«بقاء»... مرثية فنية لدعم الذاكرة الفلسطينية

معرض بدار الأوبرا المصرية للفنانة هبة حلمي

المعرض تستضيفه «قاعة الباب» في دار الأوبرا المصرية
المعرض تستضيفه «قاعة الباب» في دار الأوبرا المصرية
TT

«بقاء»... مرثية فنية لدعم الذاكرة الفلسطينية

المعرض تستضيفه «قاعة الباب» في دار الأوبرا المصرية
المعرض تستضيفه «قاعة الباب» في دار الأوبرا المصرية

تبدو أصداء الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش وهو يُردد: «يافطاتٌ.. توقظُ الماضي، تحثُ على التذكُر» وكأنها تلوح في فضاء معرض «بقاء» للفنانة التشكيلية المصرية هبة حلمي، الذي يمنح بطولة إنسانية وفنية للتدوين والتذكّر، في مواجهة التناسي والاندثار، وهو معرض يتخذ من الحرب على غزة عالمه البصري، ومن الفن وسيلة للمقاومة، ويستمر في عرضه حتى 2 ديسمبر (كانون الأول) المُقبل.

في قاعة «الباب» بدار الأوبرا المصرية، تستقبل الزوار أمتارٌ من المُعلقات القماشية التي تنسدل من الجدران بعفوية على أرضية القاعة، بما يستدعي تراث الرسائل القديمة، والسجلات التدوينية، وبنظرة من بعيد تبدو تلك المُعلقات مُترعة بأمواج من الكتابات المُتفاوتة في حجم خطوطها، ومع الاقتراب منها تظهر أسماء الضحايا الفلسطينيين منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهي أسماء مكتوبة بالأحبار على قماش أبيض، اختارت الفنانة أن يكون هذا القماش بلونه وخامته، مُستدرجاً من مفردات الموت والأكفان التي لم تنقطع سيرتها على مدار الهجوم الإسرائيلي الأخير على أهالي غزة.

التدوين ثيمة مركزية في المعرض الفني

«أن يُسجَلوا، أن يظلوا حاضرين، ألا ننساهم» تتأمل هبة حلمي بتلك الكلمات مغزى معرضها «بقاء»، وتروى في حديثها لـ«الشرق الأوسط» قصة المعرض الذي استلهمته من فواجع الموت التي لم تهدأ وتيرتها في فلسطين منذ بدء قصف غزة، واستعانت بكشوف وسجلات الوفيات التي خرجت عن وزارة الصحة الفلسطينية: «جميعهم أطفال، أعمارهم تتراوح من أقل من عام وأكبرهم 17 عاماً، وتلك هي الأرقام التي دوّناها حتى تاريخ تنظيم المعرض».

حنظلة أحد أبطال المعرض الفني

وسط سيل تلك الأسماء المُدوّنة، تبرز أسماء عائلات طرّزتها الفنانة بشكل بارز، مثل: «عطا الله - أبو شمالة - نوفل - المطوق - النجار» وغيرها من العائلات الفلسطينية، التي كُتبت بخطوط كبيرة، فيما يبدو استلهاماً فنياً لفن التطريز التراثي الذي يمثل جانباً مركزياً من الهوية الثقافية الفلسطينية، ولا يمكن قراءتها بعيداً عن رسالة المعرض الذي يُخاطب «البقاء».

تقول هبة حلمي: «عندما كنا نُدوّن الأسماء، كنا نلاحظ أسماء عائلات مُكررة، فكتبت ألقاب العائلات بصورة تستدعي الترميم، والحياة التي تُجاور الموت دائماً، وتجعل أسماء العائلات الفلسطينية صامدة رغم كل شيء».

دعوة تفاعلية لتدوين أسماء الشهداء من الأطفال

وتولي الفنانة المصرية هبة حلمي اهتماماً خاصاً بالخطوط، التي طرحت عبر مشروعها الفني رؤى تجريبية فيها، مستفيدةً من تعلّمها الخط العربي بشكل منهجي واحترافي، وصولاً لتطويعه لمفردات تشكيلية تخصّ عالمها الفني، وفي هذا المعرض يبدو الخط العربي وكأنه يحمل رسالة استغاثية مُغايرة «لم أستعن بالألوان في هذا المعرض، وأعدّ أن الخط أستُخدم في هذا المعرض بصورة تتصل برسالته في أهمية التدوين، لذلك قدّمت دعوة للمشاركة معي في كتابة أسماء الضحايا للإعداد لهذا المعرض، وبالفعل توافد العديد من الكبار والصغار لمساعدتي في تنفيذ الفكرة».

جانب من أعمال المعرض الفني

ويجد زائر المعرض أقلاماً وطابعة حبر على شكل «حنظلة»، وبجوارها كشوف وزارة الصحة الفلسطينية لأسماء الضحايا، في دعوة مفتوحة للزُوار للتفاعل مع عالم المعرض والمشاركة بتدوين أسماء الأطفال الفلسطينيين على سطح القماش، وتقول صاحبة المعرض: «فكرت أن تكون تلك الحالة التفاعلية، دعوة للتضامن مع ثيمة البقاء ليس كحالة فردية، ولكن كتجربة تخص الجميع، والتأكيد على أن حفظ الذاكرة هو دور جمعي، وأننا طالما نتذكرهم فلن يموتوا».

كسور الفخار تُحاكي مشاهد القصف والدمار في غزة

ويبدو الطفل «حنظلة» شاهداً على عالم المعرض، وهو أيقونة رسّام الكاريكاتير الفلسطيني الراحل ناجي العلي (1937-1987)، الذي يقف معقود اليدين وراء ظهره، ويظهر بين أسماء الضحايا، في رثاء لا ينقطع على مدار أجيال طويلة، كما يظهر مطبوعاً على سطح قطع من الفخار المُهشّم، الذي تُكوّن به الفنانة هبة حلمي «تجهيزاً في الفراغ» في جانب من المعرض، ويُحيل بهشاشته إلى مشاهد القصف التي خلّفت وراءها الرُكام والفناء، فيما تجعل الفنانة من حضور «حنظلة» المُكثف وسط كومة الدمار أملاً موازياً في «بقاء» وصمود، وحياة.


مقالات ذات صلة

معرض الرياض الدولي للكتاب يختتم 10 أيام من الاحتفاء بالكتاب والثقافة

يوميات الشرق جذبت فعاليات المعرض وأنشطته الثرية والمتنوعة أكثر من مليون زائر (هيئة الأدب)

معرض الرياض الدولي للكتاب يختتم 10 أيام من الاحتفاء بالكتاب والثقافة

بحلول مساء يوم (السبت) انقضت الأيام العشرة من فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب 2024، وتم إسدال الستار على المعرض الذي انطلق تحت شعار «الرياض تقرأ».

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق على باب الله (الشرق الأوسط)

لُجين نعمة تلتقط الأمل المولود من رحم الخراب

تجسّد كلّ صورة من صور لُجين نعمة تجربتها الحياتية وتعكس التحديات التي واجهتها هي وكثيراً من العراقيين الذين اضطروا لسلوك دروب الهجرات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق غاندي رمز السلام والتسامح (منسّق المعرض)

الوجوه الأربعون للمهاتما غاندي احتفالاً بـ155 عاماً على ميلاده

قرّرت منظمة الأمم المتحدة تخصيص يوم ميلاد غاندي في 2 أكتوبر، ليكون يوماً عالمياً لنبذ العنف والعمل على نشر هذه الثقافة عبر العالم.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق «ليلة مرصعة بالنجوم» في معرض «شعراء وعشاق» (غيتي)

فان جوخ... شعراء وعشاق... سيمفونية الألوان والمشاعر

اختار المعرض الحالي الذي يقيمه ناشونال غاليري بلندن عنوان «فان جوخ... شعراء وعشاق» ليعيد قراءة فترة مهمة في حياة الفنان الهولندي من فبراير 1888 إلى مايو 1890.

عبير مشخص (لندن)
يوميات الشرق على مدى عشرة أيام تزين فعاليات معرض الكتاب العاصمة السعودية (هيئة الأدب)

علوان: معرض الرياض للكتاب أيقونة ثقافية وأكبر المعارض العربية في مبيعات الكتب

بات معرض الرياض الدولي للكتاب عنواناً للريادة الثقافية للسعودية منذ انطلاقه قبل خمسة عقود وتحقيقه سنوياً لأعلى عوائد مبيعات الكتب بين المعارض العربية.

عمر البدوي (الرياض)

رمال المريخ تصلح لبناء مستعمرات فضائية

فكرة بناء مستعمرات في الفضاء تظل حلماً طموحاً يسعى العلماء لتحقيقه (جامعة نورث وسترن)
فكرة بناء مستعمرات في الفضاء تظل حلماً طموحاً يسعى العلماء لتحقيقه (جامعة نورث وسترن)
TT

رمال المريخ تصلح لبناء مستعمرات فضائية

فكرة بناء مستعمرات في الفضاء تظل حلماً طموحاً يسعى العلماء لتحقيقه (جامعة نورث وسترن)
فكرة بناء مستعمرات في الفضاء تظل حلماً طموحاً يسعى العلماء لتحقيقه (جامعة نورث وسترن)

تَوَصَّلَ باحثون بجامعة ترينيتي في دبلن إلى طريقة لتحويل الرمال الموجودة على سطح المريخ والقمر إلى طوب صلب يمكن استخدامه في بناء مستعمرات مستقبلية في الفضاء.

واكتشف الباحثون طريقة لربط الصخور السطحية والرمال والغبار، والمعروفة باسم «الريغوليث»، باستخدام درجات حرارة منخفضة وكمية قليلة من الطاقة، وفق «بي بي سي».

وتعد فكرة بناء مستعمرات في الفضاء حلماً طموحاً يسعى العلماء والمهندسون لتحقيقه في السنوات المقبلة، حيث يمكن أن توفر هذه المستعمرات بيئة للعيش والعمل خارج كوكب الأرض، مثل القمر أو المريخ.

وتعتمد هذه الرؤية على استخدام الموارد المحلية، مثل الرمال والصخور الموجودة على السطح، لتقليل الاعتماد على النقل من الأرض؛ ما يقلل من التكاليف والانبعاثات البيئية.

وتمثل الابتكارات في تكنولوجيا البناء، مثل استخدام أنابيب الكربون النانوية والغرافين، خطوات مهمة نحو تحقيق هذا الحلم، حيث تسهم في إنشاء هياكل قوية وصديقة للبيئة قادرة على دعم الحياة البشرية.

وتمكّن الباحثون من ربط الجسيمات السطحية، مثل الصخور والرمال والغبار، معاً باستخدام درجات حرارة منخفضة وطاقة قليلة. وتتميز الكتل المبنية باستخدام أنابيب الكربون النانوية بكثافة منخفضة نسبياً، ولكنها تظهر قوة تقترب من قوة الغرانيت؛ ما يجعلها مناسبة لإنشاء هياكل خارج كوكب الأرض،.

وقال البروفيسور جوناثان كولمان، الذي يقود المشروع البحثي جامعة ترينيتي، إن هذا الاكتشاف قد يساعد على تقليل كمية مواد البناء التي تحتاج إلى النقل من الأرض لبناء قاعدة على القمر.

وأكد كولمان أن بناء قاعدة شبه دائمة على القمر أو المريخ سيتطلب استخداماً كافياً من المواد الموجودة في الموقع، وتقليل المواد والمعدات المنقولة من الأرض.

وعند بناء الهياكل في الفضاء، ستسهم الكتل المصنوعة من الجسيمات السطحية وأنابيب الكربون النانوية في تقليل الحاجة إلى نقل مواد البناء إلى الفضاء.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الكتل قادرة على توصيل الكهرباء؛ ما يمكن استخدامها كأجهزة استشعار داخلية لمراقبة الصحة الهيكلية للمباني خارج كوكب الأرض.

وتُبنى هذه الهياكل لتحتفظ بالهواء؛ لذا فإن القدرة على اكتشاف ومراقبة علامات التحذير المبكر لفشل الكتل أمر بالغ الأهمية.

ويعتقد الباحثون أن هذا الاكتشاف يمكن أن تكون له أيضاً تطبيقات عملية في صناعة البناء على الأرض، وذلك بسبب مادة نانوية مشابهة تسمى الغرافين، التي يمكن خلط كميات كبيرة منها مع الأسمنت في الخرسانة، ما يزيد من قوة الخرسانة بنسبة 40 في المائة.

كما يسهم تعزيز قوة الخرسانة في تقليل الكمية المطلوبة لبناء الهياكل. وتُعد الخرسانة حالياً أكثر المواد المستخدمة من صُنع الإنسان في العالم، حيث تشكل عملية تصنيع الخرسانة العالمية نحو 8 في المائة من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم.