«فستان بينيت البرونزي»... لغز غامض يعود إلى عام 1888 كان مخبأً في جيب سري

بقي اللغز عصياً على الفك 5 سنوات... والحل جاء على يد باحث كندي

فستان بينيت البرونزي الفيكتوري (سي إن إن)
فستان بينيت البرونزي الفيكتوري (سي إن إن)
TT

«فستان بينيت البرونزي»... لغز غامض يعود إلى عام 1888 كان مخبأً في جيب سري

فستان بينيت البرونزي الفيكتوري (سي إن إن)
فستان بينيت البرونزي الفيكتوري (سي إن إن)

كان الفستان الفيكتوري في المركز التجاري العتيق في ولاية مين مختلفاً عن أي شيء رأته سارة ريفرز كوفيلد من قبل. عكس الفستان المنفوخ من الخصر إلى الأقدام والمشغول بالدانتيل حقبة ماضية، بحسب تقرير لشبكة «سي إن إن».

وبكونها من هواة جمع الأزياء القديمة، رجّحت ريفرز كوفيلد أن يكون الفستان من حقبة ثمانينات القرن التاسع عشر، ولكن على الرغم من قِدمه، فإن تطريزه الدقيق وحريره البرونزي وأزراره المعدنية بدت سليمة، وفق الشبكة.

ساومت كوفيلد على السعر، فجعلت المتجر يخفض التكلفة من 125 دولاراً إلى 100 دولار، ورغم ذلك تساءلت عن المكان الذي ستخزن فيه الملابس المكونة من قطعتين. كان السعر أعلى مما تدفعه عادةً كعالمة آثار تجمع الأزياء والمحافظ العتيقة من أجل المتعة. ولكن كان ذلك في موسم الأعياد؛ لذا بذخت في الصرف، وفق التقرير.

واشترت ريفرز، وهي أمينة آثار تعيش في شاطئ تشيسابيك بولاية ماريلاند، الفستان أثناء زيارة والدتها في سيرسبورت بولاية مين.

ولم يكن لدى كوفيلد أي فكرة أن الفستان الذي اشترته في ديسمبر (كانون الأول) 2013 سيكشف لغزاً بعد عِقد من الزمن. داخل جيب سري مدسوس تحت تفاصيل الفستان. كانت هناك ورقتان مجعدتان تحتويان على مجموعة من الكلمات والأماكن التي تبدو عشوائية:

بسمارك، حذف، أوراق الشجر، باك، البنك (Bismark, omit, leafage, buck, bank).

كالغاري، كوبا، أونغارد، كونفوت، بطة، فاجان (Calgary, Cuba, unguard, confute, duck, Fagan)

الشفرة التي وجدت في جيب الفستان السري (سي إن إن)

يبدو أن الملاحظات الموجودة على هامش الورقتين لتحديد الوقت. كما كانت هناك علامة مثبتة في الفستان تحمل اسماً مكتوباً بخط اليد: «بينيت».

وقالت ريفرز كوفيلد لشبكة «سي إن إن»: إنها كانت في حيرة من أمرها؛ لأن الكلمات كانت غامضة، ماذا يقصدون، ولماذا احتاجت بينيت إلى «مخبأ سري للغاية» لإخفائهم؟، على حد تعبير ريفرز كوفيلد.

إشارة «بينيت» مثبتة على الفستان (سي إن إن)

وحكت أن أزرار الفستان وحدها تصور أوفيليا بائسة من مسرحية شكسبير «هاملت»، وكانت قيمتها أكبر مما دفعته مقابل الفستان.

وفي فبراير (شباط) 2014، نشرت مدونة حول الفستان الذي أطلقت عليه اسم «فستان بينيت البرونزي» (Bennett’s Bronze Bustle ) وكتبت: «أنا أعرضه هنا لإيجاد معجزة لفك التشفير»، وعرضت صور الفستان والأوراق.

تولى المحققون عبر الإنترنت القضية – ولكن دون جدوى. ولم تفكر كثيراً في الأمر بعد مشاركة مدونتها، لكن دون علمها، كان محققون هواة فضوليون يعملون على حل اللغز. أطلقوا عليها اسم «تشفير الفستان الحريري» وطرحوا نظريات المؤامرة حول الكلمات. وتكهن البعض بأن بينيت كانت جاسوسة تستخدم كلمات مشفرة للتواصل.

في عام 2017، أضاف أحد المدونين اللغز إلى قائمته لأفضل 50 رسالة مشفرة لم يتم حلها، وطرح المزيد من النظريات. هل كانت رسالة حب غامضة؟ قياسات الفستان؟ رموز الحرب الأهلية؟

سرعان ما رفضت كوفيلد أي تفسير مرتبط بالحرب الأهلية. لقد درست كتالوغات ثمانينات القرن التاسع عشر من سلسلة المتاجر الكبرى بلومينغديلز، ولم يكن لديها شك في أن الفستان كان من تلك الحقبة. بحلول ذلك الوقت، كانت الحرب قد انتهت منذ نحو 20 عاماً.

وتكهن آخرون بأنه شكل من أشكال الاتصال المتعلق بالتلغراف، وهي طريقة جديدة لإرسال الملاحظات السريعة بدأت في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، والتي فرضت على المرسلين رسوماً بناءً على عدد الكلمات في الرسالة.

في هذه المرحلة كانت كوفيلد قد تخلت عن المدونة نوعاً ما، وفق ما قالت للشبكة، وأضافت: «من حين إلى آخر كنت أرى أنه تم نشر تعليق أو أن أحد محللي الشفرات الآخرين يرسل لي بريداً إلكترونياً ويقول: مرحباً، ما زلت مهتمة بالأمر، لكن لم يحل أحد الشفرة على الإطلاق».

باحث كندي

عثر واين تشان، الباحث في جامعة مانيتوبا في كندا، على الكود عبر الإنترنت في صيف عام 2018. وقال لشبكة «سي إن إن» إنه نظر في 170 كتاباً للشفرات، ولم يتطابق أي منها مع الرسالة.

وأضاف: «لقد عملت على ذلك لبضعة أشهر، ولكن لم أتمكن من تحقيق أي شيء. وضعته جانباً ولم أنظر إليه مرة أخرى».

بدأ تشان، الذي يحل الرموز كهواية، في البحث عن عصر التلغراف، بما في ذلك رموز الطقس المستخدمة في أميركا الشمالية في ذلك الوقت. وفي أوائل العام الماضي، حقق تقدماً كبيراً.

اكتشف أن الرسائل المشفرة كانت في الواقع تقريراً عن الطقس. وقال تشان: إنها لم تكن مشفرة من أجل السرية، ولكن لأن الكود سمح لخبراء الأرصاد الجوية باختصار تقارير الطقس التفصيلية في بضع كلمات.

وفي عصر التلغراف، كان هذا الاختزال أرخص من إرسال مجموعة كبيرة من الكلمات وقراءات درجة الحرارة. تمثل كل كلمة متغيرات الأرصاد الجوية مثل درجة الحرارة وسرعة الرياح والضغط الجوي في مكان ووقت محدد من اليوم.

على سبيل المثال، يحتوي السطر «Bismark Omit leafage buckbank» على تفاصيل محددة بشكل مدهش. تعني كلمة «بسمارك» أنه تم تسجيله في محطة بسمارك في ما يعرف الآن بداكوتا الشمالية.

«Omit» يعني أن درجة حرارة الهواء كانت 56 درجة وكان الضغط الجوي 0.08 بوصة من الزئبق. تشير كلمة «Leafage» إلى نقطة الندى البالغة 32 درجة فهرنهايت التي لوحظت في الساعة 10 مساءً.

وكلمة «Buck» إلى عدم وجود هطول للأمطار، في حين أن كلمة «bank» تعني سرعة رياح تبلغ 12 ميلاً في الساعة وغروب شمس واضح.

وقال تشان: إن جميع محطات الأرصاد الجوية كانت مطالبة بإرسال تقاريرها عن طريق التلغراف إلى مكتب مركزي في واشنطن العاصمة.

اكتشف تشان أن الرسائل المشفرة استخدمت رمز الطقس التلغرافي من القرن التاسع عشر الذي استخدمه فيلق إشارة الجيش، الذي كان بمثابة خدمة الطقس الوطنية للولايات المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر.

وأكد للشبكة، أنه «لم يكن المقصود من هذا الرمز تحديداً السرية على الإطلاق. وتم استخدام الرموز التلغرافية لسببين رئيسيين: السرية والاقتصاد، وكان رمز الطقس للأخير. نظراً لأنه تم تحصيل الرسوم مقابل الكلمة الموجودة في البرقية، فقد أرادوا اختصار تقرير الطقس أو ضغطه في أقل عدد ممكن من الكلمات لتوفير التكاليف.

وأشار تشان إلى أنه غير متأكد من كيفية اختيار الكلمات، فكان هناك كتاب رموز الطقس وضعه خبراء الأرصاد الجوية لفهم المعنى الكامن وراء الكلمات غير المألوفة. ومع مرور الوقت، تعلموا كلمات التشفير من دون الحاجة إلى الرجوع إلى كتاب الرموز.

اليوم المحدد لتقرير الطقس

كتب تشان ورقة أكاديمية تشرح الموضوع. كما أرسل بريداً إلكترونياً إلى ريفرز كوفيلد، التي لم تكن يعلم أن المحققين عبر الإنترنت ما زالوا يعملون على فك الرموز.

وفي حين أصيبت كوفيلد بالذهول من النتيجة إلا أنها لم تتفاجأ، وقالت: «أنا عالمة آثار؛ لذا أقوم بالكثير من الأبحاث حول الماضي. لقد أدركت منذ فترة طويلة حقيقة أنه ليس كل قطعة أثرية أو كل وثيقة ستكشف كل أسرارها».

وكجزء من بحث تشان، قدمت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي خرائط الطقس القديمة التي ساعدته في تحديد التاريخ الدقيق لملاحظات الطقس في المذكرة المشفرة: 27 مايو (أيار) 1888.

ووفق ريفرز كوفيلد، فإن إحدى أكبر النتائج من هذا الاكتشاف هي إدراك أن الناس لم يكن لديهم طريقة فورية لمعرفة الطقس في ثمانينات القرن التاسع عشر.

لا يزال من غير الواضح من هي بينيت، ولماذا كانت لديها رموز الطقس مخبأة في جيب سري. لكن في الوقت الحالي، يشعر تشان وكوفيلد بالسعادة لأنهما كشفا الجزء الأكبر من لغز الفستان.


مقالات ذات صلة

«نشيد الحب» تجهيز شرقي ضخم يجمع 200 سنة من التاريخ

يوميات الشرق جزء من التجهيز يظهر مجموعة الرؤوس (جناح نهاد السعيد)

«نشيد الحب» تجهيز شرقي ضخم يجمع 200 سنة من التاريخ

لا شيء يمنع الفنان الموهوب ألفريد طرزي، وهو يركّب «النشيد» المُهدى إلى عائلته، من أن يستخدم ما يراه مناسباً، من تركة الأهل، ليشيّد لذكراهم هذا العمل الفني.

سوسن الأبطح (بيروت)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
المشرق العربي الضربات الجوية الإسرائيلية لامست آثار قلعة بعلبك تسببت في تهديم أحد حيطانها الخارجية وفي الصورة المعبد الروماني
(إ.ب.أ)

«اليونيسكو» تحذر إسرائيل من استهداف آثار لبنان

أثمرت الجهود اللبنانية والتعبئة الدولية في دفع منظمة اليونيسكو إلى تحذير إسرائيل من تهديد الآثار اللبنانية.

ميشال أبونجم (باريس)
يوميات الشرق هضبة الأهرامات في الجيزة (هيئة تنشيط السياحة المصرية)

غضب مصري متصاعد بسبب فيديو «التكسير» بهرم خوفو

نفي رسمي للمساس بأحجار الهرم الأثرية، عقب تداول مقطع فيديو ظهر خلاله أحد العمال يبدو كأنه يقوم بتكسير أجزاء من أحجار الهرم الأكبر «خوفو».

محمد عجم (القاهرة )
المشرق العربي الضربات الجوية الإسرائيلية لامست آثار قلعة بعلبك تسببت في تهديم أحد حيطانها الخارجية وفي الصورة المعبد الروماني
(إ.ب.أ)

اجتماع طارئ في «اليونيسكو» لحماية آثار لبنان من هجمات إسرائيل

اجتماع طارئ في «اليونيسكو» للنظر في توفير الحماية للآثار اللبنانية المهددة بسبب الهجمات الإسرائيلية.

ميشال أبونجم (باريس)

آل الشيخ يتوج بجائزة «الشخصية الأكثر تأثيراً»

تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية (الشرق الأوسط)
تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية (الشرق الأوسط)
TT

آل الشيخ يتوج بجائزة «الشخصية الأكثر تأثيراً»

تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية (الشرق الأوسط)
تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية (الشرق الأوسط)

ملصق يحمل صورة تركي آل الشيخ بمناسبة فوزه

تُوّجَ تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، بجائزة «الشخصية الأكثر تأثيراً في العقد الأخير» خلالَ حفل جوائز «MENA Effie Awards»، ضمن فعاليات «موسم الرياض»، تقديراً لإسهاماته البارزة في دعم وتطوير قطاع الترفيه في المملكة.

وتعدُّ الجائزةُ من أبرز الجوائز في مجال تقييم التأثير والإنجازات الإبداعية على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تسلط الضوء على الشخصيات التي قدمت مساهمات استثنائية وذات تأثير عميق خلال العقد الأخير. ويُعد فوز آل الشيخ بالجائزة تأكيداً لمكانته بوصفه من أبرز القيادات المؤثرة عالمياً في قطاع الترفيه.