«تريو جبران» يستقي من ذكرياته مع محمود درويش ليكمل الطريق

سمير جبران لـ«الشرق الأوسط»: نصطاد المنابر اصطياداً لنرفع صوت فلسطين

«تريو جبران» مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش في كواليس إحدى الأمسيات التي جمعتهم (إدارة أعمال الفرقة)
«تريو جبران» مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش في كواليس إحدى الأمسيات التي جمعتهم (إدارة أعمال الفرقة)
TT

«تريو جبران» يستقي من ذكرياته مع محمود درويش ليكمل الطريق

«تريو جبران» مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش في كواليس إحدى الأمسيات التي جمعتهم (إدارة أعمال الفرقة)
«تريو جبران» مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش في كواليس إحدى الأمسيات التي جمعتهم (إدارة أعمال الفرقة)

يتزامن مرور 20 سنة على ولادة «تريو جبران»، مع اهتزاز الأرض التي انطلقت منها الفرقة إلى العالم. خشبُ أعواد الإخوة جبران الثلاثة من فلسطين، كذلك روحُ موسيقاهم. لا يحضر اللحن إن لم يحلّق طيف محمود درويش في البال، وإن لم تتراقص قصيدتُه على أوتار العود.

يجلس الأخ الأكبر سمير جبران في منزله في رام الله. يعدّ الأيام التي انقضت ثقيلةً ومؤلمة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. لا تخفّف من وطأة الوقت والمأساة، سوى مجموعة حفلات يحييها ثلاثيّ العود الفلسطيني ويروح ريعها لغزّة وأهلها المنكوبين، بالتعاون مع الهلال الأحمر الفلسطيني.

يحتفل «تريو جبران» بمرور 20 سنة على انطلاقته كثلاثيّ مؤلّف من 3 أشقّاء يعزفون العود (إدارة أعمال الفرقة)

خطبة الهنديّ الأحمر

«مع إلغاء عدد كبير من عروضنا في أوروبا، بسبب التشويه الذي تعرّض له الفلسطينيون حول العالم بعد 7 أكتوبر، صرنا نصطاد المنابر اصطياداً»، يخبر جبران «الشرق الأوسط». بين إسطنبول وسلطنة عُمان، وصولاً إلى لندن وهولندا، حمل الإخوة أعوادهم والقضيّة.

«وُلدنا هنا بين ماءٍ ونار ونولدُ ثانيةً في الغيوم على حافّة الساحل اللازورديّ بعد القيامة... عمّا قليل

فلا تقتل العشب أكثر، للعشب روحٌ يدافع فينا عن الروح في الأرض».

يعلن صوت درويش، وهو يلقي «خطبة الهنديّ الأحمر»، انتهاءَ دقيقة الصمت عن أرواح مَن سقطوا، وانطلاقَ العرض الموسيقيّ. بين معزوفةٍ وأخرى، مساحةٌ للتصفيق والهتاف، ثمّ سكوتٌ تُسمع فيه الدموع والغصّات. يشرح سمير جبران أن حفلات ما بعد الحرب على غزّة، لا تشبه أياً ممّا سبقها. «الصبغة العامة للحفل على درجة عالية من الحساسية. إضافةً إلى المقطوعات التي جرى تأليفها على إثر المجزرة الحاصلة، يتنوّع نبض العرض ما بين لحظاتٍ من الذروة الطربيّة ووقفاتٍ مع الصمت القاتل».

يؤكد سمير جبران أنّ حفلات ما بعد الحرب على غزّة لا تشبه بشيء كل ما سبقها (إنستغرام)

على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة

رغم أنّ الجمهور بمعظمه من الأوروبيين الذين يستمتعون بموسيقى «تريو جبران» الشرقيّة، فإنّ الغصّة واحدة وهي تتناهى إلى مسامع سمير وأخوَيه وسام وعدنان. وقبل أن يُسدَل الستار، يعود صوت محمود درويش ليصدح: «على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة».

هي نوطة أمل استقى منها الإخوة جبران طاقةً للعودة إلى المسرح بعد إحباط الأسابيع الأولى من الحرب. في السياق، يخبر سمير الذي عايشَ الانتفاضة الأولى، وعاينَ الثانية عن قُرب من داخل منزله في رام الله: «قبل أن يقصف الطيران الإسرائيلي محيط بيتي خلال الانتفاضة الثانية، كنت أقول إن الموسيقى سلاح. أما عندما نزلت قنبلة ضخمة قرب رأسي، فتساءلتُ ساخراً ما إذا كان يجب أن أخرج مع عودي وأدندن للطائرة».

لكن بعد الشعور بالعجز ومعاينة انسداد الأفق واسوِداده، تمسّك «تريو جبران» بفسحة الضوء التي تُسمّى أمل. دفعتهم الرغبة بالمساعدة الاجتماعية والإنسانية خارج منازلهم، وكذلك فعل الإرثُ الذي حمّلهم إياه صديق الرحلة الشاعر الفلسطيني محمود درويش.

تعرّف سمير جبران إلى درويش عام 1996. كان في بداية مشواره الموسيقيّ قبل أن ينضمّ إليه شقيقاه عام 2004. تردّدَ الشاعر حينذاك في أن يشاركه الشابّ اليافع عزفاً على العود، إلى درجة التهديد بإنزاله عن المسرح. على الخشبة الفرنسية ذاتها، التقيا بعد 12 عاماً وكانت قد نبتت بينهما صداقة متينة، أثمرت 32 أمسية جالت فيها أعواد الإخوة جبران مع أبيات درويش حول العالم.

جمعت 32 أمسية محمود درويش و«تريو جبران» حتى وفاته عام 2008 (إنستغرام)

لا مصدر إلهام سوى درويش

يجزم المؤلّف الموسيقي والعازف أنّ مقطوعات الفرقة كافةً مستوحاة من شعر درويش حصراً. «20 سنة لم نعثر خلالها على مصدر إلهام آخر»، يؤكد جبران. فشعرُ درويش فيه ما يكفي من الإيقاعات المتجدّدة كي يُعادَ اكتشافُه يومياً، وفق الفنان الفلسطيني الذي يمضي 10 ساعات مع درويش في اليوم الواحد، ما بين قراءاتٍ وذكريات. «أنا مسكون بمحمود درويش وهو توأم مشروعنا الموسيقي».

في حضرة غيابه، يواصل «تريو جبران» الدرب. هم حتماً ليسوا أوّل ولا آخر من استلهمَ شعره ليصنعوا فناً. وعندما يُسأل سمير جبران عمّا يميّز قصيدة درويش بقالب «التريو»، يستعير من نظريّةٍ شاركه إياها الشاعر ليجيب: «حين ينسكب اللحن فوق الكلمات يسجن حرّيّتها، فيما الموسيقى الآليّة قابلة للتأويل مثلها مثل جماليّة الشعر». ثمّ أوصاه في ذلك اليوم من عام 2006: «لا تلحّن لي بل دع موسيقاك مرادفة لكلماتي، حتى يكون الاثنان قابلَين للتأويل وللتحرّر».

كل المقطوعات الموسيقية التي ألّفها «تريو جبران» مستوحاة من شعر درويش (إدارة أعمال الفرقة)

«تَشاركنا الحياة والسفر والطعام والضحك والوقفة أمام الجمهور»، هكذا يتذكّر جبران الشاعرَ الذي كان يتحوّل «مغنياً على المسرح، وصاحبَ نكتةٍ ساخرة في جلساته الخاصة». يرى نفسه محظوظاً بكنز السنوات الـ12 إلى جانبه، هو الذي أمضى طفولته محاطاً بعمالقة الأدب الفلسطيني أمثال إميل حبيبي وتوفيق زيّاد وسميح القاسم.

قبل 25 يوماً على توقّف قلب درويش عن الخفقان في 9 أغسطس (آب) 2008، جمعته الحفلة الأخيرة بالتريو جنوبي فرنسا. يعود المشهد إلى ذاكرة سمير جبران: «قبل الصعود إلى المسرح بدقائق، كان متوتراً فاستعار سيجارتي، مع أنه كان قد توقّف عن التدخين قبل سنوات». أما في نهاية الأمسية وعشيّة سفره إلى الولايات المتحدة للخضوع لجراحة القلب، فوقف الشاعر والثلاثيّ لتحيّة الجمهور. همس سمير في أذنه: «استمتع بحبّهم لك»، فأجابه درويش: «نيّالك... أنت المستقبل قدّامك، أنا صار المستقبل وراي».

يقيم سمير جبران في رام الله أما شقيقاه وسام وعدنان ففي كلٍ من لندن وباريس (إنستغرام)

كما في حضوره كذلك في غيابه، تتنفّس موسيقى «تريو جبران» قصيدة درويش. يعيد الإخوة نسج روحه في «مخاضٍ مشترك لا يخلو من الخصام الفني الذي قد يمتدّ شهوراً، بسبب تفصيل صغير لم يكن محطّ إجماع». ليس من السهل أن تتلاقى الأمزجة، والتنازلات تصير أكثر صعوبةً بين الأشقّاء بما أنّهم متساوون. إلّا أن السجالات لا تُفسد قضية «تريو جبران» الفنية والوطنيّة. فها هم يستعدّون لحفلٍ في سويسرا على اسم غزّة، ولعملٍ ضخم يحتفي بعامهم العشرين في قاعة «فيلهارموني باريس» نهاية السنة.


مقالات ذات صلة

«هيئة الموسيقى» السعودية تطلق أول برنامج من نوعه لـ«تعليم البيانو»

يوميات الشرق يقدم البرنامج دروساً فردية وصفوفاً جماعية وتدريبات عملية بإشراف أكاديمي (الشرق الأوسط)

«هيئة الموسيقى» السعودية تطلق أول برنامج من نوعه لـ«تعليم البيانو»

أعلنت هيئة الموسيقى في السعودية، الاثنين، إطلاق البرنامج الصيفي الأول من نوعه في البلاد لتعليم البيانو، الذي يهدف إلى تطوير مهارات المشاركين التقنية والفنية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
خاص الموسيقار المصري الراحل كمال الطويل (الشرق الأوسط)

خاص نجل كمال الطويل: نحتفظ بألحان نادرة تحتاج أصواتاً قوية

قال الملحن زياد الطويل إن والده لم ينل التكريم والتقدير الذي يستحقه حتى الآن

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق ليلة طربية خارجة عن المألوف تنتظر جمهور مهرجانات بيت الدين (الجهة المنظّمة)

«ديوانية حب»... ليالي الأنس في بيت الدين

رغم الأجواء المشحونة في المنطقة، الاستعدادات متواصلة لافتتاح مهرجانات بيت الدين. وقفة مع إحدى محطاته الأساسية «ديوانية حب».

كريستين حبيب (بيروت)
الوتر السادس الفنانة مروة ناجي أوضحت أنها صوّرت 4 أغنيات من ألبومها الجديد (حسابها على {فيسبوك})

مروة ناجي: سعيت للتمرد على الأغاني التراثية... لكنني تراجعت

وصفت المطربة المصرية مروة ناجي تقديمها أغنيات «كوكب الشرق» أم كلثوم في حفلات عدة بأنه «شرف كبير ومسؤولية أكبر»

أحمد عدلي (القاهرة)
الوتر السادس تحضّر لعمل جديد من ألحان وكلمات نبيل خوري (تانيا قسيس)

تانيا قسيس لـ«الشرق الأوسط»: أسير اليوم في طريق الحب... وأبدأه من نفسي

في أغنيتها الجديدة «خلّيني معاك» تنثر تانيا قسيس الفرح والطاقة الإيجابية. فتعكس جانباً من شخصيتها التي أبقتها بعيدة عن جمهورها بفعل أسلوب غنائي طبعها بالجدّية

فيفيان حداد (بيروت)

حفل «هولوغرامي» كامل العدد لـ«العندليب» بالمغرب رغم الأزمات

الفنان الراحل عبد الحليم حافظ (فيسبوك)
الفنان الراحل عبد الحليم حافظ (فيسبوك)
TT

حفل «هولوغرامي» كامل العدد لـ«العندليب» بالمغرب رغم الأزمات

الفنان الراحل عبد الحليم حافظ (فيسبوك)
الفنان الراحل عبد الحليم حافظ (فيسبوك)

استعان مهرجان «موازين»، في دورته الـ 20 والتي تقام فعالياتها حالياً في العاصمة المغربية الرباط، بشخص شبيه للفنان الراحل عبد الحليم حافظ، ليجسد صورته «الهولوغرامية»، مع الاستعانة بصوته الأصلي لتقديم عدد من أغنياته، التي تعود ملكيتها للمنتج محسن جابر، وذلك لتجاوز الأزمة التي نشبت قبل الحفل بين ورثة العندليب وإدارة المهرجان.

وخرج الحفل «الهولوغرامي»، الذي أقيم على خشبة «المسرح الوطني... محمد الخامس» للنور، ورفع شعار «كامل العدد»، حسب إدارة المهرجان، بعد أزمة كبيرة دارت خلال الأيام الماضية بين ورثة العندليب، وإدارة مهرجان «موازين»، التي استعانت بشركة أخرى غير التي تتعاون مع الورثة، نظراً لأنها ليست شركة مغربية خالصة، وفق بيان للمهرجان.

جانب من حفل العندليب الهولوغرامي في «موازين» (إدارة المهرجان)

الحفل الذي رفع شعار «كامل العدد»، حضره نخبة من الشخصيات الرسمية، وفق بيان المهرجان، الذي أكد أن كل ما نشر عن إلغائه أو منعه لا يمت للحقيقة بصلة، وكان الغرض منه إثارة الجدل فقط، وأنه أُقيم بشكل قانوني، بعد حصولهم والشركة المنظمة على جميع التصريحات الرسمية من المنتج محسن جابر، صاحب الحقوق الحصرية لأرشيف عبد الحليم.

وتعليقاً على الحضور اللافت للحفل، «الهولوغرامي»، من جميع المراحل العمرية، حسب البيان، وبعيداً عن أزمة «الملكية الفكرية»، يرى نقاد أن الحنين للكلمة واللحن، وحضور أحد نجوم «الزمن الجميل»، مجدداً هو أساس جماهيرية هذه الحفلات.

الناقد الموسيقي المصري محمد شميس يرى أن هذا النوع من الحفلات الغنائية ينعش الحنين لمطرب تابعه جمهوره، وارتبطوا بأعماله وأغنياته على الشاشة، لافتاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن رؤيته مجدداً على المسرح عن طريق هذه التقنية والتفاعل معه، أمر رائع وشعور جيد، لذلك تحظى هذه الحفلات غالباً بحضور، خصوصاً إذا كانت لمطرب له جماهيرية طاغية.

الملصق الترويجي للحفل الهولوغرامي للعندليب عبد الحليم حافظ (حساب المهرجان بـ فيسبوك)

وافتتح الحفل، بأغنية «الماء والخضرة والوجه الحسن»، التي قدمها عبد الحليم خصيصاً للمملكة المغربية، كما استمع الجمهور خلال الحفل لباقة من أغنيات «العندليب» الشهيرة من بينها، «أول مرة تحب يا قلبي»، و«بلاش عتاب»، و«أسمر يا أسمراني»، و«جبار»، و«بتلوموني ليه»، و«جانا الهوا»، و«حبك نار»، و«سواح».

ورغم شعار «كامل العدد»، الذي رفعه الحفل، وفق إدارة المهرجان، لكن حساب «عبد الحليم»، بـ«فيسبوك»، وصفه بأنه «مهزلة وفضيحة كبري، ومثير للاشمئزاز»، حيث ظهر حليم بشكل كارتوني مضحك، حسبما كتبت الصفحة، واستكمل الحساب الذي يدار بمعرفة «ورثة» العندليب، بأن «الحفل سيكون سقطة في حق المهرجان».

وبدأت أزمة الحفل التي أثيرت خلال الأيام الماضية، عقب إعلان صفحات المهرجان «السوشيالية»، عن إقامته، الأمر الذي أثار حفيظة أسرة العندليب، والتي أعلنت عبر بيان صحافي، أنها ستقوم بمقاضاة القائمين على المهرجان، والشركة المنفذة للحفل، لعدم التواصل أو الاتفاق معهم بشأن استخدام اسم أو صورة عبد الحليم.

جانب من حفل العندليب الهولوغرامي في «موازين» (إدارة المهرجان)

ويقول الناقد الموسيقي المصري أمجد مصطفى: «إن هذا النوع من الحفلات يحظى بحضور كبير، نظراً للحنين الجارف لهؤلاء النجوم، وأعمالهم التي أثرت الساحة الفنية»، وأوضح مصطفى لـ«الشرق الأوسط»، أن إقامة هذه الحفلات في إطار منظم وعدم الإساءة لاسم النجم وشكله، أمر رائع ومتاح لتوثيق حضورهم مجدداً، كي تتعرف عليهم الأجيال الحالية.

وأكد مصطفى أن من حق «ورثة»، عبد الحليم، الاعتراض على إقامة الحفل إذا كان يسيء له، لكن خلاف ذلك فوجود اسمه، وغيره من النجوم بأعمالهم في حفلات وأعمال درامية أيضاً، أمر مهم للتوثيق الفني.

لم يكن حفل «العندليب»، الهولوغرامي، الأول من نوعه خلال مهرجان «موازين»، فقد تم استخدام التقنية نفسها، العام الماضي، في حفلين سابقين لـ«أم كلثوم»، وفق إدارة المهرجان.

الناقد الفني المصري محمد شوقي أكد أن نجاح هذه الحفلات يعود لكون الأغنيات التي تقدم بها تحمل مشاعر وأحاسيس ومعاني افتقدناها بشكل كبير في الإنتاجات الفنية الحالية، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذه الحفلات تعد فرصة جيدة للتحليق في سماء الفن، وظاهرة صحية نتيجة الظروف القاسية التي نعيشها».

وقدم عبد الحليم حافظ عدداً كبيراً من الأفلام العربية، التي اتسمت بالطابع الغنائي من بينها، «لحن الوفاء»، و«أيامنا الحلوة»، و«موعد غرام»، و«دليلة»، و«الوسادة الخالية»، و«شارع الحب»، و«يوم من عمري»، و«الخطايا»، «أبي فوق الشجرة»... وغيرها.