نقمة الغربة... في مسلسل من بطولة نيكول كيدمان

ملصق مسلسل «Expats» الذي تعرضه منصة «برايم فيديو»
ملصق مسلسل «Expats» الذي تعرضه منصة «برايم فيديو»
TT

نقمة الغربة... في مسلسل من بطولة نيكول كيدمان

ملصق مسلسل «Expats» الذي تعرضه منصة «برايم فيديو»
ملصق مسلسل «Expats» الذي تعرضه منصة «برايم فيديو»

للوهلة الأولى، قد يبدو مسلسل «Expats (مغتربون)»، الذي تعرضه منصة «برايم فيديو»، بطيئاً إلى حدّ الملل. يجوز أن تُطلَق عليه صفات «داكن»، و«غامض»، و«معقّد»، لكنّ المؤكّد أنّه يعرض لدراما إنسانية عميقة.

في الظاهر، هي حكاية عائلة تاهَ طفلها في شوارع هونغ كونغ المكتظّة واختفى أثره، أما في الواقع فهي سرديّة تضع مجموعة من الثيمات الشائكة تحت المجهر؛ من الفراق، إلى العلاقات البشريّة، مروراً بالطمع، والطبقيّة والعنصريّة. لن يتابع المُشاهد بحثاً مثيراً عن ولدٍ ضائع، بل يوميّاتِ أشخاصٍ يحاولون إيجادَ ذواتهم داخل هذه المتاهة التي تُسمّى «حياة».

أبرز عناصر القوّة التي بُنيَ عليها المسلسل القصير (6 حلقات)، هو شخصُ الممثلة نيكول كيدمان بدور مارغريت. لا زميل في المسلسل ينافسها شهرةً، إلّا أنّ عدداً كبيراً منهم ورغم كونهم أسماءً مغمورة، يقدّمون أداءً يوازي أداء كيدمان احترافاً بل يكاد يتفوّق عليه.

بين خطّين زمنيَّين، تسير السرديّة؛ ما قبل اختفاء ابن مارغريت وما بعده. أما الشخصيات الأساسية فهي ثلاث نساء ذوات مصائر مترابطة. الأميركية مارغريت، التي تركت بيتها ووظيفتها في نيويورك؛ لتلحق مع أولادها الثلاثة بزوجها إلى هونغ كونغ حيث وظيفته. جارتُها الهندية - الأميركية هيلاري، التي تصارع من أجل الحفاظ على بيتها الزوجيّ المتهاوي. والشابة الكورية - الأميركية ميرسي التي فشلت في امتحانها مربّيةً، فأضاعت طفل مارغريت بين الحشود ليلاً في سوق مكتظّة في هونغ كونغ.

كيدمان تتوسّط الممثلتَين سارايو بلو بدور هيلاري وجي يونغ يو بدور ميرسي (إنستغرام)

قبل فقدانها طفلها، تعيش مارغريت برفاهيّة، فتتنقّل وزوجها من حفلة إلى سهرة. على متن يخت، تتعرّف إلى ميرسي الشابة الباحثة عن عمل، التي، بهفوةٍ منها، غيّرت قدر العائلة. أما الجارة هيلاري وهي صديقة مارغريت، فتتظاهر بأن كل شيء على ما يرام بينها وبين زوجها ديفيد. إلا أن حادثة الاختفاء تأتي لتفضح المستور.

تتوتّر العلاقة بين هيلاري ومارغريت بعد أن تتّهم الأخيرة زوج صديقتها باحتمال تورّطه في خطف الولد. في الأثناء، تنشأ علاقة سرّية بين ميرسي وديفيد الذي فقد الأمل بأن تنجب له هيلاري طفلاً. أما كلارك والد الطفل المخطوف، فيتحمّل هستيريا زوجته بصبر وبرودة أعصاب.

الشابة الكورية - الأميركية ميرسي وبهفوة منها تغيّر قدر عائلة بكاملها (إنستغرام)

مُشاهدة الحلقات الـ6 بحاجة هي الأخرى إلى صبر وبرودة أعصاب، إذ يغرق المسلسل في التطويل والصمت المزعجَين في بعض الأحيان. ثمّ يأتي تصاعدُ الغضب البشريّ المكبوت، لينفجر ضمن حواراتٍ على قدرٍ عالٍ من المصارَحة والصدق العاري من التجميل والمجاملات.

عندما يتعطّل المصعد بهيلاري ووالدتها وإحدى قاطنات المبنى، تتحوّل اللحظة إلى طوفان حقائق وعتب حول ماضي الأمّ وابنتها الأليم. وفي مشهدٍ آخر، تُلقي مارغريت بثقل تراجيديا طفلها على زوجها، محمّلةً إياه مسؤولية خسارة عملها والانتقال إلى هونغ كونغ الذي كلّفهما خسارة الولد. يعاين المسلسل العلاقات الإنسانية بما فيها من هشاشة وقسوة، ويفرد مساحةً واسعة لأصوات النساء كي ترتفع وتعبّر عن كل ما يؤلمها بعيداً عن الأوهام.

تتدهور صداقة الجارتَين مارغريت وهيلاري بعد فقدان الطفل (إنستغرام)

يمكن القول إنه مسلسل أنثويّ، فهو أوّلاً مقتبس عن رواية كتبتها امرأة وهي جانيس لي، ثم إنّ سيّدة تولّت إخراجه. هذا إضافةً إلى المروحة الواسعة من الشخصيات النسائية التي تتصدّره. ولكلٍ من أولئك كلمة تقولها. في وقتٍ من المتعارف عليه أن تصمت المرأة عمّا يزعجها وتتماسك لما فيه مصلحة بيتها وعائلتها، تتخفّف نساء «Expats» تدريجياً ممّا يثقل أكتافهنّ. يرفضن التظاهر بأنّهن على ما يرام، وينفضن كل القهر الذي خبّأنه تحت البساط.

رغم المشاهد البطيئة والحوارات المطوّلة، فإن العين لا تُصاب بالملل، فأسلوب التصوير الذي اعتمدته المخرجة الصينية - الأميركية لولو وانغ رشيقٌ وأنيق. من صالونات شقق هونغ كونغ وغرف فنادقها الفخمة، إلى أزقّتها الشعبيّة ومنازل الفقراء، تبدو رحلة الهبوط من القمّة إلى القعر ممتعة بعدسة وانغ.

رغم بعض المشاهد الطويلة والبطيئة فإن العين لا تصاب بالملل (برايم فيديو)

صحيح أنها دراما تدور حول حياة الأثرياء، إلّا أن الحلقة الخامسة تتمايز عن سابقاتها، إلى درجة أنها قد تبدو طالعة من مسلسل آخر. تمتدّ لساعة ونصف الساعة من الوقت، وتُلقي بأسلوبٍ مؤثّرٍ الضوء على شخصيات تحرّكت في الظلّ سابقاً. قد يتساءل المُشاهد: «من أين أتى هؤلاء؟ ولماذا تراجعت مارغريت وهيلاري وميرسي إلى الخلفيّة؟».

لكن سرعان ما يتّضح أن حكايات هؤلاء على قدرِ أهمية حكايات البطلات، فالجميع متساوٍ أمام الأسى والغربة. في الحلقة الخامسة، تتبدّل الأدوار فتحتلّ الخادمات صدارة الصوت والصورة. تُكرَّس المَشاهد ليوميّاتهن وأحلامهنّ وأخبار عائلاتهنّ التي هجرنها بحثاً عن لقمة العيش. لإيسي، خادمة مارغريت وعائلتها، ابنٌ وحفيدٌ ينتظران عودتها إلى الفلبين. أمّا لبوري، العاملة في منزل هيلاري وديفيد، فصوتٌ جميل تحلم بأن يقودها إلى النجوميّة والثراء.

تخرج الحلقة الخامسة عن السياق لتتصدّر الخادمات المشهد (إنستغرام)

تحتدم المواجهة الطبقيّة الصامتة هنا مدعومةً بأداءٍ واقعيّ. أما الخلفيّة التاريخية فهي «ثورة المظلّات» التي شهدتها هونغ كونغ عام 2014. فيما كان المتظاهرون الشباب يطالبون تحت الأمطار الغزيرة بالتخفيف من سطوة الصين على بلدهم الصغير، كانت الخادمات يحلمن بالتحرّر من قبضة أسيادهنّ واستغلالهم العاطفيّ لهنّ. نرى المدينة بعيونهنّ، يجلسن تحت جسورها وسط تجمّعات للخادمات المغتربات، يغنّين ويلعبن الورق ويركضن تحت المطر، يثرثرن على أسيادهنّ، ويتناولن الحلوى في المطاعم الرخيصة.

تحلم الخادمات بالتحرّر من استغلال أسيادهم العاطفي لهنّ (إنستغرام)

في المشهد الأوّل من المسلسل، يُسمَع صوت ميرسي وهي تقول: «ما عدت أريد أن أعرف حكايات الضحايا، بل أريد التعرّف إلى الأشخاص الذين تسبّبوا بالتراجيديا». أرادت ميرسي أن تحكي قصتها، هي التي تصف نفسها بالملعونة المسؤولة عن فقدان طفل. لكن مع مرور الحلقات، يتّضح أن الحكاية هي صراع ضحايا وجلّادين يتبادلون الأدوار، ويفاقمون شعور الغربة لدى بعضهم بعضاً.


مقالات ذات صلة

«العلاقات المشوهة» تجلب الانتقادات لصناع «وتر حساس» في مصر

يوميات الشرق لقطة من مسلسل «وتر حساس» (حساب صبا مبارك على «إنستغرام»)

«العلاقات المشوهة» تجلب الانتقادات لصناع «وتر حساس» في مصر

تعرَّضت بطلات المسلسل المصري «وتر حساس»، الذي يُعرَض حالياً، لانتقادات على «السوشيال ميديا»؛ بسبب ما وصفها البعض بـ«علاقات مشوهة».

نادية عبد الحليم (القاهرة )
يوميات الشرق لقطة من مسلسل «رقم سري» (الشركة المنتجة)

«رقم سري» يناقش «الوجه المخيف» للتكنولوجيا

حظي مسلسل «رقم سري» الذي ينتمي إلى نوعية دراما الغموض والتشويق بتفاعل لافت عبر منصات التواصل الاجتماعي.

رشا أحمد (القاهرة )
يوميات الشرق زكي من أبرز نجوم السينما المصرية (أرشيفية)

مصر: تجدد الجدل بشأن مقتنيات أحمد زكي

تجدد الجدل بشأن مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، بعد تصريحات منسوبة لمنى عطية الأخت غير الشقيقة لـ«النمر الأسود».

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق تجسّد شخصية «دونا» في «العميل» (دانا الحلبي)

دانا الحلبي لـ«الشرق الأوسط»: لو طلب مني مشهد واحد مع أيمن زيدان لوافقت

تُعدّ تعاونها إلى جانب أيمن زيدان إضافة كبيرة إلى مشوارها الفني، وتقول إنه قامة فنية كبيرة، استفدت كثيراً من خبراته. هو شخص متعاون مع زملائه يدعم من يقف أمامه.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق آسر ياسين وركين سعد في لقطة من المسلسل (الشركة المنتجة)

«نتفليكس» تطلق مسلسل «موعد مع الماضي» في «القاهرة السينمائي»

رحلة غوص يقوم بها بعض أبطال المسلسل المصري «موعد مع الماضي» تتعرض فيها «نادية» التي تقوم بدورها هدى المفتي للغرق، بشكل غامض.

انتصار دردير (القاهرة )

«الفيوم السينمائي» يراهن على «الفنون المعاصرة» والحضور الشبابي

إلهام شاهين خلال التكريم (إدارة المهرجان)
إلهام شاهين خلال التكريم (إدارة المهرجان)
TT

«الفيوم السينمائي» يراهن على «الفنون المعاصرة» والحضور الشبابي

إلهام شاهين خلال التكريم (إدارة المهرجان)
إلهام شاهين خلال التكريم (إدارة المهرجان)

يراهن مهرجان «الفيوم السينمائي الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة» في نسخته الأولى التي انطلقت، الاثنين، وتستمر حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي على الفنون المعاصرة والحضور الشبابي، مع تقديم عدد من العروض في جامعة الفيوم.

وشهد حفل انطلاق المهرجان تكريم الممثلة المصرية إلهام شاهين، والمنتجة التونسية درة بو شوشة، إضافة إلى الممثل المصري حمزة العيلي، مع حضور عدد من الفنانين لدعم المهرجان، الذي استقبل ضيوفه على «سجادة خضراء»، مع اهتمامه وتركيزه على قضايا البيئة.

وتحدثت إلهام شاهين عن تصويرها أكثر من 15 عملاً، بين فيلم ومسلسل، في الفيوم خلال مسيرتها الفنية، مشيدة خلال تصريحات على هامش الافتتاح بإقامة مهرجان سينمائي متخصص في أفلام البيئة بموقع سياحي من الأماكن المتميزة في مصر.

وأبدى محافظ الفيوم، أحمد الأنصاري، سعادته بإطلاق الدورة الأولى من المهرجان، بوصفه حدثاً ثقافياً غير مسبوق بالمحافظة، مؤكداً -في كلمته خلال الافتتاح- أن «إقامة المهرجان تأتي في إطار وضع المحافظة على خريطة الإنتاج الثقافي السينمائي التي تهتم بالبيئة والفنون المعاصرة».

جانب من الحضور خلال حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

وبدأ المهرجان فعالياته الثلاثاء بندوات حول «السينما والبيئة»، ومناقشة التحديات البيئية بين السينما والواقع، عبر استعراض نماذج مصرية وعربية، إضافة إلى فعاليات رسم الفنانين على بحيرة قارون، ضمن حملة التوعية، في حين تتضمن الفعاليات جلسات تفاعلية مع الشباب بجانب فعاليات للحرف اليدوية، ومعرض للفنون البصرية.

ويشهد المهرجان مشاركة 55 فيلماً من 16 دولة، من أصل أكثر من 150 فيلماً تقدمت للمشاركة في الدورة الأولى، في حين يُحتفى بفلسطين ضيف شرف للمهرجان، من خلال إقامة عدة أنشطة وعروض فنية وسينمائية فلسطينية، من بينها فيلم «من المسافة صفر».

وقالت المديرة الفنية للمهرجان، الناقدة ناهد صلاح: «إن اختيارات الأفلام تضمنت مراعاة الأعمال الفنية التي تتطرق لقضايا البيئة والتغيرات المناخية، إضافة إلى ارتباط القضايا البيئية بالجانب الاجتماعي»، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» حرصهم في أن تراعي الاختيارات تيمة المهرجان، بجانب إقامة فعاليات مرتبطة بالفنون المعاصرة ضمن جدول المهرجان.

وأبدى عضو لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة، الناقد السعودي خالد ربيع، حماسه للمشاركة في المهرجان بدورته الأولى، لتخصصه في القضايا البيئية واهتمامه بالفنون المعاصرة، وعَدّ «إدماجها في المهرجانات السينمائية أمراً جديراً بالتقدير، في ظل حرص القائمين على المهرجان على تحقيق أهداف ثقافية تنموية، وليس فقط مجرد عرض أفلام سينمائية».

إلهام شاهين تتوسط عدداً من الحضور في حفل الافتتاح (إدارة المهرجان)

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «تركيز المهرجان على تنمية قدرات الشباب الجامعي، وتنظيم ورش متنوعة لتمكين الشباب سينمائياً أمر يعكس إدراك المهرجان للمسؤولية الثقافية والاجتماعية، التي ستُساعد في دعم المواهب الشبابية في الفيوم»، لافتاً إلى أن «اختيارات لجنة المشاهدة للأفلام المتنافسة على جوائز المهرجان بمسابقاته الرسمية ستجعل هناك منافسة قوية، في ظل جودتها وتميز عناصرها».

يذكر أن 4 أفلام سعودية اختيرت للمنافسة في مسابقتي «الأفلام الطويلة» و«الأفلام القصيرة»؛ حيث يشارك فيلم «طريق الوادي» للمخرج السعودي خالد فهد في مسابقة «الأفلام الطويلة»، في حين تشارك أفلام «ترياق» للمخرج حسن سعيد، و«سليق» من إخراج أفنان باويان، و«حياة مشنية» للمخرج سعد طحيطح في مسابقة «الأفلام القصيرة».

وأكدت المديرة الفنية للمهرجان أن «اختيار الأفلام السعودية للمشاركة جاء لتميزها فنياً ومناسبتها لفكرة المهرجان»، لافتة إلى أن «كل عمل منها جرى اختياره لكونه يناقش قضية مختلفة، خصوصاً فيلم (طريق الوادي) الذي تميز بمستواه الفني المتقن في التنفيذ».