برامج الألعاب في لبنان... أبعد من كَسْب جائزة

وسام حنا وطوني بارود يُذكّران بحلاوة الخير

وسام حنا وطوني بارود... جمال العطاء
وسام حنا وطوني بارود... جمال العطاء
TT

برامج الألعاب في لبنان... أبعد من كَسْب جائزة

وسام حنا وطوني بارود... جمال العطاء
وسام حنا وطوني بارود... جمال العطاء

تُميّز رمضان هذا العام بهجةٌ يُضفيها وسام حنا على الشاشة. إطلالته مُنتَظرة، بما قد يفوق انتظار مسلسل وتتبُّع تقلّبات أبطاله. فبرنامجه «أكرم من مين» (إل بي سي آي) يمنح إحساساً بالطاقة البشرية القادرة على الانتقال في الأجواء مثل عدوى إيجابية. بنبرته، وضحكته، وكاريزما الحضور، يُخرِج مُشاهده من واقع لا يزال يقسو، ويُعدّل المزاج.

طوني بارود أيضاً وجهٌ مألوف عندما يتعلّق الأمر بجمالية العطاء. برنامجه «ضوّي يا قمر» (إم تي في)، ينادي بالإنسان من أجل الإنسان. الإعلاميان اللبنانيان زِينة الشهر الرمضاني، يذكّران بعزّ برامج الألعاب، ومتعة انتظار أن يكتمل الاتصال، فلا تنتهي المكالمة إلا وقد فاز المُتّصل وأحال القلب على السرور.

طوني بارود اسم مألوف على مستوى العطاء (إكس)

ينتقل وسام حنا إلى «الفوروم دو بيروت» حيث الحدث الضخم: معرض «ليالي رمضان» المُقام على مساحة واسعة تُبيّن أجواء الشهر وحاجة إنسانه إلى استراحة بعد الإفطار. احتشد ناس أتوا بحثاً عن شيء من الفرح، وشكّلوا ما يُشبه حلقة اكتظاظ بشريّ حول المُقدِّم. أُحيط حنا بمَن يصوّرونه بهواتفهم ويمدّون أيديهم لمصافحته، مُدركين أنه يستحق المحبّة. على حسابه في «إكس»، وصف لقاء الناس بـ«ليلة من العمر». وبينما الأغنيات تملأ المكان، وفرقة الدبكة تخبط الأقدام بالأرض، اعتلى المسرح شاكراً المُصفِّقين.

إنْ كان لوجهٍ تلفزيوني لبناني إحداث هذا الصخب المُتنقّل ونَشْر اللحظة الحلوة، فهو وسام حنا. الإجماع عريض على الاعتراف بجهده والإضاءة على طاقته. على «إكس»، كما «إنستغرام» وسائر المنصات، إطراءات بالجملة. يرى فيه اللبنانيون منارة تدرك استعداد الضوء لقهر العتمة. لذا ينتظرونه ولا يكتفون بالمُشاهدة. يتّصلون ويُشاركون، ومِن المنازل تعلو الهيصة، فيمازح مُتّصلة: «كأنّ أفراد أسرتكِ أكثر من الجمهور الكبير الحاضر في (الفوروم)»، لتعمّ الضحكات.

وسام حنا يمنح كلَّه للبرنامج (إكس)

خفت وهج برامج الألعاب، ولسنوات استضافتها الشاشات كأنها عابر سبيل. هذا الموسم الرمضاني أوقد نارها. حنا صاحب الشعلة، يوزّع شرارتها هنا وهناك، وطوني بارود يوقدها أينما حلَّ. بين الناس في منازلهم، والحضور مِن حولهما، يتمدّد الاشتعال. الجميع معنيّ بهذه التركيبة الترفيهية المرتكزة على فعل الخير وثقافة العطاء. ألعاب وجوائز ومبالغ مالية، تُهوِّن غدرات الأحوال. الربح أكيد، أسوة بحلاوة التجربة لبساطتها وقُربها من الجميع.

إذا كان هذا ما يحدث عبر «إل بي سي آي»، فإنّ لدى بارود طريقته في إسعاد مُحبّيه. جوائز أيضاً، ومبالغ مالية، و«إم تي في» لا تفوّت مناسبة من دون أن تكون الحدث. تنادي طفلةٌ تلملم جُمَلها الأولى، محمولةً بين أحضان أبيها، المُقدِّمَ المكرَّس بتقديم برامج الألعاب، «بارووود»، تأكيداً على حماسة الموقف. وبالإجابة على سؤال، يفوز والدها. لطوني بارود شخصيّته، ومَن ينتظره كل ليلة من وسط بيروت المزيَّن هذا العام بحلَّة الشهر وأضواء الحياة. سنوات مرَّت على المشهد الكئيب في قلب المدينة، لكنَّ قدرها النهوض. من صميم الإرادة، تُدار الكاميرات لتلتقط زحمة الناس والليالي الممتدة حتى الثانية فجراً. أكشاك وأمل، وهلال عملاق يُزيّن مكاناً يشتاق للجَمعة الحلوة.

طوني بارود مُنتَظر في تقديم برامج الألعاب (إكس)

من وسط بيروت إلى «الفوروم» على بُعد كيلومترات، تكاد حنجرة وسام حنا تُبحّ. الرجل معطاء إلى الأقصى، يجعل برنامجه نابعاً من القلب. يُقدِّم كأنه يمنح كلَّه للكاميرا. اندفاعه يُطمئن إلى أنّ ما يحدث على التلفزيون اللبناني لا يزال موثوقاً به. ومثل كل وفيّ لِما يفعله، يترك روحه تسيل على المشهد.

ضيفة حلقة الانتقال إلى «الفوروم»، الممثلة الكوميدية ليليان نمري. صفَّق الحضور لوجهٍ لطيف يُشعِر الآخرين بأنه مألوف دائماً. المقدِّم والضيفة، تلقّيا الاتصالات ووزّعا الجوائز. وقف حنا أمام خزنة المال الممتلئة، وودَّع الناس بإفراغها لعمل الخير. «أكرم من مين»، اسم على مُسمّى. مَن يحضُر يفُز. ومَن يحالفه الحظّ وينجح في الاتصال، لا يودّع المُقدِّم إلا وقد كَسَب. أما مَن يحاولون وتتعذّر محاولاتهم، فلهم أن يُجرّبوا مرّة أخرى. سيّدة لم تستطع غضَّ النظر عن واقع أنّ البرنامج مُشاهَد والراغبين في الربح كُثر، فشاركت امتعاضها مباشرة على الهواء: «أحاول الاتصال بك منذ بداية رمضان. تطلّب الأمر 10 أيام لتتمّ المكالمة». ربحت فوراً.

وسام حنا نجم برامج رمضان (إكس)

هذه فسحة الناس العاديين ومساحتهم الحلوة. الذين يقفون أمام الكاميرا بلا استعداد تام. يَحضُرون بعفويتهم إلى حيث احتمال الفوز. أو يتّصلون على أمل أن يشملهم الخير. خزنة حنا وقمر بارود لجميع اللبنانيين.

يصعد المشترك إلى المسرح، ومِن حوله أحبّة يصوّرونه. يوثّقون المشاركة لنشرها عبر شبكات التواصل، فتحصُد إعجابات وتعليقات. يحاول البرنامجان إعلاء شأن الفرح. فهو يحصُل، خصوصاً في أكثر اللحظات عفوية. ليست قيمة الجائزة هي الحدث، بل المُشاركة في اقتناص البهجة. المبالغ تُصرَف، والجوائز الأخرى تُنسى مع الوقت. الشعور بأنّ الدنيا لا تزال بخير، هو ما يبقى.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
TT

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)

وصلتْ إلى هاتف صاحبة السطور رسالة تعلن عودة أمسيات «مترو المدينة». كان كلُّ ما حول المتلقّية هولاً وأحزاناً، فبدا المُرسَل أشبه بشعاع. يبدأ أحد مؤسّسي «مترو» ومديره الفنّي، هشام جابر، حديثه مع «الشرق الأوسط» بترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة. ينفض عنها «مفهوماً قديماً» حصر دورها بالترفيه وتمضية الوقت، ليحيلها على ما هو عميق وشامل، بجَعْلها، بأصنافها وجمالياتها، مطلباً مُلحّاً لعيش أفضل، وحاجة لتحقيق التوازن النفسي حين يختلّ العالم وتتهدَّد الروح.

موسيقيون عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة (مترو المدينة)

في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة بفرادة الطابع والمزاج. أُريد للموسيقى خَلْق فسحة تعبيرية لاحتواء المَعيش، فتُجسّد أرضية للبوح؛ مُنجزةً إحدى وظائفها. تُضاف الوظيفة الأخرى المُمثَّلة بالإصرار على النجاة لمَنْح الآتي إلى الأمسية المُسمَّاة «موسيقى تحت النار» لحظات حياة. موسيقيون على البزق والدرامز والإيقاع والكمنجة... عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة. يُعلّق هشام جابر: «لم يكن ينقصنا سوى الغبار. جميعنا في معركة».

لشهر ونصف شهر، أُغلق «مترو». شمَلَه شلل الحياة وأصابته مباغتات هذه المرارة: «ألغينا برنامجاً افترضنا أنه سيمتدّ إلى نهاية السنة. أدّينا ما استطعنا حيال النازحين، ولمّا لمسنا تدهور الصحّة النفسية لدى المعتادين على ارتياد أمسيات المسرح، خطرت العودة. أردنا فسحة للفضفضة بالموسيقى».

لم يَسْلم تاريخ لبنان من الويل مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز (مترو المدينة)

يُشبّه المساحة الفنية التي يتيحها «مترو» بـ«علبة خارج الزمن». ذلك لإدراكه أنّ لبنان امتهن الصعاب ولم يَسْلم تاريخه من الويل، مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز. وامتهن اجتراح «العُلب»، وهي الفسحات الرقيقة. منها يُواجه أقداره ويُرمّم العطب.

استمرّت الحفلات يومَي 20 و21 الحالي، وسلّمت «موسيقى تحت النار» أنغامها لعرض سُمِّي «قعدة تحت القمر»، لا يزال يتواصل. «هذا ما نجيده. نعمل في الفنّ»، يقول هشام جابر؛ وقد وجد أنّ الوقت لا ينتظر والنفوس مثقلة، فأضاء ما انطفأ، وحلَّ العزفُ بدل الخوف.

يُذكِّر بتاريخ البشرية المضرَّج بالدماء، وتستوقفه الأغنيات المولودة من ركام التقاتُل الأهلي اللبناني، ليقول إنّ الحروب على مرّ العصور ترافقت مع الموسيقى، ونتاج الفنّ في الحرب اللبنانية تضاعف عمّا هو في السلم. يصوغ المعادلة: «مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس، موسيقى ونغمات وأمل». ذلك يوازي «تدليك الحالة»، ويقصد تليينها ومدّها بالاسترخاء، بما يُشبه أيضاً إخضاع جهاز لـ«الفرمتة»، فيستعيد ما تعثَّر ويستردّ قوةً بعد وهن.

أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة (مترو المدينة)

يتمسّك «مترو المدينة» بحقيقة أنّ الوقت الصعب يمضي والزمن دولاب. أحوالٌ في الأعلى وأحوال في الأسفل. هذه أوقات الشدائد، فيشعر الباحثون عن حياة بالحاجة إلى يد تقول «تمسّك بها»، ولسان يهمس «لا تستسلم». أتاح المسرح هذا القول والهَمْس، ففوجئ هشام جابر بالإقبال، بعد الظنّ أنه سيقتصر على معارف وروّاد أوفياء. يقول: «يحضر الناس لكسر الشعور بالعزلة. يريدون مساحة لقاء. بعضهم آلمته الجدران الأربعة وضخّ الأخبار. يهرعون إلى المسرح لإيجاد حيّز أوسع. ذلك منطلقه أنّ الفنّ لم يعد مجرّد أداة ترفيهية. بطُل هذا الدور منذ زمن. الفنون للتعافي وللبقاء على قيد الحياة. أسوةً بالطعام والشراب، تُغذّي وتُنقذ».

كفَّ عن متابعة المسار السياسي للحرب. بالنسبة إليه، المسرح أمام خيارَيْن: «وضع خطّة للمرحلة المقبلة وإكمال الطريق إن توقّف النار، أو الصمود وإيجاد مَخرج إن تعثَّر الاتفاق. في النهاية، المسارح إيجارات وموظّفون وكهرباء وتكاليف. نحاول أن يكون لنا دور. قدّمنا عروضاً أونلاين سمّيناها (طمنونا عنكم) ترافقت مع عرض (السيرك السياسي) ذائع الصيت على مسرحنا. جولته تشمل سويسرا والدنمارك وكندا...».

ترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة (مترو المدينة)

ويذكُر طفولة تعمَّدت بالنار والدخان. كان في بدايات تفتُّح الوعي حين رافق والده لحضور حفل في الثمانينات المُشتعلة بالحرب الأهلية. «دخلنا من جدار خرقته قذيفة، لنصل إلى القاعة. اشتدّ عودنا منذ تلك السنّ. تعلّقنا بالحياة من عزّ الموت. لبنان حضارة وثقافة ومدينة وفنّ. فناء تركيبته التاريخية ليست بهذه البساطة».

يرى في هذه المحاولات «عملاً بلا أمل». لا يعني إعلان اليأس، وإنما لشعورٍ بقسوة المرحلة: «يخذلني الضوء حيال الكوكب بأسره، ولم يعُد يقتصر غيابه على آخر النفق. حين أردّد أنني أعمل بلا أمل، فذلك للإشارة إلى الصعوبة. نقبع في مربّع وتضيق بنا المساحة. بالفنّ نخرج من البُعد الأول نحو الأبعاد الثلاثة. ومن الفكرة الواحدة إلى تعدّدية الأفكار لنرى العالم بالألوان. كما يُحدِث الطبيب في الأبدان من راحة وعناية، يحتضن الفنّ الروح ويُغادر بها إلى حيث تليق الإقامة».