«شو منلبس؟»... مسرحية لبنانية تلمع ببريق الأداء وغنى المحتوى

ثنائية جديدة ناجحة بين الكاتب والمخرج يحيى جابر والممثلة أنجو ريحان

تقف أنجو ريحان لأكثر من 90 دقيقة على الخشبة (الشرق الأوسط)
تقف أنجو ريحان لأكثر من 90 دقيقة على الخشبة (الشرق الأوسط)
TT

«شو منلبس؟»... مسرحية لبنانية تلمع ببريق الأداء وغنى المحتوى

تقف أنجو ريحان لأكثر من 90 دقيقة على الخشبة (الشرق الأوسط)
تقف أنجو ريحان لأكثر من 90 دقيقة على الخشبة (الشرق الأوسط)

من عنوانها، يُدرك مُشاهد مسرحية «شو منلبس؟» أنها ملوّنة بمحتوى غزير وغنيّ. فالأزياء نختارها عادة وفق مزاجنا وأفكارنا، وأحياناً وفق مشاعر الحنين، فتحمل لنا الذكريات، وتمهّد لإطلالة نرغب في ترك أثرها لدى الآخر.

تتجلّى هذه الأحاسيس في مسرحية «شو منلبس؟» («مسرح المدينة» في بيروت)، من كتابة يحيى جابر وإخراجه، وبطولة فرديّة لأنجو ريحان. مرة جديدة، ينجح هذا الثنائي اللبناني في تقديم عمل مسرحي مبني على محتوى جاذب، وأداء تلمع فيه موهبة ريحان الرفيعة المستوى على الخشبة، فيذوبان معاً في عالم المسرح الكوميدي الهادف، ليُشاهد الحضور لنحو 110 دقائق مسرحية تستحق التصفيق الحارّ.

تتعدّد الموضوعات المرتكِزة على شخصيات مختلفة. وتجسّد ريحان ما يفوق الـ10 كاراكتيرات من دون تعب أو تكرار. تقف على جروح اللبناني منذ أيام الحرب، وفي الوقت عينه، تُبلسمها بمواقف مضحكة، تذكّر أحياناً بعالم السينما الخيالي، ضمن قالب مسرحي ينعتق من الكلاسيكية ليُحاكي حجم التشويق عينه الذي تتيحه الشاشة الذهبية. بأداء تمثيلي مُبهر، تستحضر ريحان شخصيات من أعمار مختلفة تغمر مُشاهدها بعبق الإبداع.

وكما الحرب وذيولها، تطلّ على ذكريات عائلة يسارية تعيش في جنوب لبنان، يمتاز أفرادها بالانفتاح وتقبُّل الآخر، رغم أنّ البيئة حيث تقيم، تُلزمها بتقاليد معيّنة.

تُجسّد ريحان أكثر من 10 شخصيات من بينها الراهبة (الشرق الأوسط)

تُفتَح الستارة منذ اللحظة الأولى على واقع حالمٍ تُجسّده معزوفة «ليلة حب» لأم كلثوم، من ألحان محمد عبد الوهاب، ترقص ريحان على أنغامها قبل أن ندرك أنها مذبوحة من الألم. من هناك يبدأ مشوار جميع شخصيات المسرحية بأداء ممثّلة واحدة تصطحب الحضور معها في رحلة. تحضُر الطفولة، والشباب، والتقدّم في السنّ، وطبيعة مهن منوّعة. تقابلها عمليات اغتيال، وأَسْر، وتضحية تدور أحداثها بين الجبل والساحل. وتستوقفنا حيرة هذه العائلة اليسارية التائهة ما بين المبدأ والواقع. وبين ثياب السِّباحة والحجاب، ورائحة معطف الأم وبدلة الأب، يدخل المُشاهد في مشوار ذكريات. لمرات، توصل الممثلة روائح تلك الملابس بفعل أدائها الحقيقي، فتنفرج أساريره عند ذِكر رائحة طبق الملوخية، ويعضّ على جرحه عند ذِكر رائحة التراب المجبول بالدماء.

القصة محبوكة بأسلوب مسرحي سياسي تفوح منه مشاعر تُذكّر باستقرار لبنان المهتزّ منذ عشرات السنوات، ضمن نصّ غير مباشر ركيزته رموز وإشارات يفهمها الحضور «عالطاير»، فتتحرّك بوصلته، ويتفاعل لا شعورياً مع أحداث شهدها بلده.

ترسم أنجو ريحان الابتسامة عند الحضور بعفوية موهبة مبدعة (الشرق الأوسط)

تلعب أنجو ريحان أدوار الأب، والأم، والطفلة، والجارة، والراهبة، وعسكر العدو. تفيض موهبتها المليئة بخبرات متراكمة لتجسّدها جميعها، وأحياناً في مشهد واحد من دون خطأ، وتنجح، بأسلوبها السهل الممتنع في محاكاة مرض الطائفية المستشري، من دون تجريح. شخصيتها الرئيسية تدعى «يارا»، تُقلّب صفحات تاريخ بلد لم يستطع حتى اليوم الشفاء من أمراضه. وعندما تُقرّر تجسيد شخصية الأخ «إبراهيم» الذي لم تستطع والدتها إنجابه، تتصرّف بذكورية تنسينا أنوثتها الطاغية.

عائلة محافظة رغماً عنها جراء تفكيرها اليساري الذي لا تستطيع ترجمته في بيئتها؛ تنقلنا إلى أحداث ومواقف نابعة من الواقع. تذكُر «يارا» المايوه والتنورة ومشوار البحر؛ وهي محطات منفتحة لم يُتَح للعائلة المذكورة عيشها سوى بإقامتها في بلدة الرميلة، معقل الفكر اليساري.

موضوعات أخرى تتناولها المسرحية، منها التهجير، والملاحقات الأمنية، والخطف، والتهديد بالقتل؛ طالت اللبنانيين، ولا يزالون يذكرون مرارتها حتى اليوم. ويطلّ النصّ أيضاً على صراع اللبناني للبقاء والحفاظ على أرضه، فمهما تغيَّرت ملابسه - وهي اختزال الأفكار والمفاهيم والعادات والهموم - يبقى الوطن هاجسه. لا بأس بأن يشعر بالخوف من الآخر أو عدم الانسجام مع بعض أهله؛ فالهدف الرئيسي تجلّي حب هذا الوطن، وهو ما يوصله يحيى جابر بمهارة.


مقالات ذات صلة

«القومي للمسرح» يمنح أولوية لتكريم الفنانين على قيد الحياة

يوميات الشرق رياض في المؤتمر الصحافي للمهرجان (إدارة المهرجان)

«القومي للمسرح» يمنح أولوية لتكريم الفنانين على قيد الحياة

دافع الفنان المصري محمد رياض، رئيس المهرجان القومي للمسرح عن قرارته التي أحدثت جدلاً في الأوساط المسرحية ومن بينها أسماء المكرمين في الدورة الـ17 من المهرجان.

رشا أحمد (القاهرة)
يوميات الشرق ذات ترتدي الفستان الذي صنعته لها جدتها (الشرق الأوسط)

«ذات والرداء الأحمر»... مسرحية تسلّط الضوء على «غابة السوشيال ميديا»

تستدعي مسرحية «ذات... والرداء الأحمر» الحكاية الخرافية الشهيرة للفتاة الصغيرة صاحبة الرداء الأحمر المعروفة باسم «ليلى والذئب».

منى أبو النصر (القاهرة )
يوميات الشرق مراكب كلود مونيه (أرشيفية - غيتي)

المسرحي العراقي سعدي يونس يُحاور جاره الرسام كلود مونيه

لا أحد يعرف كم عمر سعدي يونس بحري لأنه مثل بطله المفضَّل، جلجامش، يبحث عن عشبة الخلود ويتمرَّن كل يوم ليحافظ على قوام ممثّل في لياقة الشباب.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق مسرحية «مرايا إليكترا» (الشرق الأوسط)

«مرايا إليكترا»... معالجة عصرية لأسطورة إغريقية

في معالجة عصرية للأسطورة الإغريقية التي تتناول قصة «إليكترا» ابنة الملك أغاممنون التي تحرّض أخاها على قتل أمهما لضلوعها في قتل أبيهما.

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق عرضٌ للباليه المعاصر بعنوان «أسود» يجسّد الانتقال من العتمة إلى الضوء (الشرق الأوسط)

بيروت تخلع الأسوَد وتنتقل إلى الضوء... عرضٌ تعبيريّ راقص يروي الحكاية

رغم القلق والمخاوف الأمنية، فإنّ الحركة الثقافية التي تشهدها بيروت هي في أوجها، وآخرُها عرضٌ راقص للباليه المعاصر على خشبة «مترو المدينة».

كريستين حبيب (بيروت)

رغم المرض... سيلين ديون تبهر الحضور في افتتاح أولمبياد باريس

النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
TT

رغم المرض... سيلين ديون تبهر الحضور في افتتاح أولمبياد باريس

النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)

لم يمنع المرض النجمة العالمية سيلين ديون من إحياء افتتاح النسخة الـ33 من الألعاب الأولمبية في باريس، مساء الجمعة، حيث أبدعت في أول ظهور لها منذ إعلان إصابتها بمتلازمة الشخص المتيبس.

وأدت المغنية الكندية، الغائبة عن الحفلات منذ 2020، أغنية «L'hymne a l'amour» («نشيد الحب») لإديت بياف، من الطبقة الأولى لبرج إيفل.

ونجحت الفنانة الكندية رغم أزمتها الصحية الأخيرة في مواصلة شغفها كمغنية عالمية، كما أثارث النجمة البالغة من العمر 56 عاماً ضجة كبيرة بين معجبيها في عاصمة الأنوار هذا الأسبوع الحالي، حيث شوهدت محاطة بمعجبيها.

وتعاني ديون بسبب هذا المرض النادر، الذي يسبب لها صعوبات في المشي، كما يمنعها من استعمال أوتارها الصوتية بالطريقة التي ترغبها لأداء أغانيها.

ولم يشهد الحفل التاريخي في باريس عودة ديون للغناء المباشر على المسرح فقط، بل شمل أيضاً أداءها باللغة الفرنسية تكريماً لمضيفي الأولمبياد.

وهذه ليست أول مرة تحيي فيها سيلين ديون حفل افتتاح الأولمبياد، إذ أحيته من قبل في عام 1996، حيث أقيم في أتلانتا في الولايات المتحدة الأميركية.

وترقبت الجماهير الحاضرة في باريس ظهور ديون، الذي جاء عقب أشهر عصيبة لها، حين ظهر مقطع فيديو لها وهي تصارع المرض.

وأثار المشهد القاسي تعاطف عدد كبير من جمهورها في جميع أنحاء المعمورة، الذين عبّروا عبر منصات التواصل الاجتماعي عن حزنهم، وفي الوقت ذاته إعجابهم بجرأة سيلين ديون وقدرتها على مشاركة تلك المشاهد مع العالم.

وترتبط المغنية بعلاقة خاصة مع فرنسا، حيث حققت نجومية كبيرة مع ألبومها «دو» («D'eux») سنة 1995، والذي تحمل أغنياته توقيع المغني والمؤلف الموسيقي الفرنسي جان جاك غولدمان.

وفي عام 1997، حظيت ديون بنجاح عالمي كبير بفضل أغنية «My Heart will go on» («ماي هارت ويل غو أون»)، في إطار الموسيقى التصويرية لفيلم «تايتانيك» لجيمس كامرون.