روبوت يمنح الصبر لأحبّة الموتى... لا حاجة إلى توديعهم «على الإطلاق»

بوتات الأحزان مُتّهمة بزجّ المكلوم في بوتقة من الحوارات المعزولة

الذكاء الاصطناعي هل يمنح العزاء؟ (شاترستوك)
الذكاء الاصطناعي هل يمنح العزاء؟ (شاترستوك)
TT

روبوت يمنح الصبر لأحبّة الموتى... لا حاجة إلى توديعهم «على الإطلاق»

الذكاء الاصطناعي هل يمنح العزاء؟ (شاترستوك)
الذكاء الاصطناعي هل يمنح العزاء؟ (شاترستوك)

روبوتات الإنترنت، أو البوتات، هي برمجيات وتطبيقات تعمل بتقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال الشبكة الدولية لأداء وظائف متنوّعة في مجالات البحث، والترفيه، والأعمال، والتواصل الاجتماعي، وغيرها. لكنّ شركات برمجيات كشفت مؤخراً عن نوع جديد من روبوتات الإنترنت، أطلقت عليها اسم «بوتات الأحزان».

ووفق «وكالة الأنباء الألمانية»، تعتمد فكرة هذه النوعية من التطبيقات على «خلق» نموذج افتراضي من الموتى، فيتواصل معه المستخدم، ويتحدّث إليه لتسكين الأحزان. وتعتمد هذه البرمجيات على المخزون المُتاح من رسائل البريد الإلكتروني، والرسائل النصّية، والتسجيلات الصوتية، والتدوينات على مواقع التواصل التي تركها المتوفى؛ لمحاكاة شخصيته أمام أحبّته.

في هذا السياق، يرى الصحافي المتخصّص في الشؤون العلمية تيم رايبوث أنّ البشر اعتمدوا على الوسائل التكنولوجية المُتاحة منذ أكثر من 100 عام لتعويض فقدان أحبائهم؛ ومن النماذج الواضحة على ذلك، الصور، واللوحات التي رسمها الإنجليز في العصر الفيكتوري لموتاهم بعد وفاتهم في القرن الـ19، واحتفظوا بها للذكرى، والتغلُّب على الشعور بفقدانهم. وأكد أنّ العلم لا يزال يعمل على سبر أغوار مشاعر الحزن الإنسانية للتوصُّل إلى أفضل الوسائل للتغلُّب عليها.

ومع اتّساع نطاق الإنترنت في التسعينات، اشتقَّت أستاذة علم الاجتماع في «جامعة سيينا» بنيويورك كارلا سوفكا مصطلح «الثاناتكنولوجي» لتصف أي تقنية رقمية يمكنها المساعدة في التغلُّب على أحزان الموت، مثل إنشاء البعض موقعاً إلكترونياً، أو حساباً عبر مواقع التواصل لأحبائهم الموتى. وتشير إلى أنّ البعض يلجأ إلى إعادة قراءة رسائل البريد الإلكتروني، أو التسجيلات الصوتية التي وصلتهم منهم، كشكل من أشكال التواصل معهم، ووسيلة للتغلُّب على أحزانهم.

وتتوافر حالياً بوتات الأحزان على المستوى التجاري، إذ تتيح شركة «ساينس» للذكاء الاصطناعي تطبيقاً لمعالجة الحزن لمَن يريدون السلوان لفترات وجيزة، بينما تقدّم شركات أخرى، مثل «يو» و«أونلي فيروتوال»، بوتات تجسّد شخصية أحبائهم الذين فارقوا الحياة لفترات طويلة بحيث لا يحتاجون، وفق هذه الشركات، إلى «توديعهم على الإطلاق».

من جانبها، تعرب خبيرة التكنولوجيا والصحة العامة من «جامعة ويسكنسون ميلوكي» الأميركية لينيا لاستاديوس عن مخاوفها من أنّ بوتات الأحزان قد تحتجز الأقارب المكلومين داخل بوتقة من الحوارات المعزولة مع الموتى عبر الإنترنت، بحيث لا يستطيعون المضي قدماً في حياتهم، موضحةً أن عملها مع مثل هذه التطبيقات كشف أنّ الأشخاص يقيمون روابط عاطفية قوية مع هذه الشخصيات الافتراضية للموتى بحيث يصبحون معتمدين عليها في أغراض الدعم الانفعالي.

أما الباحثة في معهد «كيوتو للتكنولوجيا» في اليابان وان جو تشي فتشير إلى ضرورة أن تتحلّى الشركات بالمسؤولية عند تطوير هذه النوعية من البرامج.

واشتركت تشي في دراسة بحثية لتحديد مدى قدرة البوتات على مقاومة الأحزان، شملت استطلاع رأي 10 أشخاص يتعاملون مع هذه النوعية من البوتات. وذكرت أنّ غالبية المستخدمين كانوا يتواصلون مع هذه الشخصيات الافتراضية لفترة أقل من عام خلال المرحلة الانتقالية الأولى للتغلُّب على أحزانهم، ولم يكونوا راغبين في الاحتفاظ بها طوال حياتهم.

كذلك أكد المشاركون في الدراسة معرفتهم بأنهم يتحدّثون إلى روبوتات إلكترونية، وأنهم لا يبالون بذلك. وتقول تشيجو إن هذه البوتات تُسكّن الحزن، لأنها تجعل المستخدم يشعر كما لو كان يتحدّث إلى الشخص الذي فقده، واستطردت أنه في ذروة الشعور بالحزن، قد يمثل الانسياق وراء التخيلات مشكلةً بالنسبة إلى المستخدم، لذا لا بدَّ أن توضح هذه النماذج الافتراضية أنها ليست شخصاً حقيقياً.

وتتابع تشي أنّ بوتات الأحزان لا تخضع حالياً لرقابة، ومن الصعب بالنسبة إلى الشركات المنتِجة إثبات أنها تعود بفائدة حقيقية على المستخدمين، كما أن التشريعات المتراخية تسمح لمبتكريها بالزعم أنها تساعد في تحسين الصحة النفسية من دون الحاجة لتقديم دليل على ذلك. وتخلُص إلى أنه مهما كان قدر الراحة الذي تحققه هذه البرمجيات «ينبغي ألا تكون محل ثقة المستخدم بأي شكل من الأشكال».


مقالات ذات صلة

كيف تكتشف التقييمات المزيفة للمنتجات على الإنترنت؟

يوميات الشرق ظهور أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية سمح بإنتاج تقييمات مزيفة للمنتجات والصفحات الموجودة على الإنترنت (رويترز)

كيف تكتشف التقييمات المزيفة للمنتجات على الإنترنت؟

تقول جماعات مراقبة وباحثون إن ظهور أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية سمح بإنتاج تقييمات مزيفة للمنتجات والصفحات الموجودة على الإنترنت ومنصات التواصل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم تصميمات لأشكال انتشار البروتين المولدة بالذكاء الاصطناعي

كيف يساعد الذكاء الاصطناعي المهلوس على تحقيق اختراقات علمية كبيرة؟

الانفجارات الإبداعية متجذرة في الحقائق الصارمة للطبيعة والعلم وليس في ضبابية الإنترنت المعروفة بتحيزاتها وأكاذيبها.

ويليام جيه برود (نيويورك)
تكنولوجيا بدائل متنوعة لـ«تشات جي بي تي»

بدائل متنوعة لـ«تشات جي بي تي»

روبوتات دردشة أخرى لها مواطن قوة ونقاط ضعف قد تلبي احتياجاتك بشكل أفضل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أداة «ميتا» هي برنامج للدردشة الآلية يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي (رويترز)

«الذكاء الاصطناعي» في مرمى انتقادات بعد «أخطاء دينية»

ارتكبت أداة الذكاء الاصطناعي «ميتا آي» (Meta AI) خطأً فادحاً بعد اختبارات في نصوص دينية.

محمد السيد علي (القاهرة)
الاقتصاد شعار «أبل» على متجرها  في «مارشي سان جيرمان» في باريس (رويترز)

«أبل» على أعتاب إنجاز تاريخي... قيمة سوقية بـ4 تريليونات دولار

تقترب شركة «أبل» من تحقيق تقييم تاريخي غير مسبوق بقيمة 4 تريليونات دولار في سوق الأسهم، مدعومةً بالتفاعل الإيجابي من المستثمرين.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)

سماعة طبية جديدة قد تحدث ثورة في علاج أمراض القلب

تشهد التقنيات الطبية القابلة للارتداء تطوراً كبيراً (جامعة جنوب أستراليا)
تشهد التقنيات الطبية القابلة للارتداء تطوراً كبيراً (جامعة جنوب أستراليا)
TT

سماعة طبية جديدة قد تحدث ثورة في علاج أمراض القلب

تشهد التقنيات الطبية القابلة للارتداء تطوراً كبيراً (جامعة جنوب أستراليا)
تشهد التقنيات الطبية القابلة للارتداء تطوراً كبيراً (جامعة جنوب أستراليا)

كشف باحثون من جامعة «سيتي هونغ كونغ» في الصين، عن سماعة طبية تعد الأحدث ضمن «أجهزة استشعار صوت القلب القابلة للارتداء»، مؤكدين على أن هذه الابتكارات تمهد الطريق أمام رؤى تشخيصية في الوقت الفعلي يمكن أن تعزز بشكل كبير نتائج فحص المرضى وكفاءة الرعاية الصحية.

ويقول الباحثون إن «أجهزة استشعار صوت القلب القابلة للارتداء» تمثل تحولاً كبيراً في رعاية القلب، حيث توفر مراقبة مستمرة وغير جراحية مع إمكانية إحداث ثورة في الوقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية وتشخيصها وعلاجها.

وتحظى سماعة الطبيب التقليدية بقيمة كبيرة في عمليات تشخيص مشاكل القلب، ولكنها تفشل عندما يتعلق الأمر بالمراقبة المستمرة.

ووفق الدراسة المنشورة في دورية «سمارت مات» التي تعنى بأبحاث المواد الذكية، تفرض أمراض القلب والأوعية الدموية عبئاً مثيراً للقلق على الصحة العالمية؛ ما يؤكد على الحاجة الملحة للتدخل المبكر. ويقول الدكتور بي لوان كو، الأستاذ المشارك في جامعة سيتي هونغ كونغ وأحد باحثي الدراسة: «يمثل عملنا على أجهزة قياس صوت القلب القابلة للارتداء خطوة كبيرة إلى الأمام في الكشف المبكر عن أمراض القلب والأوعية الدموية ومراقبتها».

وأضاف في بيان، نشر الثلاثاء: «إن هذه الأجهزة تتمتع بإمكانية توفير بيانات أكثر دقة في الوقت الفعلي عن صحة القلب، ما يؤدي إلى إحداث ثورة في الطريقة التي ندير ونفهم بها صحة القلب». وظهرت التكنولوجيا القابلة للارتداء كحل تحويلي؛ لتتيح تتبعاً مستمراً وفي الوقت الفعلي لأصوات القلب. ومع ذلك، لا تزال تحديات مثل حساسية الرصد وراحة المستخدمين ودقة البيانات تعيق تبنيها على نطاق واسع.

يقول الباحثون إن التطورات الجديدة تمكن المرضى من السيطرة بشكل استباقي على صحة قلبهم، وتعزز نهجا أكثر مشاركة في إدارة الأمراض والحد من معدلات الوفيات المرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية، مشددين على أن «وعد التكنولوجيا القابلة للارتداء في رعاية القلب يشير إلى قفزة أمل نحو مستقبل أكثر صحة وأكثر استنارة».

ويضيفون أن النتائج تبرز كيف يمكن للابتكارات التكنولوجية سد الفجوات في مراقبة صحة القلب، كما تكشف أهمية المواد المتقدمة ومبادئ التصميم المحسّنة في معالجة هذه التحديات.