في مكتبات المشاهير... مارلين حفظت جبران وترمب يقرأ عن شخصه

في مكتبات المشاهير... مارلين حفظت جبران وترمب يقرأ عن شخصه
TT

في مكتبات المشاهير... مارلين حفظت جبران وترمب يقرأ عن شخصه

في مكتبات المشاهير... مارلين حفظت جبران وترمب يقرأ عن شخصه

عام 2016 وبعد هزيمتها في السباق الرئاسي الأميركي أمام دونالد ترمب، لجأت المرشحة هيلاري كلينتون إلى القراءة لمداواة خيبتها. هربت إلى الكتُب في محاولةٍ منها لنسيان الهزيمة وإعادة ترميم نفسها بعد معركة طاحنة.

كتابٌ واحد من بين المجموعة تميّز عن سواه وساعد في تهدئتها؛ «عودة الابن الضالّ» بقلم الكاهن والكاتب الهولندي هنري نووين. لم تكن تلك المرة الأولى التي تقرأ فيها كلينتون هذا العمل الكلاسيكي، لكنها لطالما اعتبرته ملجأّ ومساحةً للهروب.

لجأت هيلاري كلينتون إلى المطالعة بعد هزيمتها في انتخابات 2016 أمام دونالد ترمب (رويترز)

يتأمّل الكتاب الصادر عام 1994 لوحة رامبرانت التي تحمل العنوان نفسه، وتصوّر رجوع الولد الضالّ إلى حضن أبيه في ظلّ امتعاض شقيقه. يستفيض نووين في معاني الوحدة، والعودة، والمسامحة، والعطف، والأبوّة، والغيرة. أما كلينتون التي تلقّته كهديّة بعد وفاة والدها وأحد أصدقائها، فعثرت فيه على العزاء، وتعلّمت من خلاله أن تسامح أكثر وأن تجعل من الامتنان ممارسةً يوميّة.

كتاب «عودة الابن الضالّ» لهنري نووين

ترمبنوميكس

في المقابل، كان غريمها دونالد ترمب يعلن عن قائمة بأهمّ الكتب في نظره، وهي بمعظمها إمّا تدور حوله أو تهاجم منافسيه. ومع أنه غالباً ما يردّد أنه لا وقت لديه للقراءة، فإنّ ترمب لم يبخل على متابعيه باقتراحات الكتب. من بينها واحد بعنوان «إيمان دونالد ترمب: سيرة روحيّة»، وآخر حول رؤيته الاقتصادية بعنوان «ترمبنوميكس: الخطة الأميركية الأولى لإحياء اقتصادنا». ودائماً ضمن قائمة حبّ الذات، كتاب «ضرورة ترمب».

أما كتاب «خدعة روسيا: خطة غير مشروعة لتبرئة هيلاري كلينتون وتوريط دونالد ترمب»، فعلّق عليه الرئيس الأميركي السابق قائلاً: «إنه بالفعل خدعة ومطاردة ساحرات، بدأ بشكل غير قانوني من قبل أشخاص موصومين بالعار. إنه كتاب عظيم».

يفضّل ترمب الكتب التي تتمحور حول شخصه (رويترز)

أكثر من كتاب في الشهر

غريمٌ آخر لم يسلم من لسان ترمب، هو سلفُه باراك أوباما. غير أنّ الرئيس الأميركي الأسبق لم يُستَفزّ يوماً، بل واظب على التغريد في سربٍ بعيدٍ عن ترمب.

من المعروف عن أوباما أنه قارئٌ نهِم، وأنه مع كل نهاية عام يشارك مع متابعيه أفضل قراءاته. لا يمكن اختصار ذوقه الأدبيّ بكتاب واحد، لا سيّما وأنّ محتوى القوائم التي ينشرها تفوق الـ10 كتب في السنة؛ على غرار ما حصل نهاية 2023.

من الروايات التي صنّفها أوباما في الطليعة، «متجر بقالة الجنّة والأرض» لجيمس ماك برايد، التي تروي قصة مواطنَين أميركيَين أحدُهما من أصحاب البشرة السمراء والآخر يهوديّ. بين كتب أوباما المفضّلة كذلك، «الرهان» لديفيد غران، و«ملك» لجوناثان إيغ والذي يروي سيرة الزعيم الأميركي من أصول أفريقية مارتن لوثر كينغ.

أوباما قارئ نهِم وغالباً ما يشارك كتبَه المفضّلة مع متابعيه (رويترز)

تشارلز يقلّد هاري بوتر

ما يميّز الملك تشارلز الثالث عن زملائه في عالم السلطة والحُكم، أنه تفوّق عليهم في عدد الكتب التي ألّفها بنفسه. لطالما اهتمّ العاهل البريطاني بالشؤون الثقافية، فكتبَ بنفسه عن الهندسة والبيئة كما أنه خصّ الأطفال ببعض مؤلّفاته.

أما الأعمال التي تتصدّر رفوف مكتبته، وفق ما أعلنت زوجته كاميلا منذ فترة، فهي «رحلات مع نفسي ومع آخر» للمراسلة الحربيّة مارثا جيلهورن تسرد فيها تغطياتها الخطرة حول العالم، والتي لاصقت فيها الموت. من بين كتب تشارلز المفضّلة كذلك «نابليون» بقلم آدم زامويسكي، و«معركة الأطلسي» لجوناثان ديمبلبي.

ودائماً وفق كاميلا، فإنّ تشارلز يستمتع بقراءة مجموعة «هاري بوتر» الخياليّة لأحفاده، كما أنه موهوب جداً في تقليد أصوات الشخصيات.

يحب الملك تشارلز أن يجمع أحفاده حوله ويقرأ لهم «هاري بوتر» (رويترز)

الجميلة والكتُب

من عالم السياسة إلى الفنّ، وأفضل الكتب بنظر أهل الموسيقى والسينما والمسرح. ولعلّ النجمة مارلين مونرو هي أكثر مَن اهتمّ بالقراءة من بين زملائها الفنانين. فيوم عُرضت مكتبة مونرو للمزاد في دار «كريستيز» عام 1999، جرى الكشف عن أكثر من 400 كتاب لم تكتفِ بها الفنانة ديكوراً، بل أمضت جزءاً من حياتها القصيرة في قراءتها.

كانت النجمة مارلين مونرو مولعة بالكتب وقد اصطحبتها معها إلى مواقع التصوير (فيسبوك)

أبدت مونرو ولعاً بقراءة الشعر، إلّا أنّ العمل الأدبيّ الذي أسرَ قلبها كان «النبي» لجبران خليل جبران. هذه التحفة الإنسانية الفلسفية فعلت فعلها على مئات الملايين حول العالم، ومن بينهم عشرات الفنانين. مثل إلفيس بريسلي، كادت مونرو أن تحفظ الكتاب عن ظهر قلب. كانت تصطحبه معها إلى التصوير وتقرأ مقاطع منه لزملائها خلال الاستراحة. كما أنها كانت تُهدي نسَخاً منه للمقرّبين منها، وهي احتفظت بـ4 نسخ منه لنفسها.

«النبي» لجبران خليل جبران كتاب مارلين مونرو المفضّل

في مكتبة مادونا

إلى مكتبة مادونا، التي رغم انشغالاتها الاستعراضيّة الكثيرة، تجد بعض الوقت للمطالعة. ووفق ما كشفت للممثلة غوينيث بالترو، فإنّ رواياتها المفضّلة هي «الفتاة السيّئة» لماريو فارغاس يوسا، و«شانتارام» لغريغوري ديفيد روبرتس، و«زوجة المسافر عبر الزمن» لأودري نيفينجر.

«الفتاة السيئة» لماريو فارغاس يوسا من بين الكتب المفضّلة لدى مادونا (فيسبوك)

ماذا على رفوف باقي النجمات؟

أما اختيارات الممثلة جوليا روبرتس الأدبية فتميل أكثر إلى الحزن. تختصر روايتها الكلاسيكية المفضّلة «أشجار النخيل البرّية» لويليام فوكنر، بأنها «قصة حب جميلة وتراجيديّة». كذلك هي الحال في رواية كارسون ماك كالرز «القلب صيّاد وحيد»، والتي تتماهى معها روبرتس بما أنها، كما الكاتبة، ابنة الجنوب الأميركي وعارفة بطبيعته وبيئته.

تحب الممثلة جوليا روبرتس الروايات الحزينة (فيسبوك)

تَشي قراءات المغنية الأميركية بيونسيه بمبادئها النسويّة التي غالباً ما تتجلّى في أعمالها الموسيقية. هي تركّز خلال الأوقات التي تخصصها للمطالعة، على قضايا المرأة. أما أحد الكتب المفضّلة لديها في هذا المجال، فيحمل عنوان «ما الذي يتطلّبه الأمر لجعل امرأة رئيسة» بقلم ماريان شنال. يضيء الكتاب على الدور الذي تلعبه المرأة حول العالم في رسم معالم المجتمعات، ويقدّم النصائح من أجل وصول امرأة إلى سدّة الرئاسة الأميركية.

تتمحور قراءات المغنية بيونسيه حول قضايا تمكين المرأة (إنستغرام)

أديل بدورها اختارت كتاباً بقلم امرأة، لتضعه في أعلى قائمة قراءاتها المفضّلة. «جامحة» بقلم غلينون دويل، هي سيرة ذاتية ملهمة في مجال تمكين المرأة والتحرّر بهدف التغيير. وقد سوّقت لها المغنية البريطانية من خلال منشور على منصة «إنستغرام»، دعت من خلاله متابعيها إلى قراءة الكتاب، وعَيشِه وممارسته قائلةً: «سيخضّ هذا الكتاب دماغكم وسيجعل روحَكم تصرخ».

أما محبوبة الجماهير المغنية الأميركية تايلور سويفت، فتهرب من ضجيج المسارح والجولات إلى كتبها المفضّلة، وبعضها حملته معها من طفولتها. وأبرز ما على قائمة سويفت: «مباريات الجوع» لسوزان كولينز، و«طعام صلاة حب» لإليزابيث غيلبرت، و«شبكة شارلوت» لإي بي وايت، و«ستار جيرل» لجيري سبينيللي.


مقالات ذات صلة

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

كتب لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

ضمن سلسلة «الفلسفة» التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «لودفيغ فتجنشتاين» للباحث المصري الراحل د. عزمي إسلام.

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل.

عمر شهريار
كتب صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون «هيئة الكتاب» المصرية تنشر أعمال شكري عياد وشاكر عبد الحميد وعبد الحكيم راضي

«هيئة الكتاب» المصرية تنشر أعمال شكري عياد وشاكر عبد الحميد وعبد الحكيم راضي

تعاقدت «الهيئة المصرية العامة للكتاب» مع أسرة الناقد والأديب الراحل الدكتور شكري عيّاد؛ لإصدار وإتاحة مؤلفاته الكاملة ضمن خطط الهيئة لإحياء التراث النقدي العربي

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون «لا مفاتيح هناك»... المدينة حين تتحول إلى مسرح عبثي

«لا مفاتيح هناك»... المدينة حين تتحول إلى مسرح عبثي

تتخذ رواية «لا مفاتيح هناك»، للروائي المصري أشرف الصباغ، من السخرية نهجاً لها، سخرية من الذات ومن العالم، ومن المدينة الكبيرة التي لا ترحم.

عمر شهريار

3 مخرجات في لحظة سينمائية نادرة... «البحر الأحمر» يجمع بينوش وأمين ودعيبس

جولييت بينوش تتوسَّط شهد أمين وشيرين دعيبس (المهرجان)
جولييت بينوش تتوسَّط شهد أمين وشيرين دعيبس (المهرجان)
TT

3 مخرجات في لحظة سينمائية نادرة... «البحر الأحمر» يجمع بينوش وأمين ودعيبس

جولييت بينوش تتوسَّط شهد أمين وشيرين دعيبس (المهرجان)
جولييت بينوش تتوسَّط شهد أمين وشيرين دعيبس (المهرجان)

في لحظة نادرة، تجمع بين التجربة العالمية ونهضة السينما العربية، التقت في مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» 3 سينمائيات، لكل منهن علاقة مباشرة مع «الأوسكار»، وهن: الممثلة الفرنسية الحائزة «الأوسكار» جولييت بينوش، التي تُعدّ من أبرز الوجوه في السينما الأوروبية، والمخرجة السعودية شهد أمين التي يُمثّل فيلمها «هجرة» السعودية في سباق «الأوسكار»، والمخرجة الفلسطينية - الأميركية شيرين دعيبس التي يُنافس فيلمها «اللي باقي منك» باسم الأردن في «الأوسكار».

جاء ذلك ضمن الجلسة الحوارية لبرنامج «نساء في الحركة»، الذي وُلد من مهرجان «كان» عام 2015 بكونه نافذة تطلّ منها النساء على النقاش العالمي حول الصورة، وصولاً إلى مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، إذ يحضر البرنامج للمرّة الأولى، ويحتفي بمرور عقد عليه، في جلسة حوارية جمعت النجمات الثلاث اللواتي ينتمين إلى خلفيات وثقافات وتجارب متباينة، لكن جمعتهن الأسئلة: كيف تُكتب الذاكرة؟ وكيف تتشكّل هوية المرأة في السينما؟ وكيف تستعيد السينما صوتها الإنساني وسط عالم يتغيَّر بسرعة؟

من التمثيل إلى الإخراج

وشكَّل انتقال الممثلة الفرنسية جولييت بينوش من التمثيل إلى الإخراج محوراً أساسياً في حديثها، خصوصاً عن الصعوبة الكامنة في «إخراج نفسها» داخل الفيلم.

تقول جولييت بينوش: «الممثل لا يستطيع أن يفصل نفسه عن الإخراج. العالمان متداخلان بشكل طبيعي»، مضيفة أنّ أداءها لم يكن خاضعاً لعملية توجيه ذاتي بقدر ما كان «محاولة لترك الحقيقة تمر عبر الجسد».

وتوقَّفت عند سؤال «الحقيقة في الصورة»، مشيرةً إلى أنّ لحظة نسيان المُتفرّج بأنّ ما يشاهده مجرّد صورة هي قلب التجربة السينمائية، وتتابع: «الحقيقة تنتمي إلى الإنسان. عندما تدخل الصورة في داخلك وتنسى أنها مصنوعة، عندها فقط تبدأ السينما».

المخرجة السعودية شهد أمين خلال الجلسة (المهرجان)

شهد أمين... الغرابة السينمائية

من ناحيتها، تناولت المخرجة السعودية شهد أمين فيلمها «هجرة» بإسهاب، وهو فيلم ينسج علاقته بين 3 أجيال نسائية. وقدَّمت مداخلة صريحة وحيوية، بدأت بسرد علاقتها بـ«غرابة أعمالها». قائلةً: «كل مرة أكتب فيلماً أقول إنّ الجميع سيحبه، ثم أصنعه، ويخرج غريباً جداً!».

وأضافت بابتسامة لا تخفي صدقها: «أقول لنفسي: (أرجوكِ اصنعي فيلماً طبيعياً)، لكن النهاية تكون دائماً لفيلم لا يُشبه أي فيلم آخر». وترى أمين أنّ هذا الاختلاف ليس هدفاً، بل نتيجة طبيعية لخياراتها الشخصية.

وبسؤالها عن دورها في إخراج المرأة السعودية من القوالب النمطية، تُجيب: «أنا لا أصنع أفلاماً لإثبات شيء عن المرأة السعودية أو لتغيير صورة ما، هذا ليس هدفي. أكبر خطأ يمكن أن أرتكبه هو أن أفرض أفكاري على الفيلم».

وعند سؤالها عن حضور الأجيال الثلاثة في فيلم «هجرة»، أجابت بتأمّل عميق: «كلّ ما نحن عليه اليوم صنعته أمّهاتنا وجداتنا. لا يمكن فَهْم الحاضر من دون العودة إلى الخلف».

أما عن المشهد السينمائي في السعودية اليوم، فرأت أنه يشهد واحدة من أسرع المراحل تطوراً على مستوى العالم، مضيفةً: «السعودية مكان ممتع لصناعة الأفلام. كلّ شيء جديد، وكلّ شيء يبدأ من الصفر. هناك مساحة لكلّ صوت».

كما حذّرت المخرجين الجدد من محاولة تقليد النموذج الأميركي: «لا حاجة لتكرار أحد... كن نفسك... كن غريباً إن أردت... ربما يجد أحدهم نفسه في هذا الغريب».

المخرجة شيرين دعيبس وتقاطعات الذاكرة والهوية (المهرجان)

شيرين دعيبس... صناعة الذاكرة

المحطة الثالثة حملت صوت المخرجة الفلسطينية - الأميركية شيرين دعيبس، التي تُشارك في المهرجان بفيلم «اللي باقي منك»، الذي يتناول أحداث فلسطين ما بعد النكبة. وهي المخرجة المعروفة باشتغالها على هوية المرأة العربية في سياقات الشتات. تطرَّقت دعيبس لفيلمها، بالقول: «وجدنا أنفسنا نصنع فيلماً عن النكبة بينما نشاهد نكبة أخرى تتكشَّف أمام عيوننا... نكبة بلا حدود».

ورأت أن البحث عن «فلسطين خارج فلسطين» كان عملية قاسية، لكنها ضرورة لصنع الفيلم، مضيفةً: «كان علينا أن نُعيد تشكيل الذاكرة بصرياً، ونبحث عن جذورنا في أماكن لا تمتلك الأرض نفسها».

وعن جذورها الشخصية، قالت بوضوح: «نشأت في عائلة فلسطينية - أردنية. أحمل الفرح والألم معاً. مشاركة هذا الإرث ليست خياراً، إنها واجب».

وفي تحليلها لتطوّر الدعم العالمي للسينما العربية، قالت شيرين دعيبس إنّ أوروبا والعالم العربي كانا أكثر دعماً من الولايات المتحدة، مضيفةً: «بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) أدركنا أن صورتنا تُروى من دوننا. وكان علينا أن نستعيد قصصنا». وأثنت على التحوّل السينمائي في السعودية، قائلة: «ما يحدث هنا استثنائي. الدعم الذي نراه في المنطقة خلال السنوات الأخيرة غير مسبوق».

ورغم اختلاف اللغات والخلفيات، تقاطعت مداخلات المخرجات الثلاث عند 3 محاور عميقة: الذاكرة بكونها منظوراً سردياً، والغرابة بوصفها توقيعاً، ورؤية الإنسان من الداخل. ويمكن القول إنّ جلسة «نساء في الحركة» في «البحر الأحمر» لم تكن مجرّد لقاء حول حضور المرأة في السينما، بل كانت مساحة لقراءة العالم من خلال العين النسائية؛ عين تتأمل الحقيقة، وتستعيد الذاكرة، وتتجاوز الخطاب التقليدي.


شوارع بريطانيا تحمل أسماء الطيور... وسماؤها تفتقدها

الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)
الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)
TT

شوارع بريطانيا تحمل أسماء الطيور... وسماؤها تفتقدها

الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)
الأسماء تتكاثر لكنّ الطيور تختفي من الحقول والسماء (شاترستوك)

تزداد في بريطانيا تسمية الشوارع بأسماء طيور مثل القُبرات والزقزاق والزرازير، في وقت تشهد فيه أعداد هذه الأنواع تراجعاً مقلقاً.

فقد كشف تقرير لجمعية حماية الطيور الملكية، نقلته «الغارديان»، عن أنّ أسماء شوارع من قبيل «ممر القُبرة» و«جادة السمامة» باتت أكثر شيوعاً خلال العقدين الماضيين. وبالاستناد إلى بيانات «أو إس أوبن نيمز» بين عامَي 2004 و2024، تبيَّن أن الشوارع التي تحمل أسماء طائر القُبرة ارتفعت بنسبة 350 في المائة، وتلك التي تحمل اسم الزرزور بنسبة 156 في المائة، فيما ارتفعت أسماء الشوارع المرتبطة بطيور الزقزاق بنسبة 104 في المائة، رغم الانخفاض الكبير في أعداد هذه الطيور في البرّية.

ويشير التقرير إلى أنّ بريطانيا فقدت بين عامَي 1970 و2022 نحو 53 في المائة من القُبرات المتكاثرة، و62 في المائة من الزقزاق، و89 في المائة من العندليب.

وقالت المديرة التنفيذية للجمعية، بيكي سبيت، إنّ التحليل «يكشف عن أن البلديات والمطوّرين العقاريين لا يجدون غضاضة في تسمية الشوارع بأسماء الطبيعة التي نحبّها، بينما تبقى الجهود الرامية إلى منع اختفاء هذه الطيور من سمائنا بعيدة تماماً عن المستوى المطلوب».

ووصف تقرير «حالة الطبيعة 2023» المملكة المتحدة بأنها «واحدة من أكثر الدول استنزافاً للطبيعة على وجه الأرض»، مشيراً إلى الانهيار الحاد في أعداد الطيور البرية منذ سبعينات القرن الماضي.

كما أظهر تحليل الجمعية أنّ استخدام كلمة «مرج» في أسماء الشوارع زاد بنسبة 34 في المائة، في حين اختفت 97 في المائة من المروج البرّية منذ الثلاثينات. ودعت الجمعية الحكومة إلى تعزيز جهود حماية الطبيعة، مع دخول مشروع قانون التخطيط والبنية التحتية في إنجلترا مراحله النهائية.

كانت الحكومة قد تراجعت في أكتوبر (تشرين الأول) عن دعم تعديل يُلزم بتركيب «طوب السمامات» في كلّ منزل جديد، رغم أنّ أسماء الشوارع المرتبطة بالسمامات ارتفعت بنسبة 58 في المائة.

وأكدت الجمعية أنه من «الممكن والضروري» تبنّي نظام تخطيط عمراني يُسهم في استعادة البيئة الطبيعية، مستشهدةً ببحث صادر عن مؤسّسة «مور إن كومون» يفيد بأنّ 20 في المائة فقط من البريطانيين يرون أنه ينبغي خفض المعايير البيئية لتشييد مزيد من المنازل.

من جانبه، قال مؤلّف كتاب «ليا الوقواق» عن تاريخ الطيور في أسماء الأماكن البريطانية، مايكل وارن، إنّ البريطانيين «يعشقون أسماء الطبيعة، ويعرف المطوّرون ذلك جيداً». لكنه أوضح أنّ رواج أسماء الطيور في المشروعات السكنية الجديدة «يخفي انفصالاً عميقاً يعانيه كثيرون عن الطبيعة، ويعطي انطباعاً مضلّلاً بأنّ كلّ شيء على ما يرام».

وأشار وارن إلى أنّ أسماء الأماكن كانت سابقاً تعكس الواقع البيئي، أما الأسماء الحديثة فهي «في أفضل الأحوال جميلة المظهر، لكنها في الحقيقة وسيلة خادعة ورخيصة وسهلة لخلق إيحاء بمعالجة تدهور الطبيعة من دون القيام بأيّ تحرّك فعلي».

وختمت سبيت: «يستحق الناس أن يستمتعوا بصوت العندليب في ذروة غنائه، أو بصيحات السمامات وهي تحلّق فوق رؤوسهم، بدلاً من العيش في شوارع صامتة تحمل أسماء ساخرة».


علي الكلثمي... المخرج السعودي الذي صاغ من السخرية رؤية سينمائية

علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)
علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)
TT

علي الكلثمي... المخرج السعودي الذي صاغ من السخرية رؤية سينمائية

علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)
علي الكلثمي شارك تفاصيل منهجه الإخراجي ورحلته داخل الصناعة السعودية (البحر الأحمر)

للمخرج السعودي علي الكلثمي أسلوب ساخر لا ينفصل عن شخصيته، ولا عن أعماله، ولا حتى عن طريقته في مقاربة أكثر الأسئلة الفنّية جدّية. بدا ذلك واضحاً في حديثه على المسرح خلال الجلسة الحوارية التي تناولت تجربته في مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، في مزيج بين الخفّة والعمق، وبين اللعب والملاحظة الحادّة، ما يجعله قادراً على قول أكثر الأفكار تعقيداً بأبسط المفردات وأكثرها تلقائية.

الجلسة، التي بيعت تذاكرها بالكامل، وشهدت حضوراً كثيفاً من المهتمّين، لم تكن مجرّد لقاء عابر؛ إذ بدا واضحاً أنّ تجربة الكلثمي باتت اليوم محطَّ متابعة عربية وخليجية، مع حضور لافت لجمهور من الكويت وعُمان ودول أخرى. فهو يُعد أحد أبرز الأصوات التي خرجت من فضاء «يوتيوب» في السعودية، وبدأ رحلته السينمائية عبر الفيلم القصير «وسطي» عام 2016، كما يُعد أحد المساهمين في نقل السينما المحلّية إلى مرحلة جديدة من خلال فيلمه الطويل «مندوب الليل» الذي حصد جوائز عدّة.

من السخرية إلى المنهج

وحملت الجلسة كثيراً من الجدّية في التفاصيل التي قدَّمها الكلثمي عن عمله مع الممثلين. وكان لافتاً أنه بدأ إحدى إجاباته بنصيحة غير معتادة: «أنصح كلّ الخرّيجين أن يُجرّبوا التمثيل ولو في ورشة قصيرة. التجربة تُغيّر فهمك للممثل تماماً!». هذه الجملة وحدها كانت كافية لفتح باب واسع حول علاقته بالممثلين، وكيف أسهمت تجربته القصيرة في التمثيل، التي وصفها بـ«الكراش كورس»، في تغيير طريقته في التعامل مع الممثل أمام الكاميرا.

يرى الكلثمي أنّ الممثل لحظة وصوله إلى موقع التصوير يكون «مكشوفاً بالكامل». هذه النظرة العميقة لطبيعة الوقوف أمام الكاميرا جعلته يؤمن بأنّ المخرج لا يمكنه قيادة الأداء من دون أن يكون قادراً على الشعور بذلك الخوف الإنساني الخام. لذلك، فإنّ أول ما يمنحه للممثل ليس التوجيه، بل الثقة. يضيف: «أول ما يحتاج إليه هو أن يشعر أنك لن تحاكمه. أنك شبكة الأمان التي تحميه حين يُغامر».

علي الكلثمي على السجادة الحمراء في المهرجان (البحر الأحمر)

يُصرّ الكلثمي على أنّ العمل الجوهري لا يتم في موقع التصوير، بل قبله. وهي فكرة تُشكّل أحد أعمدة منهجه الإخراجي. وقدَّم مثالاً على ذلك من خلال علاقته المهنية الطويلة مع الممثل محمد الدوخي (بطل «مندوب الليل»)، التي تمتد لسنوات.

في التحضير للشخصيات، كانا يستحضران أشخاصاً من الماضي، ويقولان: «تتذكر فلان؟ هذا ظله... طيف منه». هنا يظهر الجانب الإنساني عند الكلثمي، الذي يرى في التفاصيل الصغيرة والعلاقات العابرة مادة حقيقية لبناء الشخصية. فليست الحكايات الكبيرة ما تصنع صدق الأداء، بل هشاشة التفاصيل التي لا ينتبه لها أحد.

ويتعمَّق هذا المنهج عبر أداة إضافية يستخدمها تحت إطار البحث عن تفاصيل الشخصية. فهو يرى أنّ الممثل مُطالب بمعرفة دفاتر الشخصية، وكتاباتها، وطريقة تفكيرها، وحتى ما يمكن أن تستمع إليه في عزلتها. ليس ذلك بهدف خلق صورة مُكتملة، بل بهدف فتح مسارات داخلية تُساعد الممثل على الوصول إلى جوهر الشخصية.

النصّ بصوت المُخرج

ومن أكثر جوانب الجلسة إثارة للانتباه، اعتراف الكلثمي بأنه يحب أن يقرأ النصّ للممثل بعد أن ينتهي الأخير من قراءته. ورغم أنه يصرّ على أن ذلك ليس لتلقينه الأداء، فإنه يراه «نافذة إضافية» تمنح الممثل فرصة للدخول إلى العالم الداخلي للشخصية. يقول: «أقرأ النص بصوتي، وأمثّل الشخصية أمامه، ليس لأريه كيف يؤدّي، بل لأفتح له نافذة يُطل من خلالها على عالم الشخصية».

هذا النهج، الذي يجمع بين الحسّ التمثيلي والقدرة على الإصغاء، يعكس رؤية الكلثمي لموقعه في الصناعة، كما ظهر بوضوح في الجلسة التي امتدَّت لنحو ساعة، وحاوره فيها الصحافي أحمد العياد. فهو لا يضع نفسه في موضع السلطة، بل في موضع الشريك الذي يُمهّد للممثل الطريق بدل أن يفرض عليه مساراً واحداً.

من «يوتيوب» إلى السينما

الحضور الواسع للكلثمي في الجلسة يعكس مساراً غير تقليدي في السينما السعودية. فالمخرج الذي خرج من عباءة المحتوى الرقمي لا يحمل عقدة الانتقال إلى السينما، ولا يضع بينهما طبقية، بل يرى أنّ لكل وسيط لغته وجمهوره، والفنان الحقيقي لا ينتمي إلى منصة بقدر ما ينتمي إلى صدق التجربة. وقد بدا هذا المبدأ حاضراً في ردوده، وفي التواضع الذي يتعامل به مع مشواره، سواء في البدايات مع «وسطي»، أو في نجاحات «مندوب الليل» التي نقلته إلى دائرة الضوء السينمائية.

لم تكن الجلسة مجرّد استعراض لسيرة مخرج شاب، وإنما درس في فَهْم الممثل، وفي التحضير، وفي الدور الذي يمكن أن يلعبه التعاون في رفع جودة صناعة كاملة. وربما كانت أيضاً نافذة إلى روح الكلثمي نفسه: فنان يسخر من كلّ شيء، لكنه لا يسخر من الفنّ.