«المسجد القبلي»... إرث عمره 350 عاماً وسط الرياض

بُني المسجد بالطراز المعماري النجدي (أطلس المساجد التاريخية)
بُني المسجد بالطراز المعماري النجدي (أطلس المساجد التاريخية)
TT

«المسجد القبلي»... إرث عمره 350 عاماً وسط الرياض

بُني المسجد بالطراز المعماري النجدي (أطلس المساجد التاريخية)
بُني المسجد بالطراز المعماري النجدي (أطلس المساجد التاريخية)

وسط حي منفوحة – أحد أقدم أحياء العاصمة السعودية الرياض – يقع المسجد القبلي شامخاً لما يقرب من 350 عاماً، حافظاً داخل أروقته وبين جدرانه المبنية على الطراز العمراني النجدي، مئات الأحداث التي شهدتها أشهر المواقع التجارية في المنطقة. المسجد الذي أنشئ عام 1100هـ، 1688م ويأخذ شكلاً مستطيلاً تبلغ مساحته نحو 236 متراً مربعاً، وله مئذنة يصل ارتفاعها إلى نحو 6 أمتار استخدم في بنائه خلال تلك الفترة مواد أولية مثل الطين والحجر، كما تم سقفه بشجر الأثل وسعف النخيل والتي تساهم في دخول الضوء إلى داخل المسجد خلال النهار، إضافة إلى دورها الفاعل في التخفيف من شدة الحرارة والحماية من الغبار.

فناء المسجد ويسمى قديماً بالسرحة (أطلس المساجد التاريخية)

ويضم المسجد في ناحيته الشرقية «السرحة» وهي فناء مفتوح تبلغ مساحته نحو 311 متراً مربعاً، كما يحوي غرفة للإمام وقبواً أسفل الفناء يسمى «خلوة المسجد» المخصص للصلاة في فصل الشتاء الذي تنخفض فيه درجة الحرارة، كما يقع جنوب المسجد ساحة تسمى «المنداة»، وهي مساحة كان الأهالي يجتمعون فيها لتبادل الأخبار والتشاور في أمورهم اليومية. ويقع المحراب الأساسي للمسجد القبلي في بيت الصلاة وسط جدار القبلة، وبجانبه المنبر ويفصل بينهما عمود حجري مستدير، كما يوجد محراب آخر مجوف الشكل في خلوة المسجد. وتتزين أبواب المسجد بالزخارف الهندسية، وأغلبها يظهر على شكل خطوط مستقيمة ودوائر ومعينات ومثلثات في تشكيلات متنوعة بألوان عدة، أما النوافذ فهي خشبية لها مصراعان، لها شبكة حديدية من الخارج، بعضها مزينة بألوان زاهية ورسومات هندسية.

قبو المسجد ويخصص للصلاة في الشتاء والبرد (أطلس المساجد التاريخية)

كما يتميز المسجد بالأعمدة الحجرية التي تتألف من الخرزات الحجرية المرصوص بعضها فوق بعض، والمغطاة بالجص والطين، وتحمل الأعمدة كلاً من بيت الصلاة والخلوة. ولأهميته التاريخية؛ شهد المسجد مراحل تطويرية عدة في العهد السعودي، حيث أمر الملك عبد العزيز آل سعود في عام 1945م بإعادة بنائه وتوسعته لاستيعاب عدد أكبر من المصلين، ثم توالى ترميمه مرات عدة، كان من أبرزها عملية الترميم التي شهدها المسجد في عام 1994. ويشهد المسجد حالياً مرحلة تاريخية جديدة بعد إدراجه ضمن أعمال «مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية»، وستزيد مساحته بعد التطوير إلى 804 أمتار مربعة، وسيستوعب بعد الانتهاء من الأعمال قرابة 440 مصلياً.

نموذج يوضح تصميم المسجد (أطلس المساجد التاريخية)

ويعمل «مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية» على تحقيق التوازن بين معايير البناء القديمة والحديثة بطريقة تمنح مكونات المساجد درجة مناسبة من الاستدامة، وتدمج تأثيرات التطوير بمجموعة من الخصائص التراثية والتاريخية، تعمل على تطويرها شركات سعودية متخصصة في المباني التراثية لها خبرة في مجالها، مع أهمية إشراك المهندسين السعوديين للتأكد من المحافظة على الهوية العمرانية الأصيلة لكل مسجد منذ تأسيسه.

يذكر أن إطلاق المرحلة الثانية من «مشروع تطوير المساجد التاريخية» أتى بعد الانتهاء من المرحلة الأولى التي تم إطلاقها مع بداية المشروع في عام 2018م، والتي شملت إعادة تأهيل وترميم 30 مسجداً تاريخياً في 10 مناطق. وينطلق المشروع من 4 أهداف استراتيجية، تتلخص بتأهيل المساجد التاريخية للعبادة والصلاة، واستعادة الأصالة العمرانية للمساجد التاريخية، وإبراز البعد الحضاري للسعودية، وتعزيز المكانة الدينية والثقافية للمساجد التاريخية.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

«مساعدة الصمّ»... مبادرة تُثلج قلب مجتمع منسيّ في لبنان

مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)
مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)
TT

«مساعدة الصمّ»... مبادرة تُثلج قلب مجتمع منسيّ في لبنان

مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)
مؤسِّسة المبادرة مع فريقها المُساعد للنازحين الصمّ (نائلة الحارس)

قد ينشغل اللبنانيون في زمن الحرب بأخبارها وأحوال النازحين وكيفية تأمين حاجاتهم. لكنّ قلةً منهم فكّرت بجزء من المجتمع اللبناني؛ هم الأشخاص الصمّ. فهؤلاء يفتقدون القدرة على السمع وسط حرب شرسة. لا أصوات القذائف والصواريخ، ولا الانفجارات والمسيّرات. ولا يدركون إعلانات التحذير المسبقة لمنطقة ستتعرّض للقصف. وقد تكمُن خطورة أوضاعهم في إهمال الدولة الكبير لهم. فهي، كما مراكز رسمية ومستشفيات ووسائل إعلام، لا تعيرهم الاهتمام الكافي. فتغيب لغة الإشارة التي يفهمونها، ليصبح تواصلهم مع العالم الخارجي صعباً.

من هذا المنطلق، ولدت مبادرة «مساعدة الصمّ»، فتولاها فريق من اللبنانيين على رأسهم نائلة الحارس المولودة من أب وأم يعانيان المشكلة عينها. درست لغة الإشارة وتعاملت من خلالها معهما منذ الصغر؛ الأمر الذي دفع بأصدقائها الصمّ، ملاك أرناؤوط، وهشام سلمان، وعبد الله الحكيم، للجوء إليها. معاً، نظّموا مبادرة هدفها الاعتناء بهؤلاء الأشخاص، وتقديم المساعدات المطلوبة لتجاوز المرحلة.

بلغة الإشارة يحدُث التفاهم مع الأشخاص الصمّ (نائلة الحارس)

تقول نائلة الحارس لـ«الشرق الأوسط» إنّ القصة بدأت مع صديقتها ملاك بعد نزوح أهلها الصمّ إلى منزلها في بيروت هرباً من القصف في بلدتهم الجنوبية، فتوسّعت، من خلالهم، دائرة الاهتمام بأصدقائهم وجيرانهم. وعندما وجدت ملاك أنّ الأمر بات يستدعي فريقاً لإنجاز المهمّات، أطلقت مع هشام وعبد الله المبادرة: «اتصلوا بي لأكون جسر تواصل مع الجمعيات المهتمّة بتقديم المساعدات. هكذا كبُرت المبادرة ليصبح عدد النازحين الصمّ الذين نهتم بهم نحو 600 شخص».

لا تواصل بين الصمّ والعالم الخارجي. فهم لا يستطيعون سماع أخبار الحرب عبر وسائل الإعلام، ولا يملكون «لاب توب» ولا أدوات تكنولوجية تخوّلهم الاطّلاع عليها لحماية أنفسهم. كما أنّ لا دورات تعليمية تُنظَّم من أجلهم ليتمكّنوا من ذلك.

كي تلبّي نائلة الحارس رغبات الصمّ وتجد فرصاً لمساعدتهم، كان عليها التفكير بحلّ سريع: «لأنني أدرس لغة الإشارة والترجمة، دعوتُ من خلال منشور على حسابي الإلكتروني متطوّعين لهذه المهمّات. عدد من طلابي تجاوب، واستطعتُ معهم الانكباب على هذه القضية على أرض الواقع».

معظم الصمّ الذين تعتني بهم المبادرة في البيوت. بعضهم يلازم منزله أو يحلّ ضيفاً على أبنائه أو جيرانه.

يؤمّن فريق «مساعدة الصمّ» جميع حاجاتهم من مساعدات غذائية وصحية وغيرها. لا تواصل من المبادرة مع جهات رسمية. اعتمادها الأكبر على جمعيات خيرية تعرُض التعاون.

كل ما يستطيع الصمّ الشعور به عند حصول انفجار، هو ارتجاج الأرض بهم. «إنها إشارة مباشرة يتلقّونها، فيدركون أنّ انفجاراً أو اختراقاً لجدار الصوت حدث. ينتابهم قلق دائم لانفصالهم عمّا يجري في الخارج»، مؤكدةً أنْ لا إصابات حدثت حتى اليوم معهم، «عدا حادثة واحدة في مدينة صور، فرغم تبليغ عائلة الشخص الأصمّ بضرورة مغادرة منزلهم، أصرّوا على البقاء، فلاقوا حتفهم جميعاً».

ولدت فكرة المبادرة في ظلّ مصاعب يواجهها الأشخاص الصمّ (نائلة الحارس)

وتشير إلى أنّ لغة الإشارة أسهل مما يظنّه بعضهم: «نحرّك أيدينا عندما نتحدّث، ولغة الاشارة تتألّف من هذه الحركات اليومية التي نؤدّيها خلال الكلام. كما أن تعلّمها يستغرق نحو 10 أسابيع في مرحلة أولى. ويمكن تطويرها وتوسيعها بشكل أفضل مع تكثيف الدروس والتمارين».

عدد الصمّ في لبنان نحو 15 ألف شخص. أما النازحون منهم، فقلّة، بينهم مَن لجأ إلى مراكز إيواء بسبب ندرة المعلومات حول هذا الموضوع. كما أنّ كثيرين منهم لا يزالون يسكنون بيوتهم في بعلبك والبقاع وبيروت.

بالنسبة إلى نائلة الحارس، يتمتّع الأشخاص الصمّ بنسبة ذكاء عالية وإحساس مرهف: «إنهم مستعدّون لبذل أي جهد لفهم ما يقوله الآخر. يقرأون ملامح الوجه وحركات الشفتين والأيدي. وإنْ كانوا لا يعرفون قواعد لغة الإشارة، فيستطيعون تدبُّر أنفسهم».

يغيب الاهتمام تماماً من مراكز وجهات رسمية بالأشخاص الصمّ (نائلة الحارس)

إهمال الدولة اللبنانية لمجتمع الصمّ يبرز في محطّات عدّة. إن توجّهوا إلى مستشفى مثلاً، فليس هناك من يستطيع مساعدتهم: «ينبغي أن يتوافر في المراكز الرسمية، أسوةً بالخاصة، متخصّصون بلغة الإشارة. المشكلات كثيرة في كيفية تواصلهم مع الآخر. فالممرض في مستشفى قد لا يعرف كيفية سؤالهم عن زمرة دمهم. وليس هناك مَن يساعدهم لتقديم أوراق ووثائق في دعوى قضائية. هذه الثغر وغيرها تحضُر في مراكز ودوائر رسمية».

تختم نائلة الحارس: «التحدّي في الاستمرار بمساعدة الأشخاص الصمّ. فالإعانات التي نتلقّاها اليوم بالكاد تكفينا لأيام وأسابيع. على أي جمعية أو جهة مُساعدة أخذ هؤلاء في الحسبان. فتُدمَج مساعدات الأشخاص العاديين مع مساعدات الصمّ، وبذلك نضمن استمرارهم لأطول وقت».