ماغي مرجان: «رسائل الشيخ دراز» يعكس روح التسامح بمصر

الفيلم الوثائقي الطويل فاز بجائزتين في «أسوان السينمائي»

ماغي خلال تسلمها إحدى جوائز الفيلم بمهرجان أسوان (الشرق الأوسط)
ماغي خلال تسلمها إحدى جوائز الفيلم بمهرجان أسوان (الشرق الأوسط)
TT

ماغي مرجان: «رسائل الشيخ دراز» يعكس روح التسامح بمصر

ماغي خلال تسلمها إحدى جوائز الفيلم بمهرجان أسوان (الشرق الأوسط)
ماغي خلال تسلمها إحدى جوائز الفيلم بمهرجان أسوان (الشرق الأوسط)

في فيلمها الوثائقي الطويل «رسائل الشيخ دراز» تتصدى المخرجة المصرية ماغي مرجان لسيرة العالم الأزهري الراحل محمد عبد الله دراز، الفقيه الذي أوفدته جامعة الأزهر، في بعثة لفرنسا خلال أربعينات القرن الماضي فحصل على الدكتوراه بمرتبة الشرف العليا وكان موضوعها «دستور الأخلاق في القرآن الكريم»، والتي ناقشه فيها عدد من المستشرقين الأوربيين عام 1947.

الصدفة وحدها قادت المخرجة التي تعتنق الديانة المسيحية إلى مذكرات الشيخ دراز التي كتبها بخط يده، وضمّـنها آراء مستنيرة ومواقف إنسانية مع أولاده خلال وجودهم في فرنسا، لتكشف عن قدر التواضع والتسامح والفهم الذي يعكسه العالم الكبير عن صورة الإسلام الصحيح، فرأت أنها لا بد أن تنقل للآخرين هذه الصورة التي تكشف عن مصر لا نعرفها، وفق تعبيرها.

المخرجة ماغي مرجان الصدفة قادتها لمذكرات العالم الأزهري (الشرق الأوسط)

وقد قامت ماغي بجمع شهادات لشخصيات عاصرت الشيخ الراحل من داخل مصر وخارجها، ومن أسرته وأحفاده، وذهبت إلى مسقط رأسه بمحافظة كفر الشيخ التي ولد بها عام 1894.

وتروي مرجان لـ«الشرق الأوسط» كيف بدأت علاقتها مع الفيلم قائلة: «لم أكن أعرف شيئاً عن الشيخ الفاضل، كانت حفيدته نهى قد مثلت في فيلمي الأول (عشم)، وكنت أحضر ذات مرة عرضاً لفيلم والتقيت نهى وتعرفت على نجله السفير فتحي دراز، ثم بدأت تفاصيل عديدة تتكشف لي حينما اطلعت على مذكراته وصوره وأوراقه، لأكتشف أن لدى أسرته أرشيفاً كاملاً عنه، فقد كان الرجل يدوّن مذكراته بشكل يومي على مدى 12 سنة خلال وجوده في فرنسا، وواصل كتابتها بعد عودته إلى مصر، وحتى قبل رحيله عام 1958 بيوم، وكان في باكستان لحضور مؤتمر إسلامي دوّن بعضاً منها، وصورنا آخر ما كتبه بالفيلم». اطلاع المخرجة على مذكرات الشيخ دراز كان نقطة انطلاق لفكرة الفيلم، مثلما تقول: «ما خطفني في مذكراته أنه كان لديه نظرة متكاملة للحياة، واستنارة كبيرة تنطوي على قدر من التسامح وقد وثّق فيها صعوبات الحياة خلال الحرب العالمية الثانية، وكانت حفيدته نهى مهتمة بفكرة الفيلم وكذلك بقية أولاده، وبالتحديد سامي ومحسن وفتحي، والأحفاد سامية ونادية بدوي وجميعهم شخصيات متحققة ومتصالحة.

أبناء الشيخ دراز في مشهد بالفيلم (الشرق الأوسط)

وحول ظروف تصوير الفيلم، تقول ماغي: التصوير تم على مراحل خلال 10 سنوات، كنا نصور ونتوقف، ففي أول يوم صورت مع السفير فتحي دراز، ثم توفي بعدها بساعات، لكنه كان مهتماً بالحديث عن والده، ولم أستطع وضع هذه المشاهد بالفيلم لأنها مؤلمة لأسرته، بعدها توقفنا لعام كامل، وحينما عاد شقيقه محسن دراز من باريس عدنا للتصوير، والفيلم إنتاج مستقل لنهى حفيدته بمساعدة آخرين. وتلفت المخرجة إلى ما تؤكد عليه لطلابها في تدريسها للسينما بالجامعة الأميركية قائلة: «دائماً أقول للطلبة حين نعمل فيلماً وثائقياً نواجه جدلاً أخلاقياً هل نعمل ما يعجبنا أم ما يعجبهم، هنا لا بد من موازنة لوجود مسؤولية أخلاقية تجاه من نصور معهم».

وتشير مرجان إلى أنها لم تكن تعمل على الفيلم منذ البداية بمفردها، حيث تقول: «عملت معي المخرجة تغريد العصفوري في كتابته، لا سيما في جزء البحث، وهي صديقتي وأستاذتي وبيننا تفاهم كبير. وشارك الفيلم بالمسابقة الدولية لمهرجان أسوان لأفلام المرأة خلال دورته المنقضية ليتوج بجائزتين (أفضل فيلم أورومتوسطي) مناصفة مع الفيلم التونسي (بنات ألفة)، كما فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة».

ندى دراز قنصل عام مصر لدى الولايات المتحدة وحفيدة الشيخ دراز (الشرق الأوسط)

وعن تأثير الجوائز عليها، تقول ماغي: «ميزة الجوائز أنها تشجّع الناس على مشاهدة الفيلم؛ لأن الأفلام الوثائقية جمهورها قليل بطبيعة الحال، لكن ما أسعدني حقاً أن شباباً وبنات في العشرينات تجاوبوا مع العمل خلال عرضه بأسوان، وكان تساؤلهم لماذا لا نعرف شيئاً عن هؤلاء الناس؟ وهنا لا بد كي أكون منصفة وأمينة، أن أؤكد أن الشيخ دراز ليس حالة فريدة، بل هناك كثيرون مثله على غرار الإمام الشيخ محمد عبده، وقد تعمّقوا في الدين والفلسفة العامة ودرسوا في الخارج؛ ما جعلهم منفتحين على ثقافات أخرى». وبشأن ميلها للأفلام الوثائقية بشكل أكبر، تقول ماغي: «بطبيعتي أحب سماع قصص وحكايات الشخصيات، كما أحب توثيقها لتصل لأكبر عدد من الناس، لكن فيلمي القادم الذي أعمل عليه حالياً سيكون روائياً طويلاً».


مقالات ذات صلة

الوسط الفني بمصر يودّع السيناريست عاطف بشاي

يوميات الشرق السيناريست المصري عاطف بشاي (صفحته على «فيسبوك»)

الوسط الفني بمصر يودّع السيناريست عاطف بشاي

ودّع الوسط الفني بمصر المؤلف والسيناريست المصري عاطف بشاي، الذي رحل عن عالمنا، الجمعة، إثر تعرضه لأزمة صحية ألمت به قبل أيام.  

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق أنجلينا جولي في مهرجان ڤنيسيا (إ.ب.أ)

«الشرق الأوسط» بمهرجان «ڤنيسيا-4»... ماريا كالاس تعود في فيلم جديد عن آخر أيام حياتها

إذا ما كانت هناك ملاحظة أولى بالنسبة للأيام الثلاثة الأولى التي مرّت على أيام مهرجان ڤنيسيا فهي أن القدر الأكبر من التقدير والاحتفاء ذهب لممثلتين أميركيّتين.

محمد رُضا (فينيسيا)
يوميات الشرق جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» خلال مشاركتها في افتتاح مهرجان البندقية (الشرق الأوسط)

«البحر الأحمر السينمائي» تشارك في مهرجان البندقية بـ4 أفلام

تواصل «مؤسسة البحر الأحمر السينمائي» حضورها بالمهرجانات الدولية من خلال مشاركتها في الدورة الـ81 من مهرجان البندقية السينمائي بين 28 أغسطس و7 سبتمبر.

«الشرق الأوسط» (البندقية)
سينما جيمس ستيوارت في «انعطاف نهر» (يونيڤرسال)

كلاسيكيات السينما على شاشة «ڤينيسيا»

داوم مهرجان «ڤينيسيا» منذ سنوات بعيدة على الاحتفاء بالأفلام التي حفرت لنفسها مكانات تاريخية وفنية راسخة. ومنذ بضعة أعوام نظّمها في إطار برنامج مستقل

محمد رُضا‬ (ڤينيسيا)
سينما «بالرغم من» ‫(مهرجان ڤينيسيا السينمائي)

شاشة الناقد: فيلم افتتاح «ڤينيسيا» 81 مبهر وموحش

يختلف جمهور اليوم عن جمهور 1988 عندما خرج ما بات الآن الجزء الأول من هذا «بيتلجوس بيتلجوس». آنذاك كان الفيلم جديداً في الفكرة والشخصيات

محمد رُضا‬ (ڤينيسيا)

«سوق ديانا» في القاهرة تبيع أنتيكات برائحة «الزمن الجميل»

التحف والمقتنيات القديمة أبرز معروضات السوق (الشرق الأوسط)
التحف والمقتنيات القديمة أبرز معروضات السوق (الشرق الأوسط)
TT

«سوق ديانا» في القاهرة تبيع أنتيكات برائحة «الزمن الجميل»

التحف والمقتنيات القديمة أبرز معروضات السوق (الشرق الأوسط)
التحف والمقتنيات القديمة أبرز معروضات السوق (الشرق الأوسط)

التحقت سارة إبراهيم، 35 عاماً، بزحام سوق «ديانا» بوسط القاهرة، في إرضاء لشغفها بـ«اقتناء» السّلع والتّحف والعملات القديمة التي تتخصص هذه السوق في القاهرة بعرضها، وتُعرف كذلك بـ«سوق السبت» نسبةً لليوم الأسبوعي الوحيد الذي يستقبل جمهوره فيه.

يُطلق على هذه السوق اسم «ديانا» نسبةً إلى سينما «ديانا بالاس» العريقة التي تقع في محيط الشوارع المؤدية إليها.

تقول سارة إنها تعرّفت على السوق منذ نحو عامين، رغم أنها كانت تسمع عنها منذ سنوات: «بدأ الأمر صدفة، خلال جولة لي مع صديقة، فانبهرنا بكمية المعروضات التي لم نجدها سوى في هذه السوق، وصرت أولاً أقصدها للتنزّه بها من وقت لآخر. وقد اشتريت منها اليوم صوراً قديمة من أرشيف فيلم (معبودة الجماهير)، وصدف بحر عملاقاً لم أرَ مثله من قبل، وكذلك علبة معدنية قديمة مرسوم عليها (روميو وجولييت) كالتي كانت تستخدمها الجدات قديماً لحفظ أغراض الخياطة، وجميعها بأسعار معقولة، وتحمل معها زمناً قديماً لم نعشه»، كما تقول في حديثها مع «الشرق الأوسط».

الأسطوانات القديمة إحدى السلع التي يبحث عنها زوار السوق (الشرق الأوسط)

رغم حرارة الطقس، كان زوار السوق ومرتادوها يتدفقون ويتحلقون حول المعروضات التي يفترشها الباعة على الأرض بكميات كبيرة، ويبدو تأمل تلك المعروضات في حد ذاته ضرباً من المتعة، يمكن أن ينطبق عليه المثل الشعبي المصري المعروف: «سمك لبن تمر هندي» بما يدّل على التنوّع المدهش في نوعية السلع، بداية من الساعات القديمة، إلى أطباق الطعام التي تحمل طابعاً تاريخياً، فيحمل بعضها توقيع «صنع في ألمانيا الغربية»، الذي يعود إلى ما قبل إعادة توحيد ألمانيا، ويمكن مشاهدة زجاجة مياه غازية فارغة تعود للفترة الملكية في مصر، يشير إليها أحمد محمود، بائع المقتنيات القديمة بالسوق.

عملات وتذكارات معدنية (الشرق الأوسط)

يقول محمود: «يمكن على تلك الزجاجة رؤية شعار علم مصر القديم (الهلال والنجمات الـ3 ولونها الأخضر)، وتحمل اسم (كايروأب) التي كانت إحدى شركات المياه الغازية في مصر في عهد الملك فؤاد، وما زال هناك زبائن إلى اليوم يهتمون كثيراً باقتناء مثل تلك التذكارات التي تحمل معها جزءاً من تاريخ الصناعة في هذا الوقت، علاوة على شكلها وتصميمها الجمالي الذي يعكس تطوّر التصميم»، كما يشير في حديثه مع «الشرق الأوسط»، ويضيف: «جمهور هذه السوق هو الباحث عن اقتناء الذكريات، عبر تذكارات تحمل معها جزءاً من تاريخهم الشخصي أو الذي لم يعيشوه، فمثلاً يُقبل الجمهور هنا على شراء ملصقات سينما قديمة، أو حتى صابونة مُغلّفة تعود للخمسينات تُذكرهم بمصانع الفترة الناصرية، ويشترون كروت الشحن القديمة التي كانت تُستخدم في كابينات التليفون بالشوارع قبل انتشار الهاتف المحمول، وهي ذكريات يعرفها جيل الثمانينات والتسعينات بشكل خاص ويستعيدونها مع معروضات السوق».

معروضات نوستالجية تجذب الجمهور (الشرق الأوسط)

تظهر صور الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في وسط المعروضات، كما تظهر بورتريهات لعبد الحليم حافظ، وملصقات لنجوم كرة القدم في السبعينات، تُجاور شرائط كاسيت قديمة يشير البائع لإحدى الزبونات إلى أن سعر أي شريط كاسيت لمحمد عبد الوهاب 25 جنيهاً، فيما تُعرض أسطوانات التسجيلات القديمة بكميات كبيرة يبدأ سعرها من 50 جنيهاً، وكذلك الكاميرات التي تتراوح في تاريخها، وتبدأ من 200 جنيه وحتى 2000 جنيه (الدولار يعادل 48.6 جنيه)، ويعرض أحمد مهاب كثيراً من أجهزة التليفون القديمة التي تلفت أنظار الزوار.

يشير مهاب لأحد تلك الأجهزة التقليدية ذات القرص الدوّار ويقول عنه: «سعر هذا التليفون ألف جنيه مصري؛ وذلك لأنه يعود لفترة الخمسينات ولأن لونه الأحمر نادر، في حين أبيع الجهاز نفسه باللون الأسود بـ500 جنيه لأنه أكثر انتشاراً، فيما تقلّ أسعار تلك الهواتف الأرضية كلما كانت أحدث، فالتليفون ذو القرص الدوار الذي يعود لفترة التسعينات يُعرض للبيع بـ300 جنيه، وعلى الرغم من سطوة أجهزة الجوّالات المحمولة فلا يزال هناك جمهور يبحث عن تلك الأجهزة، إما لرخص سعرها نسبياً عن أجهزة التليفون الأرضي الحديثة، أو رغبة في اقتنائها بوصفها قطع أنتيكات للديكور»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط».

هواتف قديمة ونادرة تلفت أنظار الزوار (الشرق الأوسط)

أما باعة العملات والأوراق النقدية القديمة، فيبدو جمهورهم في ازدياد على مدار ساعات السوق؛ حيث يحتفظون بالعملات المعدنية التي تتراوح بين الفضية والنحاسية في أكوام ضخمة، سواء عملات مصرية أو عربية يختلف سعرها حسب تاريخها الزمني، ينادي البائع لطفي عبد الله على الزبائن: «الواحدة بـ10 جنيه» في إشارة منه لعملة «النصف جنيه» المصري وعملة «الربع جنيه» التي أصبحت جزءاً من التاريخ بعد انهيار قيمتها الشرائية، فيما يشير إلى عملات أخرى أجنبية يحتفظ بها داخل «كاتالوغ» مُغلّف، تظهر على عملة كبيرة الحجم صورة ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث تعود لفترة السبعينات، وعملة أخرى منقوش عليها شعار بطولة الألعاب الأولمبية في مونتريال 1976 التي يعرضها للبيع بـ2600 جنيه مصري، ويقول عنها: «تلك عملة من الفضة الخالصة وثقيلة الوزن، ولها قيمتها التاريخية التي يبحث عنها كثيرون من المقتنين، فجمهور العملات النادرة هم أقدم جمهور لهذه السوق، التي كانت في بداياتها تعتمد على بيع العملات وشرائها، ثم بدأ في التوسع التدريجي ليشمل مختلف المعروضات النادرة والمقتنيات القديمة»، كما يقول لـ«الشرق الأوسط».

شرائط كاسيت قديمة لكوكبة من نجوم الغناء (الشرق الأوسط)

ويبدو أن جمهور سوق «ديانا» لا يقتصر فقط على المصريين، فهو بات جزءاً من الجولات السياحية للكثير من السائحين من جنسيات مختلفة، منهم لي شواي، سائحة صينية، تتحدث مع «الشرق الأوسط» وتقول: «أزور مصر في رحلة عمل، وهذه أول مرة لي في هذه السوق، وما لفتي كثيراً أن هناك معروضات وتحفاً عليها نقوش ورسوم صينية شعبية، لم أكن أعرف أنهم في مصر مهتمون بالفنون والخطوط الصينية القديمة التي تظهر على اللوحات وأطباق التزيين هنا».

السوق تشهد حراكاً واهتماماً من الزوار (الشرق الأوسط)

ويُبدي عبد الله سعداوي، بائع في سوق ديانا، انتباهه لما يصفه بـ«الجمهور الجديد للسوق»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «زاد الجمهور بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، وجزء كبير من هذا الأمر يعود لانخفاض الأسعار من جهة والميل لشراء السلع المستعملة كبديل للسلع الجديدة مرتفعة الثمن، بما فيها السلع الاستعمالية كالحقائب والنظارات وأطقم المائدة، وكذلك بسبب كثافة الفيديوهات التي صار يصوّرها المؤثرون عبر منصات التواصل الاجتماعي عن السوق وتجربة الشراء فيها، وهو ما جعل جمهوراً أكبر من الشباب يأتي بفضول لاستكشافها».