مسرحية «جريمة بيضاء» تطرح معاني فلسفية في قالب بوليسي

مُعالجة مصرية جديدة لرواية «العُطل» لفردريش دورينمات

لعبة المحاكمة كشفت أسراراً مجهولة (مخرج المسرحية)
لعبة المحاكمة كشفت أسراراً مجهولة (مخرج المسرحية)
TT

مسرحية «جريمة بيضاء» تطرح معاني فلسفية في قالب بوليسي

لعبة المحاكمة كشفت أسراراً مجهولة (مخرج المسرحية)
لعبة المحاكمة كشفت أسراراً مجهولة (مخرج المسرحية)

يبدو أن رواية «العطل» القصيرة للكاتب السويسري الشهير فردريش دورنيمات تحوّلت إلى عنصر جذب شديد وقع صناع المسرح المصري في غرامه مجدداً، فبعد مرور أقل من شهر على انتهاء عرض مسرحية «النقطة العميا» على مسرح «الغد» المأخوذة عن الرواية نفسها، تُعرض راهناً مسرحية «جريمة بيضاء» على مسرح «الهوسابير» بوسط القاهرة.

تبدأ القصة الأصلية بتاجر أقمشة يدعى «ألفريدو ترابس» تتعطل سيارته في إحدى المدن الصغيرة النائية، ويبدو أن إصلاحها سيستغرق وقتاً أطول ممّا كان يُعتقد. يذهب الرجل لقضاء ليلته في الفندق فلا يجد غرفة شاغرة، لكن مدير الفندق ينصحه بالتوجه إلى بيت القاضي المتقاعد «فيرجين» الذي بات معروفاً في المنطقة بترحيبه بالغرباء حتى أنه لا يتوانى عن استضافتهم ببيته.

أداء مميز للفنان ناصر سيف (مخرج المسرحية)

ينتظر «ترابس» مفاجأة تتمثل في وجود عدد من أصدقاء القاضي المتقاعدين، منهم وكيل نيابة وجلاد، اعتادوا ممارسة لعبة غريبة كل ليلة بأن يعقدوا «محاكمة» يتحررون فيها من قبضة القوانين البالية التي ترفع شعار «العبرة ليست بما تعرف أنه الحقيقة بل بما تستطيع أن تثبته بالدليل».

يتورط الضيف الغريب في اللعبة بسبب إصرار الآخرين على دخوله فيها وإجراء محاكمة له. تتفجر المفاجآت المذهلة تباعاً لندرك أن «ترابس» ارتكب جريمة قتل بشعة، ولو بشكل غير مباشر، لكنه أفلت من العقاب لعدم وجود نص قانوني يدين هذه النوعية من الجرائم. استغل ثقة مديره بالعمل فيه وعرف أسرار بيته وتقرب من زوجة المدير التي تحب زوجها لكنها تعاني من الفراغ والإهمال وأغواها بالخيانة. ولا يكتفي بذلك، بل يسرق عملاء المدير ويضعه على حافة الإفلاس، ومن ثَمّ يسرّب له عن طريق آخرين معلومة خيانة زوجته له فيلقى المدير حتفه نتيجة أزمة قلبية.

العرض لم يخلُ من بعض المشاهد الكوميدية (مخرج المسرحية)

تصدر المحكمة حكمها بإعدام «ترابس» الذي يستيقظ من نومه في نهاية العمل ليجد أنه لا يزال في بيت القاضي وعلى قيد الحياة، ويعود لممارسة حياته بشكلها المعتاد من دون أن يتّخذ من تلك الواقعة عبرةً أو عظةً.

في معالجة الشاعر والمسرحي يسري حسان الجديدة، حافظت مسرحية «جريمة بيضاء» على روح النص الأصلي مع إضافة العديد من علامات الاستفهام ذات الطابع الفلسفي في العدالة الغائبة وقصور القوانين ومفهوم الجريمة، وكيف أنّ الفعل الإجرامي يحمل أشكالاً عديدة، فقد تكون الكلمة على سبيل المثال أقوى تأثيراً من السكين أو الرصاص.

العرض ترجمة سمير جريس، وإخراج سامح بسيوني، وبطولة ناصر سيف، وخالد محمود، وعلاء قوقة، وأيمن الشيوي، ورضا إدريس. ديكور حازم شبل، وملابس سماح نبيل، وإضاءة إبراهيم الفرن، وموسيقى محمد علام.

بوستر المسرحية (مخرج المسرحية)

وقال حسان لـ«الشرق الأوسط» إنه قرأ رواية دورينمات منذ فترة طويلة، وكان متيماً بها، وعندما طلب منه المخرج سامح بسيوني إعدادها مسرحية، تحمّس للغاية لكنه عندما علم أن النص سيكون بالفصحى، وعبر إنتاج خاص أيضاً، تردّد للحظات لأن الأمر سيكون بمنزلة مغامرة، لكنه في النهاية أنجز المطلوب بشغف وحب.

المسرحية تطرح مفهوماً جديداً للخيانة (مخرج المسرحية)

وعن أبرز التغييرات التي أجراها حسان على النص الأصلي، أوضح أنه حاول تقديم معالجة مختلفة وأضاف أحداثاً وشخصيات جديدة وغيّر كثيراً في النهايات بالنسبة للشخصيات الرئيسية، كما أضاف بعض الملامح الكوميدية، ليس لأن العمل ينتمي إلى مسرح قطاع خاص، لكن لأن الأحداث نفسها استدعت بعض المواقف الفكاهية، فضلاً عن حرصه على أن تكون اللغة بسيطة بقدر الإمكان، كما أضاف العديد من المونولوجات.

وفيما يتعلق بوجود مسرحية أخرى تتناول العمل نفسه في التوقيت نفسه تقريباً، أشار إلى أنه بعد الانتهاء من كتابة النص فوجئ بوجود عرض آخر هو «النقطة العميا» مأخوذ عن القصة نفسها فذهب لمشاهدته واحتفى به، وكتب عنه مقالاً نقدياً مطولاً لأنه يستحق ذلك ولأنه مؤمن بفكرة التجاور لا الصراع أو الإزاحة، معداً أن كل ذلك يصب في النهاية في صالح المسرح.

الديكور لعب دوراً مهما في العرض (مخرج المسرحية)

من جانبه، قال مخرج العرض سامح بسيوني لـ«الشرق الأوسط»: «من الممكن إيجاز العمل في جملة واحدة وهي أن (الرقابة يجب أن تنبع أخلاقياً من داخل الفرد فلا ينتظر تطبيق القوانين الخارجية)»، مشيراً إلى أن «المسرحية تحمل كذلك رسالة في خطورة الكلمة، وكيف يمكن أن تقتل شخصاً من دون أن نعي».


مقالات ذات صلة

صلاح جاهين يواصل رسم «ضحكة مصر» رغم الغياب

يوميات الشرق احتفالية صلاح جاهين ضحكة مصر (وزارة الثقافة)

صلاح جاهين يواصل رسم «ضحكة مصر» رغم الغياب

المسرح القومي يحتفي بذكرى صلاح جاهين بعرض حكي وغناء يعيد تقديم أعماله الفنية والغنائية الشهيرة.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق «أنا وغيفارا» تراهن على إكمال مسار المسرح الغنائي في لبنان (الشرق الأوسط)

عودة «أنا وغيفارا»... الثورة والإنسانية على خشبة «جورج الخامس»

نجح «الأخوان صبّاغ» في مقاربة سيرتَي رجلَي الثورة؛ كاسترو وغيفارا، بعيداً عن أي انحياز سياسي، وقدّماهما في إطار إنساني عزّز قيم السماحة والغفران.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق العرض سلَّط الضوء على مسيرة باكثير الإبداعية (الشركة المنتجة)

«متحف باكثير»... يستعيد روائع الأديب اليمني الكبير برؤية معاصرة

يجمع العرض المسرحي «متحف باكثير» أعمال علي أحمد باكثير في تجربة مسرحية معاصرة، مع إطلاق جائزة سنوية لدعم الإبداع العربي وتكريم الفنانين المرتبطين بإرثه.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق في هذا المشهد لا خلاص واضحاً... فقط هدنة قصيرة مع الواقع (الشرق الأوسط)

«حبّ في شبه مدينة»... مسرحية عن الإنسان العالق في المكان المُنهَك

الحوار مُحمَّل بالدلالة ومبنيّ على شذرات اعتراف تتقاطع فيها السخرية السوداء مع الإحباط العميق...

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق المجتمع الذكوري والتحدّيات بين المرأة والرجل (الشرق الأوسط)

«شي تيك توك شي تيعا»... طارق سويد يُحرز المختلف

اختار طارق سويد أبطال المسرحية من بين طلابه الموهوبين في أكاديمية «بيت الفنّ» التي تديرها زميلته الممثلة فيفيان أنطونيوس...

فيفيان حداد (بيروت)

«إن غاب القط»... كوميديا رومانسية تتناول العلاقات «التوكسيك»

أبطال الفيلم بين المخرجة والمؤلف في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
أبطال الفيلم بين المخرجة والمؤلف في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
TT

«إن غاب القط»... كوميديا رومانسية تتناول العلاقات «التوكسيك»

أبطال الفيلم بين المخرجة والمؤلف في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
أبطال الفيلم بين المخرجة والمؤلف في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

يجمع الفيلم المصري «إن غاب القط» بين الكوميديا والرومانسية ومشاهد الأكشن في أجواء مثيرة، من خلال حكايته التي تنطلق من عملية سرقة جريئة لإحدى اللوحات الفنية، مستعيداً حادث سرقة لوحة «زهرة الخشخاش» للفنان العالمي فان غوخ، التي سُرقت قبل 15 عاماً من متحف محمد محمود خليل في القاهرة، ولم يُستدل عليها حتى الآن.

يجمع الفيلم بين «زين» (آسر ياسين) الطبيب البيطري، وخطيبته «هند» (أسماء جلال) التي تعمل في ترميم اللوحات، وتربطهما قصة حب لا يُعكّر صفوها من وجهة نظر «هند» سوى أن خطيبها يبدو دائماً شخصاً خجولاً ولا يُسمعها كلمات الغرام.

تتقاطع حياة «زين» مع شقيقه التوأم، اللص الشهير بـ«القط»، لتُعجب به «هند» وبجرأته، ونظراً إلى التشابه الكبير بينهما، يجد نفسه في موقف صعب بين مطاردات عصابتَين تريدان الاستيلاء على اللوحة. كما تطارده نساء من مختلف دول العالم يرغبن في الانتقام من «القط»، ومن بينهن «ميادة» التي تؤدي دورها الفنانة اللبنانية كارمن بصيص.

يشارك في الفيلم محمد شاهين، وسماح أنور، وكارمن بصيص، وسامي مغاوري، وعلي صبحي، وانتصار. كما يحل ضيوف شرف من نجوم الكوميديا، وهم: سامي مغاوري، وهشام ماجد، وطه دسوقي. والفيلم من تأليف أيمن وتار، وإنتاج هاني عبد الله، وإخراج سارة نوح.

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

يؤدي آسر ياسين شخصيتَين متناقضتَين، فهو اللص الذكي الذي يرتبط بعلاقات متعددة ويصبح مطارداً من الجميع، وشخصية الطبيب الذي تزدحم عيادته بالحيوانات، وهو الشخصية «التوكسيك» التي تتسم بالازدواجية.

واحتفل صناع «إن غاب القط» بالعرض الخاص، الأحد، بحضور أصدقائهم من الفنانين وصناع الأفلام، ومن بينهم مايان السيد، ومريم الخشت، وطه دسوقي الذي يشارك في الفيلم، والمخرج محمد شاكر خضير، ومحمد الشرنوبي، وعمر رزيق، والمخرج خالد الحلفاوي، والمنتج محمد حفظي.

وحضر آسر ياسين بصحبة زوجته، وأبدى في تصريحات صحافية سعادته بالفيلم، قائلاً إن الفكرة جذبت اهتمامه، لأنها غير تقليدية، والعمل نفسه تجربة مختلفة أتاح له تقديم مشاهد كوميدية وشخصيتَين مختلفتين، من بينهما شخصية الرجل «التوكسيك» الذي يرى أنه رجل أناني وكذاب يجب أن تحذر الفتيات من الارتباط به. وظهر ياسين في فيديو ترويجي عبر مواقع التواصل الاجتماعي مستنكراً: «هل الرجل (التوكسيك) أصبح موضة هذه الأيام؟». وكتب عبر حسابه على «إنستغرام» مروجاً للعمل: «فيلم الإثارة والتشويق والأكشن والرومانسية والدراما والكوميديا وفوق ذلك كله علاقة (توكسيك)».

وقدّمت أسماء جلال مشاهد غنائية استعراضية عبر أغنية «ماتفكروش يا بنات» لفرقة المصريين، جمعتها مع ياسين، كما قلّدت الفنانة شويكار في مشهد آخر.

وحققت أغنية الفيلم «قلبك تلاجة» اهتماماً لافتاً منذ طرحها، وصُوِّر فيديو كليب في مشاهد رومانسية جمعت بين آسر وأسماء في تركيا، والأغنية للمطرب فارس سكر، ومن كلمات منة عدلي القيعي، وألحان عزيز الشافعي.

آسر ياسين وزوجته خلال العرض الخاص (الشركة المنتجة)

ورأى المؤلف أيمن وتار أن الفيلم «يطرح زاوية للعلاقات بين الرجل والمرأة من خلال جريمة سرقة، مع ميل تجاه الرومانسية بشكل أكبر»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «أسباب الربط بين سرقة لوحة زهرة الخشخاش وقصة الحب هي السعي لتقديم الفكرة عبر علاقة عاطفية تكون هي المحركة للأحداث بالفيلم، وكذلك كوميديا تعتمد على المواقف الدرامية لا على الإفيهات التي لا أحبها، فقد أردت من خلال التداخل بين قصة الحب وسرقة اللوحة كشف حالة الازدواجية عند الرجل الذي يحب وتتعدد علاقاته قبل الزواج، وحين يقرر الزواج يبحث عن فتاة تتسم بالبراءة، مثل (قطة مغمضة)».

ويشير إلى أنه بدأ العمل على الفيلم قبل عام ونصف العام مع المخرجة، ومن ثم أُتيح لهما الوقت الكافي للاستقرار على السيناريو، مؤكّداً أن سارة نوح مخرجة موهوبة، ولا تتنازل عن الإتقان في كل لقطة، ووصف آسر ياسين بأنه «ممثل محترف للغاية وله حضور مميز، وقد منح السيناريو لكل ممثل وممثلة مساحتهم».

وشارك أيمن وتار في أداء دور بالفيلم، إنقاذاً للموقف حسبما يقول: «كانت الشخصية التي أديتها تتطلّب أن يطلق الممثل شعره ولحيته لمدة 4 أشهر قبل التصوير، وهو دور لن يتحمس له أغلب الممثلين؛ لأنه سيعطّلهم عن أعمال أخرى».

ويُعد فيلم «إن غاب القط» ثاني أفلام المخرجة سارة نوح بعد فيلمها الأول «أعز الولد»، وقالت في حديث لـ«الشرق الأوسط» إنها كانت تبحث عن عمل مختلف تماماً عن فيلمها الأول، وقد وجدته في سيناريو أيمن وتار الذي قدم من خلاله تناولاً ذكياً وبسيطاً يتمتع بروح كوميدية تحفز أي مخرج للعمل عليه.

وأضافت أن ما يحركها تجاه عملها هو النجاح في خلق عالم موازٍ لعالمنا، بحيث يستطيع الجمهور الاستمتاع بالفيلم، مؤكدة أنها «لا ترى صعوبة في الكوميديا لأنها ترى الأشياء دائماً بشكل كوميدي».


«هوس التنبؤات» يتصدر الاهتمام مع اقتراب العام الجديد

التنبؤات حول العام الجديد حظيت باهتمام في «السوشيال ميديا» (فيسبوك)
التنبؤات حول العام الجديد حظيت باهتمام في «السوشيال ميديا» (فيسبوك)
TT

«هوس التنبؤات» يتصدر الاهتمام مع اقتراب العام الجديد

التنبؤات حول العام الجديد حظيت باهتمام في «السوشيال ميديا» (فيسبوك)
التنبؤات حول العام الجديد حظيت باهتمام في «السوشيال ميديا» (فيسبوك)

مع اقتراب العام الجديد، يزداد «الهوس بالتنبؤات»، وتتصدر أخبار من يقدمونها مواقع التواصل الاجتماعي و«الترند»، على الرغم من تحذير مرصد الأزهر منها واعتبارها مخالفة للدين وغير عقلانية، وصدور قرار من الهيئة الوطنية للإعلام في مصر يمنع ظهور المنجمين والعرافين على القنوات الرسمية.

تصدر اسم ليلى عبد اللطيف، التي اعتادت في هذا الوقت من العام على المشاركة في برامج عدّة لتقديم تنبؤاتها للعام الجديد «الترند» على منصة « إكس» في مصر، الاثنين، مع انتشار مقاطع فيديو لها تتناول تنبؤاتها السابقة وإعلانها عن حلقة جديدة، وسط انتقادات من صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي.

سبق أن حذر مرصد الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية من البرامج التي تدعي التنبؤ بالمستقبل، مؤكداً في فتوى نشرها على «فيسبوك» أن »ادِّعاء معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل من خلال ظواهر أفكار وممارسات تخالف صحيح الدين والعلم، وتُضلل العقل، وامتهانها جريمة، ولا يليق إذا كان المُنجِّم يهدم القيم، ويرسخ التَّعلُّق بالخرافة، أن يُقدَّم للجمهور ويُسمَع قوله ويُحتفَى بتنبؤاته وخرافاته».

وأوضح أستاذ الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الأزهر، الدكتور حسن القصبي، أن هذه التنبؤات حرام لأنها تدَّعي ما اختص الله به نفسه، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «دار الإفتاء والأزهر الشريف حرَّما هذه التنبؤات لأن من الثوابت أن علم الغيب استأثر الله به لنفسه، وهذا من رحمات الله بالبشر، فلو علموا الغيب ما عاشوا الواقع»؛ وأضاف أن هذا الأمر جاء صريحاً في قوله تعالى «إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت». ووصف من ينجمون ويتنبأون بالمستقبل بأنهم «يأخذون بعقول الناس وعواطفهم فيما لا ينفعهم ولذلك هذا حرام كما أفتت دار الإفتاء المصرية والأزهر الشريف».

وأوضح الخبير في الإعلام الرقمي و«السوشيال ميديا»، محمد فتحي، أن هوس التنبؤات السنوي «يرجع لمزيج من العوامل النفسية والاجتماعية، مدفوعاً بالرغبة البشرية في اليقين والسيطرة على المجهول». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «مع نهاية العام يزداد القلق بشأن المستقبل، وتوفر التوقعات الفلكية إشباعاً نفسياً ووهماً بمعرفة ما هو قادم».

وتُظهر الإحصائيات العالمية انتشاراً واسعاً لهذا الاعتقاد، حيث يشير استطلاع لمركز بيو للأبحاث إلى أن 30 في المائة من البالغين في الولايات المتحدة يستشيرون الأبراج أو قارئي الطالع سنوياً، في حين أظهرت دراسة عربية أن نحو 64.6 في المائة يتابعون معلومات التنجيم وتنبؤاته.

ويرجع فتحي تعزيز هذا الانتشار إلى «التضخيم الإعلامي والرقمي من خلال المتابعات التلفزيونية والصحفية ومنصات «السوشيال ميديا»، ما يحوِّل التنبؤات إلى موضة موسمية تحقق أرباحاً من المشاهدات والإعلانات أو المنتجات والسلوكيات التي تتحول إلى عملية شراء.


«ما وراء اللوحة» لراوية زنتوت... حكايات ملونة بطبقات التجارب

الطبيعة تشكل العنوان العريض للوحات زنتوت (راوية زنتوت)
الطبيعة تشكل العنوان العريض للوحات زنتوت (راوية زنتوت)
TT

«ما وراء اللوحة» لراوية زنتوت... حكايات ملونة بطبقات التجارب

الطبيعة تشكل العنوان العريض للوحات زنتوت (راوية زنتوت)
الطبيعة تشكل العنوان العريض للوحات زنتوت (راوية زنتوت)

تبعث أعمال الفنانة التشكيلية راوية غندور زنتوت شعوراً بالسكينة والهدوء. تتحول اللوحة إلى تجربة مريحة لمشاهدها من الضغوطات اليومية، وتأخذه في رحلة خيالية، حيث يمتد خياله في فضاء حر وزاهر، مع جرعات من الأمل التي يتركز الضوء فيها على محورها الأساسي.

في معرضها «ما وراء اللوحة» في مبنى بارك بالاس، تجمع زنتوت نحو 27 لوحة من أعمالها الأخيرة. وقد أنجزتها بين بيروت ومكان إقامتها في الجبل، مستندة على الطاقة الإيجابية لتعكس إحساساً بالفرح والراحة، مبلسمة الجراح والندوب.

تسكن لوحات زنتوت قصص من الحياة، مشبعة بتجارب متراكمة، وقد عبّرت عنها بعدد من طبقات الألوان الأكريليكية، المشرقة أحياناً والقاتمة أحياناً أخرى. ومن خلالها حاكت حوارات صامتة مع زائر المعرض، فبنت جسر تواصلٍ متين وغير منظور في الوقت نفسه، وحوّلته إلى مسار طويل يقود المشاهد نحو الرجاء.

وتحت عناوين مختلفة، ارتكزت أعمالها غالباً على عناصر الطبيعة، لتوضح وجهة نظرها تجاه حياة تتقلب أيامها بين الحلاوة والمرارة. ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في لوحات مثل «دائرة الحياة»، و«همسات فجر ذهبي»، وكذلك في أعمال أخرى تحمل عناوين «مشهد مزهر»، و«أفق ذهبي».

تستلهم زنتوت من ألوان طبيعة لبنان موضوعات لوحاتها (راوية زنتوت)

توضح راوية غندور زنتوت، التي اشتهرت باقتباسها من بيروت ومناطق لبنان موضوعات لأعمالها، لـ«الشرق الأوسط» عن معرضها الحالي: «هذه المرة تحتل الطاقة الإيجابية الحيز الأكبر من رسوماتي». وأضافت: «كل لون فيها استخرجته من قصة حياة ومن رموز الطبيعة. فكما قلب الإنسان الأحمر، تناولت الأحلام الزرقاء. وبين الأصفر والأخضر والذهبي، حِكتُ الشمس والفجر والغروب والبحر وغيرها من عناصر الطبيعة».

تقول زنتوت: «أنا عاشقة لبلدي، ولأشجاره وسمائه، وطبيعته هي ملهمتي الأولى، لا سيما أنها تحتوي على مجموعة ألوان لا نهاية لها. وأعدّ نفسي من الفنانين الذين يحبون التعامل مع الألوان واستخدامها كلغة تعبيرية عندما تنتهي الكلمات. أستمد من خلال الألوان إيقاع يومياتي وحياتي ككلّ، وفي عملي (ما وراء اللوحة) رغبت في نقل مشاعري هذه إلى الآخرين».

تتأكد من أفكار زنتوت وأنت تتجول في المعرض، حيث تجد مجموعة من لوحات متراصة تحكي قصصها بالبرتقالي والبنفسجي والأحمر والأزرق والترابي.

وفي أخرى تمزج بريشتها المبدعة بين مجموعة ألوان متناسقة. فتبرز من خلالها انسيابية في تفكيرها وفي طريقة تعاملها مع الأمور. وتعلّق: «الألوان تستحضر شخصية اللوحة وتقودنا إلى أعماقها الدفينة. لم أشأ أن تكون لوحاتي مجرَّد أشكال جميلة وجذّابة. بل حاولت أن تتضمن النحت والمشاعر والأحاسيس والتجارب القابعة وراء اللوحة».

«دوائر الحياة» حكايات وتجارب متراكمة في معرض «ما وراء اللوحة» (راوية زنتوت)

وتشير زنتوت إلى أنها غالباً ما تواكب في أعمالها الأحداث العالمية اليومية، فتتضمن الحروب والمعارك وعوامل الطقس والمناخ، مستخدمة هذه الصور للتعبير عن آرائها ومشاعرها. وتوضح: «في بعض اللوحات اعتمدت الحركة النافرة لتعكس اضطرابات داخلية تسكننا، فتنبثق ألوان ورسوم تمنح شعوراً بالراحة. أما في لوحات أخرى، يطالعك الهدوء بشكل واضح، فيبعث الأمل والحب والرومانسية».

تتمسك زنتوت دائماً بالأمل بوصفه مخرجاً لأي موقف أو حالة حرجة، وتفسّر هذا التأرجح بين الحاضر والغد المجهول من خلال حوارات ملونة بالطموح، مطبقة بذلك القول المأثور: «ما أضيق الحياة لولا فسحة الأمل».

وتشرح زنتوت في حديثها: «هذا الأمل أستحضره دائماً في أعمالي من خلال الضياء، فيلاحظ ناظر اللوحة، مهما بلغت قتامة ألوانها، أن هناك بقعة نور تحيط بها».

تكمل جولتك في المعرض لتستوقفك طبقات من مادة الأكريليك ذات أبعاد ثلاثية، تمثل نبض حياة عصرية وذاكرة بصرية مشبعة بالوجدانيات والحس الصادق.

وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «إنه نوع من الحوار بين جميع هذه الحالات، فتكون اللوحات بمثابة مرآة للخبرات والتجارب. وعندما ينظر إليها المشاهد، يُجبر على الغوص في أعماقها بعيداً عن السطحية، ليكتشف ما تختزنه كل طبقة من ذكريات وتجارب».