وسط نيران حرب... مدن السودان تزدهر ثقافياً

المخرج السوداني صهيب قسم الباري في الجونة بمصر (رويترز)
المخرج السوداني صهيب قسم الباري في الجونة بمصر (رويترز)
TT

وسط نيران حرب... مدن السودان تزدهر ثقافياً

المخرج السوداني صهيب قسم الباري في الجونة بمصر (رويترز)
المخرج السوداني صهيب قسم الباري في الجونة بمصر (رويترز)

وسط دوي القنابل وغارات الطيران في الخرطوم، تشهد ولايات السودان الهادئة نسبياً حراكاً ثقافياً كبيراً، فبعد اندلاع الحرب في 15 أبريل (نيسان) الماضي بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، افتُتحت سينما كوستي الأهلية بعد 27 عاماً من إغلاقها إبان حكم نظام الرئيس المخلوع، عمر البشير، الذي حارب فترة حكمه جميع أنواع الفنون.

مدينة كوستي جنوب السودان هي أكبر مدن ولاية النيل الأبيض، وتبعد عن العاصمة الخرطوم 360 كيلومتراً.

وخلال الفترة الماضية، أقيم مهرجان للمسرح الحر في مدينة كوستي، ونُظّمت ورش وفعاليات ثقافية في عدد من المدن السودانية بينها بورتسودان والجزيرة وسنار ودنقلا.

يقول فائز حسن، صانع أفلام، لـ«الشرق الأوسط»: إن «الاحتفاء بافتتاح سينما كوستي بعد 27 عاماً على إغلاقها هو تتويج لعمليات الحراك الثقافي، الذي أُقيم في عدد من الولايات، الذي تربطه علاقة مباشرة بحركات التغيير الشبابية التي اشتعلت قبيل اندلاع ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، مما فجر طاقات الشباب في إعادة الفنون تحديداً السينما». كما أشار إلى السنوات الخمس الماضية التي شهدت اعتلاء الأفلام السودانية للمنصات العالمية، في مهرجان «كان» و«فينيسيا» حين فاز فيلم «ستموت في العشرين» في عام 2019، وفي مهرجان «برلين» بنسخته الـ69 حقق الفيلم الوثائقي السوداني «الحديث عن الأشجار» للمخرج صهيب قسم الباري جائزتين، الأولى عن أفضل فيلم وثائقي، والثانية جائزة الجمهور في قسم البانوراما.

وتطرّق حسن إلى السنوات الـ35 الماضية حين أغلقت السلطات أكثر من 50 دار عرض واستخدمتها لأنشطة أخرى لا علاقة لها بالسينما أو الثقافة والفنون، وتابع: «ما حدث كان محزناً، لكن الآن هنالك تغيير ثقافي يجري رغم الحرب، خصوصاً فيما يتعلق بالسينما السودانية بشقيها (صناعة الأفلام وإعادة إحياء دور العرض) ونشر ثقافة حضور العروض السينمائية».

حسب حسن، فإن إعادة إحياء سينما كوستي سبقتها محاولات إحياء سينما (الحلفايا، والثورة)، مشيراً إلى أن الفنون لديها دور كبير في الحياة العامة، والتاريخ الإنساني، وتشكيل ثقافة المجتمعات، وقد تسهم في وقف الحروب وإرساء السلام، فلطالما كانت الفنون بأنواعها الأكسجين الذي يتنفسه المواطن خلال الظروف الصعبة.

بدوره يقول مهند الدابي، مهتم بالسينما، لـ«الشرق الأوسط»: «لعبت السينما في السودان دوراً كبيراً في تشكيل الوعي والثقافة»، وتابع: «كانت الدولة خلال حقبة من الحقب تهتم بدور السينما اهتماماً كبيراً لدرجة أن افتتاح سينما (كلوزيوم الخرطوم) كان على يد الكاتب اليوناني المشهور نيكوس كازانتزاكيس، صاحب رواية (زوربا) وكان وقتها وزيراً في حكومة بلاده». وأضاف: «نحن سعداء الآن بعودة سينما كوستي رغم جميع المحاولات لإغلاقها».


مقالات ذات صلة

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

يوميات الشرق هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي بدورته الـ45 «تشريفاً تعتز به».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
TT

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)
اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)

على عمق يتخطى 100 متر تحت الأرض (328 قدماً) ثمة عالم مفقود من الغابات القديمة والنباتات والحيوانات. كل ما يمكنك رؤيته هناك قمم الأشجار المورقة، وكل ما تسمعه صدى أزيز حشرة الزيز وأصوات الطيور، الذي يتردد على جوانب الجروف، حسب «بي بي سي» البريطانية .على مدى آلاف السنين، ظل ما يعرف بـ«الحفرة السماوية» أو «تيانكنغ»، كما تُسمى باللغة المندرينية، غير مكتشفة، مع خوف الناس من الشياطين والأشباح، التي تختبئ في الضباب المتصاعد من أعماقها. إلا أن طائرات الدرون وبعض الشجعان، الذين هبطوا إلى أماكن لم تطأها قدم بشر منذ أن كانت الديناصورات تجوب الأرض، كشفت عن كنوز جديدة، وحوّلت الحفر الصينية إلى معالم سياحية. ويُعتقد أن ثلثي الحفر، التي يزيد عددها عن 300 في العالم، توجد في الصين، منتشرة في غرب البلاد، منها 30 حفرة، وتضم مقاطعة «قوانغشي» في الجنوب أكبر عدد من هذه الحفر، مقارنة بأي مكان آخر. وتمثل أكبر وأحدث اكتشاف قبل عامين في غابة قديمة تحتوي على أشجار يصل ارتفاعها إلى 40 متراً (130 قدماً). تحبس هذه الحفر الزمن في باطنها، ما يحفظ النظم البيئية الفريدة والدقيقة لقرون. ومع ذلك، بدأ اكتشافها يجذب السياح والمطورين، ما أثار المخاوف من أن هذه الاكتشافات المدهشة والنادرة قد تضيع إلى الأبد.

بوجه عام، تعد هذه الحفر الأرضية نادرة، لكن الصين، خاصة «قوانغشي»، تضم كثيراً منها بفضل وفرة الصخور الجيرية. جدير بالذكر هنا أنه عندما يذيب نهر تحت الأرض الصخور الجيرية المحيطة ببطء، تتكون كهوف تتمدد صعوداً نحو الأرض. وفي النهاية، تنهار الأرض تاركة حفرة واسعة، ويجب أن يكون عمقها وعرضها لا يقل عن 100 متر حتى تُعدّ حفرة أرضية. وبعض الحفر، مثل تلك التي جرى اكتشافها في «قوانغشي» عام 2022، أكبر من ذلك، مع امتدادها لمسافة 300 متر في الأرض، وعرضها 150 متراً.

من وجهة نظر العلماء، تمثل هذه الحفر العميقة رحلة عبر الزمن، إلى مكان يمكنهم فيه دراسة الحيوانات والنباتات، التي كانوا يعتقدون أنها انقرضت. كما اكتشفوا أنواعاً لم يروا أو يعرفوا عنها من قبل، بما في ذلك أنواع من أزهار الأوركيد البرية، وأسماك الكهوف البيضاء الشبحية، وأنواع من العناكب والرخويات. وداخل محميات من الجروف الشاهقة، والجبال الوعرة، والكهوف الجيرية، ازدهرت هذه النباتات والحيوانات في أعماق الأرض.