ميشيل تويني لـ«الشرق الأوسط»: لم أُرد إقفال منزل جدّي

برنامجها «بيت الشاعر» يفي بوصية المعلّم

ميشيل تويني تُبقي منزل جدّها مشرعاً لأهل الثقافة (حسابها الشخصي)
ميشيل تويني تُبقي منزل جدّها مشرعاً لأهل الثقافة (حسابها الشخصي)
TT

ميشيل تويني لـ«الشرق الأوسط»: لم أُرد إقفال منزل جدّي

ميشيل تويني تُبقي منزل جدّها مشرعاً لأهل الثقافة (حسابها الشخصي)
ميشيل تويني تُبقي منزل جدّها مشرعاً لأهل الثقافة (حسابها الشخصي)

شعرت حفيدة معلّم الصحافة اللبنانية غسان تويني، وابنة نجله جبران المُضرَّجة دماؤه قبل 18 عاماً في مثل هذا الشهر، ميشيل تويني، بالحاجة إلى إبقاء بيت الجدّ مشرعاً على الثقافة. كانت هذه وصيته، بعدما ضجّ المنزل المقيم بين صنوبرات منطقة بيت مري، باللقاءات والأمسيات الشعرية. برنامجها «بيت الشاعر» («الجديد» و«النهار»)، يحافظ على اسم المكان المهيب، حيث أقام رجل الحبر وزوجته الشاعرة نادية تويني المُعذَّبة قصيدتُها.

خلال تقديم إحدى الحلقات (صور ميشيل تويني)

تعترف ميشيل تويني لـ«الشرق الأوسط» بأنّ أهمية المنزل بالنسبة إلى جدّها تساوي حجم حبّه لجريدة «النهار» التي أسَّسها والده، فصدر العدد الأول منها قبل 90 عاماً، واحتضنت بين صفحاتها الأسماء والقامات. تقول: «لم أُرد موت هذه الرسالة. شعرتُ أنني معنيّة، فجدّي لم يُقفل بابه وظلَّ النقاش الثقافي يتمدّد في الأرجاء».

بدأت التصوير، فلمحت في المحتوى إفادة للتلفزيون: «فكرتُ بالعرض عبر منصات (النهار) فقط. لكنّ كل ما في البرنامج يناسب التلفزيون أكثر من (الأونلاين). مدّته أطول مما يقتضيه عصر السرعة. تواصلتُ مع (الجديد)، فالمحطة مُشاهَدة، وأردتُ الوصول إلى الفئة الأخرى. المتلقّي عبر (النهار)، وعلى الطرف المقابل عبر (الجديد)، يُكمل بعضهما البعض».

جانب من المنزل الأيقوني (صور ميشيل تويني)

صعَّبت الأحوال الإبقاء على ضيفين في الحلقة، كما الموسم الأول. فنانون غادروا، وآخرون بين لبنان والخارج، مُنهَكون في الأسفار والوقت. أرادت الذهاب في النقاش أبعد من طرح السؤال وانتظار الجواب. حين تَواجه الممثلان جورج خباز وتقلا شمعون مثلاً، رفعا الحوار إلى مرتبة أعلى. اليوم، يحلّ الضيف الواحد، فتتولّى ميشيل تويني المنحى التفاعلي. لا تكتفي بطرح السؤال، بل تتعمّق. تضع ضيفها أمام إشكاليات الحياة والموت والعلاقات. وبدوره، يردّ السؤال بأسئلة، ويعيد الكرة إلى ملعبها.

يأخذها تعذُّر إيجاد الضيوف، إلى الاكتفاء بضيف. فالحلقة التي جمعت الممثلين كارمن لبّس وبديع أبو شقرا مثلاً، تطلّبت 4 أشهر لاكتمال اللقاء. كلاهما التزم بأشغال بين لبنان والخارج، ولم تُوفَّق في تقريب المسافة إلا بعد عناء المحاولة.

الصحافية اللبنانية ميشيل تويني (حسابها الشخصي)

ظنّت أنها ستصوّر البرنامج لموسم وبحلقات أقلّ، فدفعها انتشاره والتقبُّل الجماهيري إلى موسم ثانٍ. وبعد متابعة لبعض ما يقدّمه التلفزيون اللبناني، تقول بصراحة: «الإعلام الذي أحبّه، يتلاشى. معظم ما يُبثّ على شاشاتنا لم يعد يشبهني. الجميع تقريباً يطارد نسبة المُشاهدة ويسعى من أجلها. لستُ من هذه المدرسة، ولا أزجّ بنفسي في خصوصيات ضيوفي». تُنبّه إلى عدم التعميم حيال محتوى التلفزيون اللبناني، فرأيها يشمل ما تقع عليه عيناها. وتتساءل باستغراب: «كيف يطرح البعض أسئلة تُحرج المُحاوَر والمُحاوِر؟ أفكر بذلك كلما شاهدتُ ما أجده غريباً عني».

وإنْ استضافت سياسياً أو إعلامياً، يسوقهما الحوار إلى الإنسان وهموم الحياة. لا بدّ من التوقف أمام الأسماء. فمنزل غسان تويني يفترض أن يدخله مَن أنجزوا وتركوا الأثر. هو ليس استوديو يجلس الجميع على مقاعده. المنزل مهيب، يسكنه طيف الرجل، ولوحاته وأيقوناته ومكتبته الضخمة وذكرياته. تجيب بأنّ المسألة تؤرقها: «أحاول إيجاد مَن يتشاركون شيئاً مع المكان. الممثل المسرحي رفعت طربيه أخبرني كثيراً عن (مهرجان البستان) الذي اعتاد جدّي حضور أمسياته. أما زميله رفيق علي أحمد، فكنتُ لا أزال صغيرة حين اصطحبني غسان تويني لمشاهدة مسرحياته. أحاول أيضاً استضافة ممثلين وفنانين شباب، فتصل رسالة البرنامج إلى الجيل الجديد».

حميمية المنزل تُضفي شاعرية على الحوار (صور ميشيل تويني)

أخبرها الإعلامي سامي كليب عن لقائه الأخير بجدّها في باريس. لم تعلم أنهما على معرفة حين استضافته. وأمام هيبة المكان، اختارت الممثلة رلى حمادة قراءة قصائد لسيدة التراجيديا نادية تويني. ولمّا دوَّنت كلمتها الأخيرة في الحلقة، استعانت بومضات من شِعرها. هذا هو برنامج «بيت الشاعر»: عَبَقٌ يبقى.

الإقامة بين الصنوبرات (صور ميشيل تويني)

ترى في الحوار «اكتشافاً للآخر وأفكاره»، وتعدّه من أرقى أشكال الصحافة. تتحدّث عن تجربة التقديم التلفزيوني: «من أهم ما أتاحته لي المهنة. أصوّر لساعات، لكنّ الوقت الذي أمضيه في المونتاج، أنعزل به تماماً عن بشاعة العالم. هنا؛ أمارس أقصى درجات الشغف. أمتلكُ وقت المونتاج، وأشعر بأنه يخصّني وحدي».

بالنسبة إليها، فإنّ ما تقدّمه هو تواصل، لا «مقابلة عادية»: «يجعلني ضيوفي أعود إلى المنزل مُحمَّلة بنظرتهم إلى العالم. فهم يحرّضون على التساؤل، ويتحلّون بأفكار خاصة. حين تحدّثتُ والمهندس المعماري برنارد خوري عن مؤسسة الزواج، أضاء على زوايا لم أكن أراها. البرنامج يُدخِل مُتابعه في مراجعة ذاتية، إن أمعن الإصغاء وتنبّه إلى ما يُحكى».

الأيقونات التاريخية في منزل غسان تويني (صور ميشيل تويني)

الجانب البديع، هو وقوف الضيوف أمام جدار يعجّ بالأيقونات التاريخية التي اعتاد غسان تويني جمعها من روسيا واليونان ودول تراها فناً يُعرض في المتاحف والكنائس. يُضاف إلى هذا الجمال الخالص، عددٌ هائل من اللوحات، وأكثر من 10 آلاف كتاب تحتويها المكتبة بالطابق الأسفل. تأمّلت ورد الخال اللوحات، وجرَّها الحديث إلى والدتها مها بيرقدار ووالدها الشاعر يوسف الخال. ضيوفٌ سُئلوا أمام كتب حرص جدّها على جمعها، ومنها النادر، عما يقرأون. لقاء ثقافي، يمنحه المنزل شاعرية.

تحلّ الذكرى الـ18 على اغتيال جبران تويني، فتهديه حلقة تُعرض الأحد. من منزله «بيت الشاعر»، وأمام هيبة الطبيعة وأصوات «الزيز» والعصافير، وبجانب مدفن نادية تويني والمسرح في الهواء الطلق، تُحاوِر في وجع الغياب، باستضافة أحبة واستعادة ذكريات. غادر المنزلَ أفرادُه، واشتدّت قسوة الحياة. لكنه، يبقى، مثل أشجار زرعها غسان تويني بنفسه، الشاهد على عظمة التضحية.


مقالات ذات صلة

رحيل الإعلامية ليلى رستم يذكّر ببدايات التلفزيون المصري

يوميات الشرق الإعلامية المصرية ليلى رستم من جيل الرواد بالتلفزيون المصري (منصة إكس)

رحيل الإعلامية ليلى رستم يذكّر ببدايات التلفزيون المصري

رحلت الإعلامية المصرية ليلى رستم، الخميس، عن عمر يناهز 88 عاماً، بعد تاريخ حافل في المجال الإعلامي، يذكّر ببدايات التلفزيون المصري في ستينات القرن العشرين.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق دفء الشخصيات (رويال ميل)

احتفال خاص للبريد الملكي البريطاني بمسلسل «قسيسة ديبلي»

أصدر البريد الملكي البريطاني (رويال ميل) 12 طابعاً خاصاً للاحتفال بمسلسل «The Vicar of Dibley» (قسيسة ديبلي) الكوميدي الذي عُرض في تسعينات القرن الماضي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
تكنولوجيا يستمر معرض «CES 2025» حتى التاسع من شهر يناير بمشاركة عشرات الآلاف من عشاق التكنولوجيا والشركات التقنية في مدينة لاس فيغاس (CES)

معرض «CES» يكشف أحدث صيحات التقنيات الاستهلاكية لـ2025

إليكم بعض أبرز الابتكارات التي تكشف عنها كبريات شركات التكنولوجيا خلال أيام المعرض الأربعة في مدينة لاس فيغاس.

نسيم رمضان (لندن)
يوميات الشرق مسلسل «فريد» أول خطوة في عالم الدبلجة باللبنانية على «إم تي في»

مسلسل «فريد» ... خطوة نحو عالم دبلجة المسلسلات التركية باللبنانية

هذه الخطوة تعدّ الأولى من نوعها في لبنان، وقرّرت المحطة ولوجها في قرارٍ صعب، كما وصفه مديرها كريستيان الجميّل.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق انطلق عرض الموسم الثاني من «Squid Game» قبل أيام (نتفليكس)

«الحبّار 2» يقع ضحيّة لعبته... المسلسل العائد بعد 3 سنوات يخسر عنصر الدهشة

بعض المسلسلات لم يُكتب لها أن تفرز مواسم جديدة، إنما عليها الاكتفاء بمجد الموسم الواحد. لكن يبدو أن فريق «لعبة الحبّار» لم يستوعب هذا الأمر.

كريستين حبيب (بيروت)

مصر: ضحية جديدة تُصعّد حملة مكافحة التنمّر ضد الأطفال

وزارة التربية والتعليم أطلقت حملات لمكافحة التنمر (فيسبوك)
وزارة التربية والتعليم أطلقت حملات لمكافحة التنمر (فيسبوك)
TT

مصر: ضحية جديدة تُصعّد حملة مكافحة التنمّر ضد الأطفال

وزارة التربية والتعليم أطلقت حملات لمكافحة التنمر (فيسبوك)
وزارة التربية والتعليم أطلقت حملات لمكافحة التنمر (فيسبوك)

في حادث مأساوي بمحافظة الإسكندرية (شمال مصر)، تخلصت طفلة (11 عاماً) في المرحلة الابتدائية بالتعليم من حياتها، بعد أن تعرّضت إلى ضغوط نفسية بسبب تعرضها للتنمر من زميلاتها في المدرسة، حسبما ذكرت في رسالة تركتها لأسرتها، وفق وسائل إعلام محلية وحملات «سوشيالية» تدعو لمكافحة التنمر ضد الأطفال.

وكشف أقارب أسرة الطفلة ووسائل إعلام مصرية عن أن الطفلة التي تدرس في الصف السادس الابتدائي بإحدى المدارس الخاصة في محافظة الإسكندرية سقطت من الطابق الثامن بمنزلها على الأرض مفارقة الحياة.

وانتشرت حملات على «السوشيال ميديا» تطالب بمكافحة التنمر ضد الأطفال، واستعادة الحملات القديمة التي أطلقتها في السابق وزارة التربية والتعليم مع المجلس القومي للطفولة والأمومة بالتعاون مع «يونيسيف».

ويرى الأستاذ في المركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية بمصر، الدكتور فتحي قناوي، أن «مواجهة التنمر مسؤولية جماعية وليست فردية، يجب أن يشترك فيها الجميع؛ الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام وحتى صناع الدراما»، مشيراً في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «هذه العوامل هي التي تشكّل بدايات التكوين لدى الأطفال وتعلمهم القيم والمبادئ التي ينشأون عليها ومن ثمّ يمكن أن يتحوّل بعضهم لمتنمرين ويسقط آخرون ضحيتهم».

وكانت مصر قد أطلقت حملة مجتمعية تحت عنوان «أنا ضد التنمر» عام 2018، شارك فيها عدد من الفنانين مثل يسرا وأحمد حلمي ومنى زكي، تضمّنت حملات تلفزيونية ولافتات دعائية في الشوارع والميادين بمناطق متنوعة، للتوعية ومكافحة ظاهرة «التنمر بين طلاب المدارس».

واستهدفت الحملة التوعية بأخطار الظاهرة، وذكرت وزارة التربية والتعليم، في بيان لها خلال إطلاق الحملة الجديدة، أن «الدراسات العالمية تشير إلى أن 8 من طلاب المدارس الثانوية يغيبون يوماً واحداً في الأسبوع على الأقل بسبب الخوف من الذهاب إلى المدرسة تجنباً للتنمّر».

في حين ترى الخبيرة الحقوقية هبة عادل، رئيسة مؤسسة المحاميات المصريات لحقوق المرأة، أن «حادث انتحار الطفلة نتيجة التنمر ليس مجرد حادث فردي، بل هو إنذار يدق ناقوس الخطر بشأن ازدياد حوادث التنمر بين الأطفال»، موضحة لـ«الشرق الأوسط» أن «معالجة هذه الظاهرة تبدأ من الالتزام بتطبيق القانون، وتعزيز دور المؤسسات التعليمية في بناء بيئة آمنة، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال ضحايا التنمر. فيجب أن تكون العدالة حاضرة لضمان عدم تكرار مثل هذه المآسي، وحماية حقوق الأطفال في عيش حياة كريمة وآمنة».

قانون العقوبات المصري، وبالتحديد المادة 309 مكرّر (ب)، يصف التنمر بالجريمة التي يعاقب عليها بالحبس والغرامة. وفي حالة وقوع التنمر على طفل أو من قبل أشخاص في موقع مسؤولية، مثل المعلمين أو أولياء الأمور، تُشدّد العقوبة لتصل إلى السجن لمدة لا تقل عن سنة وغرامة تصل إلى 100 ألف جنيه، وفق الخبيرة الحقوقية.

وأضافت: «رغم تجريم التنمر لا تزال وقائع تنمر كثيرة غير مبلغ عنها ولا تصل لجهات إنفاذ القانون، إذ إن مقاومة التنمر لم تحظَ بالقبول المجتمعي الذي تستحقه، ورغم وجود مسؤولية قانونية على المؤسسات التعليمية لحماية الأطفال وتوفير بيئة آمنه لهم، فلا يزال هناك تقصير كبير في توفير الرعاية والحماية الكافيتين للأطفال».

ووفقاً لقانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 المعدل في القانون 126 لسنة 2008، تتحمل المدرسة جزءاً من المسؤولية القانونية إذا ثبُت تقصيرها في اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الطفل الضحية من التنمر.

وإلى جانب الحملات المجتمعية المكافحة للتنمر سواء من المؤسسات المعنية أو الحملات «السوشيالية»، توضح رئيسة مؤسسة المحاميات المصريات لحقوق المرأة أنه «من الواجب على الأسر والمؤسسات التعليمية تنظيم جلسات توعية للأطفال حول تجريم التنمر وأشكاله وعقوباته القانونية وعواقبه الوخيمة».