حكاية بورتريه تشرشل الشهير: كيف سترسمني؟ كطفل بريء أم ككلب بول دوغ؟

وصف اللوحة بالـ«قذرة» وعدَّها جزءاً من مؤامرة لتحطيمه

البورتريه الشهير المثير للجدل (سوذبيز)
البورتريه الشهير المثير للجدل (سوذبيز)
TT

حكاية بورتريه تشرشل الشهير: كيف سترسمني؟ كطفل بريء أم ككلب بول دوغ؟

البورتريه الشهير المثير للجدل (سوذبيز)
البورتريه الشهير المثير للجدل (سوذبيز)

يُعدّ وينستون تشرشل واحداً من أكثر الشخصيات المؤثّرة في القرن الماضي، التي جرى تناولها ضمن أعمال فنية. أمناء معرض اللوحات الوطني في لندن صنّفوه بالقول إنه «أشهر وجه في القرن العشرين». وعلى امتداد حياته، رسم عدد من الفنانين البارزين لوحات له.

بدوره، أبدى تشرشل اهتماماً غير عادي بأسلوب تصويره، وغالباً طرح تقييمات قاسية لتلك الأعمال. لكنّ البورتريه الذي أبدعته أنامل غراهام سذرلاند عام 1954، كان واحداً من بين أكثر اللوحات الفنية التي لاقت رفضه. وقد تعرّضت النسخة النهائية منه للتدمير، في لحظة خلَّدها مسلسل «كراون» في الذاكرة الشعبية، مخلّفة وراءها عدداً من النسخ التجريبية المكتملة التي تُسلّط ضوءاً مختلفاً على اللوحة.

هذا الربيع، من المقرَّر أن تعرض دار «سوذبيز» واحدة من أفضل البورتريهات الباقية لتشرشل بريشة سذرلاند. في اللوحة التجريبية، تركز اهتمام الفنان على الرأس خلال فترة حرجة من حياة تشرشل، ثم سلَّم الصورة إلى ألفريد هيكت، صانع أُطر لوحات أعظم الفنانين البريطانيين بالعصر الحديث آنذاك، الذي احتفظ بالنسخة التجريبية طوال حياته، قبل إهدائها إلى مالكها الحالي. واليوم، من المقرَّر عرضها في مزاد.

قبل المزاد، تُعرَض اللوحة في قصر بلاينهايم، منزل آل تشرشل في أوكسفوردشير. كما ستُعرض أمام الجمهور ما بين 16 و21 أبريل (نيسان) الحالي داخل المكان الذي شهد مولده، احتفاءً بمرور 150 عاماً على إبصاره النور.

بعد ذلك، ستسافر اللوحة إلى فرع دار «سوذبيز» في نيويورك (3-16 مايو/أيار) ولندن (25 مايو ـ 5 يونيو/ حزيران)، قبل طرحها بالمزاد في 6 يونيو، مقابل 500 إلى 800 ألف جنيه إسترليني.

كان الاحتفال بعيد تشرشل الـ80 حدثاً بارزاً، تلقّى في إطاره نحو 150 ألف هدية من مختلف أنحاء العالم. في هذا السياق، اقترح مجلسا البرلمان أن تكون هديتهما لوحة يبدعها غراهام سذرلاند؛ من دون استشارة تشرشل، ولا زوجته كلمنتين بهذا الشأن.

أما خلفية المشهد، فتركّزت حول إحرازه نصراً بشقّ الأنفس في انتخابات عام 1951 رغم الوقار الهائل الذي حظي به. أتى ذلك وسط قتال سياسي شرس، تزامناً مع إصابة رئيس الوزراء بسكتة دماغية، وتنامي الضغوط عليه لتقديم استقالته. كان مدركاً بشدّة في تلك اللحظة تأثير صورته العامة وقوّة البورتريه.

على الجانب الآخر، كان سذرلاند عام 1954 في ذروة تألّقه الفنّي، ووصفه كتالوغ أحد المعارض الفنية بأنه «الفنان الإنجليزي الأبرز والأكثر أصالة في منتصف القرن العشرين».

سذرلاند وتشرشل داخل الاستوديو

لم يكن تشرشل رجلاً من السهل رسم صورة له. وفي لقائهما الأول، رحَّب بسذرلاند الذي شعر بالتوتّر. قال تشرشل إنه لا يعرف عنه سوى أنه «رجل مثير للمشكلات أمام أمناء متحف تيت» (في إشارة إلى أنّ سذرلاند كان قد استقال من منصبه أميناً للمتحف بعد خلاف). في اللقاء، سأله تشرشل: «كيف سترسمني؟ كطفل بريء أم ككلب بول دوغ؟»، فأجابه: «الأمر يعتمد على ما ستُظهره أمامي، سيدي». ولاحقاً، علَّق الفنان بقوله إن «البول دوغ» كان الوجه الذي أظهره تشرشل أمامه باستمرار.

من جهته، رغب تشرشل في أن يرسمه سذرلاند مرتدياً رداء «فرسان الرباط»، الذي ناله تقديراً لإسهاماته الوطنية الكبرى، لكن الفنان أصرَّ على أن يرسمه مرتدياً نمط الملابس الذي لطالما عرفه به أعضاء البرلمان والجمهور. ومن أجل إرضاء تشرشل العنيد، أبدع سذرلاند في النهاية صورة له برداء «فرسان الرباط»، معروضة حالياً في معرض بيفربروك للفنون في فريدريكتون.

وتحتلّ اللوحة التي تعرضها «سوذبيز» مكانة متميّزة بين اللوحات التجريبية المتبقية، للجودة والطابع العام والتأثير. فيها، تُضفي أشعة الشمس الهادئة داخل مكتب تشرشل في منزل أسرته السابق بتشارتويل، على بشرته درجة من الشفافية. وتكشف الصورة عمق الصداقة غير المتوقَّعة التي ازدهرت بين الرجلين في تلك الفترة.

الاستقبال وما بعده

كان تشرشل حريصاً على مطالعة اللوحة خلال العمل عليها، لكن سذرلاند أصرَّ على أنه يجب عدم فعل ذلك. وكانت زوجته كلمنتين أول مَن عاين العمل داخل استوديو الفنان بمجرّد الانتهاء منه، وسُرَّت به حدَّ انهمار دموعها من الفرح. إلا أنّ هذا الاستقبال الرائع كان قصير الأمد.

لدى رؤيته اللوحة، كتب تشرشل إلى طبيبه الشخصي اللورد موران يصفها بأنها «قذرة ورديئة»، وأعقب ذلك بخطاب إلى سذرلاند وزوجته يخبرهما أنّ البورتريه لا يليق هديةً من مجلسَي البرلمان، ولا يرغب في أن يكون جزءاً من الاحتفال. من ناحيتها، وصفت زوجة سذرلاند تلقّيها الخطاب بأنه كان «أسوأ يوم في حياتنا».

ووسط الاضطرابات السياسية، خلُص تشرشل إلى نتيجة خاطئة مفادها أنّ اللوحة جزء من مؤامرة لتحطيمه. وفي النهاية، حضر الاحتفال، لكنه انتقد العمل بقسوة بوصفه «نموذجاً صارخاً للفن الحديث»، مما أثار ضحك الجمهور.

ذلك المساء، في أثناء الحفل داخل «داونينغ ستريت»، لم يظهر البورتريه. ورغم ذلك بدا تشرشل أكثر لطفاً، وأظهر لسذرلاند أنه رغم اختلافاتهما الفنية، سيظلان أصدقاء.

أما الصحافة، فكانت شديدة القسوة، مع دعوة «تلغراف» و«ديلي إكسبريس» لإلقاء البورتريه بعيداً، أو حتى حرقه. في المقابل، غرَّدت «سبكتيتور» خارج السرب، واصفة اللوحة بأنها «أفضل عمل فنّي صوَّر رئيس الوزراء سنورثه للأجيال القادمة». ومع ذلك، لم تتحقّق هذه الرؤية.

في غضون عامين، أثار البورتريه موجة غضب داخل تشارتويل حدَّ دفع السكرتيرة الوفية لتشرشل، غريس هامبلين، لتكليف شقيقها بحمله بعيداً وإحراقه، في خطوة لاقت موافقة كلمنتين، مع تحوُّل حماستها الأولى تدريجياً إلى مشاعر رفض للصورة، لإحساسها بأنها تعرّضت للخيانة بسببها.


مقالات ذات صلة

فاليري أرقش عوّاد تحمل شعلة الفن التشكيلي «أون لاين»

يوميات الشرق عمر أنسي ولوحة بعنوان: «أرض لبنان» تشارك في المزاد (فاليري أرقش عواد)

فاليري أرقش عوّاد تحمل شعلة الفن التشكيلي «أون لاين»

رغم الحرب التي يعيشها لبنان، تُقدِم فاليري على هذه الخطوة من باب «لا بدّ أن نستمر». وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «أدرك تماماً أن الوضع في لبنان سيئ للغاية».

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق الفخامة والنُّدرة (أ.ف.ب)

عقد مُبهر من 500 ألماسة مرتبط بماري أنطوانيت للبيع

أعلنت دار «سوذبيز» للمزادات طرحها للبيع عقداً مبهراً مكوّناً من 500 ألماسة يعود تاريخه إلى القرن الـ18؛ وهي قطعة ذات أصول غامضة تعكس إتقاناً فنياً لا مثيل له.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لوح الشوكولاته (دار «بالدوين» للمزادات)

صنع عام 1900... توقعات ببيع لوح شوكولاته بأكثر من ألف دولار

من المقرر أن يتم عرض لوح من الشوكولاته عمره 124 عاماً، للبيع في مزاد، بقيمة تقدر بأكثر من 1000 دولار

«الشرق الأوسط» (لندن)
عملة ذهبية نادرة ترجع لعام 1496 (مزاد ستاك باورز)

أغلى عملات معدنية جمعها صاحبها في 6 قرون وبيعت بـ16 مليون دولار

منع أحد أباطرة جمع العملات المعدنية أي شخص من بيع عملاته النقدية لمدة مائة عام. وبعد قرن من الزمن، بيعت المجموعة الأولى بمبلغ 16.5 مليون دولار، حسب «سي أن إن».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق ما عزف عليه نويل غالاغر (أ.ف.ب)

غيتار عضو «أويسيس» نويل غالاغر بـ172 ألف دولار

بِيعَ غيتار كان يخصّ نويل غالاغر، أحد عضوَي فرقة «أويسيس» التي أعلنت أخيراً عن جولة حفلات بمناسبة عودتها إلى الساحة الفنّية، بأكثر من 130 ألف جنيه إسترليني.

«الشرق الأوسط» (لندن)

عائلة بريطانية تريد شراء مزرعة للتنقيب عن جثة

أنفقت الشرطة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث (أ.ب)
أنفقت الشرطة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث (أ.ب)
TT

عائلة بريطانية تريد شراء مزرعة للتنقيب عن جثة

أنفقت الشرطة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث (أ.ب)
أنفقت الشرطة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث (أ.ب)

تسعى عائلة امرأة اختُطفت وقُتلت في مزرعة، إلى شراء الأرض للتنقيب عن جثتها بعد 55 عاماً من مقتلها.

يُذكر أنه لم يجرِ العثور على جثة موريال ماكاي منذ مقتلها عام 1969 في مزرعة ستوكينغ، بالقرب من منطقة بيشوبس ستورتفورد، في هيرتفوردشاير، وفق «بي بي سي» البريطانية.

وأنفقت شرطة العاصمة 160 ألف جنيه إسترليني في إجراءات البحث، التي استمرت لمدة ثمانية أيام في الموقع، خلال يوليو (تموز) الماضي، لكن الجهود لم تسفر عن شيء، في النهاية.

وقال مارك داير، وهو حفيد السيدة ماكاي، إنه مستعد لدفع أكثر من مليون جنيه إسترليني لشراء ما وصفه بأنه «أكثر مكان شرير على وجه الأرض».

واعترف داير بأن ذلك سيكون «أمراً صعباً» من الناحية العاطفية، لكنه قال إنه قد يكون ضرورياً للوصول إلى نهاية القصة.

وجَرَت عمليات التنقيب، في يوليو، بعد أن قدّم آخِر القتلة الباقين على قيد الحياة، والذي يعيش الآن في ترينيداد، معلومات عن مكان دفن السيدة ماكاي المزعوم، غير أن السلطات لم تسمح لنظام الدين حسين بالعودة إلى المملكة المتحدة، للمساعدة في عملية البحث، وهو ما عدَّته عائلة الضحية يشكل عائقاً أمام جهود البحث.

وفي تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، قال إيان ماكاي، ابن الضحية: «يعتمد كل ذلك على رغبة مالك المزرعة في البيع»، مضيفاً أن «شراء مزرعة روكس فارم سيكون استجابة عاطفية تسمح للعائلة بالمساعدة في البحث بشكل صحيح، على أمل الوصول إلى الجثة، وإنهاء القصة».

وجرى الاتصال بأصحاب المزرعة، للتعليق.

وقال داير إنه إذا اشترت عائلته المزرعة في المستقبل، فإن الملكية ستكون «انتقالية» فقط، موضحاً أنهم سيشترونه، وسيستأجرون متخصصين لإجراء تنقيب عن جثة السيدة ماكاي، ثم يقومون ببيع المزرعة مرة أخرى. وفي أكتوبر (تشرين الأول) 1970، حُكم على نظام الدين وشقيقه آرثر حسين بالسجن المؤبد؛ للاختطاف واحتجاز السيدة ماكاي، التي كانت تبلغ من العمر 55 عاماً آنذاك، مقابل الحصول على فدية بقيمة مليون جنيه إسترليني، قبل قتلها.

وكانت ماكاي قد تعرضت للاختطاف بالخطأ، في 29 ديسمبر (كانون الأول) 1969، حيث اعتقد الشقيقان أنها زوجة رجل الأعمال الكبير، وقطب الإعلام روبرت مردوخ.

وفي وقت سابق من هذا العام، سافر ابن الضحية إلى ترينيداد برفقة شقيقته ديان، وأوضح لهم نظام الدين حينها خريطة المكان الذي دُفن فيه جثة والدتهما.