غريزيلدا في مواجهة إسكوبار... مَن الأقوى؟

مسلسل «نتفليكس» يمنح تاجرة المخدّرات والقاتلة قلباً وبطولة

غريزيلدا في مواجهة إسكوبار... مَن الأقوى؟
TT

غريزيلدا في مواجهة إسكوبار... مَن الأقوى؟

غريزيلدا في مواجهة إسكوبار... مَن الأقوى؟

تفتتح المسلسل مقولةٌ لتاجر المخدّرات الأشهر بابلو إسكوبار: «الرجل الوحيد الذي خشيتُه، كان امرأة تُدعى غريزيلدا بلانكو».

تتعدّد النقاط المشتركة بين «ناركوس»، الذي قصّ حياة إسكوبار، و«غريزيلدا» الذي يروي سيرة تاجرة المخدرات الكولومبية غريزيلدا بلانكو. المسلسل الجديد الذي يتصدّر المشاهَدات على منصة «نتفليكس» منذ بداية عرضه قبل أيام، من إنتاج وكتابة وإخراج فريق «ناركوس»، وهو يغوص في عالم الجريمة والمخدّرات. هذه كلّها عناصر كافية تعيد إلى الأذهان أحد أنجح المسلسلات خلال السنوات الـ10 الماضية، لكن فيما كان «ناركوس» أشبَه بوثائقي يكاد لا يحيد عن الأحداث الواقعية، يميل «غريزيلدا» إلى الدراما المضخّمة.

«صنّارة» الحلقة 1

تتحوّل البطلة من رئيسة كارتل الكوكايين في ميامي وصاحبة اليد الطولى في عشرات الجرائم، إلى نجمة بكل ما تحمل الكلمة من مواصفات إنسانية وجماليّة. يساعد في ذلك حضور الممثلة صوفيا فيرغارا، التي تمنح الشخصية أبعاداً جديدة ومتخيّلة أحياناً، لا تمتُّ إلى واقع غريزيلدا بلانكو الحقيقية بصِلة.

تنطلق الأحداث عام 1978، وتحديداً ليلة هروب غريزيلدا من كولومبيا إلى ميامي الأميركية برفقة أبنائها الثلاثة، بعد قتلها زوجها الثاني. أخذت بثأرها من رجلٍ أحبّته فباعها لأخيه مقابل تسديد ديونه. كلّ ما في حوزتها كيلوغرام واحد من الكوكايين، تهرّبه في حقيبة ابنها الأصغر.

تتميّز الحلقة الأولى عن الخمس المتبقية من السلسلة القصيرة، بأنها الأسرع والأكثر كثافةً. تفعل فعلها في إثارة اهتمام المُشاهد وإيقاعه في شرك المسلسل، ليلاحظ مع مرور الحلقات بأنّ الوهج الأوّل يتضاءل تدريجياً. ولولا براعةُ فيرغارا، لكانَ المسلسل فقد وهجه كُلياً، حتى قبل بلوغه منتصفه.

غريزيلدا وزوجها الثالث داريو في أحد أبرز مشاهد المسلسل (نتفليكس)

مفاجأة صوفيا فيرغارا

مَن عرفوها بشخصيّة «غلوريا» في مسلسل «مودرن فاميلي» (2009 – 2020)، لن يصدّقوا أن صوفيا فيرغارا نفسها تطلّ في هذا القالب الدراميّ الذي لا تشوبُه شائبة. غلوريا التي أقامت في شاشات المنازل حول العالم على مدى 11 عاماً، فالتصقت بشخص فيرغارا وبلكنتِها إلى درجة أنه بات من الصعب التمييز بينهما، تتلاشى هنا وتضيع ملامحها.

قدّمت صوفيا فيرغارا أداءً مذهلاً بدور غريزيلدا بلانكو (نتفليكس)

تتخطّى الممثلة الأميركية كل الحدود والتوقّعات، وتساعدها في ذلك أصولها الكولومبية وتجربتها الخاصة في عالم الجريمة والمخدّرات، إذ إنها خسرت أحد أشقّائها في ظروف مشابهة. تمنح فيرغارا شخصيةَ غريزيلدا ما تتطلّب من شراسة وإجرام وجنون، ثم تنقلب إلى زوجة عاشقة، وسيدة مجتمع أنيقة، وأمّ متفانية.

من أجل هذا الدور، استعانت الفنانة بأنفٍ وأسنان مركّبة عثّرت نطقها في أحد المشاهد، إلّا أنّ ذلك لم يؤثّر على أدائها المبهر. مع العلم بأنّ الشكل الذي تظهر فيه، لا يشبه غريزيلدا الحقيقية.

رغم أدائها الآسر، لا تطابق في الشكل بين صوفيا فيرغارا وغريزيلدا بلانكو (نتفليكس)

كيلو الكوكايين صار أطناناً

بين جدران غرفة ضيّقة في منزل صديقة لها، تجد غريزيلدا لها ولأولادها ملجأً في ميامي. تخطّط لبدء حياة بعيدة عن تجارة المخدّرات، ما إن تتخلّص من كيلوغرام الكوكايين الذي في حوزتها. لكنّها تغرق في دوّامة هذه الصفقة المعقّدة أكثر من المتوقّع، فيصير الكيلو طنّاً، ويتحوّل الطنّ أطناناً، إلى أن تصبح غريزيلدا زعيمة تهريب الكوكايين من كولومبيا إلى ميامي وكاليفورنيا ونيويورك خلال الثمانينات.

لا تأتي زعامتُها من دون الكثير من الدم المسفوك حولها، وإدمانُ السلطة أخطرُ أحياناً من إدمان الكوكايين. تتوه غريزيلدا في دوّامة جبروتها وطمعِها وطموحها. وعندما يعرض عليها كبار المهرّبين أن يشتروا «البيزنس»، الذي أسست مقابل 15 مليون دولار، ترفض العرض.

غريزيلدا وخلفها مئات رُزَم الكوكايين التي كانت تهرّبها من كولومبيا إلى الولايات المتحدة الأميركية (نتفليكس)

نسويّة في غير مكانها

يسمّونها «لا مادرينا» (العرّابة) ويلتفّ حولها جيشٌ من المسلّحين الكولومبيين الذين يصفّون حساباتها، زارعين الفوضى في ميامي من عمليات سرقة وقتل وتفجيرات.

في هذه الأثناء، تتكثّف عمليات التحرّي عنها في قسم الشرطة، حيث تمسك بالملفّ شرطيّةٌ تعاني من سطوة زملائها الذكور. في صورة المحققة «جون» انعكاسٌ لبعضٍ من صراعات غريزيلدا وسط بيئة تجارة المخدّرات التي تتحكّم بها الذكوريّة الطافحة. غير أن محاولات فريق المسلسل إظهار الأمر وكأنه قضيّة نسويّة، ليست في مكانها. فغريزيلدا في نهاية المطاف تاجرة مخدّرات تحوّلت إلى قاتلة، مهما كان القلب والبطولة اللذان رُسما لها في المسلسل كبيرَين.

المحققة جون التي أمسكت بملف غريزيلدا وسط تحديات كبيرة في بيئة عملها الذكوريّة (نتفليكس)

تبدو سرديّة تمكين المرأة نافرة هنا، مع أنّها تُطعّم بالتفافٍ نسائي حول غريزيلدا، عناصرُه فتيات هوى كولومبيات كنّ أدواتها لتهريب المخدّرات في ملابسهنّ الداخليّة. إلّا أنّ إقحام القضايا الكبيرة في سيرة إحدى أبرز المجرمات في التاريخ، لا ينظّف سجلّها ولا يبرّر ما ارتكبت.

فتيات هوى من كولومبيا توظّفهنّ غريزيلدا في عمليات تهريب الكوكايين إلى ميامي (نتفليكس)

دعوى قضائية من عائلة غريزيلدا

يقول المنتج إريك نيومان إنه أراد «أنسنة الشخصية كي ترى فيها المشاهِدات انعكاساً لهنّ؛ فهي أمّ تهرب من علاقة سامّة وتحاول أن تثبت نفسها في عالمٍ يحكمه الرجال». ربما يكون نيومان قد تمادى في أنسنة «عرّابة الكوكايين»، لكنه نجح وفريقه بالمقابل في تقديم صورةٍ جذّابة وأنيقة وحبكة مثيرة لا تخلو من المفاجآت. تتداخل في «غريزيلدا» عوالم الجريمة والمخدّرات والرومانسيّة والدراما الإنسانية؛ وهي كلّها مواضيع يستسيغها المُشاهد.

كان من المثير ربّما لو استرجع المسلسل بدايات غريزيلدا في عالم الجريمة، يوم نفّذت عملية خطفها الأولى وطلبت فدية في المقابل عندما كانت في الـ11 من عمرها. لكن لا بدّ من التذكير هنا، بأنّ حياة غريزيلدا بلانكو الحقيقية لا تتطابق في كل الزوايا، والروايةَ التي يقدّمها المسلسل. وهذا ما دفع بورثتها إلى رفع دعوى قضائيّة ضدّ العمل التلفزيوني، لسوء استخدام صورة العائلة، وفق تعبيرهم.

أبناء غريزيلدا من زواجها الأول: أوبر وديكسون وأوزي (نتفليكس)

باستثناء مقولته التي تفتتح المسلسل، يغيب بابلو إسكوبار عن الصورة، إلا أن طيف «ناركوس» حاضر من باب المقارنة. تتلاقى المواضيع وأسلوب التصوير، لكنّ التركيز ينصبّ في «غريزيلدا» على شخصية البطلة، أما مسلسل إسكوبار ففتح الآفاق على الشخصيات الأخرى والقضايا السياسية المحيطة. لكن هذا لا يعني أنّ مَن أحبّوا «ناركوس» لن يستمتعوا بمشاهدة «غريزيلدا».


مقالات ذات صلة

أميركا تواصل حربها على «قوارب المخدرات» رغم الانتقادات

الولايات المتحدة​ قائد البحرية الأميركية الأميرال فرنك «ميتش» برادلي لدى مغادرته مبنى الكابيتول بعد جلسة استماع في الكونغرس بواشنطن (رويترز)

أميركا تواصل حربها على «قوارب المخدرات» رغم الانتقادات

قُتل 4 أشخاص في ضربة جوية أميركية ضد قارب يُشتبه في تهريبه مخدرات في شرق المحيط الهادئ، في خضم مساءلات في الكونغرس حول مشروعية هذه الهجمات.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال حفل في «معهد الولايات المتحدة للسلام» في العاصمة الأميركية واشنطن في 4 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب) play-circle

استراتيجية ترمب الجديدة تقوم على تعديل الحضور الأميركي في العالم

أعلنت إدارة الرئيس الأميركي ترمب في استراتيجية جديدة أن دور الولايات المتحدة على الصعيد الدولي سينتقل إلى التركيز أكثر على أميركا اللاتينية ومكافحة الهجرة.

هبة القدسي (واشنطن)
شمال افريقيا مخدرات صادرها الجيش الجزائري بالحدود (وزارة الدفاع)

الجزائر: ارتفاع مقلق للوفيات نتيجة الجرعات الزائدة من المخدرات

أكدت بيانات معهد الأدلة الجنائية للدرك الوطني الجزائري حدوث تحول كبير في نمط تعاطي المخدرات، والمؤثرات العقلية في البلاد.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
الولايات المتحدة​ أرشيفية لأكبر حاملة طائرات في العالم «يو إس إس جيرالد فورد» عند جزر فيرجين الأميركية (رويترز)

ترمب يستنفد الخيارات غير العسكرية للإطاحة بمادورو

استنفد الرئيس الأميركي دونالد ترمب كل الخيارات غير العسكرية لإجبار الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو على التنحي عن السلطة.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ طائرات حربية أميركية تشارك في الضربات على قوارب يشتبه بتهريبها المخدرات في البحر الكاريبي (أ.ف.ب) play-circle

الجمهوريون يضيّقون الخناق على وزير الحرب بيت هيغسيث

تتصاعد حدة التوتر داخل المعسكر الجمهوري تجاه وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث وتطورات تشير إلى تآكل في الثقة قد يمهّد لمرحلة من الصدام المفتوح داخل الحزب.

إيلي يوسف (واشنطن)

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.