من أينشتاين إلى ماسك... مشاهير وعباقرة تعايشوا مع التوحّد

من أينشتاين إلى ماسك... مشاهير وعباقرة تعايشوا مع التوحّد
TT

من أينشتاين إلى ماسك... مشاهير وعباقرة تعايشوا مع التوحّد

من أينشتاين إلى ماسك... مشاهير وعباقرة تعايشوا مع التوحّد

وفق ظنٍّ شائع ومخطئ، فإنّ الأشخاص الذين لديهم اضطراب طيف التوحّد محرومون من قدراتهم الذهنيّة، لكنّ الواقع مُغاير. فوفق دراسة أُجريت في الولايات المتحدة الأميركية عام 2021، فإن 30 بالمائة ممّن لديهم توحّد يتمتّعون بمستوى ذكاء يتراوح ما بين عاديّ وخارق. لذلك، ليس مستغرباً أن يخرج من بينهم عباقرة يُطلق عليهم لقب «العلماء المتوحّدون».

قد يصعب على المتوحّدين التواصل مع الآخرين، والشعور بالارتياح في المناسبات الاجتماعية. قد يقلقون أكثر من سواهم إلى درجة أنهم ربما يُصابون باضطراب الوسواس القهريّ، وهم حتماً يفضّلون العزلة على الاختلاط، غير أنّ كل ذلك لا يعني أنهم غير قادرين على الإبداع. من بينهم مَن برهنَ عن قدرات مميّزة في الرياضيات والتكنولوجيا والفنون، وغيرها من المجالات.

30 % ممّن لديهم توحّد يتمتّعون بمستوى ذكاء يتراوح ما بين عاديّ وخارق (أ.ف.ب)

ماسك ممتنّ للتوحّد

أسماء «عباقرة التوحّد» ليست مغمورة، بل هي لامعة في العلوم والأدب والموسيقى والتمثيل والأعمال. من بين الوجوه المعاصرة، يقود إيلون ماسك الدفّة، فهو أفصح عام 2022 عن تجربته مع التوحّد.

في إطار إحدى جلساته ضمن «Ted Talks»، علّق الملياردير الأميركي على تأثير التوحّد عليه في سنواته الأولى: «لم تكن طفولتي سعيدة بل قاسية». تعرّض للتنمّر بسبب حالته، وأقرّ بأنه كان يجد صعوبة في الواجبات الاجتماعية وفي فهم المقصود ممّا يقوله الناس من حوله.

مع مرور الوقت، درّب ماسك نفسه على النظر إلى الموضوع بإيجابية، وهو يقول إنه تعلّم العمل مع دماغه وليس ضدّه. يذهب إلى حدّ الامتنان للتوحّد رابطاً إيّاه بنجاحه، بما أنه أوقد فيه الاهتمام بالعلوم والتكنولوجيا؛ إذ ملأ ماسك عزلته بـ«قضاء الليالي الطويلة في برمجة الكمبيوتر وطباعة الرموز الغريبة».

منذ الطفولة كرّس إيلون ماسك وقته للتكنولوجيا وبرمجة الكمبيوتر (أ.ب)

هوبكنز: التوحّد هديّة

في عامه الـ80 وبعد أن أمضى أكثر من 45 سنة متربّعاً على عرش السينما وحاصداً عشرات الجوائز العالمية، أفصح الممثل البريطاني أنطوني هوبكنز عن تشخيصه بمتلازمة «أسبرجر»، وهي من متفرّعات طيف التوحّد.

قال هوبكنز إنه دخل عالم التمثيل بداعي العمل وليس الشغف، ما قاده إلى الشعور بغياب الأمان لمدّة طويلة: «كنت مضطرباً وتسبّبت باضطرابات من حولي خلال السنوات الأولى»، إلّا أنّ تشخيص الحالة لاحقاً دفعه إلى تشبيهها بالهديّة، وهو علّق على الأمر قائلاً: «كنت تلميذاً بطيئاً في المدرسة، لكنّي عوّضت عن ذلك بالعمل بجدّ فنجحت في التمثيل».

الممثل أنطوني هوبكنز في أحدث أدواره ضمن فيلم «One Life» (أ.ب)

نجوميّة رغم التوحّد

ليس هوبكنز النجم الهوليوودي الوحيد الذي تعايشَ مع الاضطراب، فمثله الممثلة الأميركية داريل هانا التي جرى تشخيصها بالتوحّد تزامناً مع انطلاقة مسيرتها الفنية. صحيح أنّ الوقت آلفَها مع حالتها، غير أنّ البدايات كانت صعبة ومرهقة. عندما تتذكّر هانا تلك الفترة تقول: «لم أكن أشارك إطلاقاً في مقابلات تلفزيونية ولا في حفلات افتتاح الأفلام. أما الذهاب إلى حفل جوائز (الأوسكار) فكان مؤلماً جداً بالنسبة لي؛ إذ كلّما وطئتُ السجّادة الحمراء شعرت بأنني على شفير الإغماء».

أثّر التوحّد على مسيرة هانا وعلى علاقاتها الاجتماعية والمهنية، إلى درجة أنها استُبعدت عن هوليوود لفترة من الزمن.

جرى تشخيص الممثلة داريل هانا بالتوحّد في بداية مسيرتها (رويترز)

كانت الفنانة الأميركية كورتني لاف في التاسعة من عمرها عندما جرى تشخيصها بحالة متوسطة من التوحّد. تنبّهَ أهلها إلى أنها، رغم ذكائها، كانت تعاني في الدراسة وفي العلاقات الاجتماعية كما أنها لم تكن تتكلّم. غير أن ذلك لم يحُل دون تغلّبها على الأمر، ودخولها المجال الفني من بابَي التمثيل والموسيقى.

الممثلة والمغنية الأميركية كورتني لاف (أ.ف.ب)

ما خفيَ تحت شعر «سيا» المستعار

ليس من قبيل الصدفة أن تغطّي المغنية الأسترالية «سيا» عينَيها تحت شعرٍ مستعار في معظم إطلالاتها. من بين علامات التوحّد غياب التواصل من خلال العينَين، وأيقونة موسيقى البوب الحائزة عشرات الجوائز العالمية، أمضت العمر وهي تُخفي حالتها من باب الحفاظ على الخصوصية.

أفصحت سيا أخيراً عن أنها «على طيف التوحّد»، كاشفةً أنها قضت 45 سنة وهي تشعر بأنه عليها ارتداء قناع كلّما اضطرّت للتواصل مع الآخرين أو الوجود في مناسبة عامّة، إلّا أنّ التشخيص ساعد الفنانة الاستثنائية في التصالح مع حالتها.

غالباً ما تخفي المغنية سيا عينَيها تحت شعر مستعار (أ.ف.ب)

لغز سوزان بويل

عندما أطلّت سوزان بويل عام 2009 عبر برنامج المواهب «Britain’s Got Talent»، تنبّه المشاهدون إلى أنها تحمل سِماتٍ غير اعتياديّة إلى جانب صوتها الاستثنائي. ليس سوى 4 أعوام على تلك الإطلالة المدويّة، حتى جرى تشخيصها بالتوحّد. أمضت بويل أوّل 50 سنة من حياتها معتقدةً بأنها مصابة بخلل دماغي، بناءً على ما قاله الأطبّاء وهي طفلة.

تعاني بويل من القلق، وتستصعب النظر مباشرةً إلى عيون الآخرين، كما أنها غالباً ما تنسحب من المناسبات الاجتماعية حيث لا تشعر بالارتياح.

عباقرة بلا تشخيص

لم يكن التوحّد أمراً معروفاً في القرن الثامن عشر، لذلك فإنّ المؤلّف الموسيقي النمساوي موزارت لم يحظَ بأي تشخيص، إلا أنّ الخبراء الذين درسوا شخصيته، استنتجوا أن عبقريّ الألحان كان متوحّداً؛ فهو كان ينزعج من الأصوات المرتفعة، كما أنه لم يستطع التحكّم بردود فعله.

ومن بين المبدعين التاريخيين الذين يرجّح الخبراء أنهم عاشوا مع اضطراب التوحّد، الرسّامان ليوناردو دافنشي وميكيلانجيلو. ويُحكى أن الأخير كان يتّبع روتين حياة وعمل محدّداً ولا يحيد عنه، كما أنه كان يقلق من العلاقات الاجتماعية.

يرجّح الخبراء أنّ موزارت كان لديه توحّد نظراً لشخصيته وأسلوب عيشه (إنستغرام)

على خطّ عباقرة العلوم، يُرجَّح أن يكون ألبرت أينشتاين ممّن قضوا عمرهم مع التوحّد. فالفيزيائيّ الحائز جائزة «نوبل» وصاحب نظرية النسبيّة، أظهرَ صعوبة في التواصل مع الآخرين وفي التعبير عن نفسه شفهياً.

مثلُ أينشتاين، مؤسس نظرية التطوّر البشري العالم تشارلز داروين، وأبو الثورة العلمية الحديثة إسحاق نيوتن الذي نادراً ما كان يتكلّم، وإن فعل فكان حديثُه يبدو غريباً وغير مفهوم لسامعيه.

العالم البريطاني تشارلز داروين على قائمة التوحّد وفق الخبراء (إنستغرام)

بالانتقال إلى المشاهير المعاصرين الذين لم يجرِ تشخيصهم بشكلٍ رسميّ، إلّا أنّ الخبراء يلاحظون لديهم علامات التوحّد؛ لاعب كرة القدم الأرجنتيني ليونيل ميسي، هو المعروف بخجله المفرط وبتجنّبه العلاقات الاجتماعية. أما من عالم الفن، فالمخرج الأميركي تيم برتون، ومغنّي الراب إيمينيم. ولعباقرة التكنولوجيا كذلك حصّتهم من ملامح التوحّد، وفي طليعتهم مؤسس شركة «أبل» الراحل ستيف جوبز، ومؤسس «مايكروسوفت» الملياردير الأميركي بيل غيتس.


مقالات ذات صلة

62 مليون شخص أُصيبوا بالتوحّد عام 2021

يوميات الشرق اضطراب طيف التوحّد يؤثّر في التواصل والتفاعلات الاجتماعية (جامعة بول ستايت)

62 مليون شخص أُصيبوا بالتوحّد عام 2021

أوصت الدراسة بتخصيص مزيد من الموارد لبرامج الكشف المبكر وتحسين الأدوات التشخيصية، لا سيما للبالغين ولأولئك المقيمين في البلدان ذات الدخلَيْن المنخفض والمتوسط.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
صحتك طفل يعاني من التوحد (أرشيفية - رويترز)

جين مسؤول عن نمو الدماغ ربما يكون على صلة بمرض التوحد

من المعروف علمياً أن تحديد سبب التوحد أمر صعب، ويرجع ذلك إلى حدّ كبير إلى أنه عبارة عن مجموعة معقدة من اضطرابات النمو، وليس حالة واحدة.

الولايات المتحدة​ روبرت كينيدي جونيور مع الرئيس المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

ترمب: روبرت كينيدي سيبحث في الصلة المحتملة بين اللقاحات و«التوحد»

قال الرئيس المنتخب دونالد ترمب إن روبرت كينيدي جونيور، مرشحه لمنصب وزير الصحة، قد يحقّق في وجود صلة مفترضة بين اللقاحات ومرض التوحّد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك طفل يعاني من مرض التوحد في الولايات المتحدة (أرشيفية - رويترز)

الإنفلونزا خلال الحمل قد تؤدي إلى إصابة الجنين بالتوحد

كشفت دراسة حديثة عن أن إصابة الحوامل بالإنفلونزا قد تؤدي إلى إصابة الأجنة بالتوحد الذي يستمر مدى الحياة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق إرادة الإنسان تخطُّ مساره (مواقع التواصل)

مُصابة بالتوحُّد أقوى من قدرها

أول ما خطر للشابة إيما شورز عندما تلقَّت الخبر تشخيصها بالتوحُّد، تكوين صداقات مع آخرين يعيشون الحالة عينها. أشخاص شعرت بأنهم قد يفهمونها. 

«الشرق الأوسط» (لندن)

اعترافات الفنانات خلال مقابلات إعلامية... جدل متجدد يُثير تفاعلاً

الفنانة المصرية رانيا يوسف (فيسبوك)
الفنانة المصرية رانيا يوسف (فيسبوك)
TT

اعترافات الفنانات خلال مقابلات إعلامية... جدل متجدد يُثير تفاعلاً

الفنانة المصرية رانيا يوسف (فيسبوك)
الفنانة المصرية رانيا يوسف (فيسبوك)

بعض التصريحات التي تدلي بها الفنانات المصريات لا تتوقف عن تجديد الجدل حولهن، وإثارة التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي فيما يتعلق بتفاصيل حياتهن الشخصية والنصائح التي يوجهنها للجمهور بناء على تجاربهن، وهو أمر برز خلال لقاءات إعلامية عدة في الأسابيع الماضية.

أحدث هذه التصريحات كانت من نصيب الفنانة المصرية رانيا يوسف، في برنامج «ع الرايق»، بعدما تطرقت لتعرضها للضرب من زوجيها الأول والثاني، مع نصيحتها للفتيات بألا تقل فترة الخطوبة قبل الزواج عن 3 أو 4 سنوات، فضلاً عن نصيحتها لبناتها بعدم الزواج قبل سن الـ30 عاماً.

وقالت رانيا إن «طبيعة العلاقات في الوقت الحالي أصبحت تتطلب مزيداً من العمق والتفاهم بين الطرفين، بعيداً عن السطحية والانجذاب المؤقت»، محذرة من تعامل النساء بمشاعرهن عند البحث عن الشراكات العاطفية التي تحقق لهن السعادة والاستقرار.

وجاءت تصريحات رانيا بعد وقت قصير من تصريحات للفنانة زينة عن حياتها الشخصية وإنجابها طفليها التوأم بمفردها في الولايات المتحدة وصعوبة الأيام الأولى لهما مع مرضهما، بالإضافة إلى الفترة التي قضتها بمفردها في الغربة. وكذلك تطرقت إلى تفاصيل كثيرة عن حياتها، خصوصاً في ظل تحملها مسؤولية دور الأم والأب ووجودها مع نجليها بمفردها.

الفنانة المصرية زينة (فيسبوك)

وكانت الفنانة لبلبة قد أثارت جدلاً مشابهاً عندما تحدثت عن طفولتها الصعبة التي عاشتها واضطرارها للعمل من أجل الإنفاق على عائلتها بجانب انشغالها بمسؤوليات الأسرة وأشقائها، الأمر الذي جعلها تحاول أن تعوض ما لم تعشه في طفولتها.

من جهتها، تؤكد الناقدة المصرية ماجدة موريس أن «بعض الفنانين لا يكون قصدهم دائماً إثارة الجدل بالحديث عن حياتهم الشخصية أو مواقف سابقة مروا بها»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض التصريحات تخرج بشكل عفوي، لكن التفاعل يحدث معها نتيجة اهتمام الجمهور بمتابعتهم».

وأضافت أن «رانيا يوسف على سبيل المثال مرّت بتجارب مختلفة، وبالتالي عندما تتحدث عن صعوبة ثقتها في الرجال، بالإضافة إلى نصيحتها بتأجيل خطوة الزواج للفتيات؛ فهي تحاول إبداء رأي تعتقد أنه صواب»، لافتة إلى أهمية التعامل مع الفنانين باعتبارهم بشراً من حقهم الإدلاء بآرائهم، لكن ليس بالضرورة أن تكون جميع آرائهم صحيحة أو غير قابلة للتغير مع مرور الوقت.

الفنانة المصرية لبلبة (فيسبوك)

وهنا يشير مدرس علم الاجتماع بجامعة بني سويف، محمد ناصف، إلى «ضرورة التفرقة بين المواقف الشخصية والخبرات التي يتحدث بها الأشخاص العاديون، وبين المشاهير الذين تكون لديهم قاعدة جماهيرية ومصداقية ربما أكثر من غيرهم وإمكانية وصول لأعداد أكبر من الجمهور عبر البرامج والمنصات»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «جزءاً من الجدل يكون مجتمعياً في الأساس، لكن بدايته تكون من تصريحات المشاهير».

وأضاف أن «هناك تبايناً في الآراء قد يصل لدرجة التناقض بين الأفراد داخل المجتمع، وهو أمر يتوجب فهمه في إطار الخلفيات الاجتماعية والعادات والخبرات التي يمر بها كل فرد، وبالتالي ستجد من يقتنع بكل رأي يقال حتى لو لم يكن صحيحاً من الناحية العلمية»، لافتاً إلى ضرورة فتح نقاشات أعمق حول بعض الآراء عبر وسائل الإعلام.

وهو الرأي الذي تدعمه الناقدة المصرية، موضحة أن «آراء الفنانين تسلط الضوء على موضوعات قد تكون محل جدل مجتمعي، لكن تبرز لوسائل الإعلام مع إعلانها من المشاهير»، لافتة إلى أن «بعض الآراء قد تعرض أصحابها لانتقادات من شرائح أكبر عبر مواقع التواصل، لكن على الأرجح يكون لدى الفنان القدرة على تحمل تبعات موقفه وشرح وجهة نظره التي ليس بالضرورة أن تتسق مع رأي الغالبية».