«فيزيا وعسل» أسئلة فلسفية رهن مزاج الإنسان وقدره

عمل مسرحي لبناني استثنائي في محتواه ومشهديته الإخراجية

تناغم ملحوظ بين الثنائي سعادة وحايك ضمن أداء متّقن (مسرح المدينة)
تناغم ملحوظ بين الثنائي سعادة وحايك ضمن أداء متّقن (مسرح المدينة)
TT

«فيزيا وعسل» أسئلة فلسفية رهن مزاج الإنسان وقدره

تناغم ملحوظ بين الثنائي سعادة وحايك ضمن أداء متّقن (مسرح المدينة)
تناغم ملحوظ بين الثنائي سعادة وحايك ضمن أداء متّقن (مسرح المدينة)

«فيزيا وعسل» عمل مسرحي للمخرجة اللبنانية لينا خوري، يعرّج في موضوعاته على إشكالات حياتية كثيرة، تتناول طبيعة مهنة يمارسها الإنسان، وخيانة يواجهها، وحباً يكسره، ومرضاً يصيبه، ويمكن وصف هذا العمل بالاستثنائي لمحتواه الفلسفي وأسلوبه الإخراجي.

قد لا يستطيع كثيرون فهم مغزى العمل منذ اللحظات الأولى لمشاهدته؛ ولكنهم مع توالي الأحداث التي تشهدها المسرحية، ستترك عندهم علامات استفهام كثيرة. فهي تترجم مقولة «الحياة حلوة بس نفهمها»؛ ولذلك نكتشف معها أن كل موقف ومرحلة وقرار يتخذه الإنسان لا بدّ أن يتأثر بطبيعة مزاجه في اللحظة نفسها. ومراتٍ تُدخلنا المسرحية في تحليلات فلسفية وعلمية، فندرك أننا أمام وجوه متعدّدة للحياة، وكل ما يحدث في حياتنا نشعر كأنه سبق لنا أن مررنا به.

تضم بطولة العمل ريتا حايك وآلان سعادة المتناغمين بأسلوب أدائهما. وتبرز الإضاءة عنصراً رئيسياً في هذا العمل بمشهدية إخراجية لعبت دوراً أساسياً في قصّته.

تكرار المشهد الواحد باحتمالات عدّة تسود العمل (مسرح المدينة)

تكرّر لينا خوري المشهد بالمحتوى نفسه أكثر من مرة. فيمر كومضات و«فلاش باك»، ولكن بأسلوب جديد. الحوارات نفسها تتكرّر، ولكنها لا تتشابه، بسبب مزاج يحكمها. قد تنكسر علاقة وتأخذنا الحياة باتجاهات مختلفة في حال تبدلت أمزجتنا. أمّا القدر فيحضر بقوة في علاقة تشير إليها خوري من خلال علم الفيزياء.

مسرحية «فيزيا وعسل» المقتبسة عن «كونستلايشنز» للبريطاني نيك باين، لبننتها لينا خوري على طريقتها. فهي رسَخت في ذهنها منذ شاهدتها في أحد المهرجانات الآسيوية، وبدأت تُعد العدّة لتنفيذها منذ خمس سنوات.

وعلى مدى ساعة من الوقت تتوالى أحداث المسرحية تحت عنوان افتراضي عريض «ماذا لو؟ ماذا لو تصرّفنا بهذه الطريقة بدل تلك؟ وماذا لو انتهت قصتنا مع الحياة بإرادتنا؟ وماذا لو تداركنا كيفية تعاطينا مع هذا الموقف بأسلوب آخر؟ وماذا لو بُحنا بمشاعرنا أو خبأناها؟».

الموت الرحيم موضوع تطرحه «فيزيا وعسل» (مسرح المدينة)

تعمل ريتا في مجال الفيزياء، علمٌ يرتكز على المفاهيم الأساسية لعناصر الحياة ويهدف إلى فهم العملية الكونية. أما شريكها رولان (آلان سعادة)، فهو مربّي نحل؛ ومن قفيره يتعلّم دروس حياة على إيقاعٍ واحد ومعروف في عالم النحل. يلتقيان لتبدأ رحلتهما في البحث عن أسرار الحياة. الغضب، والقوة، والتسامح، والصّراحة، والتشابك، والرومانسية، وموضوعات غيرها تتناولها المسرحية.

أكثر من موقف يبقى في ذاكرة مشاهد العمل، ومن بينها مشهد طلب يد الحبيبة، الذي يدور في أجواء غريبة تمزج بين مشاعر العلم والحب. ومن المشاهد التي تعلق في الأذهان أيضاً، تلك التي تحكي عن مصير حياة، حين يلجأ فيها الشخص اليائس من حالته المرضية لطلب الموت الرّحيم. تلفّ ريتا شلحةً على رأسها للإشارة إلى إصابتها بمرض السرطان. يتعاطف المشاهد مع حالتها، وينتظر قرار شريكها فيما لو يوافقها عليه. فهي توضّب أمتعتها لتسافر إلى مستشفى في بلجيكا لتُنفّذ رغبتها في الرحيل على طريقتها، وتقول بغضب: «لازم يكون عندي خيار وكنترول». مشهد يتكرّر بوجوه عدّة، واحد منها بلغة الإشارة فيتعلق مشاهده بكل تفصيل فيه. ويطرح الشريك عليها سؤالاً وجدانياً: «هل هو الوقت المناسب لرحيلك؟ لو كنت مكانكِ لاستفدتُ من كل ثانية وأمضيها معكِ». فالكلام النّابع من القلب يمكنه أن يشفي أيضاً، ويكون أفضل علاج. وتجيبه بالعلم: «في الفيزياء لا وجود لماضٍ وحاضرٍ، فالوقت غير مهم».

الثنائي سعادة وحايك يلقيان التحية على الجمهور (مسرح المدينة)

وتواكب غالبية المشاهد موسيقى أغنيات تُطلّ علينا من الثمانينات والتسعينات، تلعب هي أيضاً، دورها في محتوى قصة سياقها قصة غير اعتيادي. تستمر عروض المسرحية على «مسرح المدينة»، لغاية 19 مايو (أيار) الحالي.

وفي نهاية العمل يرمي الشريكان كميات من أحجار الزهر للدلالة على أقدارٍ لا يُمكن للعِلم ولا للطبيعة التّحكم بها. إنها لعبة الاحتمالات بامتياز في حياة نجهل تحديد خطوطها. فهل هي التي توجّهنا أم أن العكس صحيح؟


مقالات ذات صلة

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
TT

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)

كشفت دراسة دولية أن 91 في المائة من المصابين باضطرابات الاكتئاب في جميع أنحاء العالم لا يحصلون على العلاج الكافي.

وأظهرت الدراسة، التي قادها فريق من جامعة كوينزلاند في أستراليا، ونُشرت نتائجها، الجمعة، في دورية «The Lancet Psychiatry»، أن كثيرين من المصابين بالاكتئاب لا يتلقون العناية اللازمة، ما يزيد من معاناتهم ويؤثر سلباً على جودة حياتهم.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يعاني أكثر من 300 مليون شخص الاكتئاب، مما يجعله السبب الرئيسي للإعاقة عالمياً. وتشير التقديرات إلى أن 5 في المائة من البالغين يعانون هذا المرض. وضمّت الدراسة فريقاً من الباحثين من منظمة الصحة العالمية وجامعتيْ واشنطن وهارفارد بالولايات المتحدة، وشملت تحليل بيانات من 204 دول؛ لتقييم إمكانية الحصول على الرعاية الصحية النفسية.

وأظهرت النتائج أن 9 في المائة فقط من المصابين بالاكتئاب الشديد تلقّوا العلاج الكافي على مستوى العالم. كما وجدت الدراسة فجوة صغيرة بين الجنسين، حيث كان النساء أكثر حصولاً على العلاج بنسبة 10.2 في المائة، مقارنة بــ7.2 في المائة للرجال. ويُعرَّف العلاج الكافي بأنه تناول الدواء لمدة شهر على الأقل، إلى جانب 4 زيارات للطبيب، أو 8 جلسات مع متخصص.

كما أظهرت الدراسة أن نسبة العلاج الكافي في 90 دولة كانت أقل من 5 في المائة، مع تسجيل أدنى المعدلات في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا بنسبة 2 في المائة.

وفي أستراليا، أظهرت النتائج أن 70 في المائة من المصابين بالاكتئاب الشديد لم يتلقوا الحد الأدنى من العلاج، حيث حصل 30 في المائة فقط على العلاج الكافي خلال عام 2021.

وأشار الباحثون إلى أن كثيرين من المرضى يحتاجون إلى علاج يفوق الحد الأدنى لتخفيف معاناتهم، مؤكدين أن العلاجات الفعّالة متوفرة، ومع تقديم العلاج المناسب يمكن تحقيق الشفاء التام. وشدد الفريق على أهمية هذه النتائج لدعم خطة العمل الشاملة للصحة النفسية، التابعة لمنظمة الصحة العالمية (2013-2030)، التي تهدف إلى زيادة تغطية خدمات الصحة النفسية بنسبة 50 في المائة على الأقل، بحلول عام 2030. ونوه الباحثون بأن تحديد المناطق والفئات السكانية ذات معدلات علاج أقل، يمكن أن يساعد في وضع أولويات التدخل وتخصيص الموارد بشكل أفضل.

يشار إلى أن الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم، حيث يؤثر على ملايين الأشخاص من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية، ويرتبط بشكل مباشر بمشاعر الحزن العميق، وفقدان الاهتمام بالنشاطات اليومية، مما يؤثر سلباً على الأداء الوظيفي والعلاقات الاجتماعية.