«نتفليكس» تكسر «عزلة» ماركيز بالتعاون مع ولدَيه

مشاهدو المنصة على موعد قريب مع إنتاج ضخم لتُحفته الأدبية الأشهر

الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز كاتب «مائة عام من العزلة»
الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز كاتب «مائة عام من العزلة»
TT

«نتفليكس» تكسر «عزلة» ماركيز بالتعاون مع ولدَيه

الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز كاتب «مائة عام من العزلة»
الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز كاتب «مائة عام من العزلة»

لطالما قاومَ الأديب غابرييل غارسيا ماركيز فكرة نقل رواياته إلى الشاشة، على الرغم من كونه مناصراً للفن السابع، وهو قد بدأ مسيرته المهنية ناقد أفلام في إحدى الصحف الكولومبية المحلية. حاول أن يشيّد جداراً عازلاً بين تحفته «مائةُ عامٍ من العزلة» وعالم السينما، مكرّراً القول: «في زمن الصراع مع السينما، كتبتُ (مائة عام من العزلة) ضد السينما».

لم يعِش ماركيز ليرى روايته تتحوّل إلى مسلسل، وهو لن يحظى بفرصة التعليق أو الاعتراض. فبعد 10 سنوات على رحيل الكاتب الكولومبي، الحائز على جائزة نوبل في الآداب (1982)، تنتقل «مائة عام من العزلة» من الورق إلى شاشة «نتفليكس»، في مسلسل من 16 حلقة يبدأ عرضه في موعد لاحق من السنة الحالية. وقد نشرت المنصة العالمية الفيلم الترويجيّ للمسلسل ليتبيّن أنه ناطقٌ باللغة الإسبانية، وهو شرطٌ كان قد ألمحَ إليه ماركيز عندما قال: «من المستحيل التقاطُ الرواية ضمن قيود الوقت التي تفرضها الأفلام، كما أن إنتاجها بغير اللغة الإسبانية لن يعطيها حقّها».

عندما حصلت «نتفليكس» على حقوق اقتباس الرواية وتحويلها إلى مسلسل عام 2019، جرى ذلك بمباركةٍ من ولدَي ماركيز؛ رودريغو وغونزالو، وهما من ضمن فريق المنتجين المنفّذين للمسلسل. أوضح الوريثان حينذاك موقف والدَيهما، وعدَّا أنّ «العصر الذهبي الذي تمرّ به المسلسلات بفضل منصات البث، ولا سيّما الإنتاجات الناطقة بلغات أجنبية، يشكّل فرصة من أجل عرض الرواية على جمهور (نتفليكس) الواسع». وأضاف الأخوان، لشبكة «بلومبرغ»: «ضميرنا مرتاح لأنّ والدنا كان يطلب منّا دائماً أن نفعل ما نشاء عندما لا يعود موجوداً».

يبدو أنّ ابنَي ماركيز خرجا مطمئنَّين من الاتفاقية مع «نتفليكس»، فإضافةً إلى المبلغ الضخم الذي تقاضياه مقابل التنازل عن الحقوق، حرصا شخصياً على وضع الخطوط العريضة للدراما؛ بدءاً بلغتها الإسبانية، مروراً بروحها الكولومبية، وصولاً إلى مدّتها الزمنية الوافية. وفي المقابل، لم تدَّخر نتفليكس أياً من إمكانيّاتها؛ في محاولةٍ لإيفاء عبقريّة ماركيز حقّها، وهي مهمّة غير سهلة على الإطلاق.

الكاتب الكولومبي الراحل غابرييل غارسيا ماركيز الحائز على «نوبل» الآداب (أ.ب)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها المنصة العالمية غمار الدراما اللاتينية، فقد سبق أن حققت نجاحاتٍ غير مسبوقة في مسلسلات، مثل «ناركوس» الذي يروي جزءاً من سيرة بابلو إسكوبار. إلّا أن القيّمين على المنصة وصفوا المسلسل المقبل بأنه «أحد إنتاجات (نتفليكس) الأكثر طموحاً في أميركا اللاتينية حتى تاريخه».

تحرص المنصة على التنويع في محتواها الأصليّ، وعلى مخاطبة الجماهير حول العالم من خلال مسلسلاتٍ تحكي لغاتهم وتُحاكيهم. وإذا كان مشاهدو جنوب أميركا هدفاً أساسياً لـ«نتفليكس»، فإنّ استحضار كاتبٍ كماركيز يُعد ذروة الالتزام بثقافتهم وبإبراز هويّتهم.

مواطن كولومبي يحمل رواية «مائة عام من العزلة» في تحية إلى ماركيز (رويترز)

يمتدّ موقع التصوير في كولومبيا على 510 كيلومترات، ويُعد بذلك أحد أكبر مواقع التصوير التي جرى بناؤها في أميركا اللاتينية على الإطلاق. وإلى جانب هذا الموقع الثابت، تتنقّل كاميرا المخرجين لاورا مورا وأليكس غارسيا لوبيز بين مدن وقرى كولومبية عدّة. أما الممثلون وفريق العمل فغالبيّتهم العظمى من كولومبيا.

كتبَ ماركيز «مائة عام من العزلة» بين سنتَي 1965 و1967، وتُعد تحفتَه الأشهر متخطيةً حدود القارة الأميركية وداخلةً التاريخ من الباب العريض. لم يُكشف عن رقم الميزانيّة الإنتاجيّة الخاصة بانتقالها إلى الشاشة، لكنّ معالم السخاء بادية عليها. فالرواية التي بيعَ منها أكثر من 50 مليون نسخة حول العالم، وتُرجمت إلى أكثر من 40 لغة، تستحقّ صورةً تليق بقيمتها الأدبية والفكرية.

جرى تصوير المسلسل في كولومبيا وجُهّز له موقع على امتداد 510 كيلومترات (نتفليكس)

«بعد سنوات طويلة، وأمام فصيلة الإعدام، سيتذكّر الكولونيل أوريليانو بوينديا ذلك المساء البعيد الذي أخذه فيه أبوه للتعرّف على الجليد». يسترجع المقطع الترويجي للمسلسل هذه العبارة الافتتاحية من الرواية، يرافقها مشهد «الكولونيل أوريليانو بوينديا» واقفاً أمام الجنود المسلّحين في قرية ماكوندو الخياليّة، ومسترجعاً طفولته وأوّل مرة اكتشف فيها الجليد. تلي ذلك مشاهد من رحلة «خوسيه أركاديو بوينديا»، وزوجته «أورسولا إيغواران»، وهما يعبران الأدغال بحثاً عن السعادة وعن مكانٍ يبنيان فيه بيتهما.

وفق القليل الذي يشي به المقطع الترويجي، فقد استقدم فريق المسلسل سحرَ الرواية إلى الشاشة، من خلال مشاهد الطبيعة الخلّابة. أما القصة، وبناءً على الملخّص الذي نشرته «نتفليكس» عبر موقعها، فستكون وفيةً قدر المستطاع لنصّ ماركيز الأصليّ.

هي حكاية «خوسيه» و«أورسولا» اللذَين تزوّجا رغماً عن إرادة عائلتَيهما، ثم غادرا القرية في رحلة طويلة ومضنية بحثاً عن مكان جديد. وبرفقة أصدقاء وعلى إيقاع المغامرات، تُتوّج رحلتهما بتأسيس بلدة فاضلة على ضفاف نهرٍ حجارته عائدة إلى ما قبل التاريخ. يسمّون البلدة «ماكوندو»، وفيها تولَد وتكبر أجيال من عائلة «بوينديا» وسط الأساطير والخرافات، منهم من يصاب بالمَسّ، وآخرون يطحنهم الحب المستحيل، ولا تخلو الحبكة من حروب دامية وواهية؛ كما لو أنّ لعنةً ما استفحلت بهم رافضةً مغادرة ماكوندو، وهي اللعنة التي حكمت عليهم بمائة عامٍ من العزلة.

من المتوقّع أن تكون الحلقات الـ16 وفيةً لرواية ماركيز لغةً وأحداثاً (نتفليكس)

ستكون العيون شاخصة إلى منصة «نتفليكس» ما إن تعلن موعد عرض المسلسل المنتظَر، والذي من المفترض أن يعوّض عن المحاولات غير الموفّقة لنقل أدب ماركيز إلى الشاشة. فحتى تجربة هوليوود عام 2007 لاقتباس «الحب في زمن الكوليرا» فشلت في إقناع الجماهير والنقّاد على حد سواء.


مقالات ذات صلة

قتلا والدَيهما... هل يُطلق مسلسل «نتفليكس» سراح الأخوين مينينديز؟

يوميات الشرق مسلسل «Monsters» يعيد إلى الضوء جريمة قتل جوزيه وكيتي مينينديز على يد ابنَيهما لايل وإريك (نتفليكس)

قتلا والدَيهما... هل يُطلق مسلسل «نتفليكس» سراح الأخوين مينينديز؟

أطلق الشقيقان مينينديز النار على والدَيهما حتى الموت عام 1989 في جريمة هزت الرأي العام الأميركي، وها هي القصة تعود إلى الضوء مع مسلسل «وحوش» على «نتفليكس».

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق ليلي كولينز بطلة مسلسل «إميلي في باريس» (رويترز)

لماذا تفجر «إميلي في باريس» مواجهة دبلوماسية بين فرنسا وإيطاليا؟

انفتحت جبهة جديدة في التاريخ الطويل والمتشابك والمثير للحقد في بعض الأحيان للعلاقات بين إيطاليا وفرنسا، والأمر يدور هذه المرة حول مسلسل «إميلي في باريس».

«الشرق الأوسط» (باريس- روما)
يوميات الشرق His Three Daughters فيلم درامي عائلي تميّزه بطلاته الثلاث (نتفليكس)

عندما يُطبخ موت الأب على نار صراعات بناته

يخرج فيلم «His Three Daughters» عن المألوف على مستوى المعالجة الدرامية، وبساطة التصوير، والسرد العالي الواقعية. أما أبرز نفاط قوته فنجماته الثلاث.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق نيكول كيدمان متوسّطةً فريق مسلسل «The Perfect Couple» (نتفليكس)

«The Perfect Couple»... عندما يسقط القناع عن المنافقين والقتَلة

مسلسل «نتفليكس» الجديد The Perfect Couple يتصدّر المُشاهدات لا سيّما أن نيكول كيدمان تتصدّر أبطاله.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق شعار «نتفليكس» من «بيكسباي»

تركيا تمنع بث مسلسل يوناني تعتزم «نتفليكس» عرضه

أعلن المجلس الأعلى للإعلام السمعي والبصري التركي أنه منع عرض مسلسل يوناني يتناول الغزو التركي لشمال قبرص عام 1974 من المقرر أن يتم بثه قريباً على منصة «نتفليكس»

«الشرق الأوسط» (أنقرة)

السعودية تؤكد التزامها بالحفاظ على التراث الثقافي

السعودية ثمّنت حرص البرازيل على دعم استمرارية المسار الثقافي بمجموعة العشرين (واس)
السعودية ثمّنت حرص البرازيل على دعم استمرارية المسار الثقافي بمجموعة العشرين (واس)
TT

السعودية تؤكد التزامها بالحفاظ على التراث الثقافي

السعودية ثمّنت حرص البرازيل على دعم استمرارية المسار الثقافي بمجموعة العشرين (واس)
السعودية ثمّنت حرص البرازيل على دعم استمرارية المسار الثقافي بمجموعة العشرين (واس)

أكدت السعودية، الجمعة، التزامها بالحفاظ على التراث الثقافي، وتطلّعها لتوطيد مكانة الثقافة، بعدّها قوةً دافعة للتنمية المستدامة، ومصدر إلهام لأجيال المستقبل لبناء عالم أفضل.

جاء ذلك في كلمة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي، التي ألقاها نيابةً عنه المهندس فهد الكنعان وكيل الوزارة للعلاقات الثقافية الدولية، خلال الاجتماع الوزاري الخامس لوزراء ثقافة دول مجموعة العشرين بمدينة سلفادور البرازيلية.

وقال الكنعان إن الثقافة تُمثِّل أولوية رئيسية في «رؤية 2030»، وتؤمن السعودية بدورها في ربط ماضينا، وإثراء حاضرنا، وصنع مستقبلنا المشترك، مشيراً إلى أن قطاعاتها تحظى بدعمٍ غير محدود من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

الثقافة تُمثّل أولوية رئيسية في «رؤية السعودية 2030» (واس)

وأضاف أن السعودية تعتز بمبادرتها لعقد الاجتماع الأول لوزراء ثقافة دول مجموعة العشرين على هامش رئاستها في عام 2020 تحت شعار «نهوض الاقتصاد الثقافي: نموذج جديد»، لافتاً إلى أن ذلك «يعكس إيماننا المشترك بالثقافة كمنفعة عالمية عامة»، ومُنوهاً بالجهود الدولية الساعية لاستمرارية اجتماع المسار الثقافي كهدفٍ مشترك.

ونقل الكنعان تقدير السعودية لجهود الرئاسة البرازيلية في مواصلة ترسيخ الثقافة بالمجموعة تحت شعار «بناء عالم عادل وكوكب مستدام»، ودعمها الأولويات الثقافية، والمتضمنة دعم الاندماج الاجتماعي، والاستفادة من البيئة الرقمية مع حماية حقوق النشر، وتعزيز الاقتصاد الإبداعي لتحقيق النمو المستدام، وحماية التراث الثقافي.

وأشار إلى أن السعودية قدّمت مبادرات نوعيّة في هذا السياق، منها إطلاق مركز عالمي متخصص في إدارة التراث الثقافي المغمور تحت مياه البحر الأحمر والخليج العربي، واستعادته والحفاظ عليه، وفقاً لأفضل الممارسات والمعايير العالمية.