بيكاسو الذي يرسم من دون نهاية... هذا هو عنوان المعرض الكبير الذي يقام في مركز جورج بومبيدو الثقافي، حالياً، بالتعاون مع المتحف الخاص بأعمال الفنان في باريس؛ وهو عنوان ينطبق تماماً على الرسام الإسباني الأشهر في القرن العشرين والذي كان يمارس التخطيط على أي ورقة تقع تحت يده، سواء في مرسمه أو أثناء تناوله العشاء في مطعم أو حتى عندما يحضر حفلاً لمصارعة الثيران.
ترك بيكاسو (1881 ـ 1973) وراءه أكثر من 50 ألف عمل، منها 1885 لوحة و1228 منحوتة و2880 قطعة خزف و7089 رسماً و342 سجادة و150 كراسة للتخطيطات و30 ألف ختم ومحفورة. وتأتي لوحة «آنسات أفينيون» في صدارة أشهر أعماله، ومثلها جدارية «غيرنيكا» التي سجل فيها الدمار الذي أحدثه القصف بقرية إسبانية أثناء الحرب.
ويتضمن المعرض نحواً من ألف تخطيط ولوحة مرسومة بالقلم أو بالفحم أو محفورة على النحاس، فضلاً عن مجموعة من أبرز كراساته التي كانت تتنقل معه حيثما تنقل ليسجل فيها ما تقع عليه عيناه. كل الموضوعات كانت صالحة للرسم في عيني بيكاسو. وتشمل الرسوم مرحلة دراسته في أول شبابه حتى أعماله في آخر عمره. فقد كان التخطيط بالنسبة للفنان هو «التعبير عن اختراع دائم التجدد»، حسبما جاء في دليل المعرض.
وهناك أيضاً مفكراته ذوات القيمة الكبيرة والتي تضمنت ملاحظات خاصة وحميمة، أو بعض الرسوم التمهيدية العابرة التي كان يقوم بها قبل إنجاز لوحة من لوحاته المهمة. وقد اختار منظمو المعرض الابتعاد عن التسلسل الزمني في تقديم الأعمال وتركوها تختلط في أرجاء الصالات بحيث يخرج الزائر من دهشة ليقع في دهشة جديدة. فهناك صدمة التنقل من مرحلة إلى أخرى لا تشبهها في الأسلوب. هذا بالإضافة إلى صدمة العثور على أعمال ذات شهرة إلى جانب رسوم ترى النور للمرة الأولى.
إنه أكبر معرض استعادي من نوعه لتخطيطات الفنان ورسومه. وهو من الاتساع بحيث يغرق الزائر في دوامة «الإبداع البيكاسوي شديد التنوع»، إن جاز التعبير. فهذه الرسوم الممتدة على امتداد عمر صاحبها هي بشكل من الأشكال طريقة بيكاسو في تسجيل مذكراته. إنه لا يكتب يومياته بل يرسمها ويوثق من خلالها كل ما كان يمرّ به منذ أن يفتح عينيه في الصباح وحتى يغلقهما وينام. وقد جاء كثير من المعروضات من مجموعات خاصة، لكن القسم الأكبر مستعار من المتحف المخصص للفنان في باريس.
بخطوط صريحة قلائل يرسم بيكاسو وجه فرنسواز جيلو، وهي واحدة من حبيباته، لكي يجعل من نظرتها الصافية ميداناً للخلود عبر الفن. وفضلاً عن رسم نسائه كان له ولع بتخطيطات للحيوانات أكثر من اهتمامه بالنباتات التي في الطبيعة. وهناك عشرات الرسوم لأبقار وثيران وطيور وكلاب وقطط، مع شغف خاص بالأسماك. وهو قد استفاد من فكرة زميله جورج براك الذي ابتكر عام 1912 أسلوب الورق الملصق، وراح يلصق تخطيطات ملونة على قصاصات من الجرائد أو على صفحات نوتة موسيقية، أو حتى على فاتورة مطعم. إن قيمة تلك الأعمال لا تكمن في وظيفتها الأولى، بل في الشكل البصري الذي أصبحت عليه بعد أن عبث بها بيكاسو وأضاف إليها من فنونه، أو جموحه، أو بالأحرى جنونه.