إيمان منصور لـ«الشرق الأوسط»: مزيج جذوري انعكس انفتاحاً على فنّي

أهدت أحدث أغنياتها «هدّي يا بحر هدّي» إلى وطنها الجريح

شجرة الزيتون تعني كثيراً لإيمان منصور وتذكّرها بموطنها (حسابها الشخصي)
شجرة الزيتون تعني كثيراً لإيمان منصور وتذكّرها بموطنها (حسابها الشخصي)
TT

إيمان منصور لـ«الشرق الأوسط»: مزيج جذوري انعكس انفتاحاً على فنّي

شجرة الزيتون تعني كثيراً لإيمان منصور وتذكّرها بموطنها (حسابها الشخصي)
شجرة الزيتون تعني كثيراً لإيمان منصور وتذكّرها بموطنها (حسابها الشخصي)

لم تطأ قدماها أرض وطنها فلسطين، لكنها تدرك طبيعته وتحفظ قصصاً عنه رواها لها والدها. فإيمان منصور فلسطينية الأصل، تحمل الجنسية الفرنسية وتقيم في لبنان، حنينها العميق إلى أرضها تترجمه عبر أغنياتها.

تقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ فلسطين تنبض في قلبها وتسكن بيتها وفنّها. ومؤخراً، أطلقت أغنية من التراث الفلسطيني بعنوان «هدّي يا بحر هدّي»، بعد غنائها «في حزن» لأهالي غزة. قلبُها تقطّع على شعبها الذي يشهد أفظع الحروب.

«هدّي يا بحر هدّي» التي أعادت غناءها من ضمن «ريبيرتوار» الأغنيات الفلسطينية الفولكلورية الشهيرة، صوّرتها مع المخرج ميشال خوري، وآثرت أن تحمل إطلالتها في الكليب رموزاً من أرضها. «الكوفية على كتفي، والسوار في يدي، وشجرة الزيتون، تشير إلى بلدي الأم. أردتُ عبر الأغنية محاكاة حنين الناس، فأذكّرهم بموطني، وبتفاصيل تعني لي ولأهل بلدي».

العباءة المطرّزة بالورود استلهمتها من مدينتها بيت لحم (حسابها الشخصي)

اختارت للكليب الكوفية المطرّزة بورود حمراء لتلفّ كتفيها، فتقول: «التطريز من ثقافتنا الفلسطينية. والورد الأحمر المشغول باليد معروف جداً في مدينتي بيت لحم. أنتمي إلى تلك المنطقة العابقة بصفحات من التاريخ».

تتابع: «رغبتُ في تمثيل أبناء جيلي الذين لم تسنح لهم الفرصة لزيارة موطنهم. بالبساطة وبالرموز الفلسطينية، رسمتُ هذا الحنين على طريقتي. فترجم الكليب أفكاري ومشاعري، وسعدتُ لقدرة إحساسي على لَمْس المُشاهد».

عندما أدّت الأغنية، شعرت بالحزن، وفي آن لمحت الأمل: «عبارة (وعهد الله وعهد الثوار ما ننسى حقك يا دار) أصابتني بالصميم، فشعرتُ بزخم الأمل الواعد لفلسطين حرّة، سنزورها مهما طال الزمن».

مع بداية حرب غزة، انفطر قلب إيمان: «اعترتني صدمة كبيرة، حتى ابتعدتُ عن مواقع التواصل. من ثم فكرتُ في استبدال الطاقة السلبية بأخرى إيجابية، فأستلهمُ من الضعف قوة. (هدّي يا بحر هدّي) تعكس بموسيقاها مشاعري الدفينة».

السوار من الأعمال الحرفية المشهورة في فلسطين (حسابها الشخصي)

بعد حالة الإحباط هذه، استعادت صلابتها: «سأصدر أغنية فرِحة تحمل الإيقاع الجميل في موسيقاها. هي أيضاً من نوع الـ(كوفر)، أي المُعاد غناؤها، لكنها ليست من تراث فلسطين، بل من فنون المغرب العربي».

تتحدّث عن فلسطين وأزقتها وبيوتها وأهلها، كأنها عادت للتوّ من هناك: «رسمتُها في خيالي وغصتُ في طبيعتها وشوارعها. فنحن نُعدّ من الشتات الفلسطيني الفرنسي. حتى جدّي لا يعرف أرضه، ولدينا عائلة كبيرة في جنوب أميركا. أمي لبنانية تربّت في أميركا، وأبي فلسطيني عاش في فرنسا. أحمل كل هذه الجنسيات وأقيم في لبنان. مزيج جذور انعكس إيجاباً على مشواري الفنّي المتنوّع والمنفتح. قرارنا الاستقرار في بيروت، لنكون على بُعد كيلومترات من هواء فلسطين ورائحة زيتونها».

حتى منزلها في منطقة جونية يطبعه التراث الفلسطيني: «بيتنا مبني من الحجر الزهري الفلسطيني، ويتضمّن جلسة الديوان المشهورة في بلادنا. الزيتون أساسيّ في حديقتنا، ونملك مجموعة أعمال حرفية مصنوعة من الصدف، وهي حرفة رائجة في فلسطين يتقنها والدي. ولدينا كتب ولوحات تحاكي وطننا الأم. بيتي يُشعرني أنني في موطني».

موهبة إيمان منصور الغنائية مهنتُها في الحياة. لذلك اجتهدت لصقلها، فتمرنت عند أستاذة الـ«فوكاليز» اللبنانية الشهيرة ماري محفوض. عنها تقول: «علّمتني أصول الغناء وأعطتني دروساً في الموسيقى العربية و(السولفيج). ومنذ نحو السنتين، بدأتُ في دراسة الموسيقى الشرقية مع الأستاذة غادة شبير. اليوم، صرت ملمّة بالتقنية الموسيقية الغربية والشرقية».

إيمان منصور تهدي وطنها الأم أغنية «هدي يا بحر هدّي» (حسابها الشخصي)

سبق أن قدّمت أغنيتَي «اشتقتلك»، و«لو حبيت» الخاصتين بها: «في الأغنية الوطنية، لا أزال أبحث عن عمل يشبهني فيكون خاصاً بي، لذلك لجأت إلى أغنية تراثية لأعيد غناءها».

عن طموحاتها الفنية، تختم: «أحلامي كثيرة، لكنني أهدف إلى حَمْل رسالة أمل للفلسطينيين، وللشتات، ولكل مَن يشعر بالغربة».


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد جنوده في معارك بشمال غزة

المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال العملية البرية داخل قطاع غزة (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد جنوده في معارك بشمال غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، الخميس، مقتل أحد جنوده في معارك في شمال قطاع غزة. وأضاف أن الجندي القتيل يدعى رون إبشتاين (19 عاماً) وكان ينتمي إلى لواء غيفعاتي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رحّبت حركة «حماس»، اليوم (الخميس)، بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية النائب الإسرائيلي غادي آيزنكوت (رويترز)

آيزنكوت يتهم إسرائيل بـ«فشلها في خطة الحرب على غزة بشكل خطير»

قال النائب عن حزب الوحدة الوطنية الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، إن خطة إسرائيل لحربها ضد «حماس» في غزة «فشلت بشكل خطير»، واتهم الحكومة الإسرائيلية بالضياع.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك يوآف غالانت يشارك في مؤتمر صحافي في برلين بألمانيا 28 سبتمبر 2023 (رويترز)

غالانت يتهم الحكومة بجرّ إسرائيل إلى مسار الحكم العسكري في غزة

حذّر وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أنه إن لم تبدأ الحكومة الإسرائيلية بالسعي لبدائل لحكم «حماس» في غزة، فإنها ستجد نفسها تواجه حكماً عسكرياً مباشراً في القطاع.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يتسلمون طعاماً من مطبخ خيري في جنوب غزة (رويترز)

«لصوص المساعدات» يضاعفون جوع سكان غزة

«حماس» تشن حملة للقضاء على ظاهرة سرقة شاحنات المساعدات التي أثرت بشكل كبير على المجتمع وتسببت في بوادر مجاعة جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«سلمى» يرصد معاناة السوريين... ويطالب بـ«الكرامة»

الفنانة السورية سُلاف فواخرجي والمخرج جود سعيد مع فريق الفيلم (القاهرة السينمائي)
الفنانة السورية سُلاف فواخرجي والمخرج جود سعيد مع فريق الفيلم (القاهرة السينمائي)
TT

«سلمى» يرصد معاناة السوريين... ويطالب بـ«الكرامة»

الفنانة السورية سُلاف فواخرجي والمخرج جود سعيد مع فريق الفيلم (القاهرة السينمائي)
الفنانة السورية سُلاف فواخرجي والمخرج جود سعيد مع فريق الفيلم (القاهرة السينمائي)

في كل مرة يُعلن فيها عن الإفراج عن دفعة من المعتقلين السوريين، تتزيّن بطلة فيلم «سلمى» وتهرع مع والد زوجها، علّها تعثر على زوجها «سجين الرأي» الذي اختفى قبل سنوات في ظروف غامضة، متمسكة بأمل عودته، رافضة إصدار شهادة وفاته، ومواصلة حياتها مع نجلها ونجل شقيقتها المتوفاة.

تدور أحداث الفيلم السوري «سلمى» في هذا الإطار، وقد جاء عرضه العالمي الأول ضمن مسابقة «آفاق عربية» في «مهرجان القاهرة السينمائي» في دورته الـ45، وتلعب الفنانة السورية سلاف فواخرجي دور البطولة فيه إلى جانب المخرج الراحل عبد اللطيف عبد الحميد الذي يؤدي دور والد زوجها. وقد أُهدي الفيلم لروحه.

تتعرض «سلمى» للاستغلال من أحد أثرياء الحرب سيئ السمعة، لتبدأ بنشر معلومات دعائية لشقيقه في الانتخابات على خلفية ثقة السوريين بها للعبها دوراً بطوليّاً حين ضرب زلزال قوي سوريا عام 2023، ونجحت في إنقاذ عشرات المواطنين من تحت الأنقاض، وتناقلت بطولتها مقاطع فيديو صورها كثيرون. وتجد «سلمى» نفسها أمام خيارين إما أن تتابع المواجهة حتى النهاية، وإما أن تختار خلاصها مع عائلتها.

ويشارك في بطولة الفيلم كلٌ من باسم ياخور، وحسين عباس، والفيلم من إخراج جود سعيد الذي يُعدّه نقاد «أحد أهم المخرجين الواعدين في السينما السورية»، بعدما حازت أفلامه جوائز في مهرجانات عدة، على غرار «مطر حمص»، و«بانتظار الخريف».

سُلاف تحتفل بفيلمها في مهرجان القاهرة (القاهرة السينمائي)

قدّمت سُلاف فواخرجي أداءً لافتاً لشخصية «سلمى» التي تنتصر لكرامتها، وتتعرّض لضربٍ مُبرح ضمن مشاهد الفيلم، وتتجاوز ضعفها لتتصدّى لأثرياء الحرب الذين استفادوا على حساب المواطن السوري. وتكشف أحداث الفيلم كثيراً عن معاناة السوريين في حياتهم اليومية، واصطفافهم في طوابير طويلة للحصول على بعضِ السلع الغذائية، وسط دمار المباني جراء الحرب والزلزال.

خلال المؤتمر الصحافي الذي نُظّم عقب عرض الفيلم، تقول سُلاف فواخرجي، إنه من الصّعب أن ينفصل الفنان عن الإنسان، وإنّ أحلام «سلمى» البسيطة في البيت والأسرة والكرامة باتت أحلاماً كبيرة وصعبة. مؤكدة أن هذا الأمر ليس موجوداً في سوريا فقط، بل في كثيرٍ من المجتمعات، حيث باتت تُسرق أحلام الإنسان وذكرياته. لافتة إلى أنها واحدة من فريق كبير في الفيلم عمل بشغف لتقديم هذه القصة. وأضافت أنها «ممثلة شغوفة بالسينما وتحب المشاركة في أعمال قوية»، مشيرة إلى أن «شخصية (سلمى) تُشبهها في بعض الصّفات، وأن المرأة تظل كائناً عظيماً».

من جانبه، قال المخرج جود سعيد، إن هذا الفيلم كان صعباً في مرحلة المونتاج، خصوصاً في ظل غياب عبد اللطيف عبد الحميد الذي وصفه بـ«الحاضر الغائب».

مشيراً إلى أن قصة «سلمى» تُمثّل الكرامة، «وبعد العشرية السّوداء لم يبقَ للسوريين سوى الكرامة، ومن دونها لن نستطيع أن نقف مجدداً»، وأن الفيلم يطرح إعادة بناء الهوية السورية على أساسٍ مختلفٍ، أوّله كرامة الفرد. ولفت المخرج السوري إلى أن شهادته مجروحة في أداء بطلة الفيلم لأنه من المغرمين بأدائها.

الفنان السوري باسم ياخور أحد أبطال فيلم «سلمى» (القاهرة السينمائي)

ووصف الناقد الأردني، رسمي محاسنة، الفيلم بـ«الجريء» لطرحه ما يقع على المسالمين من ظلمٍ في أي مكان بالعالم؛ مؤكداً على أن كرامة الإنسان والوطن تستحق أن يُجازف المرء من أجلها بأمور كثيرة، وتابع: «لذا لاحظنا رفض (سلمى) بطلة الفيلم، أن تكون بوقاً لشخصية تمثّل نموذجاً للفساد والفاسدين رغم كل الضغوط».

وأوضح رسمي محاسنة في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن الفيلم قدّم شخصياته على خلفية الحرب، عبر نماذج إنسانية متباينة، من بينها تُجار الحرب الذين استغلوا ظروف المجتمع، ومن بقي مُحتفّظاً بإنسانيته ووطنيته، قائلاً إن «السيناريو كُتب بشكل دقيق، وعلى الرغم من دورانه حول شخصية مركزية فإن المونتاج حافظ على إيقاع الشخصيات الأخرى، وكذلك الإيقاع العام للفيلم الذي لم نشعر لدى متابعته بالملل أو بالرتابة».

سُلاف والمخرج الراحل عبد اللطيف عبد الحميد في لقطة من الفيلم (القاهرة السينمائي)

وأشاد محاسنة بنهاية الفيلم مؤكداً أن «المشهد الختامي لم يجنح نحو الميلودراما، بل اختار نهاية قوية. كما جاء الفيلم دقيقاً في تصوير البيئة السورية»؛ مشيراً إلى أن «المخرج جود سعيد استطاع أن يُخرِج أفضل ما لدى أبطاله من أداء، فقدموا شخصيات الفيلم بأبعادها النفسية. كما وفُّق في إدارته للمجاميع».

واختتم محاسنة قائلاً: «تُدهشنا السينما السورية باستمرار، وتقدّم أجيالاً جديدة مثل جود سعيد الذي يتطوّر بشكل ممتاز، وفي رأيي هو مكسبٌ للسينما العربية».