قبل دقائق من حلول الساعة السادسة مساءً في «الصياهد»، الواقعة على بعد 120 كيلومتراً شمال شرقي العاصمة الرياض، بدأت طلائع الجماهير المتوجهة إلى خيمة «حنّا لها» بالوصول.
وبينما توقع الكثير أن الجماهير الحاضرة جاءت من داخل «مهرجان الملك عبد العزيز للإبل» ومن المخيّمات ومواقع التخييم المحيطة، فإنها في الواقع جاءت من أماكن مختلفة، للاستمتاع بفن «المحاورة» وسط مشاركة لأكبر وأشهر الأسماء في هذا الفن.
فن «المحاورة» يعدّ أحد الفنون الأدبية الشعرية ذات الشعبية الكبيرة، المتمثلة في كلام موزون له معنى يعتمد على الأوزان الشعرية، وينشَد بلحن معين دون تحضيره مسبقاً بين اثنين على الأقل من الشعراء، ويعتمد على «الفتل والنقض» في حينه، ويدور بين شاعر وآخر مباشرة في زمان ومكان واحد، ويعتمد على سرعة البديهة والارتجال.
يقضي هذا الحضور 3 ساعات من الشعر والطرب، يستمتعون خلالها بـ«الفتل والنقض» بين الشعراء المشاركين، الذين جمعهم «مهرجان الملك عبد العزيز للإبل» للمرة الأولى في نسخته الثامنة، في خيمة «حنّا لها».
يقول تركي بن فاهد، وهو أحد الحاضرين في خيمة «حنّا لها»، (الأحد) بأن ما رآه هذا اليوم مختلف عما رآه في اليوم الأول لفعاليات خيمة «حنّا لها»، وأكد أن «الحضور هذه المرة أكبر بكثير من المرة الأولى، وأنا وصلت هنا برفقة 4 من أصدقائي من محافظة القويعية غرب الرياض بـ150 كيلومتراً، لحضور فعاليات هذا الأسبوع كاملاً في المهرجان وهذه الخيمة على وجه الخصوص، بالإضافة إلى القرية التراثية».
أما سلطان العصيمي، فيقول إنه يحضر للمرة الرابعة في خيمة «حنّا لها»، حيث يأتي كل يوم من وسط الرياض برفقة اثنين من أشقائه لغرض حضور المحاورة، وقضاء ليلة في «الصياهد» قبل العودة مجدداً للرياض، مضيفاً أنه سيستمر في الذهاب والمجيء كل يوم من فعاليات الخيمة، نظراً لاهتمامه بشعر المحاورة، ويعلل: «في (حنا لها) يمكنك أن ترضي ذائقتك من شعر المحاورة كل يوم».
ورصدت «الشرق الأوسط» ردود فعل عدد من الحاضرين، الذين صفقوا على مدى الساعات الثلاث لشعرائهم المشاركين.
وبرغم أن من يتأخر عن موعد البدء في الساعة السادسة مساءً، لن تفوته فرصة الدخول إلى الخيمة، فإنه سيعاني للحصول على مقعد جيد، بسبب امتلاء المقاعد المتاحة للحضور، إلا أن البث الفضائي والأجواء المحيطة بالمكان، يجعلان الجميع في جوٍّ من الأُنس، حسبما قال عدد من الحضور لـ«الشرق الأوسط».
وأضفت فعالية فن «المحاورة» في خيمة «حنّا لها» منافسة إضافية في «مهرجان الملك عبد العزيز للإبل»، نظير ما يحظى به هذا الفن من جماهيرية وانتشار واسعين على مستوى السعودية ودول الخليج العربية، ويشارك فيه شعراء سعوديون وغير سعوديين كذلك، بينما يستمتع الجمهور بلحظات نادرة يجتمع فيها شعراء «النخبة» في «المحاورة».
وخلال تدشين فعالية «حنّا لها» أشار فهد بن حثلين رئيس مجلس إدارة «نادي الإبل»، إلى أن شعر المحاورة «أحد أوجه تراثنا الوطني العريق»، وبحضوره في أكثر من مرة فعاليات الخيمة، يؤكد ابن حثلين على ما قاله إن «هذه الأرض التي احتضنت التاريخ العريق، نقلته إلى الأجيال صوتاً ونغماً وكلمة، حتى أصبح شعراً ولحناً ومجاميع مردّدة خالدة».
وفي الإطار، يحضر «شعر الزجل» بمشاركة شعراء من لبنان، تقدّمهم الشاعر طليع حمدان رئيس فرقة الربيع، والشاعر حبيب بو أنطوان رئيس فرقة المجد.
وبرغم ندرة المعلومات وشحّ المصادر حول هذا النوع من الشعر، فإن الجمهور الغفير في خيمة «حنّا لها» بقي لساعات يتابع فعاليات من الأمسية التي أقامها المهرجان بمشاركة شعراء وفرق من لبنان.
ووفقاً للشاعر اللبناني حبيب بو أنطوان، فهناك بعض أوجه الشبه بين شعر «المحاورة» السعودي، وشعر «الزجل» اللبناني، حيث أكد أن التشابه بين شعر «الزجل» وشعر «المحاورة» في جوانب «الحوار والتحدي والمنافسة والألغاز، غير أنه في الزجل لا يكون هناك صفوف بأعداد تتجاوز الـ20 شخصاً مثلما هي الحال صفوف المحاورة».