للعالقين بدوامة الكر أو الفر... 5 طرق لتخطي التوتر

بعض الضغوط في الحياة اليومية أمر لا مفر منه لكن البقاء في حالة توتر أمر غير صحي (رويترز)
بعض الضغوط في الحياة اليومية أمر لا مفر منه لكن البقاء في حالة توتر أمر غير صحي (رويترز)
TT

للعالقين بدوامة الكر أو الفر... 5 طرق لتخطي التوتر

بعض الضغوط في الحياة اليومية أمر لا مفر منه لكن البقاء في حالة توتر أمر غير صحي (رويترز)
بعض الضغوط في الحياة اليومية أمر لا مفر منه لكن البقاء في حالة توتر أمر غير صحي (رويترز)

هل تتذكر وقتاً شعرت فيه بالتوتر قبل حدث كبير في حياتك، ثم شعرت بعد ذلك وكأن ثقلاً قد رفع عن عاتقك؟ هذا ما يسمى بتكثيف الاستجابة للضغط، ومن ثم الشعور بالاستقرار مرة أخرى، أي اكتمال «دورة التوتر»، وفق تقرير لموقع «ذي كونفرسايشن».

وبطبيعة الأمر، فإن بعض الضغوط في الحياة اليومية أمر لا مفر منه. لكن البقاء في حالة توتر أمر غير صحي، إذ يزيد التوتر المزمن من الحالات المرضية المزمنة، بما في ذلك أمراض القلب، والسكتة الدماغية، والسكري، ويمكن أن يؤدي أيضاً إلى الإرهاق، أو الاكتئاب.

وتساعد الأنشطة الرياضية والمعرفية والإبداعية والاجتماعية والتهدئة الذاتية على معالجة التوتر بطرق صحية لإكمال دورة التوتر.

للتوتر دورة، كيف تعمل؟

يشير العلماء والباحثون إلى «الاستجابة للضغط النفسي»، مع التركيز غالباً على ردود فعل الكر أو الفر (القتال، أو الهروب) (fight or flight mode). لقد أصبحت عبارة «دورة الإجهاد» (stress cycle) شائعة بين خبراء المساعدة النفسية، والتنمية البشرية، ولكن لها أساس علمي.

ووفق التقرير، فإن دورة التوتر هي استجابة الجسم لحدث مرهق، سواء كان حقيقياً، أو متصوراً، جسدياً، أو نفسياً، مثل من يطارده كلب شرس، أو امتحان قادم، أو محادثة صعبة.

وتتكون دورة التوتر من ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى هي إدراك التهديد.

المرحلة الثانية هي الاستجابة للقتال، أو الهروب، مدفوعة بهرمونات التوتر لدينا: الأدرينالين، والكورتيزول.

المرحلة الثالثة هي الراحة، بما في ذلك الراحة الفسيولوجية، والنفسية. وهكذا تكتمل دورة التوتر.

ويستجيب كل شخص للتوتر بشكل مختلف عن الآخر بناءً على تجارب الحياة، وعلم الوراثة، بحسب التقرير.

ولسوء الحظ، يعاني العديد من الأشخاص من ضغوطات متعددة، ومستمرة خارجة عن سيطرتهم، بما في ذلك أزمة تكلفة المعيشة، والظواهر الجوية المتطرفة، والعنف المنزلي، كما لحظ التقرير.

ويمكن أن يؤدي البقاء في المرحلة الثانية، أي القتال أو الهروب، إلى إجهاد مزمن، والذي بدوره يؤدي إلى ارتفاع الكورتيزول، وزيادة الالتهابات في الجسم، مما يؤدي إلى إتلاف الدماغ، والأعضاء الأخرى.

ويوضح التقرير أنه «عندما تكون عالقاً في وضع القتال، أو الهروب المزمن، فإنك لا تفكر بوضوح، ويتم تشتيت انتباهك بسهولة أكبر»، وأكد أن «الأنشطة التي توفر متعة مؤقتة، مثل تناول الوجبات السريعة، أو الحلويات، هي استراتيجيات غير مفيدة، ولا تقلل من آثار التوتر على الدماغ، والجسم. كما أن تصفح وسائل التواصل الاجتماعي ليست وسيلة فعالة لإكمال دورة التوتر، بل على العكس هي تؤدي إلى زيادة الاستجابة للضغط النفسي».

الإجهاد والدماغ

في الدماغ، يمكن أن يؤدي ارتفاع الكورتيزول المزمن إلى تقليص الحصين. وهذا يمكن أن يضعف ذاكرة الشخص، وقدرته على التفكير، والتركيز.

يؤدي ارتفاع الكورتيزول المزمن أيضاً إلى تقليل النشاط في قشرة الفص الجبهي، ولكنه يزيد من النشاط في اللوزة الدماغية.

قشرة الفص الجبهي مسؤولة عن التحكم العالي بأفكارنا، وسلوكياتنا، وعواطفنا، وهي موجهة نحو الأهداف، والعقلانية. وتشارك اللوزة الدماغية في الاستجابات الانعكاسية، والعاطفية. ويفسر نشاط اللوزة الدماغية الأعلى ونشاط قشرة الفص الجبهي السفلي سبب كوننا أقل عقلانية، وأكثر عاطفية، وتفاعلية عندما نكون متوترين.

وعدد التقرير 5 أنواع من الأنشطة التي يمكن أن تساعد أدمغتنا على إكمال دورة التوتر.

1. التمرين- دورة الإجهاد الكاملة الخاصة به

عندما نمارس الرياضة نحصل على ارتفاع قصير المدى في الكورتيزول، يليه انخفاض صحي في الكورتيزول، والأدرينالين.

كما تعمل التمارين الرياضية على زيادة هرموني الإندورفين، والسيروتونين، مما يحسن المزاج.

ويسبب الإندورفين شعوراً بالبهجة يُطلق عليه غالباً تسمية «نشوة العداء»، وله تأثيرات مضادة للالتهابات.

2. الأنشطة المعرفية- تقليل التفكير السلبي

يمكن أن يؤدي التفكير السلبي المفرط إلى تحفيز أو توسيع الاستجابة للضغط النفسي. في بحث أجراه الموقع عام 2019، وجد أن العلاقة بين التوتر والكورتيزول كانت أقوى لدى الأشخاص الذين لديهم تفكير أكثر سلبية.

يمكن أن يؤدي ارتفاع نشاط اللوزة الدماغية والتفكير الأقل عقلانية عندما تكون متوتراً إلى تفكير مشوه، مثل التركيز على السلبيات، والتفكير الجامد «إما أبيض أو أسود».

يمكن للأنشطة التي تهدف إلى تقليل التفكير السلبي وتعزيز رؤية أكثر واقعية أن تقلل من الاستجابة للضغط النفسي. في البيئات السريرية، يُسمى هذا عادةً بالعلاج السلوكي المعرفي.

في المنزل، قد يكون هذا بمثابة تدوين اليوميات، أو تدوين المخاوف. وهذا يشرك الأجزاء المنطقية والعقلانية من دماغنا، ويساعدنا على التفكير بشكل أكثر واقعية.

3. الإبداع - طريق للخروج من «الهروب أو القتال»

يمكن أن تكون الأنشطة الإبداعية، مثل الفن، أو حرفة، أو بستنة، أو الطبخ، أو أنشطة أخرى، مثل حل الألغاز، أو ألعاب الخفة، أو الموسيقى، أو المسرح، أو الرقص، أو مجرد الاستغراق في عمل ممتع. هذه الأنشطة تزيد من نشاط قشرة الفص الجبهي، وتعزز التدفق، والتركيز.

والتدفق هو حالة من المشاركة الكاملة في النشاط الذي تستمتع به. فهو يخفض مستويات التوتر العالية من النورادرينالين، والأدرينالين في الدماغ.

4. التواصل الاجتماعي وإطلاق هرمونات الشعور بالسعادة

التحدث مع شخص آخر، معانقة شخص، أو حيوان أليف، والضحك، كلها يمكن أن تزيد من الأوكسيتوسين، هذا هو الناقل الكيميائي في الدماغ الذي يزيد من الترابط الاجتماعي، ويجعلنا نشعر بالتواصل، والأمان.

5. تهدئة النفس

تمارين التنفس، والتأمل تحفز الجهاز العصبي السمبتاوي (الذي يهدئ استجاباتنا للتوتر حتى نتمكن من إعادة الضبط) عن طريق الأعصاب المبهمة، وتقليل الكورتيزول.

البكاء أيضاً يمكن أن يساعد من خلال إطلاق طاقة التوتر، وزيادة الأوكسيتوسين، والإندورفين.


مقالات ذات صلة

صحتك ممرضة تحمل اختباراً للدم (أرشيفية - رويترز)

اختبار دم يتنبأ بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية قبل حدوثها بـ30 عاماً

يقول الأطباء إن اختبار الدم البسيط «ثلاثي الأبعاد» يمكنه التنبؤ بدقة بخطر إصابة المريض بنوبة قلبية وسكتة دماغية قبل 30 عاماً من حدوثها

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ يمر أحد الركاب أمام لافتة تحذر من مرض «جدري القرود» في مطار سوكارنو هاتا الدولي بتانجيرانغ في 26 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

«يونيسف» تطرح مناقصة طارئة لتأمين لقاحات «جدري القردة»

طرحت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) مناقصة طارئة لتأمين لقاحات «جدري القردة» للدول المتضررة من الأزمات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك إضافة الملح لطبق من البطاطس المقلية

ما تأثير الملح على معدتك؟ وكيف تخفف أضراره؟

كان الملح جزءاً أساسياً من الحضارة لآلاف السنين. وأثبت أنه ذو قيمة كبيرة بصفته مادة حافظة للأغذية، واستُخدم سابقاً عملةً في التجارة. 

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هناك انقسام طبي حول إلزامية الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد (رويترز)

انقسام علمي... هل لا يزال من الضروري الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد؟

تحوّل «كوفيد-19» على مر السنوات الماضية من جائحة عالمية إلى فيروس «مستوطن» وفق خبراء الصحة، ما يعني أن وجوده سيصبح مستمراً، فكيف يجب أن نتعامل معه؟

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

هاني شاكر في بيروت... الأحزان المُعتَّقة تمسحها ضحكة

بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)
بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)
TT

هاني شاكر في بيروت... الأحزان المُعتَّقة تمسحها ضحكة

بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)
بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)

القبلات المتطايرة التي تدفّقت من هاني شاكر إلى أحبّته طوال حفل وداع الصيف في لبنان، كانت من القلب. يعلم أنه مُقدَّر ومُنتَظر، والآتون من أجله يفضّلونه جداً على أمزجة الغناء الأخرى. وهو من قلّة تُطالَب بأغنيات الألم، في حين يتجنَّب فنانون الإفراط في مغنى الأوجاع لضمان تفاعل الجمهور. كان لافتاً أن تُفجّر أغنية «لو بتحبّ حقيقي صحيح»، مثلاً، وهو يختمها بـ«وأنا بنهار»، مزاج صالة «الأطلال بلازا» الممتلئة بقلوب تخفق له. رقص الحاضرون على الجراح. بارعٌ هاني شاكر في إشعالها بعد ظنّ أنها انطفأت.

بارعٌ هاني شاكر في إشعال الجراح بعد ظنّ بأنها انطفأت (الشرق الأوسط)

تغلَّب على عطل في هندسة الصوت، وقدَّم ما يُدهش. كان أقوى مما قد يَحدُث ويصيب بالتشتُّت. قبض على مزاج الناس باحتراف الكبار، وأنساهم خللاً طرأ رغم حُسن تنظيم شركة «عكنان» وجهود المتعهّد خضر عكنان لمستوى يليق. سيطر تماماً، بصوت لا يزال متّقداً رغم الزمن، وأرشيف من الذهب الخالص.

أُدخل قالب حلوى للاحتفاء بأغنيته الجديدة «يا ويل حالي» باللهجة اللبنانية في بيروت التي تُبادله الحبّ. قبل لقائه بالآتين من أجله، كرَّرت شاشة كبيرة بثَّها بفيديو كليبها المُصوَّر. أعادتها حتى حُفظت. وحين افتتح بها أمسيته، بدت مألوفة ولطيفة. ضجَّ صيف لبنان بحفلاته، وقدَّم على أرضه حلاوة الأوقات، فكان الغناء بلهجته وفاءً لجمهور وفيّ.

بقيادة المايسترو بسام بدّور، عزفت الفرقة ألحان العذاب. «معقول نتقابل تاني» و«نسيانك صعب أكيد»، وروائع لا يلفحها غبار. الأغنية تطول ليتحقّق جَرْف الذكريات. وكلما امتّدت دقائقها، نكشت في الماضي. يوم كان هاني شاكر فنان الآهات المستترة والمعلنة، وأنّات الداخل وكثافة طبقاته، وعبق الورد رغم الجفاف والتخلّي عن البتلات. حين غنّى «بعد ما دابت أحلامي... بعد ما شابت أيامي... ألقاقي هنا قدامي»، طرق الأبواب الموصودة؛ تلك التي يخالها المرء صدأت حين ضاعت مفاتيحها، وهشَّم الهواء البارد خشبها وحديدها. يطرقها بأغنيات لا يهمّ إن مرَّ عُمر ولم تُسمَع. يكفيها أنها لا تُنسى، بل تحضُر مثل العصف، فيهبّ مُحدِثاً فوضى داخلية، ومُخربطاً مشاعر كوَقْع الأطفال على ما تظنّه الأمهات قد ترتَّب واتّخذ شكله المناسب.

هاني شاكر مُنتَظر والآتون من أجله يفضّلونه جداً (الشرق الأوسط)

تتطاير القبلات من فنان يحترم ناسه، ويستعدّ جيداً من أجلهم. لا تغادره الابتسامة، فيشعر مَن يُشاهده بأنه قريب ودافئ. فنانُ الغناء الحزين يضحك لإدراكه أنّ الحياة خليط أفراح ومآسٍ، ولمّا جرّبته بامتحانها الأقسى، وعصرت قلبه بالفراق، درّبته على النهوض. همست له أن يغنّي للجرح ليُشفى، وللندبة فتتوارى قليلاً. ولا بأس إن اتّسم الغناء بالأحزان، فهي وعي إنساني، وسموّ روحي، ومسار نحو تقدير البهجات. ابتسامة هاني شاكر المتألِّمة دواخلَه، إصرار وعناد.

تراءى الفنان المصري تجسيداً للذاكرة لو كان لها شكل. هكذا هي؛ تضحك وتبكي، تُستعاد فجأة على هيئة جَرْف، ثم تهمد مثل ورقة شجر لا تملك الفرار من مصيرها الأخير على عتبة الخريف الآتي. «بحبك يا هاني»، تكرَّرت صرخات نسائية، وردَّ بالحبّ. يُذكِّر جمهوره بغلبة السيدات المفتتنات بأغنياته، وبما تُحرِّك بهنّ، بجمهور كاظم الساهر. للاثنين سطوة نسائية تملك جرأة الصراخ من أجلهما، والبوح بالمشاعر أمام الحشد الحاضر.

نوَّع، فغنّى الوجه المشرق للعلاقات: «بحبك يا غالي»، و«حنعيش»، و«كدة برضو يا قمر». شيءٌ من التلصُّص إلى الوجوه، أكّد لصاحبة السطور الحبَّ الكبير للرجل. الجميع مأخوذ، يغنّي كأنه طير أُفلت من قفصه. ربما هو قفص الماضي حين ننظر إليه، فيتراءى رماداً. لكنّ الرماد وجعٌ أيضاً لأنه مصير الجمر. وهاني شاكر يغنّي لجمرنا وبقاياه، «يا ريتك معايا»، و«أصاحب مين»؛ ففي الأولى «نلفّ الدنيا دي يا عين ومعانا الهوى»، وفي الثانية «عيونك هم أصحابي وعمري وكل أحبابي»، لتبقى «مشتريكي ما تبعيش» بديع ما يُطرب.

ضجَّ صيف لبنان بحفلاته وقدَّم على أرضه حلاوة الأوقات (الشرق الأوسط)

استعار من فيروز «بحبك يا لبنان» وغنّاها. بعضٌ يُساير، لكنّ هاني شاكر صادق. ليس شاقاً كشفُ الصدق، فعكسُه فظٌّ وساطع. ردَّد موال «لبنان أرض المحبّة»، وأكمله بـ«كيف ما كنت بحبك». وكان لا مفرّ من الاستجابة لنداء تكرَّر. طالبوه مراراً بـ«علِّي الضحكاية»، لكنه اختارها للختام. توَّج بها باقة الأحزان، كإعلان هزيمة الزعل بالضحكاية العالية.