كيف تؤثر سوء معاملة الأطفال على عقولهم مدى الحياة؟

سوء المعاملة في مرحلة الطفولة يؤثر على صحة الدماغ عند الكبر (جامعة كامبريدج)
سوء المعاملة في مرحلة الطفولة يؤثر على صحة الدماغ عند الكبر (جامعة كامبريدج)
TT

كيف تؤثر سوء معاملة الأطفال على عقولهم مدى الحياة؟

سوء المعاملة في مرحلة الطفولة يؤثر على صحة الدماغ عند الكبر (جامعة كامبريدج)
سوء المعاملة في مرحلة الطفولة يؤثر على صحة الدماغ عند الكبر (جامعة كامبريدج)

وجدت دراسة بريطانية أن سوء المعاملة في مرحلة الطفولة يمكن أن يستمر في التأثير لفترة طويلة حتى مرحلة ما بعد البلوغ.

وأوضح الباحثون أن ذلك يأتي بسبب تأثير سوء المعاملة على خطر تعرض الفرد لضعف الصحة البدنية والتجارب المؤلمة طوال سنوات حياته، وفق الدراسة المنشورة، الخميس، بدورية «وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم».

ويعاني الأشخاص الذين تعرضوا لسوء المعاملة في الطفولة غالباً من مشاكل صحية عقلية طوال حياتهم، ولكن السبب في استمرار هذا الخطر لعدة عقود بعد الإساءة الأولى لا يزال غير مفهوم تماماً.

وخلال الدراسة، أجرى الباحثون فحوصات الدماغ بالرنين المغناطيسي لنحو 21 ألف مشارك بالغ تتراوح أعمارهم بين 40 إلى 70 عاماً في المملكة المتحدة، بالإضافة لجمع معلومات حول مؤشر كتلة الجسم وعلامة الالتهاب في الدم، ومدى معاناتهم من سوء المعاملة خلال فترة الطفولة.

وأظهرت النتائج أن أدمغة البالغين لا تزال تتأثر بسوء معاملة الأطفال في مرحلة البلوغ، مما يزيد من احتمالية الإصابة بالسمنة والالتهابات والأحداث المؤلمة، وهي عوامل تؤدي إلى ضعف الصحة والرفاهية، وتؤثر بدورها على بنية الدماغ وصحته.

ويبيّن الباحثون أيضاً أن الأشخاص الذين تعرضوا لسوء المعاملة في الطفولة يعانون من زيادة في مؤشر كتلة الجسم ومعدلات أكبر من الصدمات خلال مرحلة البلوغ.

وعلى الرغم من أن الأفراد الذين لديهم تاريخ من سوء المعاملة يظهرون علامات خلل في أجهزتهم المناعية، فإن البحث أظهر أن هذا الخلل يمكن أن يكون نتيجة للسمنة والتعرض المتكرر للأحداث المؤلمة.

وفي أثناء قياسات التصوير بالرنين المغناطيسي لأدمغة البالغين، تمكن الباحثون من ربط الاختلافات في سُمك وحجم الدماغ بسوء معاملة الطفولة، ما يزيد من خطورة هذه العوامل وقد يؤدي إلى تغيرات في بنية الدماغ تؤثر على عمله ووظيفته في وقت لاحق.

وقالت الباحثة المشاركة في الدراسة، صوفيا أوريانا طالبة الدكتوراه في جامعة كامبريدج: «يعرف العلماء منذ فترة طويلة أن الأشخاص الذين يتعرضون للإيذاء أو الإهمال في مرحلة الطفولة قد يظلون يعانون من مشاكل صحية عقلية طوال حياتهم، وقد تؤدي هذه التجارب أيضاً إلى مشاكل طويلة الأمد في الدماغ وجهاز المناعة والجهاز الأيضي، الذي يتحكم في النهاية في صحة القلب أو احتمالية الإصابة بمرض السكري على سبيل المثال».

وأضافت عبر موقع الجامعة أنه «على الرغم من عدم وضوح كيفية تفاعل هذه التأثيرات مع بعضها بعضاً، فإن النتائج التي حصلوا عليها تعزّز فهمهم لكيفية مساهمة الأحداث السلبية في مرحلة الطفولة في زيادة خطر الإصابة باضطرابات صحة الدماغ والعقل مدى الحياة».


مقالات ذات صلة

نوبات غضب الأطفال تكشف اضطراب فرط الحركة

يوميات الشرق من المهم مراقبة مسارات تطوّر تنظيم المشاعر لدى الأطفال (جامعة واشنطن)

نوبات غضب الأطفال تكشف اضطراب فرط الحركة

الأطفال في سنّ ما قبل المدرسة الذين يواجهون صعوبة في التحكُّم بمشاعرهم وسلوكهم عبر نوبات غضب، قد يظهرون أعراضاً أكبر لاضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
آسيا طفل باكستاني يتلقى لقاح شلل الأطفال (رويترز)

وسط ارتفاع معدلات العنف... حالات شلل الأطفال تواصل الانتشار في باكستان

سجلت باكستان اليوم (الجمعة)، حالتي إصابة إضافيتين بشلل الأطفال، مما رفع عدد الإصابات بالمرض المسبب للإعاقة إلى 52 حتى الآن خلال العام الجاري

«الشرق الأوسط» (إسلام أباد)
العالم إيلون ماسك خلال مؤتمر في فندق بيفرلي هيلتون في بيفرلي هيلز - كاليفورنيا بالولايات المتحدة 6 مايو 2024 (رويترز)

إيلون ماسك ينتقد مقترح أستراليا بحظر منصات التواصل الاجتماعي على الأطفال

انتقد الملياردير الأميركي إيلون ماسك، مالك منصة «إكس»، قانوناً مُقترَحاً في أستراليا لحجب وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون 16 عاماً.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك أطفال سوريون في مخيم ببلدة سعد نايل في منطقة البقاع (أ.ف.ب)

الحرب تؤثر على جينات الأطفال وتبطئ نموهم

لا يعاني الأطفال الذين يعيشون في بلدان مزقتها الحرب من نتائج صحية نفسية سيئة فحسب، بل قد تتسبب الحرب في حدوث تغييرات بيولوجية ضارة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
TT

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)

وجدت دراسة جديدة، أجراها فريق من الباحثين في كلية الطب بجامعة نورث وسترن الأميركية، أن الأجزاء الأكثر تطوراً وتقدماً في الدماغ البشري الداعمة للتفاعلات الاجتماعية -تسمى بالشبكة المعرفية الاجتماعية- متصلة بجزء قديم من الدماغ يسمى اللوزة، وهي على اتصال باستمرار مع تلك الشبكة.

يشار إلى اللوزة تُعرف أيضاً باسم «دماغ السحلية»، ومن الأمثلة الكلاسيكية لنشاطها الاستجابة الفسيولوجية والعاطفية لشخص يرى أفعى؛ حيث يصاب بالذعر، ويشعر بتسارع ضربات القلب، وتعرّق راحة اليد.

لكن الباحثين قالوا إن اللوزة تفعل أشياء أخرى أكثر تأثيراً في حياتنا.

ومن ذلك ما نمر به أحياناً عند لقاء بعض الأصدقاء، فبعد لحظات من مغادرة لقاء مع الأصدقاء، يمتلئ دماغك فجأة بأفكار تتداخل معاً حول ما كان يُفكر فيه الآخرون عنك: «هل يعتقدون أنني تحدثت كثيراً؟»، «هل أزعجتهم نكاتي؟»، «هل كانوا يقضون وقتاً ممتعاً من غيري؟»، إنها مشاعر القلق والمخاوف نفسها، ولكن في إطار اجتماعي.

وهو ما علّق عليه رودريغو براغا، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب بكلية فاينبرغ للطب، جامعة نورث وسترن، قائلاً: «نقضي كثيراً من الوقت في التساؤل، ما الذي يشعر به هذا الشخص، أو يفكر فيه؟ هل قلت شيئاً أزعجه؟».

وأوضح في بيان صحافي صادر الجمعة: «أن الأجزاء التي تسمح لنا بالقيام بذلك توجد في مناطق الدماغ البشري، التي توسعت مؤخراً عبر مسيرة تطورنا البشري. في الأساس، أنت تضع نفسك في عقل شخص آخر، وتستنتج ما يفكر فيه، في حين لا يمكنك معرفة ذلك حقّاً».

ووفق نتائج الدراسة الجديدة، التي نُشرت الجمعة في مجلة «ساينس أدفانسز»، فإن اللوزة الدماغية، بداخلها جزء محدد يُسمى النواة الوسطى، وهو مهم جدّاً للسلوكيات الاجتماعية.

كانت هذه الدراسة هي الأولى التي أظهرت أن النواة الوسطى للوزة الدماغية متصلة بمناطق الشبكة المعرفية الاجتماعية التي تشارك في التفكير في الآخرين.

لم يكن هذا ممكناً إلا بفضل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهي تقنية تصوير دماغ غير جراحية، تقيس نشاط الدماغ من خلال اكتشاف التغيرات في مستويات الأكسجين في الدم.

وقد مكّنت هذه المسوحات عالية الدقة العلماء من رؤية تفاصيل الشبكة المعرفية الاجتماعية التي لم يتم اكتشافها مطلقاً في مسوحات الدماغ ذات الدقة المنخفضة.

ويساعد هذا الارتباط باللوزة الدماغية في تشكيل وظيفة الشبكة المعرفية الاجتماعية من خلال منحها إمكانية الوصول إلى دور اللوزة الدماغية في معالجة مشاعرنا ومخاوفنا عاطفياً.

قالت دونيسا إدموندز، مرشح الدكتوراه في علم الأعصاب بمختبر «براغا» في نورث وسترن: «من أكثر الأشياء إثارة هو أننا تمكنا من تحديد مناطق الشبكة التي لم نتمكن من رؤيتها من قبل».

وأضافت أن «القلق والاكتئاب ينطويان على فرط نشاط اللوزة الدماغية، الذي يمكن أن يسهم في الاستجابات العاطفية المفرطة وضعف التنظيم العاطفي».

وأوضحت: «من خلال معرفتنا بأن اللوزة الدماغية متصلة بمناطق أخرى من الدماغ، ربما بعضها أقرب إلى الجمجمة، ما يسهل معه استهدافها، يمكن لتقنيات التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة استهداف اللوزة الدماغية، ومن ثم الحد من هذا النشاط وإحداث تأثير إيجابي فيما يتعلق بالاستجابات المفرطة لمشاعر الخوف والقلق».