عبير نعمة تنثر الحبّ وتكسر بصوتها العذب عتمة وطن

حفلها سافر بالجمهور إلى عالم من السلام

أنشدت عبير نعمة باقة من أغنياتها وأخرى لعمالقة الفنّ (الشرق الأوسط)
أنشدت عبير نعمة باقة من أغنياتها وأخرى لعمالقة الفنّ (الشرق الأوسط)
TT

عبير نعمة تنثر الحبّ وتكسر بصوتها العذب عتمة وطن

أنشدت عبير نعمة باقة من أغنياتها وأخرى لعمالقة الفنّ (الشرق الأوسط)
أنشدت عبير نعمة باقة من أغنياتها وأخرى لعمالقة الفنّ (الشرق الأوسط)

بلقاء ترجمت فيه فكرتها عن الموسيقى بوصفها لغة سلام ورسالة حياة، استمتع جمهور الفنانة عبير نعمة بحضور حفلها في «كازينو لبنان» من تنظيم شركة «هيومانجمنت».

ولنحو 90 دقيقة، صدح صوتها العذب منشدةً أجمل أغنياتها الرومانسية والطربية. تفاعلٌ غير مسبوق سجّله الحفل لحضورٍ استمرّ يصرخ باسمها. غنّى معها ورسم القلوب بيديه تعبيراً عن حبّه لها. ومرّات أخرى خطف أنفاسه ليسود الصمت ويستمتع باللحظة.

تأخّر افتتاح الحفل لساعة، وراح الجمهور في الدقائق الخمس الأخيرة قبل إطلالتها يناديها ليروي عطشه بسماع صوتها. عندها، عُرض كليب أغنيتها الجديدة التي أهدتها إلى والدها، «لَعندو بروح»، لتطلَّ على المسرح مستهلّةً الحفل بأغنيتها «كيف»، ولتُلحقها بأغنية «بصراحة» التي سجّلت حتى اليوم 38 مليون مشاهدة.

«نزهر» أهدتها إلى الطفولة المعذَّبة (الشرق الأوسط)

منذ انطلاق حفل رافقها فيه فريق من العازفين والكورس، بدت نعمة حالمةً تُحلّق في فضاء واسع كأنها رسمته في خيالها. كان الحضور سعيداً وممتنّاً لإمضائه معها لحظات لا تُنسى. توجّهت إليه بكلمة مختصرة: «الليلة سنرفع الصوت عالياً من خلال الغناء... أشكركم لمحبتكم الكبيرة، وأنا أبادلكم الحبّ عينه. اشتقت إليكم».

كمن يقطف الوردة تلو الأخرى من حديقة زهور زاهية تعبق برائحة صوتها الدافئ والرنّان، اختارت نعمة برنامجها الغنائي. من الأغنيات: «بعدني بحبك»، و«قصتنا»، و«شو بعمل». وعندما غنّت «بلا منحسّ»، رائعتها المُنتظرة، طلبت من الحضور حَمْل هواتفهم وإضاءتها. بمشهد ينبض بالحياة والفرح، كسرت عبير نعمة عتمة وطن مُنهك، وأسهمت في نقل محبّيها إلى عالم السلام والرومانسية. فنسي للحظات أنه يعيش في بلد تتراكم فيه الأزمات، حين أزاحت هموم كل يوم جديد عنوانه القلق، فزوّدتهم بالطمأنينة التي يتوقون إليها ولو لنحو ساعتين.

شاركت عبير نعمة بعض الحضور مناسباتهم الخاصة (الشرق الأوسط)

وعندما أدّت أغنية «لبيروت» لفيروز، ساد الصمت. وكانت سبقتها مواكبة شخصية منها لأكثر من فرحة يحتفل بها أشخاص بين الحضور. فدعت الشابة جويل طوق لتقف بقربها لأنّ ثمة مَن سيعترف لها بحبّه الكبير، فإذا بحبيبها يحضُر مُقدِّماً لها على المسرح عرض زواج مباشراً. كذلك شاركت أحد الحضور عيد ميلاده السبعين، وغنّت له «سنة حلوة يا جميل»، وسط التصفيق.

بعدها انتقلت عبير نعمة إلى غناء العمالقة، واختارت «رح حلفك بالغصن يا عصفور» لوديع الصافي، و«أنا قلبي دليلي» لليلى مراد، و«يا حبيبي تعالَ الحقني» لأسمهان، و«نقيلي أحلى زهرة» لزكي ناصيف، وغيرها... كما أدّت أغنية «مطرحك بقلبي» لماجدة الرومي، والموشّح الأندلسي الشهير «لما بدا يتثنّى».

ختمت الحفل بأغنية «قهوة» على وقع التصفيق الحارّ (الشرق الأوسط)

أغدقت على جمهورها كميات من الأغنيات الجميلة. ورغم ذلك، لم يشعر بالشبع، وبقي حتى اللحظة الأخيرة يطالبها بأكثر. أما في أغنية «بلا منحسّ»، فكانت المشهدية مختلفةً. قدّمتها بثلاث نسخ؛ في واحدة منها أتاحت للجمهور إنشادها كاملة، وفي أخرى شاركته الغناء ببعض مقاطعها، وفي الثالثة أنشدتها وحدها وسط حماسة وتفاعل كبيرَيْن.

وفي لحظات طربية رفيعة المستوى، قدّمت أغنيَتي «افرح يا قلبي» و«غريبين وليل»؛ لتختم هذه الباقة بـ«شباك حبيبي» لملحم بركات.

لم يفتها ذكْر الطفولة المعذّبة من خلال أغنية «نزهر»؛ ويقول مطلعها: «إلى زهور الأرض في الركام، إلى بقايا القلب في الحطام، إلى عناقات الحب ونهايات الدرب... إلى عيون الصمت والكلام... هيا معي نزهر في حطامنا... هيا معي نسكن في أحلامنا».

مرّ الحفل بأجواء الرومانسية والحبّ، واختتمته نعمة بأغنيات إيقاعية تشبه حبّة الكرز التي تتوّج قالب الحلوى. فأدّت «تلفنتلّك»، و«بيبقى ناس»، التي رافقها الفيديو كليب الخاص بها، لتُنشد بعدها «بلا منحسّ» وتعلن النهاية مع أغنية «قهوة».


مقالات ذات صلة

أحاديث مطربي المهرجانات عن الدين تثير الجدل

يوميات الشرق عمر كمال (حسابه على «فيسبوك»)

أحاديث مطربي المهرجانات عن الدين تثير الجدل

أثارت تصريحات مطرب المهرجانات عمر كمال في أحد برامج «البودكاست» عن رفض والدته أداء العمرة من أمواله واضطراره للادعاء أنها «هدية» من صديق جدلاً جديداً.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق «مُتعِب» حفظ إرث وديع الصافي في زمن قلَّ كباره (صور أنطوان الصافي)

أنطوان وديع الصافي لـ«الشرق الأوسط»: أنا في غربة فنّية

في حوار مع «الشرق الأوسط» يتحدث الفنان اللبناني أنطوان وديع الصافي الشخصية المرموقة في الفنّ المعاصر عن تبدُّل العصر وتبخُّر الأغنية والكبار.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق محرم فؤاد وجورجينا رزق (فيسبوك)

طقوس حرص عليها محرم فؤاد قبل إحياء حفلاته

مع حلول الذكرى الـ22 لرحيل الفنان المصري محرم فؤاد، المُلقَّب بـ«صوت النيل»، تستعيد قنوات أغنياته العاطفية والشعبية الشهيرة، فما هي طقوسه قبل إحياء حفلاته؟

رشا أحمد (القاهرة)
يوميات الشرق الفنانة الكندية سيلين ديون خلال إحدى نوبات «متلازمة الشخص المتيبّس»... (أمازون برايم)

سيلين ديون... متيبّسة وجاحظة العينين أمام الكاميرا

لحظات صادمة سيتابعها مشاهدو الوثائقي الذي يستعرض رحلة علاج المغنية العالمية سيلين ديون من «متلازمة الشخص المتيبّس»، التي أرغمتها على وضع حدّ لنشاطها الفني.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق يستبعد دخول مجال الغناء واتّخاذه مهنةً (صور طارق يعقوب)

طارق يعقوب: الغناء ليس هدفي... والمسرح شغفي

يخوض الممثل اللبناني طارق يعقوب تجربة فنّية مختلفة تتمثّل بإطلاقه أغنية بعنوان «على شكلو»؛ تُعدّ من نوع الغناء الكلامي المُرتكز على إيصال رسالة ضمن نصّ محبوك.

فيفيان حداد (بيروت)

أنطوان وديع الصافي لـ«الشرق الأوسط»: أنا في غربة فنّية

«مُتعِب» حفظ إرث وديع الصافي في زمن قلَّ كباره (صور أنطوان الصافي)
«مُتعِب» حفظ إرث وديع الصافي في زمن قلَّ كباره (صور أنطوان الصافي)
TT

أنطوان وديع الصافي لـ«الشرق الأوسط»: أنا في غربة فنّية

«مُتعِب» حفظ إرث وديع الصافي في زمن قلَّ كباره (صور أنطوان الصافي)
«مُتعِب» حفظ إرث وديع الصافي في زمن قلَّ كباره (صور أنطوان الصافي)

يرى الفنان اللبناني أنطوان وديع الصافي، الشخصية المرموقة في الفنّ المعاصر والمتشرِّب عذوبة النغمات منذ الصغر؛ بالأسئلة المطروحة عليه حول أحوال الأغنية ومصيرها «وضعاً للإصبع على الجرح». فالحوار عن آلام مُعاصَرة الكبار، ثم الارتطام بمَن هم دونهم بكثير، يقول إنه «مسَّه». يُخبر «الشرق الأوسط» بأنه عَرَف قامات الغناء العربي بين لبنان ومصر، منهم عبد الحليم حافظ، ومحمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش... «إلا أم كلثوم». غُربته مردُّها أنّ ما شهده يُناقض ما وصل إليه عصرهم.

أنطوان الصافي شخصية مرموقة في الفنّ المعاصر (صور الفنان)

يُحمِّل الإعلام المسؤولية، وقلَّما يستثني. برأيه، «ينعدم دوره حيال الحفاظ على المستوى العالي، بدعمه مَن لا يستحقّون الوصول، وإذعانه لأصحاب المال في مسارهم لاقتحام الفنّ وتشويهه». تصبح المعادلة على هذا الشكل: «الفنّ يحتاج إلى مجتمع وبيئة فنّية بمؤازرة الصحافة المسؤولة ليُثمر. في لبنان، كلاهما مفقود».

لعلّه «مُتعِب» أن يكون المرء ابن وديع الصافي في زمن قلَّ كباره. نسأله كيف يُقيّم واقع الأغنية اللبنانية في هذه الأيام المتقلِّبة؟ أهي انعكاس لانحدار عام، أم أنّ النوع الهابط رفيق جميع العصور؟ يوافق على الجانب الثاني: «حلَّ الهبوط في زمن الكبار أيضاً، لكنه حُصِر وقُيِّد. لم يكن يُعمَّم. وجودهم لم يمنع صعود الخواء والأشياء العادية؛ تلك الأقل من أن تكون عظيمة. في البداية، لم يمثّل هذا الانحدار الجزئي مشكلة. فوجود الكبار لم يمنع ظهور الأقلّ مرتبة. لكنّ السؤال أصبح: كيف قوَّض الخواء استمرارَ الكبار؟ كأنّ وُجهة التركيز تحوَّلت من إعلاء القيم إلى الاستثمار بالفراغ».

وديع الصافي كبير لبنان الخالد في الذاكرة («فيسبوك» أنطوان الصافي)

يسأل «لماذا؟»، ويجيب «لا أدري». ثم يذكُر ما ورد أعلاه عن الإعلام والمصفّقين. يستثني السوبرانو هبة القواس، وعمّه الموسيقي المتقاعد إيليا فرنسيس، وهو يتحدَّث عمَن يبقى. «لا كبار غيرهما»، نقطة على السطر. يلوم المهرجانات أيضاً: «يأتون فقط بمَن يتنقّلون على الشاشات. ثمة أسماء يكرّسها الإعلام ويحوّلها مرجعية يستدعيها كلما احتاج إلى سدّ الفراغ. المهرجانات تتواطأ لتكريس هذه الوظيفة. كأنّ ثمة شراكة بين الطرفين للإبقاء على مستوى يُراوح مكانه. الإشكالية أنّ مَن شَهَرَتهم برامج الغناء قبل عقود؛ ممَّن يتحلّون ببذرة موهبة؛ لم يخضعوا بما يكفي للتوجيه والاختصاص والتكوين الفنّي والأخلاقي. هذا التغيير لم يطلهم ولم يسعوا إليه. وإنْ طرأ، حلَّ على شكل تراجع. إلى الخلف. وفي أحسن الأحوال، بقوا حيث هم».

انحدار المستويات يؤلم أنطوان وديع الصافي (صور الفنان)

«كان على التصفيق أن يسبقه التعليم والتكوين المهنيّ الصحيح، مع التحلّي بأخلاق المهنة لبلوغ الأفضل وعدم الاكتفاء بما حقّقه مَن يناله. لكنّه (التصفيق) حلَّ أولاً». يُكمل أنطوان وديع الصافي: «لكبار الفنّ في لبنان والشرق الأوسط فضلٌ في مَنْحه القيمة وجعله أمثولة، كان من المُسلَّمات احتذاء المغنّي بها. لكنّ العكس حصل. فمَن اقتحموا، قطفوا زرع الكبار وأفسدوا الأرض. المشكلة الكبرى أنّ عَرْض اللون الواحد والنوع الواحد على الجمهور يحجب التمييز بين السيئ والأسوأ. المقارنة حين تشير إلى الهبوط، تؤكد المسار الانحداري. وحين تُلمح إلى الصعود، كأنْ تقول: (هناك مَن هو أفضل منك، وينصّ مجرى التطوُّر على عدم التوقُّف عند النجاح)، عندها تسير المقارنة في اتجاه التفوُّق». ينعى الفنّ من أجل الفنّ، ويُحزنه تبخُّر آلية «الإذاعة اللبنانية» التي خرَّجت المُستحقّين، «فالكلمة، اليوم، لمَن يملك المال والمدعوم بسلطة الميديا».

كان الفنّ وسيلة لتقريب الروح البشرية من خالقها. اليوم التوجّه لتقريب الفنّ من الغزائز ما يدمِّر الروح إنه فنٌّ مُهدِّم

الفنان اللبناني أنطوان وديع الصافي

يردُّ سرعة انطفاء الأغنية إلى ضآلة جودتها: «أغنيات اليوم تُحاكي الغرائز أكثر مما تفعل حيال الروح البشرية. نمطها تشاؤمي وسلبي. ومعظمها يُعنى بإحداث الحالة الراقصة. موسيقى للأقدام، لا للأذن والوجدان. طوال عصور، كان الفنّ وسيلة لتقريب الروح البشرية من خالقها. اليوم، التوجّه لتقريب الفنّ من الغزائز، ما يدمِّر الروح. إنه فنٌّ مُهدِّم».  

أمام الحقيقة المُرَّة، كيف يصون أبناء وديع الصافي إرثه؟ يشترط أولاً «التحلّي بأخلاقياته والحفاظ على نهجه». هذا على المستوى الشخصي، «وعلى المستوى العام، اتفقنا مع (جامعة الروح القدس) بحفظ أرشيفه المرئي والمكتوب والمسموع، في مكتباتها، للأجيال المقبلة. هذا مفيد أكاديمياً».

غنّى «جنّات»؛ تحفة والده، في مئوية «اللبنانية الأميركية»، فماذا يبقى من لبنان وجنّاته؟ «يبقى وديع الصافي، وليتنا نحافظ على القليل المتروك لنا. الشجر حُرق وتسبَّبت قوانين العمارة المُجحفة بصعود غابات الباطون. لكنّ فكرة لبنان التي زرعها أجدادنا لا تزول».

يذكُر «علاقة الانصهار» مع والده: «كنتُ الرقم 4 في أسرتي. وُجد بيننا ما يُشبه الاتفاق الدائم. فما يقوله أوافق عليه، وما يأكله آكله. نهلت أذني كلّ نظيف وغرفتُ من النبع. أعترفُ بأنني لم أستطع النظر إلى مَن هم دون أبي. مع الوقت، تعلّمتُ تقدير اللمعة في كل موهبة. كان الوالد شقيق روحي، وكنتُ مرافقه وطبيبه الجسدي والداخلي. أحبَّ رفقتي. عشتُ من أجله وبقينا معاً حتى نَفَسه الأخير. ولم أتردَّد ببيع بيتي لأضمن له نهاية كريمة. فقدان الأب يُشبه مقتل الروح. ابني المبلّل بعطر جدّه، عزائي وجبر خاطري».