«سرّ لبنان بعيون كويتية»... 70 عاماً من الوفاء

أحمد الصراف لـ«الشرق الأوسط»: وحدها فيروز تُعيد ذاكرتي إنْ فقدتُها

رسم لدير مار سركيس وباخوس بعدسة يوسف شهيد الدويهي (لقطة لغلاف الكتاب)
رسم لدير مار سركيس وباخوس بعدسة يوسف شهيد الدويهي (لقطة لغلاف الكتاب)
TT

«سرّ لبنان بعيون كويتية»... 70 عاماً من الوفاء

رسم لدير مار سركيس وباخوس بعدسة يوسف شهيد الدويهي (لقطة لغلاف الكتاب)
رسم لدير مار سركيس وباخوس بعدسة يوسف شهيد الدويهي (لقطة لغلاف الكتاب)

يجمع الكاتب الكويتي أحمد الصراف 70 عاماً من عشق لبنان، في كتاب «سرّ لبنان بعيون كويتية» الصادر عن دار «سائر المشرق». المولود الجديد سبقه إلى القراء كتاب «70 نصاً في 11 عاماً عن 70 عاماً من الولع»، نُشر في الكويت، وتعذّر وقوعه بين يدي القارئ اللبناني. غيَّر مقدّمته، أضاف، واختار عنواناً آخر؛ فكانت هذه المحبّة الخالصة. يُزيَّن الغلاف برسم لدير مار سركيس وباخوس بعدسة يوسف شهيد الدويهي، ويضمّنه مقالات كتبها عن لبنان بعبق شخصي ورؤية عامة، نشرتها جريدة «القبس» التي يقيم بين أعمدة كتّابها منذ 30 عاماً.

«يُبرّئ» الكتاب من الانضواء في جنس، ليُحمّله أجناساً مجتمعة، فهو «ليس سيرة ذاتية، ولا خواطر شخصية، ولا سرد لأحداث عائلية، ولا وصف لعلاقة لبنانية أبدية، بل شيء من ذلك كله». يُشرِّع الصراف «المُتعمِّد» بمصاهرة عاطفية، بزواجه من لبنانية، لبنانَ «اللغز ومصدر الإلهام والفضول»، على أسئلة الهوية والتحوّلات وتخبّط المكوّنات. يقرأه بالقلب، وأيضاً بالعقل. يجادل في إشكالياته ويُشهر الافتتان بمزاياه.

يدرك جوهر التركيبة اللبنانية، ورغم إطلاقه نداءات التعدُّد، يُقدِّم المسيحيين، وتحديداً الموارنة، على الآخرين في حَمْل الإرث وريادة الإبداع. يتحدّث عن «جمال لبنان الأبدي»، وأمام مآلاته المؤلمة في السنوات الأخيرة، يعدل عن المجاهرة بالحب المطلق. يلفحه تغيُّر أحواله، وما هجَّر كثيرين وحطَّم الآمال بوطن.

يُخبر «الشرق الأوسط» أنّ علاقته بلبنان كانت دائماً «كعلاقة عاشقين من طبعين حادين، تخلّلت حياتهما خلافات صغيرة وكبيرة، وفراق ولقاء. فلا هما قادران على التعايش، ولا على الطلاق. يفرّقهما الدمع والألم، ويجمعهما الشوق للقُبل».

غلاف كتاب «سرّ لبنان بعيون كويتية» الصادر عن دار «سائر المشرق»

وإذ تتقلّب المشاعر المؤجَّجة في الكتاب، فذلك لأنه «ليس وحدة، بل كُتبت مقالاته على مدى 15 عاماً تقريباً، مرَّ خلالها لبنان بظروف قاسية، فاعترته الفوضى، وأنواء العزلة والغربة. قُتل كثيرون وتشرّد أكثر، وتفرّق الأحبّة». تستوقفه «ذروة المأساة» بوقوع انفجار المرفأ، عصر الرابع من أغسطس (آب) 2020، «وما سبق ذلك ولحقه من انهيار للقوة الاقتصادية. المقالات صدى بعض أحداث تلك الفترة».هل كان الحب ليتّقد بهذه الغزارة، ويلامس النُّبل، لو أنّ الصراف لبناني؟ «ربما لو كنتُ لبنانياً، وسُحقتُ تحت الأهوال، لما أحببتُه كما فعلت. إنني أتمتّع برفاهية البُعد عنه، وممارسة حرّيتي، وفي اختيار عواطفي ومواقفي من تعدّداته العرقية، والدينية، واللغوية، والثقافية على أرضه».

الكاتب ونتاجه طافحان بالحب تجاه وطن يلومه بعض أبنائه، ويغادره آخرون مُحمَّلين بالزعل. يقول: «يكفيني ثراء كسبته، نفسياً ومعنوياً وعاطفياً، على مدى 70 عاماً. لا يزال لبنان يثريني، ولم يتغيّر شيء. لستُ أعاني آلام اللبناني العادي، ولم أتأثر بالمواجع. كان بمقدوري تحمُّل فقدان أموالي في مصارفه بصفتي رجل أعمال، فخسارتي نتاج إصغائي لصوت الربح العالي، وليس لمخاطر قد تُتبع. خسرتُ لأنني لم أضع جميع الاحتمالات في الحسبان. لكن ذلك لم يمسَّ حبي للبنان وتعلّقي بناسه وأرضه. لم أره يوماً حساباً مصرفياً ولا فنادق فخمة، ولا حتى مقاهي ومطاعم وكتب و(حرية وحشية)، كما تغنّي فيروز. لبنان عندي جبل شامخ، وابتسامة رائعة، ومعاملة، وشوق، وصنوبرة... وكلها بقيت كما هي».

النجاة بالمعرفة الأقلّ

يلفت القارئ إعلان أحمد الصراف «الندم» لمعرفته بلبنان أكثر مما ينبغي، ورغبته المتأخرة في البقاء على مسافة. الحب والحسرات، قدرا الصادقين؛ أي أصداء لعراكهما الداخلي، وأي تداعيات غير مُعلنة، تنضمّ إلى الندم؟ يجيب: «الأهم هم ناس لبنان. ولكن في الفترات العصبية، علمتُ أنّ لبنانياً يقتل غيره بذريعة الدفاع عن وجوده ووطنه، وربما يقصد طائفته. حزنت أكثر يوم عرفت أنّ آخر على الجهة المقابِلة من خط النار، ينتظر مَن يلقّمه رصاصة تودي بحياته، بالذريعة عينها! هذه المعرفة أتعبتني. هي من صنف المعارف غير المجدية. فما يفيدني لو عرفتُ الجانب المظلم من سيرة فنان كبير، إن كنتُ مستمتعاً بمشاهدته يعزف عذوبة الأنغام، أو يرسم بديع اللوحات، أو يؤدّي على المسرح أروع دور؟ كلما عرفنا الأقل عمَّن نحب، قلَّ الشكّ والقلق».

يكتب عن فيروز، وقد تعلّم حبها من أبيه؛ فهي السكينة خارج الخراب. ثم يقول في مقال «أنا ولبنان وطوائفه» إنها «أصبحت لا تعني الكثير». يبدو أنّ صراع الواقع والخيبات اندلع فيه فجعله يُغلِّب العتب. يردُّ أنّ للمقال سياقاً لم يعد يذكره. ويُنزّه فيروز عن الصغائر: «هي الأيقونة وحب الطفولة، وأول لقمة حقيقية تناولتها في محراب الفن بعد فطامي من حليب أمي. طعم صوتها وكلمات أغنياتها في داخلي ما حييت. وإن فقدتُ ذاكرتي يوماً، فلن يعيدني إلى الحياة إلا هذا الصوت. إنه أيام صباي وروائع أيامي اللبنانية. سيدة شامخة تقف على قمة جبل، تفتح ذراعيها، وتغنّي للسحاب تحت قدميها وللسماء فوق هامتها المرفوعة».

الكاتب الكويتي أحمد الصراف يوقّع كتابه في معرض بيروت للكتاب (فيسبوك)

وجود «لا مثيل له»

لِنَعُدْ إلى السياسة. تبلغ اللذاعة أقصاها بأسلوب الكوميديا السوداء في مقال «اخرجوا أيها المسيحيون من أوطاننا». إنه بمثابة نعي لبنان إن فُرِّغ من مسيحييه، وإعلان زواله عن الخريطة. مواقف أحمد الصراف ليبرالية، وإيمانه عميق بقيم التسامح وحقوق الإنسان. يرى هجرة المسيحيين أو تضاؤل تأثير ما يتبقّى منهم، انتهاكاً للجوهر؛ «حينها سيصبح لبنان بنظري شيئاً آخر، غيره الذي عشقته طوال حياتي. فالوجود المسيحي فيه لم يكن زخرفاً، بل وجود لا مثيل له. أقول ذلك مع كامل محبتي واعتزازي بصداقة بقية اللبنانيين. لكنّ البلد ارتبط في ذاكرتي ووجداني بأتباع كنائسه، فقد كانوا طوال نحو 7 عقود الأكثر تسامحاً معي والأسهل معشراً، والأكثر إقبالاً على الحياة من دون عقد، مع كمٍّ أقل من الرياء والازدواجية في حياتهم اليومية وعلاقتهم مع الآخرين».

اليوم، وأمام تربُّص المصير الجحيمي، بأي صورة تراه عيناه؟ يجيب: «مصير لبنان مظلم في عين كل مَن يعرف حقيقة ما تخبئه الأيام. لبنان فقد كل شيء تقريباً، ولا يزال يمتلك كل شيء حتماً! بشره لا يزالون على سابق عنفوانهم، والملايين الذين هجروه بانتظار إشارة العودة. قيمه وأصوله لا تزال كما هي، والمسألة تتطلّب خروج مارد من تحت الركام، فيمسك بالدفة ويقود القاطرة الكهلة التي اهترأت من آثار الدخان الأسود، ليدفعها نحو غابة الصنوبر ويزيل بهوائها العليل سموماً أصابتها، ثم يصل بها إلى ثلوج جزين لغسل أحزان الماضي، ورفع الأمل في غدٍ أفضل نحو قمم صنين. أوقن أنني سأرى ذلك اليوم قبل وداع الحياة».


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
TT

القديم والحديث والجريء في فن أبو ظبي

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)
جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

عاماً بعد عام وبدأب وطموح كبيرين يُثبت معرض فن أبوظبي مكانه في خارطة المعارض الفنية العربية، وهذا العام احتفل بالنسخة الـ16 مستضيفاً 102 صالة عرض من 31 دولة حول العالم في مقره بجزيرة السعديات الملتفة برداء الفنون. التجول في أروقة المعرض الفني يحمل الكثير من المتعة البصرية والفنية، نعيد مشاهدة أعمال لفنانين كبار، ونكتشف أعمالاً لم نرها من قبل لفنانين آخرين، ونكتشف في وسط ذلك النجوم الصاعدة. ولم يختلف الوضع هذا العام بل أضاف أقساماً جديدة ليستكشف الزائر من خلالها أعمالاً فنية بعضها عتيق وبعضها حديث، من الأقسام الجديدة هناك «صالون مقتني الفنون» و«فن جريء، فن جديد» و«طريق الحرير، الهويات المتبادلة» إضافة إلى معرض منفصل من مجموعة فرجام عن الفن الحديث والتحرر من الاستعمار سنعود له لاحقاً.

جانب من معرض أبوظبي للفنون (الشرق الأوسط)

صالون مقتني الفنون

يُعد إضافة مميزة لنسخة هذا العام، ويعرض المخطوطات والأسطرلابات والتحف التاريخية والكتب النادرة بتنظيم من روكسان زند. نطلق الجولة من غرفة أنيقة حملت جدرانها خريطة ضخمة أحاط بها من اليمين واليسار قطعتان مثبتتان على الحائط، ونقرأ أنها كانت تُستخدم لحمل العمامة في العهد العثماني، في كوات حائطية نرى أطباقاً من الخزف أحدها يعود للقرن الـ16، ويصور فارساً عربياً على صهوة جواده، وفي أخرى إبريق ذهبي اللون يعود للعهد العثماني. في جناح «شابيرو للكتب النادرة» من بريطانيا نرى نسخاً من مصاحف تاريخية مزخرفة ومذهبة بجمال وحرفة لا تتخطاها العين، ما يجذب الزائر هو أن الكتب والمصاحف كلها في متناول اليد مفتوحة الصفحات ومنتظمة في عرض جميل.

مصاحف أثرية (الشرق الأوسط)

تستعرض القائمة على العرض بعض القطع المميزة، وتقول: «إنها المرة الأولى التي نشارك فيها في معرض أبوظبي. نعرض بعض المخطوطات والكتب النادرة من متجرنا في لندن، منها صفحة من مصحف بالخط الحجازي يعود للقرن السابع، وبعض المصاحف المصغرة أحدها يعود للقرن الـ19». وعن الأسعار تقول إنها تتراوح ما بين آلاف الدولارات لبعض اللوحات التي تعود لعهد الحملة الفرنسية على مصر، أما المصاحف فتتراوح أسعارها حسب تاريخها ونسبة مالكيها السابقين، كمثال تشير إلى نسخة تعود لبلاد فارس في القرن الـ16 سعرها 335 ألف دولار، وصحائف من القرآن تتراوح أسعارها ما بين 20 و30 ألف دولار. هنا أكثر من مثال للمصاحف المصغرة منها مصحف مكتوب بدقة متناهية بالذهب على أوراق خضراء اللون مشكلة على نحو ورق الشجر، وبجانبه نرى مصحفاً مصغراً آخر محفوظاً في علبة ذهبية تتوسطها عدسة مكبرة. الكتابة دقيقة جداً، وهو ما يفسر وجود العدسة المكبرة، تقول: «هذا المصحف ليس مكتوباً باليد مثل المصاحف الأخرى هنا، بل مطبوع من قبل دار نشر في غلاسكو في عام 1900 باستخدام تقنية جديدة للطباعة الفوتوغرافية. ومثل هذا النوع من المصاحف المصغرة كانت تطبع لاستخدام الجنود البريطانيين المسلمين في الحرب العالمية الأولى، وكانوا يرتدونها معلقة في قلائد كتعويذة، يقدر سعر المصحف بـ3.5 ألف دولار أما المصحف على هيئة ورقة الشجر فيقدر سعره بـ40 ألف دولار.

مصحف مصغر مطبوع في غلاسكو عام 1900

نمر على «غاليري آري جان» الذي يعرض لوحات المستشرقين من القرن الـ19، ومنها أعمال جاك ماجوريل، ثم نصل إلى جناح «كتب دانيال كاروش النادرة» الذي يعرض مكتبة تضم أكثر من 500 ألبوم صور تحتوي على صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي الأوسع. هنا نرى مجموعة من الصور النادرة المكبرة معروضة على كامل الحائط، من ضمنها صور من الجزيرة العربية قديماً، بعضها لأشخاص مشهورين مثل الرحالة غيرترود بيل ولورانس العرب، وغيرها لأشخاص لا نعرف أسماءهم، نرى أيضاً صوراً للكعبة المكرمة وصوراً عامة لأشخاص يرتدون الزي العربي. في الصدارة مجموعة من المجلدات، يقول عنها المشرف على الجناح إنها المجموعة الكاملة التي تضم 33 ألف صورة من 350 ألبوماً، يقول: «إنَّ المجموعة تعود لسيدة من لندن تُدْعَى جيني ألزوث، وإنها جمعت الصور على مدى 25 إلى 30 عاماً. الشيء المثير للاهتمام في هذه المجموعة هو أنها تعبّر عن لمحات من الحياة اليومية في الجزيرة العربية التقطها زوار أوروبيون بريطانيون على مدار 130 عاماً».

صور تاريخية للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعالم العربي

يضيف محدثنا أن الصور لم تنشر من قبل، «نأمل أن تقدم هذه الصور سرداً لتاريخ المنطقة لم يوثقه أحد من قبل»، ويقدر سعرها بمبلغ 2 مليون دولار.

ولفت جناح دار «كسكينار - كنت آنتيكس» الأنظار إليه بمجسم لحصان وضع عليه سرج صُنع للسلطان العثماني سليم الثالث (1789-1807) ومزين بـ1036 شكلاً مذهباً، منها أكثر من 500 نجمة فضية، وكل نجمة يصل وزنها إلى 11 غراماً تقريباً، ويصل سعر السرج إلى 3 ملايين دولار.

«فن جريء، فن جديد»

«فن جريء، فن جديد»، بإشراف ميرنا عياد، يعيد عرض أعمال لفنانين مهمين كان لهم أدوار محورية في تاريخ الفن في المنطقة. من خلاله تستعرض صالات من تونس ومصر وفلسطين ولبنان والمملكة العربية السعودية وإيران وفرنسا، مجموعة ملهمة من أعمال الفن الحديث لفنانين وفنانات رواد من أوائل الستينات، وحتى أوائل الثمانينات»، وفي هذا الإطار نستمتع بنماذج رفيعة لرواد أمثال إنجي أفلاطون من مصر ونبيل نحاس من لبنان وسامي المرزوقي من السعودية وغيرهم. الأعمال المعروضة في هذا القسم لها ألق خاص فهي تعيد فنانين حفروا أسماءهم في تاريخ الفنون في بلادهم، وفي الوطن العربي بعضهم انحسرت عنه أضواء السوق الفنية، وأعادها العرض مرة أخرى لدائرة الضوء.

عمل للفنانة المصرية إنجي أفلاطون (الشرق الأوسط)

في «غاليري ون» نرى أعمالاً للفنانة الأردنية الفلسطينية نبيلة حلمي (1940-2011)، يصف موقع المتحف الوطني الأردني أسلوب الفنانة الراحلة بأنه خليط من «الكولاج والألوان المائية والحبر الصيني. تتميز أعمالها الزيتية بشفافية حالمة وعفوية، فيها تجريد تعبيري يتسم بالغموض والنضج الفني». نرى هنا نماذج لأعمالها، ونتحدث مع المشرف على القاعة عنها، يقول إنَّ الفنانة لها أعمال في متاحف عالمية وعربية، ولكنها قليلة في السوق التجارية. الفنانة الثانية هي إميلي فانوس عازر (فلسطينية، مواليد الرملة عام 1949)، ويعرض لها الغاليري أكثر من عمل منها بورتريه لامرأة تنظر إلى الأمام بينما عقدت ذراعيها أمامها، العمل يجبر الزائر على التوقف أمامه والتأمل فيما يمكن أن تخفيه تلك المرأة خلف نظرتها الواثقة والعزيمة التي تنبعث منها.

بورتريه للفنانة إميلي فانوس عازر (الشرق الأوسط)

من مصر يقدم «أوبونتو آرت غاليري» المشارك للمرة الأولى عدداً من أعمال الفنان المصري إيهاب شاكر (1933-2017)، المألوفة للعين، فالفنان له خطوط مميزة رأيناها في أعمال الكاريكاتير التي نشرها في الصحف المصرية. يقول المسؤول عن الغاليري إن شاكر انتقل للعمل في مسرح العرائس مع شقيقه ناجي شاكر قبل أن يسافر إلى فرنسا في عام 1968 حيث عمل في مجال أفلام الرسوم المتحركة، ونال عدداً من الجوائز عن أحد أفلامه. تلفتنا تعبيرات شاكر التي تحمل عناصر شعبية مصرية يقول عنها محدثنا إنَّها تبعث البهجة، ويشير إلى أن الحس الموسيقي يميز أعمال الفنان أيضاً، ويظهر ذلك في الوحدة والتناغم بين العناصر، ويؤكد أن «لديه خطوطاً مختلفة عن أي فنان آخر».

من أعمال الفنان إيهاب شاكر (الشرق الأوسط)

 

في «غاليري بركات» من بيروت نجد مجموعة من الأعمال المتنوعة ما بين اللوحات والمنحوتات الخشبية والبرونزية، يتحدث معنا صالح بركات مالك الغاليري عن الأعمال المعروضة، ويبدأ بالإشارة لعمل ضخم من البرونز للفنان معتصم الكبيسي يمثل أشخاصاً يتهامسون: «يعكس خلفيات المسرح السياسي، الكل يتهامس، وما لا يقال قد يكون أكثر أهمية مما يقال». للفنان جوزف الحوراني منحوتات خشبية تحمل كتابات بالخط العربي، تنتظم ببراعة، وتتضافر في تشكيلات خشبية مدهشة تجعلنا ندور حولها، ونحاول قراءة الجمل المكتوبة، ومنها «مصائب قوم عند قوم فوائد» و«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ». «عبقرية!» يصفها صالح بركات، ويتحدث عن الخط العربي ونقله للعالم المعاصر: «أنا اليوم يعنيني أن نحافظ على تراثنا بطريقة عصرية. نريد أن نأخذ تراثنا للمستقبل».

من أعمال الفنان العراقي سيروان باران (الشرق الأوسط)

ينتقل إلى عملين للفنان سروان بهما الكثير من الحركة، نرى أشخاصاً يتحركون في اتجاهات مختلفة، يحملون حقائب وأمتعة، ليست حركة مرحة بل متعجلة، يعلق: «الفنان لا يتحدث فقط عمّن يرحل، بل أيضاً عمّن يعود، حالات ذهاب وعودة وضياع».

 

الفن السعودي حاضر

عبر مشاركات في «غاليري أثر» و«غاليري حافظ» نرى عدداً من الأعمال الفنية السعودية المميزة، فيعرض «غاليري أثر» مجموعة من أعمال الفنانة المبدعة أسماء باهميم تفيض بالحيوانات الأسطورية وقصص من الخيال مرسومة على الورق الذي تصنعه الفنانة بيدها. للفنانة باهميم هنا مجموعتان جذابتان: «ملاحظات في الوقت» و«فانتازيا». تستكشف الأخيرة الفروق الدقيقة والتعقيدات في سرد القصص. وتتعمق «ملاحظات في الوقت»، وهي سلسلة أحدث، في الفولكلور العربي، وتفحص الأدوار الجنسانية في الحكايات التقليدية وتأثيرها اللاحق على الهوية الثقافية.

من أعمال الفنانة أسماء باهميم (الشرق الأوسط)

كما يقدم «أثر» عدداً من أعمال رامي فاروق الفنية وسلسلة للفنانة سارة عبدو بعنوان «الآن بعد أن فقدتك في أحلامي، أين نلتقي». أما «غاليري حافظ» فيقدم صالتين تتضمنان أعمال مجموعة من الفنانين المعاصرين والحديثين، فيقدم عدداً من أعمال الفنان سامي المرزوقي تتميز بألوانها وخطوطها التجريدية. وفي قسم الفن المعاصر يعرض أعمال الفنانة بشائر هوساوي، التي تستمد فنونها من بيئتها الغنية وذاكرتها البصرية العميقة، باستخدام مواد طبيعية مثل النخيل، وتعبر عن موضوعات مثل الانتماء، والحنين، والهوية الإنسانية المتغيرة. بجانبها يستعرض سليمان السالم أعماله التي تتعمق في الطبيعة الزائلة للوجود. باستخدام تقنيات الطباعة العدسية والفيديو ووسائط أخرى، تستكشف أعماله التفاعل بين الشعور والإدراك والتواصل الإنساني.