كارمن لبكي لـ«الشرق الأوسط»: أسعى للحفاظ على فسيفساء التاريخ في بلدنا

تقدّم وثائقي «العالم في لبنان» عن علاقة جاليات أجنبية بوطن الأرز

كارمن لبكي مع السفير النمساوي في لبنان رينيه بول آمري (صور لبكي)
كارمن لبكي مع السفير النمساوي في لبنان رينيه بول آمري (صور لبكي)
TT

كارمن لبكي لـ«الشرق الأوسط»: أسعى للحفاظ على فسيفساء التاريخ في بلدنا

كارمن لبكي مع السفير النمساوي في لبنان رينيه بول آمري (صور لبكي)
كارمن لبكي مع السفير النمساوي في لبنان رينيه بول آمري (صور لبكي)

تشتهر المخرجة اللبنانية كارمن لبكي بوثائقيات تحاكي تاريخ مجتمعات مختلفة. فقد وقَّعت كثيراً منها، من بينها «الأرمن في لبنان»، و«اسمي آرام»، و«القبارصة الموارنة»... ومؤخراً، نفّذت برنامج «العالم في لبنان»، عن تاريخ الجاليات الأجنبية فيه، وهو يُعرض مرة أسبوعياً (مساء الثلاثاء) عبر محطة «إل بي سي آي» المحلية. بحثها وتعمّقها في الموضوع، سببهما أنه يؤلّف جزءاً لا يتجزأ من تاريخ لبنان التنوّعي. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «ليست مصادفة ولادة لبنان التعدّدي منذ سنوات طويلة. جاليات أجنبية عدّة طبعت وجوده، وعندما مرَّت بأرضه، جذبها وقرّرت الإقامة فيه».

هذا التاريخ الذي تتحدّث عنه لبكي زوّد لبنان بطابع اجتماعي قلّما نجده في بلدان أخرى. فالأجانب من فرنسيين وألمان وفنلنديين وإيطاليين وغيرهم، تركوا أرضهم واستقروا في بلاد الأرز أباً عن جد. أصبح بالنسبة إليهم الوطن الذي بحثوا عنه. وجدوا فيه، بجانب المناخ المعتدل، شعباً مضيافاً ودافئاً. غالبية تلك الجاليات التي تضيء لبكي عليها، تعدّه أرضها الحقيقية. حتى إن أولاد البعض لا يجيدون التحدّث بلغتهم الأم. فالحب الذي أورثتهم إياه عائلاتهم، يسري بدمائهم، فيطبعهم قلباً وقالباً.

أفراد من الجالية البلجيكية في لبنان (صور لبكي)

حتى الآن، عُرضت حلقتان من البرنامج؛ الأولى تناولت الوجود الإيطالي، والثانية تحدّثت عن البلجيكيين المقيمين في لبنان. في الحلقتين، تفاجأ المُشاهد اللبناني بالعلاقة الوطيدة التي تربط الأجانب ببلادهم. كما تعرّفوا إلى كيفية ذوبانهم في مجتمعه، فباتوا لبنانيين أسوة بأهله، ولا يبدّلونه «بكنوز الدنيا»، كما تؤكد غالبيتهم.

تقول لبكي إنّ بعض هذه الجاليات أعدادها ضئيلة؛ ورغم ذلك، طبعت الأرض التي تسكنها بهويتها الأصلية: «قلة من اللبنانيين تعلم أنّ الإيطاليين بنوا مدرستين منذ القرن الماضي، ما لبثتا أن هُدِمتا وتحوّلتا موقفَ سيارات. اليونانيون أيضاً أنجزوا مشاريع في لبنان، فهم هربوا إليه منذ الحرب العالمية الأولى. وقد لا يعرف كثيرون أنّ في لبنان أيضاً جالية فنلندية وأخرى نمساوية، إضافة إلى جاليات أكبر، مثل الفرنسيين والألمان والبلجيكيين. هؤلاء تربطهم علاقة وثيقة ببلادنا امتدت عبر التاريخ».

تتعاون كارمن لبكي مع سفارات أجنبية للوقوف على أعداد تلك الجاليات: «ثمة سفراء اختاروا لبنان ليمارسوا مهمَّتهم على أرضه، عشقاً له، من بينهم السفيرة الفنلندية والسفير البلجيكي». نحاول الاستفهام عن سبب هذا الحب، فتردّ: «يقولون إنّ ثمة ما يشبه المغناطيس يشدّهم إليه. هم لا يدركون تفسير هذا التعلّق، لكن بعضهم يستمتع بطعم الفوضى فيه. يرونها جزءاً من جمالية لبنان ومساحة خاصة من الحرية».

نواويس من المتحف اللبناني استُخدمت في فيلم يوناني (صور لبكي)

بعد إيطاليا وبلجيكا، تطلّ كارمن لبكي في برنامجها على النمسا واليونان. ومع فنلندا، تسدل الستار على الحلقة الأخيرة من الموسم الأول. وفي هذه الأثناء، تصوّر حلقات جديدة تمرّ فيها على جاليات أخرى، من المغرب وإسبانيا وتشيكيا والدنمارك. تُعدّد أسباب استقرار تلك الجاليات في لبنان: «بعضهم جاء هرباً من الحرب، وآخرون بسبب عرض عمل موسمي. لكنهم مدّدوا إقامتهم، فتجاوزت 40 عاماً. كما أنّ ثمة لبنانيين كثراً درسوا في جامعات أجنبية خارج البلاد، فتزوّجوا بفرنسيات وألمانيات وغيرهن. العكس صحيح، فبعض الرجال الأجانب وقعوا في حب لبنانيات، وبقوا هنا بعد الزواج. تطول الأسباب لتشمل إرساليات دينية ومهمَّات دبلوماسية وغيرهما».

تضيف أنها في أفلامها الوثائقية تحاول العودة دائماً إلى عِلمَي المجتمع والأنثروبولوجيا. وهي تكاد تكون الوحيدة بين المخرجين اللبنانيين الذين يعملون في هذا المجال: «معظم أعمالي وثائقية عن موضوعات اجتماعية وتاريخية. كان لا بدّ من الإضاءة على تاريخ الجاليات الأجنبية في لبنان، وهذا الأمر لا ندرسه في كتاب التاريخ ضمن منهجنا التربوي. لكل بلد تاريخه فيه، فيصبّ ضمن تاريخنا».

المخرجة اللبنانية كارمن لبكي تهتم بتاريخ شعوب مختلفة (حسابها الشخصي)

تعدد أمثلة في هذا الشأن: «العَلم اللبناني استُوحي من العلم النمساوي. والنمساويون تبنّوا الطائفة الكاثوليكية في لبنان، بينما إنجلترا اهتمت بالدروز، وفرنسا بالموارنة».

بعد عرض الموسم الأول، ستتوافر هذه الأفلام عبر وسائل التواصل الاجتماعي. تختم لبكي: «ستعرض عبر (يوتيوب)، ويمكن مشاركتها عبر المنصات والصفحات الإلكترونية. من الضروري أن تُعرض أيضاً في المدارس والجامعات. على اللبنانيين من جميع الأعمار التعرُّف إلى هذا الجانب من تاريخ بلدهم. فهو إرث ثقافي واجتماعي، ولا يجوز إهماله».


مقالات ذات صلة

«انسحاب بايدن» يصعد بتنبؤات ليلى عبد اللطيف لصدارة «الترند»

يوميات الشرق ليلى عبد اللطيف قدمت توقعات في أمور كثيرة (صفحتها على «إنستغرام»)

«انسحاب بايدن» يصعد بتنبؤات ليلى عبد اللطيف لصدارة «الترند»

صعدت تنبؤات ليلى عبد اللطيف إلى صدارة الترند على «إكس» في مصر، الاثنين، عقب إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن انسحابه من الانتخابات الرئاسية.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة سعاد حسني وأختها جنجاه (الشرق الأوسط)

أُسر فنية مصرية ترفض تصريحات آمال رمزي «الجارحة»

قابلت أسر فنّية عدّة في مصر تصريحات الفنانة المصرية آمال رمزي في أحد البرامج التلفزيونية عن نجوم بالاعتراض والرفض، كما عدَّها نقاد ومتابعون «جارحة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق ليزا كودرو نجمة مسلسل «فراندز» (رويترز)

«فيبي» نجمة «فراندز» تروي موقفاً أزعجها خلال تصوير المسلسل

شرحت ليزا كودرو مؤخراً ما عنته زميلتها جينيفر أنيستون في تصريحها المرتبط بوقتهما خلال تصوير مسلسل «فراندز» الشهير.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق تساءل عن دور وزارات الثقافة في حفظ إرث الفنانين (فيسبوك)

صلاح تيزاني لـ«الشرق الأوسط»: نفتقد اهتمام وزارات الثقافة بإرث الفنانين

أسرَعَ «أبو سليم» في إنقاذ إرثه الفني وحفظه في المكان المناسب. فمؤخراً شهد بعض العالم العربي أرشيف عدد من نجوم الفن يُوزَّع على الفقراء أو يُرمى في المهملات.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق الفنانة الكندية سيلين ديون خلال إحدى نوبات «متلازمة الشخص المتيبّس»... (أمازون برايم)

سيلين ديون... متيبّسة وجاحظة العينين أمام الكاميرا

لحظات صادمة سيتابعها مشاهدو الوثائقي الذي يستعرض رحلة علاج المغنية العالمية سيلين ديون من «متلازمة الشخص المتيبّس»، التي أرغمتها على وضع حدّ لنشاطها الفني.

كريستين حبيب (بيروت)

رغم المرض... سيلين ديون تبهر الحضور في افتتاح أولمبياد باريس

النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
TT

رغم المرض... سيلين ديون تبهر الحضور في افتتاح أولمبياد باريس

النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)
النجمة العالمية سيلين ديون تغني خلال فعاليات افتتاح الأولمبياد (رويترز)

لم يمنع المرض النجمة العالمية سيلين ديون من إحياء افتتاح النسخة الـ33 من الألعاب الأولمبية في باريس، مساء الجمعة، حيث أبدعت في أول ظهور لها منذ إعلان إصابتها بمتلازمة الشخص المتيبس.

وأدت المغنية الكندية، الغائبة عن الحفلات منذ 2020، أغنية «L'hymne a l'amour» («نشيد الحب») لإديت بياف، من الطبقة الأولى لبرج إيفل.

ونجحت الفنانة الكندية رغم أزمتها الصحية الأخيرة في مواصلة شغفها كمغنية عالمية، كما أثارث النجمة البالغة من العمر 56 عاماً ضجة كبيرة بين معجبيها في عاصمة الأنوار هذا الأسبوع الحالي، حيث شوهدت محاطة بمعجبيها.

وتعاني ديون بسبب هذا المرض النادر، الذي يسبب لها صعوبات في المشي، كما يمنعها من استعمال أوتارها الصوتية بالطريقة التي ترغبها لأداء أغانيها.

ولم يشهد الحفل التاريخي في باريس عودة ديون للغناء المباشر على المسرح فقط، بل شمل أيضاً أداءها باللغة الفرنسية تكريماً لمضيفي الأولمبياد.

وهذه ليست أول مرة تحيي فيها سيلين ديون حفل افتتاح الأولمبياد، إذ أحيته من قبل في عام 1996، حيث أقيم في أتلانتا في الولايات المتحدة الأميركية.

وترقبت الجماهير الحاضرة في باريس ظهور ديون، الذي جاء عقب أشهر عصيبة لها، حين ظهر مقطع فيديو لها وهي تصارع المرض.

وأثار المشهد القاسي تعاطف عدد كبير من جمهورها في جميع أنحاء المعمورة، الذين عبّروا عبر منصات التواصل الاجتماعي عن حزنهم، وفي الوقت ذاته إعجابهم بجرأة سيلين ديون وقدرتها على مشاركة تلك المشاهد مع العالم.

وترتبط المغنية بعلاقة خاصة مع فرنسا، حيث حققت نجومية كبيرة مع ألبومها «دو» («D'eux») سنة 1995، والذي تحمل أغنياته توقيع المغني والمؤلف الموسيقي الفرنسي جان جاك غولدمان.

وفي عام 1997، حظيت ديون بنجاح عالمي كبير بفضل أغنية «My Heart will go on» («ماي هارت ويل غو أون»)، في إطار الموسيقى التصويرية لفيلم «تايتانيك» لجيمس كامرون.