المطبخ السوداني في القاهرة... تجربة بمذاق الحرب

ازدياد عدد المطاعم في ظل أعداد السودانيين الكبيرة

أكلات تستهدف الزبون المصري حتى يتعرّف على الثقافة السودانية (أ.ف.ب)
أكلات تستهدف الزبون المصري حتى يتعرّف على الثقافة السودانية (أ.ف.ب)
TT

المطبخ السوداني في القاهرة... تجربة بمذاق الحرب

أكلات تستهدف الزبون المصري حتى يتعرّف على الثقافة السودانية (أ.ف.ب)
أكلات تستهدف الزبون المصري حتى يتعرّف على الثقافة السودانية (أ.ف.ب)

ازداد تدريجياً عدد المطاعم السودانية في القاهرة، في ظل أعداد السودانيين الكبيرة التي وصلت إلى مصر بسبب الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع» في السودان، والتي اندلعت في 15 أبريل (نيسان) 2023.

تقديم الطعام السوداني التقليدي للعملاء في مطعم بالقاهرة (أ.ف.ب)

وكانت قد حقّقت السودانية جولي سمير - التي فرّت مع أسرتها إلى القاهرة - حلمها بافتتاح مطعم للأكل السوداني... واليوم أصبح هدفها جذب المصريين للمطبخ السوداني.

وغادرت جولي سمير، البالغة من العمر 42 عاماً، مع أسرتها إلى مصر من مدينة بحري شمال العاصمة السودانية بعد أسبوع من اندلاع المعارك.

وفي شرق القاهرة، جلست السيدة السودانية أمام طاولة، وسط ساحة خضراء بأحد الأندية المصرية الشهيرة، على مقربة من لافتة مطعمها الذي يحمل اسم «قرية أولاد كوش» للأكلات الشرقية والسودانية والحبشية.

طاهٍ يشوي اللحم في المطعم السوداني بالقاهرة (أ.ف.ب)

وقالت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «اسم المطعم من اختيار الوالد... وأرض كوش في الكتاب المقدس هي مصر والسودان وإثيوبيا، ونحن نقدّم أطباقاً من هذه البلدان الثلاثة». وتابعت: «أنا لا أستهدف الزبون السوداني، أنا أستهدف الزبون المصري، حتى يتعرّف على الثقافة السودانية».

وساعد جولي سمير، على افتتاح مطعمها، طاهٍ سوداني كان يعمل في هذا المجال في السودان قبل أن يفرّ إلى مصر. وقالت جولي سمير: «جميع العاملين هنا من السودان، وجميعهم هربوا من الحرب»، مشيرة إلى أنهم تمكنوا من التواصل مع بعضهم عبر منصّات التواصل الاجتماعي.

«أغاشي ولقيمات»

داخل مطبخ المطعم، الذي كان يشغل صالته بعض الزبائن، وقف الطاهي فادي مفيد، بمئزره الأخضر، وسط الأواني يحضّر الوجبات. وقال: «(الأغاشي) هي أشهر الأكلات السودانية».

وتابع مفيد، البالغ من العمر 46 عاماً، أن «(الأغاشي) عبارة عن شرائح من اللحم أو الدجاج أو السمك، تضاف إليها البهارات السودانية الحارة، ويتم شواؤها على نار هادئة».

وقال مفيد، الذي كان يمتلك في السودان شركة متخصصة في تقديم خدمات الطعام والفندقة، قبل أن تُدمّرها الحرب: «المصريون لا يحبّون الأكل الحار؛ لذلك نحاول تقليل البهارات السودانية حتى يتقبّلوه».

كذلك يقدّم المطعم، بحسب ما قال مفيد: «الأكلات الحبشية الشائعة في السودان، مثل (الزغني)، وهي لحم مُبهّر على الطريقة الإثيوبية مع الإنجرا، وهو خبز إثيوبي أقرب إلى الفطائر».

طاهٍ يعد طعاماً تقليدياً سودانياً في مطعم بالقاهرة (أ.ف.ب)

ويرى مفيد أن المنافسة في مصر في مجال المطاعم ليست سهلة: «هناك مطاعم سورية ومصرية ضخمة؛ لذا قد نأخذ بعض الوقت لننافس».

وقالت جولي سمير إنها كانت توزع عيّنات من الطعام أمام المطعم، بعد افتتاحه، على أعضاء النادي المصريين للترويج للأطباق السودانية.

وردّاً على سؤال عن رأيه في الطعام السوداني، قال المصري خالد عبد الرحمن، البالغ من العمر 50 عاماً: «أحببت مذاق البهارات وطراوة اللحم، وهذه الطريقة المميزة في الطهي».

وتنتشر المطاعم السودانية بشكل خاص في حي فيصل في غرب القاهرة، الذي شهد افتتاح عدد من محال الأكل، باختلاف أصنافها بين «الأغاشي» والمشويات و«الفول المدمس» و«الفلافل».

في حي الشيخ زايد، في غرب العاصمة المصرية، افتُتح حديثاً محل «جيب معاك»، الذي يقدّم الحلوى السودانية الشهيرة «اللقيمات»، مع المشروبات السودانية الساخنة، وأبرزها «الشاي المقنّن»، الذي يشبه في طريقة تحضيره شاي الكرك بالحليب.

و«اللقيمات» - التي تشبه «الزلابية» المصرية - عبارة عن كرات من العجين تُقلى في الزيت، ويضاف إليها السكر والشوكولاتة والعديد من النكهات.

وتمتلك سلسلة «جيب معاك» أكثر من فرع في العاصمة السودانية والولايات: «عُطّلت نظراً لظروف الحرب في البلاد»، بحسب ما قال مدير فرع الشيخ زايد قصي بيرم. وتابع بيرم، البالغ من العمر 29 عاماً: «أحببنا فكرة مشاركة علامتنا التجارية مع المصريين... وافتتحنا ثلاثة فروع».

وأكّد المشرف على المحل، الشاب السوداني زياد عبد الحليم، أن «(اللقيمات) تختلف عن (الزلابية) المصرية في نسبة الملح في العجين. وفي السودان، نحبّ الملح الزائد في عجائن الحلوى».

«الحنين إلى السودان»

واستبعد مفيد العودة إلى السودان حتى في حال استقرار الأوضاع، وقال: «أنا أنوي استكمال تجربتي في مصر. حتى إذا استقرّت الأوضاع في السودان، فستكون فرص العمل صعبة للغاية».

أما جولي سمير فلم تكن تتوقع أن تطول فترة إقامتها في القاهرة، على الرغم من طريقة الخروج «المرعبة» من البلاد، وفق وصفها. وقالت: «وضعنا في رأسنا أننا سنقضي عطلة في مصر لمدة شهر على الأكثر وتنتهي الأمور... ولكن الحرب لم تتوقف». وعلى الرغم من ذلك، تعتزم جولي سمير العودة إلى الخرطوم بمجرّد استقرار الوضع العام في البلاد، مدفوعة بـ«الحنين إلى السودان»، على حدّ تعبيرها. وقالت: «بلدنا حنون علينا مهما سافرنا».

وفي انتظار ذلك، تسعى إلى إضفاء الروح السودانية على مطعمها: «أنوي توظيف حنّانة (سيدة ترسم بالحنّة على الجسم)، فأنا أعرف مدى حبّ المصريين لرسوم الحنّة».


مقالات ذات صلة

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

مذاقات فواكه موسمية لذيذة (الشرق الاوسط)

الفواكه والخضراوات تتحول الى «ترند»

تحقق الفواكه والخضراوات المجففة والمقرمشة نجاحاً في انتشارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتصدّر بالتالي الـ«ترند» عبر صفحات «إنستغرام» و«تيك توك» و«فيسبوك»

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات طواجن الفول تعددت أنواعها مع تنوع الإضافات والمكونات غير التقليدية (مطعم سعد الحرامي)

الفول المصري... حلو وحار

على عربة خشبية في أحد أحياء القاهرة، أو في محال وطاولات أنيقة، ستكون أمام خيارات عديدة لتناول طبق فول في أحد صباحاتك

محمد عجم (القاهرة)
مذاقات الشيف أليساندرو بيرغامو (الشرق الاوسط)

أليساندرو بيرغامو... شيف خاص بمواصفات عالمية

بعد دخولي مطابخ مطاعم عالمية كثيرة، ومقابلة الطهاة من شتى أصقاع الأرض، يمكنني أن أضم مهنة الطهي إلى لائحة مهن المتاعب والأشغال التي تتطلب جهداً جهيداً

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات كعكة شاي إيرل جراي مع العسل المنقوع بالقرفة والفانيليامن شيف ميدو (الشرق الأوسط)

الشاي... من الفنجان إلى الطبق

يمكن للشاي أن يضيف نكهةً مثيرةً للاهتمام، ويعزز مضادات الأكسدة في أطباق الطعام، وقد لا يعرف كثيرٌ أننا نستطيع استخدام هذه النبتة في الطهي والخبز

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات الشيف الفرنسي بيير هيرميه (الشرق الأوسط)

بيير هيرميه لـ«الشرق الأوسط»: العرب يتمتعون بالروح الكريمة للضيافة

بيير هيرميه، حائز لقب «أفضل طاهي حلويات في العالم» عام 2016، ويمتلك خبرةً احترافيةً جعلت منه فناناً مبدعاً في إعداد «الماكارون» الفرنسيّة.

جوسلين إيليا (لندن )

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)
لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)
TT

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)
لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)

حظي مسلسل «رقم سري»، الذي ينتمي إلى نوعية دراما الغموض والتشويق، بتفاعل لافت عبر منصات التواصل الاجتماعي، وسط إشادة بسرعة إيقاع العمل وتصاعد الأحداث رغم حلقاته الثلاثين.

ويُعرض المسلسل حالياً عبر قناتي «dmc» و«dmc drama» المصريتين، إلى جانب منصة «Watch IT» من السبت إلى الأربعاء من كل أسبوع، وهو من إخراج محمود عبد التواب، وتأليف محمد سليمان عبد الملك، وبطولة ياسمين رئيس، وصدقي صخر، وعمرو وهبة، وأحمد الرافعي.

ويعد «رقم سري» بمنزلة الجزء الثاني من مسلسل «صوت وصورة» الذي عُرض العام الماضي بطولة حنان مطاوع، للمخرج والمؤلف نفسيهما. وينسج الجزء الجديد على منوال الجزء الأول نفسه من حيث كشف الوجه الآخر «المخيف» للتكنولوجيا، لا سيما تقنيات الذكاء الاصطناعي، وكيف يمكن أن تورط الأبرياء في جرائم تبدو مكتملة الأركان.

السيناريو تميز بسرعة الإيقاع (الشركة المنتجة)

وتقوم الحبكة الأساسية للجزء الجديد على قصة موظفة بأحد البنوك تتسم بالذكاء والطموح والجمال على نحو يثير حقد زميلاتها، لا سيما حين تصل إلى منصب نائب رئيس البنك. تجد تلك الموظفة نفسها فجأة ومن دون مقدمات في مأزق لم يكن بالحسبان حين توكل إليها مهمة تحويل مبلغ من حساب فنان شهير إلى حساب آخر.

ويتعرض «السيستم» بالبنك إلى عطل طارئ فيوقّع الفنان للموظفة في المكان المخصص بأوراق التحويل وينصرف تاركاً إياها لتكمل بقية الإجراءات لاحقاً. يُفاجَأ الجميع فيما بعد أنه تم تحويل مبلغ يقدر بمليون دولار من حساب الفنان، وهو أكبر بكثير مما وقع عليه وأراد تحويله، لتجد الموظفة نفسها عالقة في خضم عملية احتيال معقدة وغير مسبوقة.

وعَدّ الناقد الفني والأستاذ بأكاديمية الفنون د. خالد عاشور السيناريو أحد الأسباب الرئيسية وراء تميز العمل «حيث جاء البناءان الدرامي والتصاعدي غاية في الإيجاز الخاطف دون اللجوء إلى الإطالة غير المبررة أو الثرثرة الفارغة، فما يقال في كلمة لا يقال في صفحة».

بطولة نسائية لافتة لياسمين رئيس (الشركة المنتجة)

وقال عاشور في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «المخرج محمود عبد التواب نجح في أن ينفخ الروح في السيناريو من خلال كاميرا رشيقة تجعل المشاهد مشدوداً للأحداث دون ملل أو تشتت، كما أن مقدمة كل حلقة جاءت بمثابة جرعة تشويقية تمزج بين ما مضى من أحداث وما هو قادم منها في بناء دائري رائع».

وأشادت تعليقات على منصات التواصل بالمسلسل باعتباره «تتويجاً لظاهرة متنامية في الدراما المصرية مؤخراً وهي البطولات النسائية التي كان آخرها مسلسل (برغم القانون) لإيمان العاصي، و(لحظة غضب) لصبا مبارك؛ وقد سبق (رقم سري) العديد من الأعمال اللافتة في هذا السياق مثل (نعمة الأفوكاتو) لمي عمر، و(فراولة) لنيللي كريم، و(صيد العقارب) لغادة عبد الرازق، و(بـ100 راجل) لسمية الخشاب».

إشادة بتجسيد صدقي صخر لشخصية المحامي (الشركة المنتجة)

وهو ما يعلق عليه عاشور، قائلاً: «ياسمين رئيس قدمت بطولة نسائية لافتة بالفعل، لكن البطولة في العمل لم تكن مطلقة لها أو فردية، بل جماعية وتشهد مساحة جيدة من التأثير لعدد من الممثلين الذين لعبوا أدوارهم بفهم ونضج»، موضحاً أن «الفنان صدقي صخر أبدع في دور المحامي (لطفي عبود)، وهو ما تكرر مع الفنانة نادين في شخصية (ندى عشماوي)، وكذلك محمد عبده في دور موظف البنك».