مصر تعيد افتتاح متحف إيمحتب بسقارة بعد ترميمه

يضم أقدم مومياء ملكية وأول أدوات جراحة عرفها العالم

متحف إيمحتب يضم عشرات القطع الفريدة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
متحف إيمحتب يضم عشرات القطع الفريدة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر تعيد افتتاح متحف إيمحتب بسقارة بعد ترميمه

متحف إيمحتب يضم عشرات القطع الفريدة (وزارة السياحة والآثار المصرية)
متحف إيمحتب يضم عشرات القطع الفريدة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعادت مصر افتتاح متحف إيمحتب في منطقة سقارة الأثرية بالجيزة (غرب القاهرة) بعد الانتهاء من مشروع ترميمه وإعادة تأهيله.

ويحكي المتحف قصة أقدم البنائين في مصر، وهو المهندس إيمحتب الذي بنى هرم زوسر المدرج، أول بناء يُنشأ من الحجر في التاريخ، وقصة المصري القديم الذي بدأ بتقطيع الحجر وتشييد أعظم الآثار.

وقال أحمد عيسى، وزير السياحة والآثار المصري، خلال إعادة افتتاح المتحف، الأحد: إن «موقع المتحف بمنطقة آثار سقارة يضيف إلى أهميتها الكبيرة كونها أحد المواقع الأثرية المسجلة على قائمة التراث العالمي لليونيسكو، التي يحرص السائحون على زيارتها».

يقع المتحف بمنطقة سقارة بالجيزة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

واحتفظ المتحف بسيناريو العرض القديم الخاص به، من أجل الحفاظ على القيمة التفسيرية للقطع الأثرية المعروضة به، والتعرف على كلّ ما يخص المهندس المعماري الفريد إيمحتب.

ويركّز سيناريو العرض للمتحف على 3 موضوعات؛ الأول يسلّط الضوء على الطرز المعمارية والفنية بسقارة، والثاني عن تطور أساليب الدفن ومقتنياتها خلال العصور المصرية القديمة، والثالث عن المهندس إيمحتب. وقد أُضيفت 6 فتارين عُرض فيها مؤقتاً نحو 70 قطعة أثرية من أهم القطع التي اكتشفتها البعثة الأثرية المصرية بمنطقة سقارة، وفق الدكتور محمود مبروك، مستشار وزير السياحة والآثار للعرض المتحفي.

قاعدة تمثال محطم (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وقال الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، يوجد في مصر 41 متحفاً، منها 36 مفتوحة للزيارة، مشيراً إلى أن بعض المتاحف المغلقة ستُفتتح خلال الفترة المقبلة، منها المتحف الآتوني بالمنيا (صعيد مصر)، ومتحفا الموزاييك والبحري بالإسكندرية، ومتحف أسوان، ومتحف بور سعيد.

وأشار وزيري إلى «تأليه إيمحتب في العصور المتأخرة نظراً لمكانته الكبيرة كإله للطب والهندسة».

المتحف الذي يعود تاريخ إنشائه إلى عام 1997 أغلق في شهر مارس (آذار) من العام الماضي، لتطويره وإعادة تأهيله. ووفق وزيري، فإن أهم «ما يميز المتحف وجود أول أدوات جراحة عرفها العالم تعود لنهاية الأسرة الخامسة، وكذلك أقدم مومياء ملكية لمري رع، رابع ملوك الأسرة السادسة، بالإضافة إلى بعض القطع الأثرية من مومياوات حيوانية نادرة، مثل شبل الأسد، والنسناس، والقطط، والنمس، وغيرها».

تمثال معروض بالمتحف (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وعن مشروع تطوير وإعادة تأهيل متحف إيمتحتب، أوضح العميد مهندس هشام سمير، مساعد وزير السياحة والآثار لمشروعات الآثار والمتاحف، أن «مشروع التطوير تضمن أعمال تنسيق الموقع العام الخارجي للمتحف، بدءاً من مدخل المنطقة الأثرية حتى مدخل المتحف الرئيسي، ويتمثّل في تغيير الأرضيات الحجرية التالفة، وصيانة ورفع كفاءة الأسوار المحيطة بمسار الزيارة، وتطوير شبكات الري بمنطقة الزراعات، بالإضافة إلى تطوير الحديقة المتحفية».

تمثالان عثر عليهما بمنطقة سقارة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وشهد مشروع ترميم وتطوير المتحف تطوير أعمال الإضاءة التخصصية البانورامية للموقع العام، وتحديث نظام إضاءة العرض المتحفي داخل فتارين العرض وخارجها، وتحديث إضاءة قاعة التهيئة المرئية، واستحداث معمل ترميم.

ويضم المتحف 286 قطعة أثرية معروضة، موزعة في 6 قاعات داخل 27 فاترينة عرض، بالإضافة إلى نحو 70 قطعة أثرية داخل 6 فتارين للعرض المؤقت والمكتبة.

تم تطوير نظم الإضاءة الداخلية لفتارين العرض (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وتضم القاعة الأولى من المتحف قطعة حجرية نادرة، وهي عبارة عن قاعدة لتمثال الملك زوسر، وتحتوي على ألقاب المهندس والطبيب إيمحتب، أما القاعة الثانية فهي مكتبة المهندس وعالم الآثار الفرنسي الراحل جان فيليب لوير، الذي عمل لمدة 75 عاماً في سقارة للكشف عن المجموعة الهرمية للملك زوسر، في حين تضم القاعة الثالثة أهم نماذج العناصر المعمارية في مجموعة هرم زوسر، والقاعة الرابعة التي تسمّى قاعة مقابر سقارة تحتوي على أهم مقتنيات ملوك الأسرة الخامسة والسادسة، من أبرزها مومياء الملك مري إن رع، أحد ملوك الأسرة السادسة، التي تعدّ أقدم مومياء ملكية.

المتحف يضم 286 قطعة أثرية فريدة مكتشفة بسقارة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وتضم القاعة الخامسة عدداً من الأواني المختلفة الأشكال والأحجام، اكتشفت داخل هرم الملك زوسر وبعض ملوك الأسرة الثانية، وتسمى قاعة طرز سقارة، كما تحتوي أيضاً على أهم منحوتات النماذج الخشبية والحجرية لكبار الموظفين، في حين تضم القاعة الأخيرة المعروفة باسم قاعة البعثات أهم نتاج حفائر البعثات المصرية والأجنبية التي عملت في سقارة، من بينها أهم وأقدم مجموعة من أدوات الجراحة في التاريخ، وكذلك التماثيل البرونزية للمعبودات المصرية. هذا، وقد زُوّد المتحف بقاعة للتهيئة المرئية تعرض مواد فيلمية عن أهمية منطقة سقارة الأثرية.

جانب من إعادة افتتاح المتحف (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأعلن وزير السياحة والآثار المصري عن قرب افتتاح المدخل الجديد لمنطقة سقارة الأثرية على الطريق الدائري الأوسطي خلال الفترة المقبلة، بما يعمل على تحسين التجربة السياحية للزائرين وتسهيل وصولهم للمنطقة الأثرية كلها ولمتحف إيمحتب.


مقالات ذات صلة

تابوت مصري قديم يحظى بحياة جديدة في بريطانيا

يوميات الشرق استقبال للتابوت بعد ترميمه (جامعة سوانزي)

تابوت مصري قديم يحظى بحياة جديدة في بريطانيا

حظي تابوت مصري قديم بحياة جديدة في بريطانيا بعد فترة من أعمال الترميم وإعادته إلى «مركز مصر» (متحف للآثار المصرية) بجامعة «سوانزي» في ويلز.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق لعبة صغيرة تمثل حيواناً تعود لعصر «الفايكنغ» (صفحة بعثة التنقيب الأثرية عبر فيسبوك)

لعبة أطفال من عصر «الفايكنغ» تحير علماء الآثار

عثر علماء آثار على لعبة نادرة تعود إلى عصر الفايكنغ خلال حفريات أثرية في آيسلندا. ولا يزال الحيوان الذي تمثله اللعبة موضع نقاش.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق رأس مومياء من العصر المتأخر (وزارة السياحة والآثار المصرية)

مصر تسترد 3 قطع أثرية من هولندا

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، الثلاثاء، عن استرداد ثلاث قطع أثرية من هولندا، ترجع للعصر المتأخر، كانت قد خرجت من البلاد بطريقة «غير شرعية».

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق المعارض الأثرية المصرية في الخارج وسيلة للترويج السياحي (وزارة السياحة والآثار)

مصر والبحرين لتنفيذ برامج تسويق سياحي مشترك في شرق آسيا

 تتجه مصر والبحرين لتنفيذ برامج مشتركة للتسويق السياحي في شرق آسيا، بالإضافة إلى التعاون في مجالي السياحة والآثار، والعمل على إقامة معارض أثرية مؤقتة.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق السفينة الحربية «إتش إم إس فيكتوري» (أ.ف.ب)

الحشرات تهدد سفينة النصر البريطاني في ترافالغار

نجت السفينة الحربية «إتش إم إس فيكتوري» HMS Victory من قذائف نابليون، ومن قنبلة خلال الحرب العالمية الثانية، وتواجه خطرا فتاكا جديدا يهدد هيكلها… وهو الحشرات!

«الشرق الأوسط» (بورتسموث )

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
TT

اختبار «اللهجة الفلاحي»... تندُّر افتراضي يتطوّر إلى «وصم اجتماعي»

لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)
لقطة من فيلم «الأرض» (أرشيفية)

مع انتشار اختبار «اللهجة الفلاحي» عبر مواقع التواصل في مصر بشكل لافت خلال الساعات الماضية، وتندُّر كثيرين على مفردات الاختبار التي عدَّها البعض «غير مألوفة» وتحمل معاني متعدّدة؛ تطوّر هذا الاختبار إلى «وصم اجتماعي» بتحوّل ناجحين فيه إلى مادة للسخرية، بينما تباهى خاسرون بالنتيجة، وعدّوا أنفسهم من أبناء «الطبقة الراقية».

وكتبت صاحبة حساب باسم بسمة هاني بعد نشر نتيجة اختبارها «اللهجة الفلاحي»، 5/ 20، عبر «فيسبوك»: «يعني أنا طلعت من EGYPT»، مع تعبير «زغرودة» للدلالة إلى الفرح.

ونشر حساب باسم المهندس رامي صورة لرجل يركب حماراً ويجري بسرعة وفرح، معلّقاً أنه هكذا يرى مَن نجحوا في اختبار «اللهجة الفلاحي».

وكتب حساب باسم سعيد عوض البرقوقي عبر «فيسبوك»: «هذا اختبار اللهجة الفلاحي... هيا لنرى الفلاحين الموجودين هنا وأقصد فلاحي المكان وليس الفكر».

ورداً على موجة السخرية والتندُّر من هذا الاختبار، كتب صاحب حساب باسم محمد في «إكس»: «هناك فلاحون يرتدون جلباباً ثمنه ألف جنيه (الدولار يساوي 48.62 جنيه مصري) ويمتلك بيتاً من هذا الطراز – نشر صورة لبيت بتصميم فاخر – ويعرف الصح من الخطأ، ويعلم بالأصول وهو أهل للكرم، تحية لأهالينا في الأرياف».

وأمام التحذير من تعرّض المتفاعلين مع الاختبار إلى حملات اختراق، كتب الإعلامي الدكتور محمد ثروت على صفحته في «فيسبوك»: «اختبار اللهجة الفلاحي مجرّد (ترند) كوميدي وليس هاكرز، ويعبّر عن جهل شديد في أصولنا وعاداتنا المصرية القديمة». فيما كتب حساب باسم إبراهيم عبر «إكس»: «أخاف المشاركة في الاختبار والحصول على 10/ 20. أهلي في البلد سيغضبون مني».

وتضمّ مصر عدداً من اللهجات المحلّية، وهو ما يردُّه بعض الباحثين إلى اللغة المصرية القديمة التي تفاعلت مع اللغة العربية؛ منها اللهجة القاهرية، واللهجة الصعيدية (جنوب مصر)، واللهجة الفلاحي (دلتا مصر)، واللهجة الإسكندراني (شمال مصر)، واللهجة الساحلية واللهجة البدوية. ولمعظم هذه اللهجات اختبارات أيضاً عبر «فيسبوك».

اختبار «اللهجة الفلاحي» يغزو وسائل التواصل (فيسبوك)

في هذا السياق، يرى أستاذ الأدب والتراث الشعبي في جامعة القاهرة الدكتور خالد أبو الليل أنّ «هذا (الترند) دليل أصالة وليس وصمة اجتماعية»، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أنّ «إقبال البعض في وسائل التواصل على هذا الاختبار محاولة للعودة إلى الجذور».

ويُضيف: «صوَّر بعض الأعمال الدرامية أو السينمائية الفلاح في صورة متدنّية، فترسَّخت اجتماعياً بشكل مغاير للحقيقة، حتى إنّ أي شخص يمتهن سلوكاً غير مناسب في المدينة، يجد، حتى اليوم، مَن يقول له (أنت فلاح) بوصفها وصمة تحمل معاني سلبية، على عكس طبيعة الفلاح التي تعني الأصالة والعمل والفَلاح. محاولة تحميل الكلمة معاني سلبية لعلَّها رغبةُ البعض في التقليل من قيمة المجتمعات الزراعية لأغراض طبقية».

ويتابع: «مَن يخوض الاختبار يشاء استعادة المعاني التي تعبّر عن أصالته وجذوره، أما من يتندّرون ويسخرون من الفلاحين فهُم قاصرو التفكير. ومن يخسرون ويرون أنّ خسارتهم تضعهم في مرتبة اجتماعية أعلى، فهذا تبرير للفشل».

ويشير أبو الليل إلى دور إيجابي تؤدّيه أحياناً وسائل التواصل رغم الانتقادات الموجَّهة إليها، موضحاً: «أرى ذلك في هذا الاختبار الذي لا يخلو من طرافة، لكنه يحمل دلالة عميقة تردُّ الحسبان للفلاح رمزاً للأصالة والانتماء».

لقطة من فيلم «المواطن مصري» الذي تدور أحداثه في الريف (يوتيوب)

ويعيش في الريف نحو 57.8 في المائة من سكان مصر بعدد 45 مليوناً و558 ألف نسمة، وفق آخر إحصائية نشرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2022، بينما يبلغ سكان المدن نحو 40 مليوناً و240 ألف نسمة.

من جهتها، ترى أستاذة علم الاجتماع في جامعة بنها، الدكتورة هالة منصور، أنّ «الثقافة الشعبية المصرية لا تعدُّ وصف (الفلاح) أمراً سلبياً، بل تشير إليه على أنه (ابن أصول) وجذوره راسخة»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يُسأل الوافدون إلى القاهرة أو المدن الكبرى عن أصولهم، فمَن لا ينتمي إلى قرية يُعدُّ غير أصيل».

وتُرجِع الوصم الاجتماعي الخاص بالفلاحين إلى «الهجرة الريفية الحضرية التي اتّسع نطاقها بدرجة كبيرة نظراً إلى ثورة الإعلام ومواقع التواصل التي رسَّخت سلوكيات كانت بعيدة عن أهل الريف».

وتشير إلى أنّ «السينما والدراما والأغنيات ترسّخ لهذا المنظور»، لافتة إلى أنه «من سلبيات ثورة 1952 التقليل من قيمة المهن الزراعية، والاعتماد على الصناعة بوصفها قاطرة الاقتصاد. وقد أصبحت تلك المهن في مرتبة متدنّية ليُشاع أنَّ مَن يعمل في الزراعة هو الفاشل في التعليم، وهذا لغط يتطلّب درجة من الوعي والانتباه لتصحيحه، فتعود القرية إلى دورها المركزي في الإنتاج، ومكانها الطبيعي في قمة الهرم الاجتماعي».

وعمَّن فشلوا في اختبار «اللهجة الفلاحي» وتفاخرهم بذلك بوصفهم ينتمون إلى طبقة اجتماعية راقية، تختم أستاذة علم الاجتماع: «هذه وصمة عار عليهم، وليست وسيلة للتباهي».