«سماء غائبة» دعوة للتفكير في الحدود بين النور والظلام

الفنان مهند شونو: اللون الأسود في أعمالي هو احتفال بالخيال

«سماء غائبة» للفنان مهند شونو (الفنان)
«سماء غائبة» للفنان مهند شونو (الفنان)
TT

«سماء غائبة» دعوة للتفكير في الحدود بين النور والظلام

«سماء غائبة» للفنان مهند شونو (الفنان)
«سماء غائبة» للفنان مهند شونو (الفنان)

«سماء غائبة» هو عنوان العمل الفني الذي قدمه الفنان السعودي مهند شونو ضمن عروض احتفال «نور الرياض» في بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي. نخطو نداخل غرفة مستطيلة بيضاء اللون مجردة من كل شيء ما عدا الجدران البيضاء حولنا. نصعد بالبصر للأعلى، لا سقف هنا، نرى فقط كياناً غامضاً، يبدو مثل السحابة السوداء المشحونة بالمطر. مع همهمة الموسيقى يبدأ الكائن في الحركة، يتمدد وينكمش، كأنما بداخله موجة متحركة تقترب منا لحظات ثم تبتعد.

«سماء غائبة» للفنان مهند شونو (الفنان)

يصف موقع «نور الرياض» العمل بجملة معبرة جداً: «فراغ أسود يتحرك، ويهبط ويتغير شكله بينما يمتص الضوء، ويفتقر العمق، وتبدو المساحة الفارغة كما لو لم يكن لها لا بداية ولا نهاية. مع الحركة تنبض بالحياة، وتتحول تجريديتها مُكتسبة شكلاً بما يُعطي الانطباع بأنها كيان متحرك مستقل بحد ذاته يرسم خطوطاً في الفضاء. يتلاعب العمل بالضياء والغموض وبالفراغ والامتلاء، مُحولاً الفراغ مصدراً لكون مُتخيل. يدعو العمل المُشاهد إلى التفكير في الحدود النافذة بين النور والظلام، وبين المادي وغير المرئي».

أنظر إلى الفنان الواقف بجانبي بتساؤل، أسأله عن التضاد الواضح بين اللونين الأبيض والأسود، يرد بصوت متزن، وخافت بعض الشيء: «الغرفة البيضاء غير مهمة، من الممكن أن أستخدم أرضية من الخرسانة بدلاً منها». ما يهم الفنان هنا هو ذلك السقف الأسود والحركة التي تحدث داخله. يستكمل حديثه: «كأن هناك كائناً محبوساً بالداخل، مفعماً بالحياة». إحساسنا بالحركة أساسي هنا، وهو التأثير الذي أراده الفنان «أردت أن يبعث بإحساس السيولة، أن يحس الزائر نفسه أسفل بحيرة سوداء».

في «منطق الشجر» نسج شونو من الخطوط السوداء شجرة ضخمة انطلقت من خط وحيد (الفنان)

فكرة الدخول لعالم غريب يسحبنا من الواقع ليدفعنا نحو كيان غامض تكررت في أعمال سابقة لشونو، منها عمله الضخم «منطق الشجر» في جناح السعودية ببينالي فينيسيا 2022 وعمله «سطور من نور، حروف نكتبها» في بينالي الفنون الإسلامية بجدة في يناير (كانون الثاني) 2023، يلجأ الفنان إلى تعبيرات من عالم مختلف عن الواقع الذي نعيشه، يستخدم اللون الأسود وسيلةً ومادةً للتعبير. يعلق قائلاً: «هذا أمر شائع في عملي، فكرة تعطيل الحقيقة عبر الخيال، واستخدام اللون الأسود لتحقيق ذلك هو سلاحي الأساسي لتغيير المفاهيم الراسخة حول كيف يجب أن نعيش حياتنا».

«سطور من نور - حروف نكتبها» في بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 2023 (الشرق الأوسط)

في عالم مهند شونو اللون الأسود يتسيد، يرى أن أعماله تحاول استعادة اللون الأسود من فكرة المنع والحجب، حيث ارتبط الخط الأسود بخطوط رقابية كانت ترسم على الصور والرسومات لتغطي ما يحاول الفنان أن يعبر عنه. في عمله ببينالي فينيسيا «منطق الشجر» نسج من الخطوط السوداء شجرة ضخمة انطلقت من خط وحيد لتتمدد، وتحتل مساحة العرض كلها، وتطل بأطرافها للخارج، كانت تحمل داخلها أيضاً تلك الحركة الغامضة المتوثبة للتمدد والخروج. يعود بالذاكرة لطفولته، ويرى أن كل خط أسود استخدمه في أعماله يعود لكل مرة كان يجبر على رسم خط أسود على عنق شخصية رسمها، «عملي في فينيسيا كان نتيجة لمحاولات المعلمين في المدرسة لرسم خط أسود على عنق كل شخصية مرسومة في عالمي الذي كنت أهرب له. وكنت أرى في أوامرهم تعدياً على عالمي. الآن أحاول استعادة مكانة ذلك الخط الأسود، أن أخرجه من كونه أداة للمنع والحذف ليصبح احتفالا بالخيال. لهذا تحولت كل تلك الأفكار لخطوط وخيوط وحبر أسود في أعمالي».

مهند شونو (الفنان)

يرى شونو «سماء غائبة» نموذجاً أولياً لما سينفذه في المستقبل «أفكر الآن في الطريقة التي سأطور بها هذا العمل، كيف سينمو ويتغير».

الحركة الدائمة لذلك الكائن في الأعلى وأصوات الهمهمة في الخلفية عناصر استخدمها شونو في أعمال سابقة: «هذا الكائن الأسود»... يستبق كلماتي، ويقول «هو وحش ولد نتيجة لمحاولات قطع أشجار الخيال، يدافع عن خيالي، وعن خيال كل مبدع».

تتضافر الصور المختلفة هنا لتفسر لنا ولو قليلاً ما يدور بخلد الفنان، يضاف لها عنصر صوتي قد يكون صوت تنفس، في فينيسيا استخدم الفكرة ذاتها، حيث كان الكائن المصنوع من سعف الخل يصدر أصواتاً متقطعة. «أعتقد أن الفكرة هي أن العمل المتخيل حي يتنفس؛ وهو ما يجعل نظرتنا له تختلف من شخص إلى آخر».

الموسيقى المصاحبة أيضاً تبدو مألوفة، هي لمغنٍ بريطاني من أصل صومالي اسمه فيصل أو «فيس صول» بحسب اسمه الفني، تعاون شونو معه من قبل، ويقول: إنَّ أعماله تدور دائماً حول الروح والروحانية، همهماته تبعث الحياة في المعاني المستترة. أسأله «ماذا تضيف الموسيقى لعملك؟»، يجيب قائلاً: «موسيقى (فيس سول) مفعمة بالقوة، أجد نفسي معتاداً على وجودها في أعمالي». غير أنه يضيف أن عرضه القادم، وهو أول معرض منفرد له، سيكون «صامتاً». «في بعض الأحيان، وفي بعض الأعمال يصبح استخدام الصوت مهماً، ولكن أحياناً يمكن الاستغناء عنه. في العمل هنا جربت مع فريقي عدم استخدام الموسيقى، وفضلنا استخدامها؛ فهي موسيقى قوية جداً».

تلفت نظري الحركة المستمرة من الكائن الأسود بالأعلى، يتمدد وينكمش ثم يهبط قليلاً ليراودني الإحساس بأن كائناً غريباً يقترب مني ثم يعاود الصعود للأعلى، يثير إحساساً خفياً بالقلق وربما الخوف. كمن يسبح في خياله يقول شونو: «تعجبني الأفكار التي تعبّر عن السيولة والفيضان الذي يزيل ما أمامه من تراكمات قديمة ليفسح المجال لنمو أشياء جديدة. بالتأكيد لا أريد أن تكون أعمالي ثابتة».

أنهي حديثي مع شونو بسؤال عن أين يجد نفسه الآن «هل أنت سعيد بما حققته حتى الآن؟»، يقول: «أنا ممتن جداً، محاط بأصدقاء رائعين وفنانين صاعدين مبشرين يزورون الاستوديو، أحس بهم كعائلة تنو وتزدهر».



أنشطة منزلية تزيد من تعرضك للجزيئات البلاستيكية الضارة... تعرف عليها

عرض جزيئات بلاستيكية دقيقة تم جمعها من البحر باستخدام مجهر بجامعة برشلونة (أرشيفية - رويترز)
عرض جزيئات بلاستيكية دقيقة تم جمعها من البحر باستخدام مجهر بجامعة برشلونة (أرشيفية - رويترز)
TT

أنشطة منزلية تزيد من تعرضك للجزيئات البلاستيكية الضارة... تعرف عليها

عرض جزيئات بلاستيكية دقيقة تم جمعها من البحر باستخدام مجهر بجامعة برشلونة (أرشيفية - رويترز)
عرض جزيئات بلاستيكية دقيقة تم جمعها من البحر باستخدام مجهر بجامعة برشلونة (أرشيفية - رويترز)

أفاد بحث جديد بأن الأنشطة المنزلية الروتينية قد تعرّض الناس لسحابة من جزيئات البلاستيك الصغيرة جداً، بحيث يمكن استنشاقها عميقاً في الرئتين.

ووجدت الدراسة التي أجريت في جامعة «بورتسموث» أن التمرين الرياضي على سجادة صناعية قد يؤدي إلى استنشاق ما يصل إلى 110 ألياف أو شظايا بلاستيكية كل دقيقة، وفق شبكة «سكاي نيوز» البريطانية.

وأظهرت الدراسة أن طي الملابس المصنوعة من أقمشة مثل البوليستر، وحتى مجرد الجلوس على أريكة، ينتج عموداً من الجزيئات المجهرية في الهواء المحيط.

ويقول الباحثون إن النتائج تؤكد على أهمية المحادثات التي تجريها الأمم المتحدة هذا الأسبوع للاتفاق على معاهدة عالمية للحد من التلوث البلاستيكي.

وفي هذا السياق، قالت فاي كوسيرو، أستاذة التلوث البيئي في الجامعة، التي قادت الدراسة، إن العواقب الصحية للجسيمات البلاستيكية الدقيقة في الجسم لا تزال غير معروفة، لكنها تتخذ بالفعل خطوات للحد من تعرضها، بما في ذلك التحول حيثما أمكن إلى الأرضيات الخشبية والأقمشة المصنوعة من الألياف الطبيعية.

وقالت كوسيرو: «لا أعتقد بأنك بحاجة إلى الذهاب وتمزيق كل قطعة من البلاستيك في منزلك. هذا غير قابل للتطبيق، ولكنني أعتقد بأنه أمر مثير للقلق. إذا تعرضنا كل يوم طوال حياتنا وعشنا حتى سن 80 أو 90 عاماً، فماذا يعني ذلك؟».

وتابعت أنه «ليس مجرد حدث واحد، حيث نتعرض لمدة يوم أو يومين. هذه هي حياتنا بأكملها التي نستنشقها. إذن ماذا يحدث عندما تتراكم؟».

واستخدم الباحثون آلات لتصفية الهواء في غرفة بينما كان المتطوعون يقومون بأنشطة منزلية عادية. ثم حسبوا تركيز البلاستيك الدقيق في الهواء وعدد القطع التي من المحتمل استنشاقها.

أظهرت النتائج أن طي الملابس المصنوعة من الأقمشة الاصطناعية يمكن أن يؤدي إلى استنشاق سبع قطع من البلاستيك الدقيق في الدقيقة. والجلوس على الأريكة يمكن أن يؤدي إلى استنشاق 10 جزيئات كل دقيقة.

ولكن من المرجح أن يكون الحمل البلاستيكي الناتج عن التمرين أعلى بأكثر من 10 مرات، ويرجع ذلك جزئياً إلى التأثير على السجادة، وأيضاً بسبب معدل التنفس الأعلى.

وقالت كوسيرو إن بعض البلاستيك الدقيق سيتم إزالته من الرئتين عن طريق المخاط والسعال. لكن دراسات متعددة أكدت الآن وجود بلاستيك دقيق داخل الجسم، بما في ذلك الأوعية الدموية والمفاصل والأعضاء والدماغ.

ووفق الشبكة البريطانية، فإنه حتى الآن لا يوجد دليل مباشر على أن البلاستيك يسبب اعتلال الصحة، ولكن ثبت أنه يتلف الخلايا ويؤدي إلى الالتهابات، وتقول كوسيرو: «لا أستطيع أن أتخيل أي سيناريو نكتشف فيه أن استنشاق البلاستيك مفيد لنا. نحن نعلم أنه يمكن أن تكون له آثار سلبية عند تركيزات عالية جداً. ما لا نعرفه هو التركيز الذي سيكون عليه في بيئة منزلية، وإذا أردنا أن نتقدم على هذا المنحنى، ونتأكد من بقائنا تحت عتبات (المخاطر)، فنحن بحاجة إلى معرفة ماهيتها في أقرب وقت ممكن».

والبلاستيك الدقيق هو إما ألياف أو شظايا انكسرت من أجسام أكبر. ويقدر العلماء أن هناك ما بين 12.5 تريليون و125 تريليون جسيم أقل من 5 ملم في الحجم تم غسلها في محيطات العالم، حيث تستهلكها الكائنات البحرية وتنتقل إلى سلسلة الغذاء.

وتظهر أحدث الأرقام أن 400 مليون طن من البلاستيك يتم إنتاجها كل عام. ومن المقرر أن يتضاعف هذا الرقم ثلاث مرات بحلول عام 2050، ومع ذلك يتم استخدام نصف البلاستيك مرة واحدة ثم يتم التخلص منه.

ويقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة إن الاستخدام الحالي للبلاستيك غير مستدام. وتريد الأمم المتحدة التوصل إلى اتفاق دولي بشأن معاهدة للحد من تلوث البلاستيك. وقد بدأت الجولة الأخيرة من خمس جولات من المحادثات بين البلدان في بوسان بكوريا الجنوبية.

ومن المرجح أن تتضمن المعاهدة خطوات لتشجيع الاستخدام الأكثر حكمة للبلاستيك، والجهود المبذولة لإعادة استخدامه أو إعادة تدويره. لكن المملكة المتحدة من بين أكثر من 40 دولة تريد أيضاً فرض قيود على الإنتاج.