ريما كركي: أغامر ولا أخشى العواقب

تُخبر «الشرق الأوسط» عن «مرض التغيير» في الحياة والمهنة

ريما كركي تعتمد «الواقعية» في جديدها التلفزيوني (حسابها الشخصي)
ريما كركي تعتمد «الواقعية» في جديدها التلفزيوني (حسابها الشخصي)
TT

ريما كركي: أغامر ولا أخشى العواقب

ريما كركي تعتمد «الواقعية» في جديدها التلفزيوني (حسابها الشخصي)
ريما كركي تعتمد «الواقعية» في جديدها التلفزيوني (حسابها الشخصي)

مكثت فكرة برنامج الإعلامية اللبنانية ريما كركي الجديد في الجارور طويلاً قبل أن تولد. تأتي صاحبتها مثقلةً من تعقُّب آلام الإنسان في مخيمات اللجوء وقسوة التحاف العراء في الليالي الباردة؛ وهي حالات تُتقن التعامل مع وحشية أقدارها، بعد تجربة تلفزيونية غزيرة. تعود إلى مُحاورَة المشاهير، وتبدو في «برنامج عادي» مُجدِّدة ومُغامِرة.

جديدها، فكرتُها وإعدادُها؛ فهي ممن يصنعون اللمسات ويجيدون ارتجال السؤال. أحدثت فيها أحمال المتألمين «عطباً نفسياً»؛ ليس تذمّراً، بل لأنّ معاينة العيش البائس والالتحام بأوجاع الآخرين، شغف مهني منهِك. من الشوارع الحزينة والفضاء الممتلئ بآهات المُناجين، إلى «الإقامة» في غاليري لبيع المفروشات؛ تتبدّل الديكورات ويتغيّر اتجاه المقاربة، لكن ريما كركي ثابتة في العمق والشفافية.

تُخبر «الشرق الأوسط» أنها «مريضة بالتغيير»، ولا تكفّ عن مطاردة الأفكار الجديدة. تذكُر نصيحة والدتها حين حذّرتها من أثمان التهوُّر. اليوم، تتطلّع إلى مسيرة مهنية طويلة، وتجد أنّ مغامرات كثيرة أثمرت نتائج غير مُتوقَّعة. تُعلّمها الحياة أنّ رمي النفس يُسعدها أضعاف الاستلقاء والتمدُّد والإذعان لما يُتاح.

ريما كركي مغامِرة لا تخشى الارتطام بالجدران (حسابها الشخصي)

تقول إنّ «البودكاست» في كل مكان، فراودها هاجس الاختراق بفكرة جاذبة: «الضيوف أنفسهم، والأسئلة تقريباً متشابهة. يملّ الشباب الحلقات المطوَّلة، فأقدّم برنامجاً بحلقات قصيرة. الضيف يحضُر للتسالي، وأحياناً للبوح، لا ليُحرَج ويُحشَر في زوايا لا تليق. بإمكان نصف ساعة تلفزيونية إظهار مرحه ومحاكاة جوانبه الإنسانية».

تُصوّر برنامجها («روتانا موسيقى»، «إل بي سي») داخل غاليري لبيع المفروشات في بيروت. تُبرّر التنقّل بين زواياه بتلبُّس دور المقيمة تحت سقفه. يوقظها المنبّه صباحاً، فتخرج من سريرها إلى انشغالات اليوم الطويل. تُكلِّم المُخرج، وتقيّم مسار الحلقة، وعند هبوط الليل، تعود إلى السرير للاستراحة والتخطيط للغد. بهذه التمثيلية، تجعل الغاليري مساحة «شخصية» تمنح الحوار ألفة، والعلاقة بالضيف خصوصية.

ذلك يُعرف بـ«الواقعية» (Reality)، تتبنّاها كركي في البرنامج حين تنهض وتنام، وتتنقّل كأنها في منزلها. تذهب أبعد في تصديق الدور، حين تُلتقط لها صورة وسيارتها مُحمَّلة بالحقائب الموضَّبة لإعلان الانتقال تماماً. تقول: «البرنامج جديد وعصري. قبل أعوام، قدّمتُ برنامج (لايك هالحكي لايك). كان آنذاك أشبه بنقلة ثورية، لمدّته القصيرة، وتشكيله ترجمة لفكرة الإعجاب (اللايك) في مواقع التواصل، وقد كانت حينها محدودة الانتشار وغريبة. من هذا التجديد تولد أفكاري».

«تقيم» في الغاليري كأنها في منزلها (لقطة من البرنامج)

تؤدّي مع الضيف رقصة أو مشهداً تمثيلياً أو مقطعاً من أغنية، قبل الحوار، وتتجنّب افتتاحه بما تعدّه مُستهلكاً: «أهلا وسهلاً، كيف حالك؟». تتفادى كل ما يُسمع في أي برنامج آخر، وتتحدّث عن رقصة البداية: «في علم النفس، تُسمّى (Ice breaker). حين نتعارف في أعراس أو حفلات، ونشبك الأيدي حول حلقة دبكة مثلاً، يَسهُل البوح وتتقلّص المسافة. حتى الأسئلة لم تُطرَح من قبل، ووراء كل فقرة عبرة».

تُطلعها خبرتها التلفزيونية على أنّ المُشاهد «يحفظ 20 دقيقة من أبرز المقابلات، باستثناء المتعلّقة بحدث بارز». وأمام واقع «السؤال الواحد والجواب المُتوقَّع»، تلمح في عيون ضيوفها «بريقاً يمنحني السعادة، مفاده أنهم أمضوا وقتاً جيداً ولم يتسلّل الملل».

عدم الثبات على «هوية»، والتنقّل بين الاجتماعي والإنساني والترفيهي وحوارات المشاهير، يُضعف التراكم في مجال واحد، أم يُثري التجربة الإعلامية؟ لا يهمها البحث عن جواب بقدر اكتراثها للعبة التي تحبّها: التجديد. يُبهجها تعدُّد ملاعبها ما دامت لا تُسدّد نحو مرمى واحد. تتابع: «لا أريد الوصول. البحث مستمر لأجدّد وأُغيِّر. لستُ سوى مغامِرة لا تخشى الارتطام بالجدران. حين يكون الدافع هو التعلُّم، فلا بأس بالوقوع من أجل الوقوف. يُحرّكني الفضول أكثر مما يفعل تصدُّري العناوين. هذا يحدث من تلقائه حين نستحقه بجدارة».

لا أريد الوصول. البحث مستمر لأجدّد وأُغيِّر. لستُ سوى مغامِرة لا تخشى الارتطام بالجدران. حين يكون الدافع هو التعلُّم، فلا بأس بالوقوع من أجل الوقوف. يُحرّكني الفضول أكثر مما يفعل تصدُّري العناوين

الإعلامية اللبنانية ريما كركي

لا بدّ أنّ إطراءً من نوع، «فلان أفضل من فلان، لكنّ ريما كركي مختلفة»، يفتح شهيتها على مزيد من جدّية الطرح ورصانة المقاربة. لا تخشى احتمال الإخفاق ما دام نقيضه وارداً في المحاولات الأخرى. تقول: «منحتني البرامج الاجتماعية قوة داخلية هائلة تجعلني لا أكترث للفشل. ماذا لو فشلت، بينما الكوكب يتألم والإنسان في مآزق مصيرية؟ الفشل والدعسات الناقصة ليست نهاية الدنيا. حين أختار المجازفة، فلأنني على يقين بأني سأبلغ الغاية أو أتعلّم. مثل فارس تجرحه المعركة ويرفض الهزيمة».

وتعلّمها المهنة أيضاً تدارُك الخسائر بطريقة خاصة، ومواجهة الفقدان والزعل. «هفواتي صنعت مني شخصاً مريحاً، أستطيع أن أحبّه أكثر»، تقول مَن تضع على عتبة منزلها شِعراً لجبران خليل جبران من غناء فيروز: «زاهداً فيما سيأتي ناسياً ما قد مضى».

في برنامجها فقرة تُحارب الخبر الكاذب وأخرى تواجه الذكاء الاصطناعي بالوعي البشري. ترى ريما كركي أنّ هذا الذكاء لن يُغيّب الجانب العاطفي للعمل الإنساني، وإن فُرِض على العصر وتوغّل في جميع المجالات. تستوقفها فقرة «الشائعات»، حين يقرأ الضيف خبراً مفبركاً عنه على طريقة نشرة الأخبار. قناعتها بأنّ «أفضل طريقة لمحاربة الشائعة هي زجّها في مواجهة علنية مع نفسها».  


مقالات ذات صلة

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

يوميات الشرق برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

«يهدف البرنامج إلى خلق مساحة حوار مريحة للشباب. ومهمتي أن أدير هذا الحوار بعيداً عن التوتر. فلا نلهث وراء الـ(تريند)».

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق «البلوغر» والمذيعة المصرية داليا فؤاد بقبضة الشرطة (صفحتها في «فيسبوك»)

توقيف «بلوغر» مصرية لحيازتها مخدرات يجدّد أزمات صانعات المحتوى

جدَّدت واقعة توقيف «بلوغر» أزمات صانعات المحتوى في مصر، وتصدَّرت أنباء القبض على داليا فؤاد «التريند» عبر «غوغل» و«إكس».

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل كيليان مورفي يعود إلى شخصية تومي شلبي في فيلم «The Immortal Man» (نتفليكس)

عصابة آل شلبي عائدة... من باب السينما هذه المرة

يعود المسلسل المحبوب «Peaky Blinders» بعد 6 مواسم ناجحة، إنما هذه المرة على هيئة فيلم من بطولة كيليان مورفي المعروف بشخصية تومي شلبي.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق جود السفياني (الشرق الأوسط)

جود السفياني... نجمة سعودية صاعدة تثبّت خطواتها في «خريف القلب»

على الرغم من أن الممثلة جود السفياني ما زالت في بداية العقد الثاني من عمرها، فإنها استطاعت أن تلفت الأنظار إليها من خلال مسلسلات محليّة حققت نسب مشاهدة عالية.

إيمان الخطاف (الدمام)
يوميات الشرق تضم المنطقة المتكاملة 7 مباني استوديوهات على مساحة 10.500 متر مربع (تصوير: تركي العقيلي)

الرياض تحتضن أكبر وأحدث استوديوهات الإنتاج في الشرق الأوسط

بحضور نخبة من فناني ومنتجي العالم العربي، افتتحت الاستوديوهات التي بنيت في فترة قياسية قصيرة تقدر بـ120 يوماً، كواحدة من أكبر وأحدث الاستوديوهات للإنتاج.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
TT

العلاج لا يصل لـ91 % من مرضى الاكتئاب عالمياً

الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)
الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم (جامعة أوكسفورد)

كشفت دراسة دولية أن 91 في المائة من المصابين باضطرابات الاكتئاب في جميع أنحاء العالم لا يحصلون على العلاج الكافي.

وأظهرت الدراسة، التي قادها فريق من جامعة كوينزلاند في أستراليا، ونُشرت نتائجها، الجمعة، في دورية «The Lancet Psychiatry»، أن كثيرين من المصابين بالاكتئاب لا يتلقون العناية اللازمة، ما يزيد من معاناتهم ويؤثر سلباً على جودة حياتهم.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يعاني أكثر من 300 مليون شخص الاكتئاب، مما يجعله السبب الرئيسي للإعاقة عالمياً. وتشير التقديرات إلى أن 5 في المائة من البالغين يعانون هذا المرض. وضمّت الدراسة فريقاً من الباحثين من منظمة الصحة العالمية وجامعتيْ واشنطن وهارفارد بالولايات المتحدة، وشملت تحليل بيانات من 204 دول؛ لتقييم إمكانية الحصول على الرعاية الصحية النفسية.

وأظهرت النتائج أن 9 في المائة فقط من المصابين بالاكتئاب الشديد تلقّوا العلاج الكافي على مستوى العالم. كما وجدت الدراسة فجوة صغيرة بين الجنسين، حيث كان النساء أكثر حصولاً على العلاج بنسبة 10.2 في المائة، مقارنة بــ7.2 في المائة للرجال. ويُعرَّف العلاج الكافي بأنه تناول الدواء لمدة شهر على الأقل، إلى جانب 4 زيارات للطبيب، أو 8 جلسات مع متخصص.

كما أظهرت الدراسة أن نسبة العلاج الكافي في 90 دولة كانت أقل من 5 في المائة، مع تسجيل أدنى المعدلات في منطقة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا بنسبة 2 في المائة.

وفي أستراليا، أظهرت النتائج أن 70 في المائة من المصابين بالاكتئاب الشديد لم يتلقوا الحد الأدنى من العلاج، حيث حصل 30 في المائة فقط على العلاج الكافي خلال عام 2021.

وأشار الباحثون إلى أن كثيرين من المرضى يحتاجون إلى علاج يفوق الحد الأدنى لتخفيف معاناتهم، مؤكدين أن العلاجات الفعّالة متوفرة، ومع تقديم العلاج المناسب يمكن تحقيق الشفاء التام. وشدد الفريق على أهمية هذه النتائج لدعم خطة العمل الشاملة للصحة النفسية، التابعة لمنظمة الصحة العالمية (2013-2030)، التي تهدف إلى زيادة تغطية خدمات الصحة النفسية بنسبة 50 في المائة على الأقل، بحلول عام 2030. ونوه الباحثون بأن تحديد المناطق والفئات السكانية ذات معدلات علاج أقل، يمكن أن يساعد في وضع أولويات التدخل وتخصيص الموارد بشكل أفضل.

يشار إلى أن الاكتئاب يُعد أحد أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً على مستوى العالم، حيث يؤثر على ملايين الأشخاص من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية، ويرتبط بشكل مباشر بمشاعر الحزن العميق، وفقدان الاهتمام بالنشاطات اليومية، مما يؤثر سلباً على الأداء الوظيفي والعلاقات الاجتماعية.