وثائقي «زيارة»... «ستّ الدنيا» مُكرَّمة بعيون 12 فناناً لبنانياً

منتجته دنيز جبور لـ«الشرق الأوسط»: إنه ردُّ جميل لمدينتنا بيروت

رسم غرافيتي شهير لصباح في بيروت يمرّ في الوثائقي (صور دنيز جبور)
رسم غرافيتي شهير لصباح في بيروت يمرّ في الوثائقي (صور دنيز جبور)
TT

وثائقي «زيارة»... «ستّ الدنيا» مُكرَّمة بعيون 12 فناناً لبنانياً

رسم غرافيتي شهير لصباح في بيروت يمرّ في الوثائقي (صور دنيز جبور)
رسم غرافيتي شهير لصباح في بيروت يمرّ في الوثائقي (صور دنيز جبور)

بلُغة سينمائية خاصة، استطاع وثائقي «زيارة» حصد أكثر من 45 جائزة عالمية. صاحبتا الفكرة؛ منتجته دنيز جبور ومخرجته موريال أبو الروس، وضعتا مشاعر ضيوفه عنصراً أساسياً لاستمرار مواسمه الثمانية. ورغم أنه نتاج جهد حرّ ومستقلّ، ولا جهات تموّله، فإنه صنع الفارق، فصار مبادرة تكريمية تلاقي منذ عام 2016 النجاح تلو الآخر.

يضيء العمل على حكايات أشخاص وذكرياتهم ومشاعرهم، وعلى قضايا اجتماعية شائكة، ويدخل أحياناً مواقع لبنانية ومرات أماكن خارج البلاد. ومن أحدث حلقات هذه السلسلة؛ «زيارة إلى صنعاء» التي صُوِّرت هناك وأجرت حوارات مع الأهالي.

وبعد مواسم اختلطت فيها المشاعر الدافئة والتجارب الإنسانية، يحوّل اهتمامه اليوم إلى العاصمة اللبنانية بيروت. فموسمه الثامن يتناول أهمية هذه المدينة انطلاقاً من موقعها الثقافي والفنّي. وتحت عنوان «زيارة تكريمية لبيروت»، تُعرض حلقاته في وسطها يوم 30 مايو (أيار) الحالي. ذلك بالتزامن مع إقامة «مهرجان ربيع بيروت» لمؤسّسة سمير قصير، فيفتتح «زيارة» الحدث بعد كلمة يكرّم فيها الأخير مؤسِّسته الإعلامية الراحلة جيزيل خوري.

يُعرض «زيارة تكريمية لبيروت» في 30 مايو بوسط المدينة (صور دنيز جبور)

على شاشة عملاقة ترتفع في «ساحة الشهداء» بوسط المدينة، ستُتاح الفرصة أمام الجميع لحضور هذا العرض الذي يستغرق نحو 70 دقيقة، ويتألف من 12 حلقة، مدة الواحدة 5 دقائق. في كلّ منها، يتحدّث فنان لمع في ذاكرة بيروت؛ فيحضُر روجيه عساف، ورفعت طربيه، وجورجيت جبارة، ورندة كعدي، ورندة الأسمر، وميراي معلوف، وفايق حميصي، ونقولا دانيال. وكذلك يطلّ هاروت فازليان، وتقلا شمعون، وزياد الأحمدية، وأميمة الخليل.

في هذا السياق، تشير منتجة العمل دنيز جبور في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أهمية هذا الموسم والمعاني التي يحملها. وتتابع: «أردنا تكريم مدينتنا التي عاشت الأمرَّين وبقيت صلبة. ونمرّ في الحلقات الـ12 على تاريخ بيروت الفنّي، وعلى ذكريات يحفظها الضيوف عن أهم مراحلها منارةً للثقافة».

بحماسة كبيرة، تتحدّث عن عمل تعدّه الأقرب إلى قلبها: «أنا عاشقة لبيروت وزواياها، فهي مدينتي التي أفتخر بانتمائي إليها. مشاعر مشتركة تكنّها المخرجة موريال أبو الروس، فأنجزنا هذه المبادرة التكريمية لردّ الجميل لمدينة أعطتنا كثيراً، وتجاوز عطاؤها حدود لبنان ليصل إلى أصقاع الأرض».

من كواليس تصوير «زيارة تكريمية لبيروت» (صور دنيز جبور)

وعن كيفية اختيار الأسماء المُشاركة من الضيوف الفنانين، تجيب: «في مواسم (زيارة)، نختار الصادقين والحقيقيين لمشاركة مشاعرهم من دون فرض أي رقابة ذاتية على أحاسيسهم. لذلك حملت المواسم جرأة وتجارب إنسانية ومشاهد حياة عاشها ضيوفنا. وفي (زيارة تكريمية لبيروت)، وانطلاقاً من المبدأ عينه، اخترنا فنانين أحبّوها وبذلوا الجهد للمحافظة على دورها الريادي. إنهم صادقون، لم يحاولوا الاستفادة من شهرتهم على حساب مدينتهم وأهلها. سيرتهم الفنية التي يتضمّنها الوثائقي دليل على ذلك».

وترى جبور أنّ كل فنان من ضيوفها شكّل نموذجاً حياً عن بيروت الجميلة. فهم، ورغم الصعاب، بقوا متمسّكين ومثابرين على تقديم ما يفتخر به جيل الشباب اللبناني: «من خلال إطلالاتهم في الوثائقي، يعلّمون الجيل الجديد حبّ الوطن. فربما يستطيعون بذلك دفعهم إلى التعلُّق بجذورهم ومدينتهم، فيخرقون بذلك الجدار الأسود الذي يحاول البعض إحاطته بمدينتنا».

عرض الموسم الثامن على شاشة عملاقة لم يأتِ بالصدفة، فتوضح: «عادة ما تعرُض الحلقات عبر الإنترنت، ولكن هذه المرّة أردنا تكريم بيروت واستقطاب أكبر عدد من اللبنانيين، فقرّرنا تخصيص (ساحة الشهداء) لاستضافة العرض، وذلك بإضاءة شوارع وسط المدينة، وإحضار شاشة عملاقة تُبهر الجمهور. نرغب في إزاحة اليأس والحزن عن مدينتنا. هذه الخطوة ثورة نخوضها ضدّ تعتيم بيروت. إنها تظاهرة ثقافية تحمل الإيجابية والرقي. عاصمتنا لن تموت، وسنثابر على إبراز وجوهها المضيئة. وبموازاة مهرجان (ربيع بيروت)، ستكون المناسبة مضاعفة لإبراز وجهها المضيء».

«زيارة 8» يطلّ أيضاً على مسرح «البيكاديللي» (صور دنيز جبور)

بالنسبة إلى المنتجة والمخرجة، فإنّ «زيارة تكريم بيروت» من أجمل المواسم التي نفّذتاها. ويتحدّث ضيوف هذه السلسلة عن مراحل مختلفة شهدتها مدينتهم، «منذ أيام مجدها والفورة الثقافية، مروراً بالانفجار والأزمة الاقتصادية، ووصولاً إلى ما هي عليه اليوم».

استغرق تحضير «زيارة 8» وتنفيذه نحو 45 يوماً، فطرحت دنيز جبور الأسئلة على ضيوفها الـ12، بينما تولّت أبو الروس عمليتَي التصوير والإخراج. ومن المتوقّع أن يجول هذا الوثائقي، كما سابقيه، على مدارس لبنانية. تختم جبور: «نرغب في أن يعي تلامذتنا وطلابنا أهمية مدينتنا الخالدة، وضرورة تمسّكهم بالأمل من خلال نماذج حيّة سيرونها في الوثائقي».


مقالات ذات صلة

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

يوميات الشرق أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها، الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع...

فاطمة عبد الله (بيروت)
رياضة عربية الفتاة الطموح كانت تقترب من أن تمثل لبنان في منتخبه الوطني وتخوض أولى مبارياتها (أ.ف.ب) play-circle 03:13

سيلين حيدر... أيقونة منتخب لبنان التي دفعت ضريبة الحرب

سيلين حيدر، لاعبة منتخب لبنان للشابات وكابتن فريق أكاديمية بيروت، قصة رياضية شابة خطفتها أقدار الحرب من ملاعبها إلى سرير المستشفى.

فاتن أبي فرج (بيروت )
يوميات الشرق تشبه موضوعاتها المكان وناسه وترسم مواسم الزيتون (آية دبس)

بالجدّات والقطط ومواسم الزيتون... آية دبس ترسم التعلُّق بالمكان

الوفاء للمكان جعل تناوُل إشكالية النزوح الطارئة جراء الحرب، مُلحَّاً. وها هي تحضُر في رسومها، كأنها تتدفّق لتشغل المساحة بمظاهر هذا التدفُّق.

فاطمة عبد الله (بيروت)
خاص بري وهوكستين في عين التينة (د.ب.أ) play-circle 01:06

خاص بري لـ«الشرق الأوسط»: ضمان موقف الإسرائيليين من الاتفاق على عاتق الأميركيين

أكد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري لـ«الشرق الأوسط» أن «الوضع جيد مبدئياً» بشأن المفاوضات للتوصل لاتفاق وقف إطلاق نار بين لبنان وإسرائيل.

ثائر عباس (بيروت)
العالم العربي جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)

أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

غادرت لينا الخليل ضاحية بيروت الجنوبية بعد بدء إسرائيل قصفاً مدمّراً على المنطقة قبل نحو شهرين لكنها تعود كل يوم لتخوض تحدّياً يتمثل بفتح أبواب صيدليتها ساعتين.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
TT

سلوفينية تبلغ 12 عاماً تُنقذ مشروعاً لإعادة «الزيز» إلى بريطانيا

أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)
أحدثت الفارق وغيَّرت النتيجة (صندوق استعادة الأنواع)

عندما سافر علماء بيئة بريطانيون إلى سلوفينيا هذا الصيف على أمل التقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» المغرِّدة لإعادة إدخال هذا النوع إلى غابة «نيو فورست» في بريطانيا، كانت تلك الحشرات صعبة المنال تطير بسرعة كبيرة على ارتفاع بين الأشجار. لكنَّ فتاة تبلغ 12 عاماً قدَّمت عرضاً لا يُفوَّت.

وذكرت «الغارديان» أنّ كريستينا كيندا، ابنة الموظّف في شركة «إير بي إن بي»؛ الموقع الذي يتيح للأشخاص تأجير واستئجار أماكن السكن، والذي وفَّر الإقامة لمدير مشروع «صندوق استعادة الأنواع» دوم برايس، ومسؤول الحفاظ على البيئة هولي ستانوورث، هذا الصيف؛ اقترحت أن تضع شِباكاً لالتقاط ما يكفي من صراصير «الزيز» لإعادتها إلى بريطانيا.

قالت: «سعيدة للمساعدة في هذا المشروع. أحبّ الطبيعة والحيوانات البرّية. الصراصير جزء من الصيف في سلوفينيا، وسيكون جيّداً أن أساعد في جَعْلها جزءاً من الصيف في إنجلترا أيضاً».

كان صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي هو النوع الوحيد من الصراصير الذي وُجِد في بريطانيا. في الصيف، يصدح الذكور بأغنية عالية النغمات لجذب الإناث التي تضع بيضها في الأشجار. وعندما يفقس الصغار، تسقط إلى أرض الغابة وتحفر في التربة، حيث تنمو ببطء تحت الأرض لمدّة 6 إلى 8 سنوات قبل ظهورها على شكل كائنات بالغة.

صرصار «نيو فورست» الأسود والبرتقالي (صندوق استعادة الأنواع)

اختفى هذا النوع من الحشرات من غابة «نيو فورست»، فبدأ «صندوق استعادة الأنواع» مشروعاً بقيمة 28 ألف جنيه إسترليني لإعادته.

نصَّت الخطة على جمع 5 ذكور و5 إناث من متنزه «إيدريا جيوبارك» في سلوفينيا بتصريح رسمي، وإدخالها في حضانة صراصير «الزيز» التي تضمّ نباتات محاطة في أوعية أنشأها موظّفو حديقة الحيوانات في متنزه «بولتون بارك» القريب من الغابة.

ورغم عدم تمكُّن برايس وستانوورث من التقاط صراصير «الزيز» البالغة، فقد عثرا على مئات أكوام الطين الصغيرة التي صنعها صغار «الزيز» وهي تخرج من الأرض بالقرب من مكان إقامتهما، وتوصّلا إلى أنه إذا كانا يستطيعان نصب خيمة شبكية على المنطقة قبل ظهور صراصير «الزيز» في العام المقبل، فيمكنهما إذن التقاط ما يكفي منها لإعادتها إلى بريطانيا. لكنهما أخفقا في ترك الشِّباك طوال فصل الشتاء؛ إذ كانت عرضة للتلف، كما أنهما لم يتمكنا من تحمُّل تكلفة رحلة إضافية إلى سلوفينيا.

لذلك، عرضت كريستينا، ابنة مضيفيهما كاتارينا وميتشا، تولّي مهمّة نصب الشِّباك في الربيع والتأكد من تأمينها. كما وافقت على مراقبة المنطقة خلال الشتاء لرصد أي علامات على النشاط.

قال برايس: «ممتنون لها ولعائلتها. قد يكون المشروع مستحيلاً لولا دعمهم الكبير. إذا نجحت هذه الطريقة، فيمكننا إعادة أحد الأنواع الخاصة في بريطانيا، وهو الصرصار الوحيد لدينا وأيقونة غابة (نيو فورست) التي يمكن للسكان والزوار الاستمتاع بها إلى الأبد».

يأمل الفريق جمع شحنته الثمينة من الصراصير الحية. الخطة هي أن تضع تلك البالغة بيضها على النباتات في الأوعية، بحيث يحفر الصغار في تربتها، ثم تُزرع النباتات والتربة في مواقع سرّية في غابة «نيو فورست»، وتُراقب، على أمل أن يظهر عدد كافٍ من النسل لإعادة إحياء هذا النوع من الحشرات.

سيستغرق الأمر 6 سنوات لمعرفة ما إذا كانت الصغار تعيش تحت الأرض لتصبح أول جيل جديد من صراصير «نيو فورست» في بريطانيا.