جوليا روبرتس «تترك العالم وراءها»... والشخصية «لا تحظى بإعجاب»

التوتّر والتردّد والغرائب في سيطرة تامة على المشهد

جوليا روبرتس بشخصية «أماندا ساندفورد» في الفيلم (أ.ب)
جوليا روبرتس بشخصية «أماندا ساندفورد» في الفيلم (أ.ب)
TT

جوليا روبرتس «تترك العالم وراءها»... والشخصية «لا تحظى بإعجاب»

جوليا روبرتس بشخصية «أماندا ساندفورد» في الفيلم (أ.ب)
جوليا روبرتس بشخصية «أماندا ساندفورد» في الفيلم (أ.ب)

ماذا ستفعل إذا طرق بابَ منزلك المُستأجر خلال الليل، شخصٌ من دون أوراق ثبوتية، يرتدي بدلة سهرة أنيقة وبصحبته ابنته، قائلاً إنه مالكه، وطلب السماح له بالدخول؟

يحتوي فيلم الإثارة «ليف ذا وورلد بِهايند» (اترك العالم وراءك) على لحظات تجعلك تتساءل: «ماذا ستفعل في هذا الموقف؟». تُخيم الأحداث الغامضة، وتُخضع الجميع للاختبار، وذلك في الفيلم المستوحى من رواية تحمل الاسم عينه لرومان علام.

بضحكة، تقول النجمة الأميركية جوليا روبرتس لوكالة الأنباء الألمانية من لندن: «لم أكن لأفتح الباب». وهي تؤدّي دور «أماندا ساندفورد»، المديرة التنفيذية في مجال الإعلان بنيويورك، والتي تحجز فيلا فاخرة لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع أسرتها، في حين يبعد أقرب الجيران عنهم ملايين الأميال.

جوليا روبرتس وماهرشالا علي في لقطة من الفيلم (أ.ب)

وبرفقة زوجها الأستاذ الجامعي «كلاي» (إيثان هوك)، وولديهما، تريد «أماندا» أن «تترك العالم وراءها»، وهو الشعار الدعائي للمنزل، الذي لا يعمل فيه الإنترنت والهواتف والتلفزيون.

يعلّق المخرج وكاتب السيناريو سام إسماعيل، والابتسامة على وجهه في حديث للوكالة عينها: «الفيلم سيجعل الجميع يشعرون بالتوتر».

مشهد من الفيلم الذي أنتجته شبكة «نتفليكس» (أ.ب)

الولدان كانا نائمَيْن، و«أماندا» و«كلاي» يحتسيان مشروباً، عندما يسمعان طرقاً على الباب. رجل (ماهرشالا علي)، يُعرّف عن نفسه على أنه جورج، صاحب الفيلا. ويقول إنّ الكهرباء انقطعت تماماً في نيويورك، ولأسباب أمنية جاء وابنته إلى هنا، سائلاً قضاء الليلة معهما، فيبدو على «أماندا» التردّد، لكن «كلاي» يقنع زوجته بمساعدة الغرباء.

لم تعد روبرتس تقوم بأدوار الفتاة اللطيفة، التي كانت سبباً في شهرتها الطاغية. وتتّسم شخصية «أماندا» بالصعوبة، ولا تحظى بالإعجاب دائماً، وهو أمر قد يُفهَم في هذا الموقف الصعب.

تقول الممثلة: «أتفهم اتّسام الشخصية بالتشكك والحماية المفرطة. هي فقط تحاول استيعاب أمور لامنطقية تحدُث».

التردّد والتوتر سيّدا الموقف (أ.ب)

في الليلة عينها، يستعيد التلفزيون الإرسال، فيظهر الخبر: الولايات المتحدة تعلن حالة الطوارئ. ما حدث ليس واضحاً، لكن يبدو أن «جورج» يعلم أكثر من الآخرين. تتضاعف الأحداث الغريبة: أصوات

تصمّ الأذن، طائرات «درون» توزّع منشورات، وظهور مفاجئ لحيوانات برّية، وتحطُّم طائرة، فينتشر الخوف وانعدام الثقة.

يخيّم مناخ غير مستقر على الفيلم، فيوضح مخرجه (46 عاماً) المتأثر بأفلام هيتشكوك: «هو فيلم كارثة، ولكن الشخصيات محور القصة. عناصر الكارثة ثانوية، ويتمّ نوعاً ما دفعها بعيداً». فالكارثة الحقيقية بعيدة، والمُشاهد يُترَك ليُخمّن ما يحدث حتى النهاية المفتوحة على التشويق.

روبرتس حاصلة على «أوسكار» عن دورها في «إرين بروكوفيتش» (أ.ب)

يقدّم النجوم؛ روبرتس الحاصلة على «أوسكار» عن دورها في «إرين بروكوفيتش»، وعلي الحاصل على «أوسكار» مرتين عن دوره في «مون لايت، وغرين بوك»، وهوك المرشّح لـ«أوسكار» 4 مرات؛ أفضل أدائهم في فيلم صُنع بذكاء ليُحفّز على التفكير.

وهذا الفيلم الذي أنتجته شبكة «نتفليكس»، وصدر في 8 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، ومن بين منتجيه التنفيذيين الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما وزوجته ميشيل، لم يُعرض في السينما إلا لفترة قصيرة؛ وذلك ليصبح مؤهلاً للمشاركة في جوائز «أوسكار» العام المقبل.


مقالات ذات صلة

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

يوميات الشرق «أرزة» تحمل الفطائر في لقطة من الفيلم اللبناني (إدارة المهرجان)

دياموند بو عبود: «أرزة» لسانُ نساء في العالم يعانين الحرب والاضطرابات

تظهر البطلة بملابس بسيطة تعكس أحوالها، وأداء صادق يعبّر عن امرأة مكافحة لا تقهرها الظروف ولا تهدأ لتستعيد حقّها. لا يقع الفيلم اللبناني في فخّ «الميلودراما».

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق المخرج المصري بسام مرتضى يرفع بجوائز فيلمه «أبو زعبل 89» (إدارة المهرجان)

«القاهرة السينمائي» يوزّع جوائزه: رومانيا وروسيا والبرازيل تحصد «الأهرامات الثلاثة»

أثار الغياب المفاجئ لمدير المهرجان الناقد عصام زكريا عن حضور الحفل تساؤلات، لا سيما في ظلّ حضوره جميع فعاليات المهرجان.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
TT

«المرايا» رؤية جديدة لمعاناة الإنسان وقدرته على الصمود

شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)
شخوص اللوحات تفترش الأرض من شدة المعاناة (الشرق الأوسط)

في النسيج الواسع لتاريخ الفن التشكيلي، تبرز بعض الأعمال الفنية وتكتسب شهرة عالمية، ليس بسبب مفرداتها وصياغاتها الجمالية، ولكن لقدرتها العميقة على استحضار المشاعر الإنسانية، وفي هذا السياق تُعدّ لوحات الفنان السوري ماهر البارودي بمنزلة «شهادة دائمة على معاناة الإنسان وقدرته على الصمود»، وهي كذلك شهادة على «قوة الفن في استكشاف أعماق النفس، وصراعاتها الداخلية».

هذه المعالجة التشكيلية لهموم البشر وضغوط الحياة استشعرها الجمهور المصري في أول معرض خاص لماهر البارودي في مصر؛ حيث تعمّقت 32 لوحة له في الجوانب الأكثر قتامة من النفس البشرية، وعبّرت عن مشاعر الحزن والوحدة والوجع، لكنها في الوقت ذاته أتاحت الفرصة لقيمة التأمل واستكشاف الذات، وذلك عبر مواجهة هذه العواطف المعقدة من خلال الفن.

ومن خلال لوحات معرض «المرايا» بغاليري «مصر» بالزمالك، يمكن للمشاهدين اكتساب فهم أفضل لحالتهم النفسية الخاصة، وتحقيق شعور أكبر بالوعي الذاتي والنمو الشخصي، وهكذا يمكن القول إن أعمال البارودي إنما تعمل بمثابة تذكير قوي بالإمكانات العلاجية للفن، وقدرته على تعزيز الصحة النفسية، والسلام، والهدوء الداخلي للمتلقي.

لماذا يتشابه بعض البشر مع الخرفان (الشرق الأوسط)

إذا كان الفن وسيلة للفنان والمتلقي للتعامل مع المشاعر، سواء كانت إيجابية أو سلبية، فإن البارودي اختار أن يعبِّر عن المشاعر الموجعة.

يقول البارودي لـ«الشرق الأوسط»: «يجد المتلقي نفسه داخل اللوحات، كل وفق ثقافته وبيئته وخبراته السابقة، لكنها في النهاية تعكس أحوال الجميع، المعاناة نفسها؛ فالصراعات والأحزان باتت تسود العالم كله». الفن موجود إذن بحسب رؤية البارودي حتى يتمكّن البشر من التواصل مع بعضهم بعضاً. يوضح: «لا توجد تجربة أكثر عالمية من تجربة الألم. إنها تجعلهم يتجاوزون السن واللغة والثقافة والجنس لتعتصرهم المشاعر ذاتها».

الفنان السوري ماهر البارودي يحتفي بمفردة الخروف في لوحاته (الشرق الأوسط)

لكن ماذا عن السعادة، ألا تؤدي بالبشر إلى الإحساس نفسه؟، يجيب البارودي قائلاً: «لا شك أن السعادة إحساس عظيم، إلا أننا نكون في أقصى حالاتنا الإنسانية عندما نتعامل مع الألم والمعاناة». ويتابع: «أستطيع التأكيد على أن المعاناة هي المعادل الحقيقي الوحيد لحقيقة الإنسان، ومن هنا فإن هدف المعرض أن يفهم المتلقي نفسه، ويفهم الآخرين أيضاً عبر عرض لحظات مشتركة من المعاناة».

وصل الوجع بشخوص لوحاته إلى درجة لم يعد في استطاعتهم أمامه سوى الاستسلام والاستلقاء على الأرض في الشوارع، أو الاستناد إلى الجدران، أو السماح لعلامات ومضاعفات الحزن والأسى أن تتغلغل في كل خلايا أجسادهم، بينما جاءت الخلفية في معظم اللوحات مظلمةً؛ ليجذب الفنان عين المشاهد إلى الوجوه الشاحبة، والأجساد المهملة الضعيفة في المقدمة، بينما يساعد استخدامه الفحم في كثير من الأعمال، وسيطرة الأبيض والأسود عليها، على تعزيز الشعور بالمعاناة، والحداد على العُمر الذي ضاع هباءً.

أحياناً يسخر الإنسان من معاناته (الشرق الأوسط)

وربما يبذل زائر معرض البارودي جهداً كبيراً عند تأمل اللوحات؛ محاولاً أن يصل إلى أي لمسات أو دلالات للجمال، ولكنه لن يعثر إلا على القبح «الشكلي» والشخوص الدميمة «ظاهرياً»؛ وكأنه تعمّد أن يأتي بوجوه ذات ملامح ضخمة، صادمة، وأحياناً مشوهة؛ ليعمِّق من التأثير النفسي في المشاهد، ويبرز المخاوف والمشاعر المكبوتة، ولعلها مستقرة داخله هو نفسه قبل أن تكون داخل شخوص أعماله، ولمَ لا وهو الفنان المهاجر إلى فرنسا منذ نحو 40 عاماً، وصاحب تجربة الغربة والخوف على وطنه الأم، سوريا.

أجواء قاتمة في خلفية اللوحة تجذب العين إلى الألم البشري في المقدمة (الشرق الأوسط)

وهنا تأخذك أعمال البارودي إلى لوحات فرنسيس بيكون المزعجة، التي تفعل كثيراً داخل المشاهد؛ فنحن أمام لوحة مثل «ثلاث دراسات لشخصيات عند قاعدة صلب المسيح»، نكتشف أن الـ3 شخصيات المشوهة الوحشية بها إنما تدفعنا إلى لمس أوجاعنا وآلامنا الدفينة، وتفسير مخاوفنا وترقُّبنا تجاه ما هو آتٍ في طريقنا، وهو نفسه ما تفعله لوحات الفنان السوري داخلنا.

لوحة العائلة للفنان ماهر البارودي (الشرق الأوسط)

ولا يعبأ البارودي بهذا القبح في لوحاته، فيوضح: «لا أحتفي بالجمال في أعمالي، ولا أهدف إلى بيع فني. لا أهتم بتقديم امرأة جميلة، ولا مشهد من الطبيعة الخلابة، فقط ما يعنيني التعبير عن أفكاري ومشاعري، وإظهار المعاناة الحقيقية التي يمر بها البشر في العالم كله».

الخروف يكاد يكون مفردة أساسية في أعمال البارودي؛ فتأتي رؤوس الخرفان بخطوط إنسانية تُكسب المشهد التصويري دراما تراجيدية مكثفة، إنه يعتمدها رمزيةً يرى فيها تعبيراً خاصاً عن الضعف.

لبعض البشر وجه آخر هو الاستسلام والهزيمة (الشرق الأوسط)

يقول الفنان السوري: «الخروف هو الحيوان الذي يذهب بسهولة لمكان ذبحه، من دون مقاومة، من دون تخطيط للمواجهة أو التحدي أو حتى الهرب، ولكم يتماهى ذلك مع بعض البشر»، لكن الفنان لا يكتفي بتجسيد الخروف في هذه الحالة فقط، فيفاجئك به ثائراً أحياناً، فمن فرط الألم ومعاناة البشر قد يولد التغيير.