حواران مع سوينتون وكاواسي و«موت للبيع» في رابع أيام «مراكش»

عرض «المهجع» التركي و«الابن الآخر» الكولومبي ضمن المسابقة الرسمية

من جمهور مهرجان مراكش في دورته الـ20 (الجهة المنظمة)
من جمهور مهرجان مراكش في دورته الـ20 (الجهة المنظمة)
TT

حواران مع سوينتون وكاواسي و«موت للبيع» في رابع أيام «مراكش»

من جمهور مهرجان مراكش في دورته الـ20 (الجهة المنظمة)
من جمهور مهرجان مراكش في دورته الـ20 (الجهة المنظمة)

خلال اليوم الرابع من فعاليات المهرجان الدّولي للفيلم بمراكش، في دورته العشرين، كان الموعد مع فقرتين حواريتين مع كل من الممثلة الأسكوتلندية تيلدا سوينتون والمخرجة وكاتبة السيناريو اليابانية نعومي كاواسي.

في حين تواصَل برنامج العروض السينمائية من خلال الأفلام المبرمجة في فقرات «المسابقة الرسمية»، و«بانوراما السينما المغربية»، و«التكريمات»، و«الجمهور الناشئ»، و«العروض الاحتفالية» و«العروض الخاصة».

الممثلة الأسكوتلندية تيلدا سوينتون (إ.ب.أ)

حوار مع سوينتون

استعرضت سوينتون، في إطار فقرة «حوار مع...»، المحطات الرئيسية في تجربتها المهنية، والمخرجين الذين تعاملت معهم، ومسارات إبداعها السينمائي. وشدّدت على أن نجاح المشروعات السينمائية يكمن في طبيعة العلاقة التي تجمع بين مختلف أطراف العمل الفني.

وشكَّل اللقاء مع سوينتون مناسبة لمشاهدة مقتطفات من بعض أبرز أعمالها السينمائية، أظهرت ما تتميز به من مؤهلات على المستوى المهني.

وقالت سوينتون، التي كُرّمت في الدورة الـ19 لمهرجان مراكش، إنها تهتم، بشكل خاص، بمسألة التأطير، ورأت أن كل شخصية في فيلم معين هي وحدة قائمة الذات.

وفضلاً عن استعراضها لمسارها الفني، تقاسمت سوينتون مع الحضور وجهة نظرها حول التطور الذي شهدته السينما، في ارتباط بعدد من الأزمات العالمية والمستجدات المجتمعية والتحولات التقنية.

تيلدا سوينتون في فقرة حوارية بمهرجان مراكش (الجهة المنظمة)

وتعدّ سوينتون، التي سبق أن ترأست لجنة تحكيم الدورة الـ18 لمهرجان مراكش، في 2019، واحدة من أكثر المبدعين غزارةً وتميزاً بين بنات وأبناء جيلها، كما أنها فنانة متمردة، لا يمكن وضعها في خانة محددة؛ إذ إنها تفاجئ جمهورها وتبهره مع كل عمل جديد. ويعرَف عنها أنها ممثلة متكاملة، متعددة الملامح والاختيارات على مستوى التشخيص؛ ما أكسبها حضوراً وقيمة على المستوى العالمي.

ولعبت سوينتون مؤخراً، دور البطولة في فيلم «ثلاثة آلاف عام من الشوق» (2022) لجورج ميلر، و«مدينة الكويكب» (2023) للويس أندرسون، و«القاتل» (2023) لديفيد فينشر، الذي شارك في المسابقة الرسمية للدورة الثمانين لمهرجان البندقية السينمائي.

حوار مع كاواسي

من جهتها، تحدثت نعومي كاواسي، في فقرتها الحوارية، عن بداياتها الفنية، وعن رؤيتها للسينما وعلاقتها بها، مشدّدة على أن صناعة الأفلام أمر جدّي، كما يرصد الواقع. وأضافت أنها لم تكن ترى نفسها مخرجة سينمائية في بداية حياتها، قبل أن تجد نفسها مدعوة للبحث عن إجابات للأسئلة التي واجهتها على المستوى الوجودي.

نعومي كاواسي في فقرة حوارية بمهرجان مراكش (الجهة المنظمة)

واستعادت كاواسي تجاربها الوثائقية الأولى، التي جاءت غارقة في التأمل وتصوير الواقع، مع مساءلة العالم، ورصد هشاشة الإنسان والانتصار لقيم العائلة، مع تشديدها على أن على السينما خدمة الناس، قبل أي شيء آخر. كما تحدثت عن أشكال الحدود المفترضة بين الوثائقي والروائي من الأفلام، وبالتالي بين الواقعي والخيالي، وتوقفت عند أداء الممثلين، ومدى قدرتهم على الإبداع بتلقائية، بعيداً عن التصنع.

وتستوحي كاواسي حكاياتها من الواقع، بينما تتخطى أفلامها الحدود الفاصلة بين الوثائقي والروائي. وقد نالت الكثير من الجوائز في أكبر المهرجانات الدولية.

المخرجة وكاتبة السيناريو اليابانية نعومي كاواسي (إ.ب.أ)

ومع استمرارها في استكشاف فضاءات جديدة للتعبير حول العالم، أنشأت كاواسي، سنة 2010، في مسقط رأسها، المهرجان السينمائي الدّولي بنارا، حيث كرست جهودها لتكوين الأجيال الصاعدة.

وكتبت كاواسي مقالات وأبحاثاً عدّة، في حين تواصل إبداعاتها الانتقائية على نحو يتجاوز مسألة النوع.

حلم التحرر وألم الفقدان

تواصلت المسابقة الرسمية لمهرجان مراكش بدخول فيلمين جديدين غمار المنافسة. يتعلق الأمر بفيلم «المهجع» (2023) لمخرجه التركي نهير تونا، و«الابن الآخر» (2023) لمخرجه الكولومبي خوان سيباستيان كويبرادا.

من تقديم فيلم «المهجع» لمخرجه التركي نهير تونا في المسابقة الرسمية (الجهة المنظمة)

وتدور أحداث «المهجع» في عام 1997، وذلك في خضم حدة التوتر المتصاعد في تركيا بين المتدينين والعلمانيين، حين يُرسل أحمد، وهو في سن الرابعة عشرة، من طرف والده الذي اعتنق الإسلام مؤخراً، إلى مدرسة داخلية إسلامية ليتشبّع بقيم الإسلام.

وعلى الرغم مما يبذله من جهد ليكون ابناً مثالياً، يواجه أحمد صعوبة في التكيف مع ما يبديه الشباب في المدرسة الداخلية من عنف تجاهه، فبدأ شعوره بالعزلة في مدرسته، وأبقى تغييره لمسكنه سراً لا يعلمه أحد. لم يجد أحمد ضالته إلا في صديقه الجديد، وهو طفل واسع الحيلة يعرف كيف يلتف حول ضوابط المدرسة الداخلية، فبدآ معاً يحلمان بالتحرر.

في مقاربته للتعقيد الذي يعرفه المجتمع التركي المعاصر، والمتجسد في قضايا مثل المحافظة على التقاليد أو الذكورة، يجمع تونا، الذي يبقى «المهجع» أول فيلم طويل من إخراجه، بين انتقاده للمجتمع وجمالية الصورة، هو الذي تخرج من معهد صندانس، واختير للمشاركة في مختبر صندانس لكتّاب السيناريو سنة 2019، وفي مختبر المخرجين وكتّاب السيناريو سنة 2020.

من تقديم فيلم «الابن الآخر» لمخرجه الكولومبي خوان سيباستيان كويبرادا (الجهة المنظمة)

أما «الابن الآخر»، فيحكي قصة فيديريكو وشقيقه سيمون، اللذين يعيشان فترة مراهقتهما على أكمل وجه، لغاية اليوم الذي يلقى فيه سيمون حتفه جراء سقوطه من على شرفة في إحدى الحفلات. تتفكك عائلة فيديريكو الذي يحاول أن يعيش أسابيع الدراسة الأخيرة بشكل طبيعي. وبينما يغمره الحزن، يحاول الاقتراب من لورا، الصديقة السابقة لأخيه، التي يبدو أنه يشعر بالارتياح برفقتها.

يسلط هذا الفيلم، الذي هو دراما إنسانية عن ألم الفقدان، الضوء على طريقتين لتجاوز ألم فقدان الأخ والابن، تكمن أولاهما في الهرب من بيت العائلة لمدة معينة لنسيان ما حدث، من خلال شخصية فيديريكو، بينما تكمن الثانية، التي اختارتها الأم، في التعايش مع ألم الفقد واستحضار ذكرى الفقيد، بكونها الطريقة المثلى لتعظيم الميت واحترام روحه.

موت للبيع (2011)

هو واحد من الأفلام التي اختيرت ضمن الفقرة الخاصة بتكريم المخرج المغربي فوزي بنسعيدي، خلال الدورة الحالية، إلى جانب الممثل الدنماركي مادس ميكلسن.

مشهد من فيلم «موت للبيع» لفوزي بنسعيدي (الجهة المنظمة)

يتحدث الفيلم عن رغبة ثلاثة من الشباب المهمش والعاطل عن العمل، في اختراق الحاجز الاجتماعي، ولو عن طريق الجريمة. وهم، ورغم دوافعهم المختلفة للسطو على محل للمجوهرات، يختلفون أيضاً كثيراً مع بعضهم بعضاً إلى حد الشجار العنيف. يعشق مالك، 26 سنة، دنيا حد الجنون ويريد تخليصها من عالم الدعارة. أما علال، 30 سنة، فيحلم بضربة العمر من خلال الاتجار بالمخدرات، في حين يتغذى سفيان، 18 سنة، على فكرة الانتقام من المجتمع، لتمثل سرقة أكبر محال بيع المجوهرات في مدينة تطوان، هدفاً مشتركاً يصبو إليه الشبان الثلاثة. وهم، بالنظر إلى الواقع الذي يرزحون تحت وطأته، ليس لديهم ما يخسرونه، كما لا يرهبهم شيء للوصول إلى غايتهم.


مقالات ذات صلة

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الفنانة السورية سُلاف فواخرجي والمخرج جود سعيد مع فريق الفيلم (القاهرة السينمائي)

«سلمى» يرصد معاناة السوريين... ويطالب بـ«الكرامة»

تدور أحداث الفيلم السوري «سلمى» الذي جاء عرضه العالمي الأول ضمن مسابقة «آفاق عربية» بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45، وتلعب بطولته الفنانة سلاف فواخرجي.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق بوستر مهرجان الفيوم السينمائي الدولي للبيئة والفنون المعاصرة (إدارة المهرجان)

4 أفلام سعودية للعرض في مهرجان الفيوم السينمائي

تشارك 4 أفلام سعودية في الدورة الأولى لمهرجان الفيوم السينمائي الدولي لأفلام البيئة والفنون المعاصرة الذي يقام خلال الفترة ما بين 25 و30 نوفمبر.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق بطلات فيلم «انصراف» (الشرق الأوسط)

المخرجة السعودية جواهر العامري استلهمت «انصراف» من أحداث حقيقية

عُرض «انصراف» في كلٍ من أميركا وفرنسا وبريطانيا، في حين شهد «مهرجان القاهرة» عرضه العربي الأول.

انتصار دردير (القاهرة)
يوميات الشرق العياد بعد تسلم الجائزة في المهرجان (الشرق الأوسط)

ناقد سعودي يحصد جائزة «جيل المستقبل» في «القاهرة السينمائي»

حصد الناقد السينمائي السعودي أحمد العياد جائزة «جيل المستقبل» التي أقيمت نسختها الأولى ضمن فعاليات «أيام القاهرة لصناعة السينما».

أحمد عدلي (القاهرة )

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
TT

غاليري «آرت أون 56» رسالةُ شارع الجمّيزة البيروتي ضدّ الحرب

أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)
أبت أن تُرغم الحرب نهى وادي محرم على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية (آرت أون 56)

عاد إلى ذاكرة مُؤسِّسة غاليري «آرت أون 56»، نهى وادي محرم، مشهد 4 أغسطس (آب) 2020 المرير. حلَّ العَصْف بذروته المخيفة عصر ذلك اليوم المشؤوم في التاريخ اللبناني، فأصاب الغاليري بأضرار فرضت إغلاقه، وصاحبته بآلام حفرت ندوباً لا تُمحى. توقظ هذه الحرب ما لا يُرمَّم لاشتداد احتمال نكئه كل حين. ولمّا قست وكثَّفت الصوتَ الرهيب، راحت تصحو مشاعر يُكتَب لها طول العُمر في الأوطان المُعذَّبة.

رغم عمق الجرح تشاء نهى وادي محرم عدم الرضوخ (حسابها الشخصي)

تستعيد المشهدية للقول إنها تشاء عدم الرضوخ رغم عمق الجرح. تقصد لأشكال العطب الوطني، آخرها الحرب؛ فأبت أن تُرغمها على إغلاق الغاليري وتسليمه للعدمية. تُخبر «الشرق الأوسط» عن إصرارها على فتحه ليبقى شارع الجمّيزة البيروتي فسحة للثقافة والإنسان.

تُقلِّص ساعات هذا الفَتْح، فتعمل بدوام جزئي. تقول إنه نتيجة قرارها عدم الإذعان لما يُفرَض من هول وخراب، فتفضِّل التصدّي وتسجيل الموقف: «مرَّت على لبنان الأزمة تلو الأخرى، ومع ذلك امتهنَ النهوض. أصبح يجيد نفض ركامه. رفضي إغلاق الغاليري رغم خلوّ الشارع أحياناً من المارّة، محاكاة لثقافة التغلُّب على الظرف».

من الناحية العملية، ثمة ضرورة لعدم تعرُّض الأعمال الورقية في الغاليري لتسلُّل الرطوبة. السماح بعبور الهواء، وأن تُلقي الشمس شعاعها نحو المكان، يُبعدان الضرر ويضبطان حجم الخسائر.

الفنانون والزوار يريدون للغاليري الإبقاء على فتح بابه (آرت أون 56)

لكنّ الأهم هو الأثر. أنْ يُشرّع «آرت أون 56» بابه للآتي من أجل الفنّ، يُسطِّر رسالة ضدّ الموت. الأثر يتمثّل بإرادة التصدّي لِما يعاند الحياة. ولِما يحوّلها وعورةً. ويصوّرها مشهداً من جهنّم. هذا ما تراه نهى وادي محرم دورها في الأزمة؛ أنْ تفتح الأبواب وتسمح للهواء بالعبور، وللشمس بالتسلُّل، وللزائر بأن يتأمّل ما عُلِّق على الجدران وشدَّ البصيرة والبصر.

حضَّرت لوحات التشكيلية اللبنانية المقيمة في أميركا، غادة جمال، وانتظرتا معاً اقتراب موعد العرض. أتى ما هشَّم المُنتَظر. الحرب لا تُبقى المواعيد قائمة والمشروعات في سياقاتها. تُحيل كل شيء على توقيتها وإيقاعاتها. اشتدَّت الوحشية، فرأت الفنانة في العودة إلى الديار الأميركية خطوة حكيمة. الاشتعال بارعٌ في تأجيج رغبة المرء بالانسلاخ عما يحول دون نجاته. غادرت وبقيت اللوحات؛ ونهى وادي محرم تنتظر وقف النيران لتعيدها إلى الجدران.

تفضِّل نهى وادي محرم التصدّي وتسجيل الموقف (آرت أون 56)

مِن الخطط، رغبتُها في تنظيم معارض نسائية تبلغ 4 أو 5. تقول: «حلمتُ بأن ينتهي العام وقد أقمتُ معارض بالمناصفة بين التشكيليين والتشكيليات. منذ افتتحتُ الغاليري، يراودني هَمّ إنصاف النساء في العرض. أردتُ منحهنّ فرصاً بالتساوي مع العروض الأخرى، فإذا الحرب تغدر بالنوايا، والخيبة تجرّ الخيبة».

الغاليري لخَلْق مساحة يجد بها الفنان نفسه، وربما حيّزه في هذا العالم. تُسمّيه مُتنفّساً، وتتعمّق الحاجة إليه في الشِّدة: «الفنانون والزوار يريدون للغاليري الإبقاء على فتح بابه. نرى الحزن يعمّ والخوف يُمعن قبضته. تُخبر وجوه المارّين بالشارع الأثري، الفريد بعمارته، عما يستتر في الدواخل. أراقبُها، وألمحُ في العيون تعلّقاً أسطورياً بالأمل. لذا أفتح بابي وأعلنُ الاستمرار. أتعامل مع الظرف على طريقتي. وأواجه الخوف والألم. لا تهمّ النتيجة. الرسالة والمحاولة تكفيان».

الغاليري لخَلْق مساحة يجد بها الفنان نفسه وربما حيّزه في العالم (آرت أون 56)

عُمر الغاليري في الشارع الشهير نحو 12 عاماً. تدرك صاحبته ما مرَّ على لبنان خلال ذلك العقد والعامين، ولا تزال الأصوات تسكنها: الانفجار وعَصْفه، الناس والهلع، الإسعاف والصراخ... لـ9 أشهر تقريباً، أُرغمت على الإغلاق للترميم وإعادة الإعمار بعد فاجعة المدينة، واليوم يتكرّر مشهد الفواجع. خراب من كل صوب، وانفجارات. اشتدّ أحدها، فركضت بلا وُجهة. نسيت حقيبتها في الغاليري وهي تظنّ أنه 4 أغسطس آخر.