برائحة نبتة المشموم الزكيّة التي تتزين بها المرأة الأحسائية منذ القدم، وصبغة الزعفران في مفرق الرأس، وقطع المشغولات الذهبية تزين جيدها، تطل الفنانة البحرينية ريم أرحمة بدور «بدريّة» في المسلسل السعودي «خيوط المعازيب» الذي يُعرض حالياً، لتجسّد البطولة النسائية في هذا العمل التراثي الذي يعيد المشاهد إلى حقبة الستينات من القرن الماضي.
وتتقاطع شخصية «بدرية» في المسلسل مع كثير من الأحداث، ففي الحلقات الأولى تكون زوجة الرجل الفقير «جاسم» (الفنان إبراهيم الحساوي)، حيث تكابد معه شظف العيش، وتصبر على أحواله للحفاظ على أسرتها وابنها فرحان، ثم تنفصل عنه لتتزوج التاجر الجشع «أبو عيسى» (الفنان عبد المحسن النمر)، وتنتقل حينها إلى حياة مختلفة وسياق درامي مختلف.
تتحدث ريم أرحمة في حوارها مع «الشرق الأوسط» عن قصتها مع هذا الدور، قائلة: «المسلسل عمل تراثي ثري وعميق في الوقت نفسه، وعندما تسلّمت النص، عرفت من القراءة الأولى أنه سوف ينقلنا جميعاً إلى مكان وزمان جميلين، وكذلك سينقلني كفنانة إلى مكان أجمل». وتتابع: «النص مليء بالتفاصيل، ويتطرق لزمن الكفاح حين كان الفرد يحاول إثبات نفسه، بين مجموعة من الناس التي تريد أن تتعلّم، وتدرس وتجتهد؛ ومجموعة أخرى تريد أن تعمل، وتكوّن أسرة، وتؤسس بيتاً».
وتضيف: «في ذلك الزمان، لم تكن الأمور سهلةً أو بمتناول اليد، بل كان من الصعب وصول الإنسان إلى ما يريد. هناك قصة كفاح عاشها الأجداد تحتاج أن تصل اليوم إلى الأحفاد. إلى الجيل الجديد الذي لم يعش تلك الفترة الزمنية، حيث كان كل شيء يتطلب جهداً وطاقةً واستنزافاً أكبر من اللازم. واليوم يعيش الجيل الحالي في نعمة نتيجة ما بذله أجدادهم».
«خيوط المعازيب» يعد أول ظهور للممثلة البحرينية ريم أرحمة في عمل سعودي متكامل، قائلة: «لأول مرة أشارك في تجربة سعودية بحتة، وهو ما يشرفني كثيراً... و(خيوط المعازيب) هو بصمة في عالم الفن العربي».
تصف شخصية «بدرية» في العمل بأنها «امرأة جميلة وبسيطة وصادقة ومحبة لبيتها وأسرتها، وأقصى أمنياتها أن يدرس ابنها ليرفع رأسها، وكذلك أن يحصل زوجها على وظيفة تسد احتياجات الأسرة، إضافة لكونها زوجة مجتهدة ومكافحة تزاول مهنة الطبخ كي تخفف الأعباء المالية عن زوجها».
وتتابع: «أحب في بدرية كفاحها ونضالها وحبها لزوجها وإخلاصها لبيت الزوجية والأسرة وعطاءها الدائم، ورغم أنها ذكية وصبورة فإنها تمر بظروف قاهرة، وبعد أن حافظت على جدران بيتها تجد شرخاً داخل البيت، وهو ما يصدمها، ويدفعها لاتخاذ قرار بالتوقف عن تقديم الآخرين على نفسها، ومن هنا تتغيّر أحوالها».
تعترف بأنها تحب ضعف بدرية بمكان ما، وتحب قوتها في مكان آخر، وتضيف: «هي لم تختر الظروف التي حدثت لها، بل الأقدار هي التي سيّرت الأمور. هي فقط اختارت ردود أفعالها». وتردف: «بدرية جاءتني على ورق وأنا أحييتها كشخصية. وهي قريبة جداً إلى قلبي».
اللهجة الحساويّة
وبسؤالها عن مدى صعوبة إتقان اللهجة الحساويّة (لهجة أهل الأحساء) المستخدمة في العمل، تقول: «اللهجة الحساويّة جميلة جداً، لكن ما لاحظته في أثناء التصوير وخلال إقامتي لفترة طويلة في مدينة الأحساء ومخالطتي لعدد كبير من أهلها أن هناك أكثر من لكنة ولهجة، ومن هنا وجدت الصعوبة». حاولت ريم أن تصل لما هو أسهل وأقرب إليها، مبينة أنها كانت تفكر كثيراً بانفعالات الشخصية والاندماج في الدور وتقمّصه، خوفاً من أن تفلت منها بعض المفردات، ويتوقف التصوير لإصلاحها وإعادة المشهد، مما قد يؤثر في الأداء والإحساس بالدور، مؤكدةً أن ذلك كان أكثر ما يخيفها. ولتسهيل الأمر، تقول: «استطعنا الوصول إلى حل وسط، بأن تكون (بدرية) هي بالأساس امرأة بحرينية، وعاشت في الأحساء، لذا ظهرت اللكنة مزيجاً ما بين اللهجتين البحرينية والحساوية، مثل أي امرأة تتزوج شخصاً مختلفاً عنها، وتعيش بين أهله فتكون لهجتها مختلطة، وإن كنت في غالب الأوقات أستخدم المفردات الحساويّة في الدور، فهي لهجة جميلة، وساعدني المدققون في ذلك، إلى جانب بقية الممثلات وجميعهن من الأحساء، حيث سهّلن عليَّ تخطي ذلك».
قلة الظهور
ولأن ريم أرحمة مُقلة في أعمالها مقارنة بالكثير من فنانات جيلها، بالضرورة سؤالها عن ذلك، لتجيب: «بعد تجربتي في مسلسل (الروح والريّة) مع الأستاذ المخرج منير الزعبي والكاتبة أنفال الدويسان، كانت لدي وقفة مع نفسي، وشعرت أنه لا بدَّ لي أن أتجه إلى اختيار الأعمال التي تضيف لمسيرتي، فأنا أشعر أني بحاجة إلى عمل يضيف إلى اسمي، ويساعدني على أن أكمل طريقي الفني». وتردف: «أنا مقلة نعم، لأني أحس بأن كثرة الوجود لن تُفيد، بل الأهم هو الوجود الذي سيُذكر، والعمل المتكامل من كافة النواحي»، مشيرة إلى أن الأعمال الدرامية مع مرور الزمن ستعرض أكثر من مرة، وسيتذكرها الجمهور، قائلة: «أريد حين أرى أعمالي في يوم ما، أن أكون سعيدة، ولا أريد أن أرى هذه الأعمال، وأتساءل: ما الذي دفعني لتقديم هذا الدور؟»، إلا أنها تعترف بصعوبة هذا الأمر، وأن الانتقائية ليست سهلة في المجال الفني، قائلة: «ليس دائماً يحالفنا الحظ، فأحياناً نقتنع بأشياء ثم يتم تنفيذها بطريقة لا تناسبنا. لكن بالنسبة لي فأنا أبحث عما هو مختلف وجديد، ومصرة على خياراتي، فلا يهمني الوجود بقدر أن يكون العمل مميزاً، ويقدمني بصورة جديدة. وأعرف أن تفكيري بهذه الطريقة يُصعب الأمر عليَّ في كل مرة، لكن لا أرى مشكلة من أن يقل ظهوري في سبيل العمل بما هو يضيف لمسيرتي الفنية». وبالنظر إلى أن «خيوط المعازيب» حظي بإشادة نقدية واسعة واهتمام جماهيري وضعه على قائمة الأعمال الأعلى مشاهدة في السعودية على منصة «شاهد»، تقول ريم أرحمة: «العمل جميل نصاً وإخراجاً وتمثيلاً، وأرى في الممثلين الشباب المشاركين في العمل أنهم سيكونون من أهم نجوم المستقبل، إضافة إلى جمال الصورة الإخراجية والموسيقى التصويرية والديكور والكلمات والأغاني، كل ذلك يشكل النجاح، فهو عمل متكامل، وأنا سعيدة بالإشادة به».