ابتكر علماء أول نموذج ثلاثي الأبعاد للملتحمة البشرية (الغشاء الخارجي الواقي والشفاف للعين) في المختبر، حتى أنها تنتج دموعا خاصة بها.
ويقول الباحثون إن النموذج الجديد يمكن استخدامه لدراسة الأمراض التي تصيب ملايين الأشخاص، مثل التهاب الملتحمة، المعروف باسم «العين الوردية».
والملتحمة المتماثلة عبارة عن «عضيّة» كتلة من الخلايا تم إنتاجها في المختبر لتشبه نسخًا مصغرة ثلاثية الأبعاد من الأنسجة كاملة الحجم في الجسم.
وتُزرع العضيات عادة من الخلايا الجذعية وقد تمكن العلماء من إعادة تكوين بنية ووظيفة الأعضاء البشرية.
وحتى الآن، لا توجد نماذج مختبرية واقعية للملتحمة البشرية، الأمر الذي أدى إلى محدودية الأبحاث في هذا المجال. حسب العلماء الذين أعلنوا عن النتائج التي توصلوا إليها في دراسة نشرت يوم (الخميس) الماضي بمجلة «Cell Stem Cell» العلمية، وذلك وفق ما ذكر موقع «لايف ساينس» العلمي.
ولصنع النموذج الجديد، قام مؤلفو الدراسة بجمع الخلايا الجذعية من أنسجة الملتحمة المقدمة من المتبرعين بالأعضاء والمرضى الذين خضعوا لجراحة العيون.
وباستخدام مواد كيميائية تسمى عوامل النمو، قام العلماء بتحويل الخلايا إلى هياكل ثلاثية الأبعاد تحاكي الملتحمة البشرية. إذ تحتوي هذه العضيات على جميع الخلايا الموجودة عادة في الملتحمة، بما في ذلك الخلايا المنتجة للمخاط، مثل الخلايا الكأسية والخلايا الكيراتينية، والتي تمكن الأنسجة من إنتاج دموع غنية بالمخاط تحمي سطح العين وتليّنه.
ومع ذلك، وجد مؤلفو الدراسة أن الخلايا الأخيرة تفرز أيضًا بروتينات مضادة للميكروبات. وقالوا «لقد اكتشفنا أن الملتحمة تصنع مكونات مضادة للميكروبات، وبالتالي تساهم في إنتاج الدموع بطرق أكثر من مجرد صنع المخاط».
وتقول المؤلفة الأولى للدراسة ماري بانييه-هيلاويت باحثة ما بعد الدكتوراه في علم الأحياء التطوري وأبحاث الخلايا الجذعية بمعهد «هوبريخت» الهولندي في بيان لها «ان النموذج الجديد يحاكي جميع السمات الرئيسية للملتحمة البشرية، بما في ذلك قدرتها على إنتاج دموع غنية بالمخاط. وبالإضافة إلى الكشف عن هذه الخصائص المضادة للميكروبات للخلايا الكيراتينية، ساعد النموذج العلماء على تحديد الخلايا الخصلية، وهي نوع من الخلايا لم يكن معروفًا من قبل بوجودها في الملتحمة. هذه هي الخلايا الظهارية الموجودة في الأنسجة التي تغطي أسطح مختلفة من الجسم وقد تم ربطها سابقًا بالحساسية».
وتوضح بانييه-هيلاويت «تم اكتشاف خلايا مماثلة في أنسجة أخرى، ولكن ليس في الملتحمة البشرية».
وفي هذا الاطار، أجرى الباحثون تجارب على العضيات الجديدة من خلال تطبيق مواد كيميائية التهابية تسمى إنترلوكينات على النماذج لتقليد ما يمكن أن يحدث أثناء رد الفعل التحسسي.
وتبين بانييه-هيلاويت «بدأت الكائنات العضوية في إنتاج دموع مختلفة تمامًا؛ كان هناك المزيد من المخاط ولكن كان هناك أيضًا المزيد من المكونات المضادة للميكروبات». وأضافت «أصبحت الخلايا الخصلية المكتشفة حديثًا أكثر وفرة داخل العضو العضوي، ما يشير إلى أنها قد تؤثر على كيفية استجابة أعيننا للحساسية».
ويعتزم المؤلفون استخدام النموذج لاختبار أدوية جديدة لعلاج أمراض الملتحمة، بما في ذلك جفاف العين الناجم عن ضعف كمية أو نوعية الدموع، والعين الوردية، أو الالتهاب الناجم عن العدوى أو الحساسية أو المهيجات.
كما قام الباحثون بإصابة العضيات بفيروسات مختلفة معروفة بأنها تسبب التهاب الملتحمة الفيروسي، ثم عالجوا العدوى بالأدوية. على سبيل المثال، تم عكس العدوى بفيروس الهربس البسيط 1، وهو المسؤول بشكل رئيسي عن الهربس الفموي والتناسلي ولكن يمكن أن يسبب أيضًا التهاب الملتحمة، باستخدام الأدوية المضادة للفيروسات.
وهناك حاجة إلى مزيد من البحث، لكن المؤلفين يأملون في استخدام هذا النهج يومًا ما لصنع ملتحمة بديلة للأشخاص الذين يعانون من حروق العين أو السرطان أو الاضطرابات الوراثية.