرامج العربية المفضّلة في السعودية ومصر (جامعة جنوب كاليفورنيا)

ألعاب الفيديو مصدر وحي

يتلاقى الجمهوران السعودي والمصري عند أفضليّة المُشاهَدة المتواصلة للمسلسلات أو الـ«binge watching» بدل انتظار الحلقات اليوميّة أو الأسبوعيّة. وبينما تتّجه الإناث إلى المحتوى الرومانسي والدراما، يفضّل الرجال كل ما يرتبط بالرياضة، إضافةً إلى مسلسلات المغامرة والحركة والبرامج الكوميديّة الساخرة. أما المشترَك بين الجنسَين، فهو الاهتمام بألعاب الفيديو، الأمر الذي من المفترض أن يحفّز المنتجين وصنّاع المحتوى العرب على ابتكار مسلسلات مستوحاة من هذه الألعاب أو مبنيّة عليها.

وبما أنّ وسائل التواصل الاجتماعي هي منصّات الترفيه والإعلام الأولى بالنسبة إلى الجماهير العربية، تشدّد الدراسة على أهمّية إنتاج محتوى خاص بالسوشيال ميديا يكون امتداداً للمحتوى التلفزيوني. وتوضح بليكلي، في هذا السياق، أنّ المقصود هنا هو «محتوى إضافي مُرافق للبرامج والمسلسلات يُنشر على صفحات التواصل الاجتماعي، ويكون مكمّلاً للمادّة التلفزيونية؛ مثل مَشاهد حصريّة من خلف الكواليس، ومعلومات خاصة عن فريق الممثلين، وخفايا عن تطوّر الأحداث». وقد استنتج البحث أن «80 في المائة من المستطلَعين السعوديين يرغبون بمحتوى إضافي يتيح لهم التفاعل بشكلٍ أكبر مع القصة ويجعلهم أوفياء أكثر للمسلسل».

تفضّل شريحة كبرى من الجمهور السعودي متابعة المسلسلات الغربية على تلك العربية (جامعة جنوب كاليفورنيا)

أبرز التوصيات

أما أبرز التوصيات التي تخرج بها الدراسة لتضعها بين أيدي المنتجين وصنّاع المحتوى العرب، لا سيّما في السعوديّة ومصر فهي:

مَنح الأولويّة للأحداث وتركيبة الشخصيات وأسلوب السرد بدل التركيز على ثقل أسماء الممثلين المشاركين في العمل.

إنتاج مزيد من مسلسلات الإثارة والتشويق والمغامرة؛ لأنّ هذه الأنواع التلفزيونية هي المفضلّة في كل من مصر والسعوديّة.

تقديم برامج كوميديّة تتناول قضايا مهمّة، فالجمهوران يتطلّعان ليس إلى ما يُضحكهما فحسب بل إلى ما يدفعهما للتفكير ويتعلّمان منه.

كتابة قصص مستوحاة من الأحداث الآنيّة، بدل التمسّك بالسرديّات الخياليّة والهادفة إلى الهروب من الواقع.

إنشاء محتوى إضافي مرتبط بالمسلسل للاستخدام على وسائل التواصل الاجتماعي.

تأتي دراسة جامعة جنوب كاليفورنيا و«مبادرة الشرق الأوسط للإعلام» جزءاً من مشروع التبادل الدبلوماسي الثقافي بين الولايات المتحدة الأميركية والمنطقة العربية. وتلفت بليكلي إلى أنّ «أفضل تجلّيات التبادل الثقافي هو أن يتحصّن المستفيدون من ذلك البحث، أي صنّاع المحتوى التلفزيوني العرب، بمعلومات جديدة وبمهاراتٍ أقوى وبشبكات أوسع تساعدهم على النجاح». وتضيف أن الدراسة ستعود بالفائدة على الكتّاب التلفزيونيين والمنتجين والأطقم التنفيذية؛ لأنه ستصبح بمتناولهم معلومات عن سلوكيّات جمهور التلفزيون ومنصات البث، وهي معلومات حصريّة وغير متوفرة في أي مكان آخر. كل ذلك كفيل بتحضيرهم للنجاح بمجرّد أن يطوّروا قصصاً تجد صدى لدى المشاهدين المحلّيين.


مقالات ذات صلة

صلاح تيزاني لـ«الشرق الأوسط»: نفتقد اهتمام وزارات الثقافة بإرث الفنانين

يوميات الشرق تساءل عن دور وزارات الثقافة في حفظ إرث الفنانين (فيسبوك)

صلاح تيزاني لـ«الشرق الأوسط»: نفتقد اهتمام وزارات الثقافة بإرث الفنانين

أسرَعَ «أبو سليم» في إنقاذ إرثه الفني وحفظه في المكان المناسب. فمؤخراً شهد بعض العالم العربي أرشيف عدد من نجوم الفن يُوزَّع على الفقراء أو يُرمى في المهملات.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق الفنانة الكندية سيلين ديون خلال إحدى نوبات «متلازمة الشخص المتيبّس»... (أمازون برايم)

سيلين ديون... متيبّسة وجاحظة العينين أمام الكاميرا

لحظات صادمة سيتابعها مشاهدو الوثائقي الذي يستعرض رحلة علاج المغنية العالمية سيلين ديون من «متلازمة الشخص المتيبّس»، التي أرغمتها على وضع حدّ لنشاطها الفني.

كريستين حبيب (بيروت)
أوروبا تظهر كلمة «عقوبات» على علمي الاتحاد الأوروبي وروسيا في هذه الصورة الملتقطة في 27 فبراير 2022 (رويترز)

موسكو تعلن حجب 81 وسيلة إعلامية أوروبية في روسيا

أعلنت روسيا الثلاثاء حجب 81 وسيلة إعلامية في «إجراء انتقامي» بعدما حظرت بروكسل الشهر الماضي بثّ عدد من وسائل الإعلام الروسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
يوميات الشرق ليز دويتش ومقدّمة البرنامج (آي تي في)

أستاذة بريطانية تُركت في سلّة تعثر على عائلتها بعد 59 عاماً

أعلنت امرأة بريطانية كانت قد تُركت في سلّة تسوُّق وهي تبلغ 6 أيام، مواصلةَ البحث عن تاريخ عائلتها بعدما كشف برنامج وثائقي تلفزيوني عن أدلّة جديدة تتعلق بماضيها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الاعتداء على عسكريات يفجّر فضيحةً في فرنسا (أ.ف.ب)

تحقيق «صادم» يكشف اعتداءات على نساء في الجيش الفرنسي

رغم تحرُّر الخطاب النسائي بعد موجة «مي تو» للتنديد بالمتحرّشين، لم يتوقّع أحد أن تتعرّض عسكريات مدرَّبات لسوء معاملة من هذا النوع ويضطررن إلى السكوت.

«الشرق الأوسط» (باريس)

أي طقوس مارسها السكان الأصليون في أستراليا قبل 12 ألف عام؟

الكهف خزّان الآثار (أ.ف.ب)
الكهف خزّان الآثار (أ.ف.ب)
TT

أي طقوس مارسها السكان الأصليون في أستراليا قبل 12 ألف عام؟

الكهف خزّان الآثار (أ.ف.ب)
الكهف خزّان الآثار (أ.ف.ب)

اكتُشف داخل كهف في أستراليا عودان خشبيان مغطّيان بالدهون، يمثّلان آثاراً لطقوس تعود إلى 12 ألف عام، تناقلها أكثر من 500 جيل من السكان الأصليين.

ومن النادر جداً أن تتبَّع أدلّة أثرية تعود إلى آلاف السنوات رمزية تصرّفات أفراد مجتمعات لم تكن تمارس الكتابة بعد، وفق معدّي دراسة نشرتها مجلة «نيتشر هيومن بيهييفير»، ونقلتها «وكالة الصحافة الفرنسية».

وسُجِّل هذا الاكتشاف داخل كهف عند سفح جبال الألب الأسترالية، في منطقة يقطنها سكان أصليون، هم مجموعة «غونايكورناي». وقد أجريت أعمال تنقيب في الكهف خلال السبعينات، وأدّت إلى اكتشاف بقايا حيوانات كنغر عملاقة، يُحتمل أن يكون أوّل مَن سكن الكهف قد استهلكها.

لكنّ أفراد المجموعة «لم يشاركوا في عمليات التنقيب» في هذا الموقع الذي ينتمي إلى «أجدادهم»، وفق عالم الآثار، برونو ديفيد، من قسم الدراسات المتعلّقة بالسكان الأصليين في جامعة «موناش» الأسترالية، والمُعدّ الرئيسي للدراسة.

وفي 2020، أجريت مجدّداً عمليات تنقيب في كهف كلوغز الصغير، لكن هذه المرة بقيادة مجموعة من السكان الأصليين، مثّلتها جمعية «غلاواك». ورغبة منهم في الوصول إلى طبقات قديمة لم تُمَس، حفر علماء الآثار حفريات صغيرة في الجدار، فظهرت عصا خشبية ثم ثانية، وبدتا محفوظتين بشكل جيد جداً.

تعود الأولى إلى 11 ألف عام، والثانية إلى 12 ألفاً، خلال نهاية العصر الجليدي الأخير، وفق التأريخ بالكربون المُشع.

والعودان بالكاد محترقان، وكان كل منهما في رماد موقد بحجم كفّ اليد، لا يمكن استخدامه لتسخين اللحوم أو طهيها. وصُقِلت أطرافهما ليوضعا عمودياً في النار، ويُغطّيا بالدهون الحيوانية أو البشرية.

من جهته، قال رئيس جمعية «غلاواك»، وأحد مُعدّي الدراسة راسل موليت: «إنها لحظات مجمَّدة في الزمن، ومثيرة للفضول، لدرجة أننا تساءلنا عما كان يحدث في الكهف».

وقد قادته سنوات من البحث إلى روايات إثنوغرافية لألفريد هويت، عالِم الأنثروبولوجيا الأسترالي في القرن الـ19، المتخصِّص في ثقافات السكان الأصليين. وبقيت بعض ملاحظات هويت التي لم تُنشر محفوظة في متحف، تعيَّن على راسل موليت التفاوض معه بشكل حثيث لاستعادتها.

ويصف هويت الطقوس التي كان يمارسها «مولا مولونغ»، وهم معالجون ومعالجات يُعدُّون أقوياء في مجموعة «غونايكورناي».

وخلال الاحتفالات، استخدم «مولا مولونغ» أعواد خشب مماثلة لتلك التي عُثر عليها في كهف كلوغز، مصنوعة من الخشب عينه (كازوارينا)، ومغطّاة أيضاً بالدهون البشرية أو دهون حيوانات الكنغر، كانت تُستخدم للحفاظ على النار خلال الطقوس.

وأوضحت جامعة «موناش»، في بيان، أنّ «(مولا مولونغ) كانوا يردّدون اسم الشخص المريض، وعندما يُستهلك عود الخشب كان يسقط وتنتهي التعويذة».

واستمرّت ممارسة هذه الطقوس في القرن الـ19 بأماكن نائية، وفق روايات ألفريد هويت. وجرى تناقل هذه التصرُّفات لـ12 ألف عام عبر أكثر من 500 جيل، ضمن واحدة من أقدم الثقافات الحيّة في العالم.

وقال جان جاك ديلانوي من مختبر «إديتيم» (بيئات وديناميكيات ومناطق جبلية) في سافوا، المُشارك في الدراسة: «احتفظت أستراليا بذاكرة الشعوب الأولى بفضل تقليد شفهي قوي. في مجتمعاتنا، حدث تغيير في الذاكرة مع الانتقال إلى الكتابة، وفقدنا معنى التصرُّفات».