دواء للإدمان علاج آمن لسرطان القولون

سرطان القولون والمستقيم يعد السبب الرئيسي الثاني في العالم للوفيات المرتبطة بالسرطان (جامعة أوتاوا)
سرطان القولون والمستقيم يعد السبب الرئيسي الثاني في العالم للوفيات المرتبطة بالسرطان (جامعة أوتاوا)
TT

دواء للإدمان علاج آمن لسرطان القولون

سرطان القولون والمستقيم يعد السبب الرئيسي الثاني في العالم للوفيات المرتبطة بالسرطان (جامعة أوتاوا)
سرطان القولون والمستقيم يعد السبب الرئيسي الثاني في العالم للوفيات المرتبطة بالسرطان (جامعة أوتاوا)

وجدت دراسة كندية أن دواءً يُستخدم لعلاج الإدمان، يعد وسيلة آمنة للقضاء على الخلايا الجذعية السرطانية في أورام القولون والمستقيم.

وأوضح الباحثون أن دواء «الفانوكسيرين» المُستخدم لعلاج إدمان الكوكايين يقوم بآلية غير متوقعة تماماً في السرطان، ويمهد الطريق لعلاج آمن لسرطان القولون والمستقيم، ونُشرت النتائج، الثلاثاء، في دورية «نيتشر كانسر».

ويُعد سرطان القولون والمستقيم، السبب الرئيسي الثاني في العالم للوفيات المرتبطة بالسرطان، ويطلق عليه عادةً «السرطان الصامت» لأنه لا يسبب أعراضاً خلال المراحل المبكرة.

ونظراً إلى أنه يشخّص بشكل متكرر في مراحل متقدمة عندما تكون خيارات العلاج قليلة، فمن الضروري اكتشاف طرق جديدة للتغلب على خلايا وأورام سرطان القولون والمستقيم.

ونظر الفريق خلال دراسته إلى دواء اختُبر بأمان على المرضى، هو دواء «الفانوكسيرين»، الذي يعمل مثبطَ امتصاص الدوبامين، وهو مادة كيميائية في الدماغ تشارك في أحاسيس المتعة والمكافأة، إذ يثبّط إعادة امتصاص المواد الكيميائية في الدماغ التي ترتبط بالإدمان مثل الأفيونات، وهذا يقلل الرغبة في تعاطي المواد المخدرة.

وبالإضافة إلى تأثيره في علاج الإدمان، لاحظ الباحثون أن «الفانوكسيرين» له تأثير قوي عند تثبيط نشاط الخلايا السرطانية في أنسجة مرضى سرطان القولون، وفي الأورام المزروعة في المختبر.

وأضافوا أن الدواء يتداخل مع البروتين الذي ينقل الدوبامين، ويقمع إنزيماً يُطلَق عليه اسم (G9a) في أورام القولون والمستقيم.

وفي حين أن الوقاية والكشف المبكر لا يزالان أفضل الأسلحة ضد سرطان القولون والمستقيم، فإن هذه النتائج «المقنعة للغاية»، وفق الفريق، قد تمهد الطريق لخيار علاجي جديد وواعد للمرضى الذين يعانون مرضاً متقدماً.

من جانبه، قال الباحث الرئيسي للدراسة بجامعة أوتاوا في كندا، الدكتور يانيك بينوا: إنه جرى تطوير «الفانوكسيرين» في البداية للسيطرة على إدمان الكوكايين عن طريق التدخل في البروتين الذي ينقل الدوبامين، وقد ثبت أن تناوله آمن على المرضى من البشر.

وأضاف أن «الفانوكسيرين» يحجب نفس ناقل الدوبامين في أورام القولون والمستقيم، وهو ما يمثل آلية غير متوقعة في سياق السرطان، إذ إنه يقضي على الخلايا الجذعية السرطانية في أورام القولون والمستقيم دون الإضرار بـالخلايا الجذعية السليمة بالجسم.

وأوضح أن الدراسة أثبتت أيضاً أن الأورام المُعالَجة بـ«الفانوكسيرين» تصبح أكثر عُرضة للهجوم من الجهاز المناعي، وتعد هذه النتيجة مهمة جداً، لأن أورام القولون والمستقيم تميل لإظهار استجابة ضعيفة للعلاج المناعي القياسي.

ورأى بينوا أن تحديد «الفانوكسيرين» على أنه علاج محتمَل مضاد للسرطان يفتح الباب أمام إجراء مزيد من البحوث حول الوجود غير المتوقع لناقل الدوبامين في الخلايا الأكثر عدوانية داخل أورام القولون والمستقيم، وماذا يفعل بالضبط؟ نريد أن نفهم كل شيء عنه في سياق نشأة السرطان، وهذا سيُبقينا مشغولين بالتأكيد لسنوات قادمة.


مقالات ذات صلة

تجارب «مذهلة»... تركيبة دوائية توقف تطور سرطان الرئة لفترة أطول

صحتك الاختراق يأتي وسط «العصر الذهبي» لأبحاث السرطان (رويترز)

تجارب «مذهلة»... تركيبة دوائية توقف تطور سرطان الرئة لفترة أطول

أشاد الأطباء بنتائج التجارب «المذهلة» التي أظهرت أن تركيبة دوائية جديدة أوقفت تقدم سرطان الرئة لوقت أطول بـ40 في المائة من العلاج التقليدي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك سرطان الثدي مرض يتسم بنمو خلايا غير طبيعية في أنسجة الثدي (رويترز)

ارتفاع معدلات سرطان الثدي بين النساء تحت سن الخمسين في أميركا

أظهرت دراسة نُشرَت أن عدد الوفيات بسرطان الثدي تراجع في الولايات المتحدة، رغم الارتفاع الحاد في معدل الإصابة بهذا المرض.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق أمل الموجوعين ومَن أنهكهم مسار علاجهم (رالف الخوري وليا كلاسي)

من باريس إلى بيروت بالدراجة... مرضى السرطان لن يُتركوا لأقدارهم

تنطلق رحلتهما الأحد بإرادة عالية لمجابهة ما قد يطرأ. يشاءان تأمين ثمن دواء واحد في كل كيلومتر يتحقّق. إنهما أمل الموجوعين ومَن أنهكهم مسار علاجهم.

فاطمة عبد الله (بيروت)
صحتك العلاج الجديد يساعد المرضى على العيش لأكثر من 10 سنوات بعد التشخيص (رويترز)

علاج جديد يطيل عمر مرضى سرطان الجلد لأكثر من 10 سنوات بعد التشخيص

توصلت مجموعة من الباحثين إلى علاج جديد لسرطان الجلد يساعد المرضى على العيش لأكثر من 10 سنوات بعد التشخيص.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا أميرة ويلز كيت ميدلتون بعد حفل تتويج الملك تشارلز ملك بريطانيا في لندن ببريطانيا في 6 مايو 2023 (رويترز)

كيت أميرة ويلز تعلن انتهاء برنامج علاجها الكيميائي من السرطان

قالت الأميرة كيت أميرة ويلز، اليوم (الاثنين)، إنها أنهت برنامج علاجها الكيميائي الوقائي ضد السرطان وستشارك في عدد من المناسبات العامة في وقت لاحق من العام.

«الشرق الأوسط» (لندن)

الصحة النفسية أولى ضحايا الحرب... ما وسائل إنقاذها؟

طفلة نازحة إلى أحد شوارع بيروت بعد أولى ليالي القصف الإسرائيلي على الضاحية (د.ب.أ)
طفلة نازحة إلى أحد شوارع بيروت بعد أولى ليالي القصف الإسرائيلي على الضاحية (د.ب.أ)
TT

الصحة النفسية أولى ضحايا الحرب... ما وسائل إنقاذها؟

طفلة نازحة إلى أحد شوارع بيروت بعد أولى ليالي القصف الإسرائيلي على الضاحية (د.ب.أ)
طفلة نازحة إلى أحد شوارع بيروت بعد أولى ليالي القصف الإسرائيلي على الضاحية (د.ب.أ)

في أحد مشاهد الفيلم التوثيقي «من المسافة صفر» الذي جرى تصويره تحت القصف في غزة، تصعد فتاة إلى سطح بيتها وترقص فيما السمّاعات على أذنيها، تردّ عنها هدير الطائرات الإسرائيلية المحلّقة فوق رأسها.

لكلٍ أسلوبه في التصدّي للحروب. منهم مَن يرقص ويغنّي، ومنهم مَن يعبّر كتابةً أو كلاماً، في وقتٍ يلوذ آخرون بالصمت ويبتلعون الصدمة تلو الأخرى.

لكن مهما تعدّدت أساليب ترويضها، تبقى «الحروب من أقسى الأحداث التي يمرّ بها الفرد والمجتمع، وهي تترك آثاراً كبيرة على الصحتَين النفسية والجسدية»، وفق ما تشير الاختصاصية في علم النفس العيادي باسكال نخلة في حديث مع «الشرق الأوسط».

يصنّف علم النفس الحروب كأقسى تجارب ممكن أن يمرّ بها البشر (أ.ف.ب)

يتلاقى كلام نخلة والأرقام الواردة من أوكرانيا إلى «المنتدى الاقتصادي العالمي» قبل 5 أشهر. فالحرب الروسية أدّت إلى ارتفاع عدد مرضى السكّري الأوكرانيين بنسبة 20 في المائة، كما تزايدت النوبات القلبية في صفوفهم بنسبة 16 في المائة، أما الجلطات الدماغية فارتفعت بنسبة 10 في المائة. وتلفت إحصائيات المنتدى إلى أنّ 57 في المائة من الأفراد غير المتأثرين مباشرةً بالحرب، أي المتواجدين في أماكن بعيدة نسبياً عن القصف، يواجهون صعوبات في أداء واجباتهم اليومية بسبب القلق العاطفي الذي يصيبهم.

(أرقام المنتدى الاقتصادي العالمي 2024)

تشرح نخلة كيف أن الحرب، بما فيها من أصواتٍ مرعبة ومشاهد دمارٍ وموت، تنعكس «خوفاً وقلقاً وصدمةً وغضباً على البشر، ما قد يعرّضهم للاكتئاب وللقلق المزمن ولاضطرابات ما بعد الصدمة، إلى جانب مواجهة صعوبة في التركيز، ومشكلات في النوم، ونوبات هلع». وقد أثبتت الدراسات على مرّ العصور والحروب أنّ المدنيين يعانون من تفاقم الأعراض النفسية، ولا يقتصر الضرر على مَن خسروا أحبّة لهم أو على من اضطرّوا إلى النزوح عن منازلهم، بل ينسحب على مَن هم في أمانٍ نسبيّ والذين يشعرون بذنبِ هذا الأمان، وكذلك بالخطر الذي قد يداهمهم في أي لحظة.

في مراكز الإيواء التي نزحت إليها العائلات اللبنانية الهاربة من النيران الإسرائيلية جنوباً، غالباً ما تشتكي الأمهات من تبدّلاتٍ صادمة في تصرّفات أولادهنّ وردود أفعالهم. يتحدّثن لـ«الشرق الأوسط» عن بكاءٍ متواصل وعن أطفالٍ يستفيقون ليلاً بحالة ذعر وصراخ. تفسّر نخلة الأمر بالقول إنّ «أكثر الفئات تأثراً بالحروب هم الأطفال والمراهقون لأنّ شخصياتهم ما زالت في طور النموّ ولم تكتمل بعد، ما يجعلهم عرضةً لاضطرابات النوم والانعزال الاجتماعي والصعوبة في التعبير عن مشاعرهم».

أكثر الفئات عرضة للأذى النفسي بسبب الحرب هم الأطفال والمراهقون (رويترز)

أما الأجيال الأكبر سناً فعرضة «لحالات نفسية معقّدة أكثر من سواهم، لأنّ لديهم تراكمات من تجارب سابقة مشابهة لم تجرِ معالجتها»، تشرح الاختصاصية النفسية. في المقابل، يتميّز الجيل الصاعد بوَعيِه إلى أهمية الصحة النفسية، ما قد يقيه الصدمات إلى حدٍ ما.

تتعدّد الفئات المتأثرة بالحرب إذاً ويتفاوت عمق الندوب النفسية، مع تفاوت الأعمار والتجارب والأماكن الجغرافية. لكن المؤكّد أنّ التعامل مع الضغوط النفسية الناجمة عن الحرب ضروري، أكان بمجهودٍ فرديّ أو من خلال الاستعانة بالعلاج النفسي المتخصص.

سيدة من جنوب لبنان نزحت إلى أحد مراكز الإيواء (د.ب.أ)

في ظلّ ما يمرّ به اللبنانيون من ظرفٍ استثنائيّ وفائق الصعوبة، تنطلق نخلة من عبارةٍ بسيطة لكن ذات معنى عميق: «ما يحصل غير طبيعي وغير شرعي، لكن كل ما يشعر به المواطن اللبناني نفسياً حياله طبيعي وشرعي». أهمّ ما في الأمر عدم إهمال الآلام النفسية التي تتسبب بها الحرب وعدم نكرانها، بل الاعتراف بها. أما السبل المتاحة للتعامل معها فكثيرة.

كُن لطيفاً مع نفسك

تنصح نخلة بالتعبير عن المشاعر كلاماً أو كتابةً، إلى جانب التحدّث إلى أشخاص هم محطّ ثقة؛ قد يكونون أصدقاء أو أفراداً من العائلة. هذا جزء من الإقرار بالتعب النفسي وعدم تجاهله، بل تقبّله من دون إطلاق أحكامٍ هدّامة أو لوم النفس. فالتعامل بلطفٍ مع الذات ومنحُها الحقّ بالشعور بالقلق والخوف يشكّلان مدخلاً لتحسين الحالة النفسية في ظلّ الحرب.

الاختصاصية في علم النفس العيادي باسكال نخلة (الشرق الأوسط)

خفّف من متابعة الأخبار

من بين الخطوات الأساسية كذلك، التخفيف من الاستهلاك المتواصل للأخبار. هذا لا يعني الامتناع كلياً عن متابعة التطوّرات، لكن يجب وضع ضوابط لذلك، لا سيّما عندما يتعلّق الأمر بكثافة المعلومات الواردة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي قد تكون أحياناً مضلّلة.

تنفّس عميقاً

ربّما يبدو الأمر مستحيلاً وسط أصوات القصف وأزيز الطيران، لكنّ محاولة ممارسة تقنيات الاسترخاء وإن لـ5 أو 10 دقائق تعود بفائدة نفسية كبيرة. تعدّد نخلة من بين تلك التقنيات التأمّل، والتنفّس العميق، واليوغا. وتضيف أنّ «الحركة الجسدية كالمشي وممارسة الرياضة الخفيفة تساعد كذلك في ضبط القلق ومعالجة المشاعر المكبوتة».

نازحات يتابعن أخبار الحرب في لبنان على هواتفهنّ (أ.ب.)

الروتين المفيد

تذكّر نخلة بأهمية «الحفاظ على روتين يوميّ ضمن الإمكانيات المتاحة». يحصل ذلك من خلال تكريس بعض الوقت للعناية بالذات، كتخصيص نصف ساعة يومياً للمشي في الهواء الطلق، ومحاولة تثبيت مواعيد تناول الطعام، وإطفاء الهاتف قبل ساعة من الخلود إلى النوم.

فكّر بغيرك

من السلوكيّات البشريّة التي تساعد على تخطّي الحرب بأقلّ أضرار نفسية ممكنة، الانخراط في المساعدة الاجتماعية. فمدّ يد العون إلى الفئات الأكثر تضرُراً يمنح شعوراً بالاكتفاء والرضا عن الذات. لذلك فإنّ علم النفس ينصح مَن هم قادرون على فعل ذلك بأن يتطوّعوا لإعانة النازحين أو أهالي الضحايا، أو على الأقلّ بأن يقدّموا ما يستطيعون من مساعدات وتبرّعات.

التطوّع في خدمة الفئات الأكثر تضرراً يعود بفائدة نفسية كبيرة (أ.ب)

العلاج النفسي أوّلاً وأخيراً

تلفت الأخصائية النفسية باسكال نخلة إلى أنّ «مشاهدة القصف والدمار والتعرّض للأصوات العنيفة يولّدان حالة من التأهّب وبالتالي ضغطاً على العضلات وآلاماً جسدية». وهي تشدّد في هذا السياق على أنّ «العلاج النفسي والسلوكي ضروري حتى لمَن ليسوا في أماكن الخطر». من هنا أهمّية خلايا الدعم النفسي التي تنشط في ظل الحرب، وتقدّم استشاراتٍ مجانية لمَن هم بحاجة إليها.

لكن لعلّ أبرز ما تذكّر به نخلة هو ضرورة تصويب سرديّة الصمود التي اقتاتت عليها أجيالٌ متعاقبة من اللبنانيين. فالصمود، في المفهوم النفسيّ، ليس التأقلم مع الظروف القاهرة ولا اعتماد النكران والتجاهل للمصائب المحيطة. الصمود، وفق ما تعرّفه الأخصائية النفسية، هو «نموّ ما بعد الصدمة أي محاولة النهوض والازدهار من جديد». وقد تكون باكورة الصمود مجرّد تذكير الذات بأنه لا حرب تدوم وبأنّ لكل محنةٍ نهاية.