اختيار الفنانة منال الضويان لتمثيل السعودية في بينالي فينيسيا للفنون 2024

الفنانة لـ«الشرق الأوسط»: المرأة السعودية أوصلتني للبندقية

الفنانة منال الضويان في البندقية (الفنانة وهيئة الفنون البصرية مفوض الجناح الوطني السعودي)
الفنانة منال الضويان في البندقية (الفنانة وهيئة الفنون البصرية مفوض الجناح الوطني السعودي)
TT

اختيار الفنانة منال الضويان لتمثيل السعودية في بينالي فينيسيا للفنون 2024

الفنانة منال الضويان في البندقية (الفنانة وهيئة الفنون البصرية مفوض الجناح الوطني السعودي)
الفنانة منال الضويان في البندقية (الفنانة وهيئة الفنون البصرية مفوض الجناح الوطني السعودي)

قليل من الناس من تمنحه الحياة الفرصة لتسجيل أحداث واقع متغير وتحويل اللحظات المهمة في المجتمع إلى علامات فنية فارقة. الفنانة السعودية منال ضويان من هؤلاء، سجلت تغير واقع المرأة السعودية عبر عقود، بلقطات الكاميرا وبالأعمال التركيبية وبالصوت والأداء، وسجلت في كل لحظة أحاسيس وأمنيات وأحلام نساء بلادها، وتحولت أعمالها لقطع أيقونية وشهادات من واقع متغير عاشته الفنانة مع نساء بلدها لحظة بلحظة، والتقطت تفاصيله، وسجلتها وأودعتها التاريخ الفني. ومع اختيارها لتمثيل المملكة في بينالي فينيسيا للفنون 2024 بتكليف من هيئة الفنون البصرية، تأخذ الضويان حصيلة السنوات لتجسدها في عمل فني يحمل اسم السعودية في أهم محفل فني في العالم.

الفنانة منال الضويان في البندقية (الفنانة وهيئة الفنون البصرية مفوض الجناح الوطني السعودي)

تعلق الضويان لـ«الشرق الأوسط» على اختيارها لتمثيل المملكة في بينالي فينيسيا، وتعتبر أنه «شرف كبير لي، وكان حلما وطموحا»، وتضيف «بالنسبة لكل فنان أي مشاركة عالمية هي حلم وبالنسبة إلي أرى أن بينالي فينيسا من أهم المحافل الفنية في العالم التي تحدد مشوارك الفني، خاصة مع وضع السعودية اليوم مع رؤية 2030 ومع دعم وزارة الثقافة، ومع فريق عمل رائع في هيئة الفنون البصرية». تختار الضويان التعبير عن أعمالها واختصار أهدافها في كلمتين «الصدق والإخلاص»، تقول إنَّ أعمالها مستمدة من تجربتها الشخصية «كامرأة مسلمة سعودية وعربية، أعمالي قريبة مني جدا، ولهذا السبب أعتقد أنها تصل بسرعة للمشاهد».

في حديثها معي تستعرض تجربتها الفنية التي قدمت من خلالها ما يلمسها، ويهمها كامرأة سعودية، تقول إنَّ البعض نصحها باختيار موضوعات مختلفة بعيدا عن تجربتها المحلية حتى تصل للعالمية، ولكنها تعرف أهدافها وما تريد أن تقدمه «لا أقدم شيئا خارج تجربتي، رغم أن هناك مواضيع أخرى تهمني، أخلصت لهذه الطريقة، ولهذا أوصلتني المرأة السعودية للبندقية». تصف نفسها بـ«العنيدة» وتضيف «أردت أن أقدم ما يلمسني، لم تنته قصتي بعد». المحلية كانت هي الصلة التي نقلت الضويان للعالمية وللعرض في المتاحف والمحافل العالمية، ترى أن المحلية لا تعني القولبة «يزعجني جدا أن توضع تجربة المرأة السعودية في قالب محدد، وهو ما نواجهه في المعارض العالمية فالبعض يأتي محملا بأفكار مسبقة. وأعتقد أن جزءاً من مسؤوليتي كفنانة هو تصوير المجتمع السعودي الذي هو مزيج ثري من التجارب والثقافات واللهجات، هي طبقات وطبقات من المعاني».

«يا ترى هل تراني» 2020 منال الضويان صور للعمل التركيبي بتكليف «ديزرت إكس» والهيئة الملكية للعلا (لانس جيربر- بإذن من الفنانة)

ترى أن أعمالها تتحدث عن «التعددية والاختلاف في المجتمع بين النساء والرجال (الآن مشاريعي تشمل الرجال أيضا)» وأيضا تعكس التعددية في الحركة الفنية السعودية «أتحدث عن تجربتي، سافرت حول العالم، وتواصلت عبر أفكاري وموضوعاتي التي تفاعل معها المشاهدون، التجربة الإنسانية واحدة، ولهذا كان هناك تفاعل قوي مع أعمالي، نحن في النهاية بشر والاختلاف فقط اختلاف ثقافات لكن التجربة الإنسانية واحدة».

الضويان... رحلة مع المرأة والتقاليد

ليس من الصعب الحديث عن الضويان التي صاحبتها في رحلتها الفنية منذ بداياتها في بدايات الألفية الثالثة لتصل الآن لتصبح واحدة من أهم الأصوات الفنية المعاصرة في المملكة العربية السعودية. في بداياتها وعندما عرضت الضويان في 2005 مجموعتها التصويرية «أنا» التي قدمت من خلالها لقطات لسيدات سعوديات كل منهن تعبر عن كينونتها كامرأة عاملة، بدا أن الضويان تحمل مخزونا من العاطفة المتقدة والكثير من الفن لتعبر بعدسة الكاميرا عن الشخصيات المستقلة الفخورة بنفسها وبنجاحاتها، أن نرى في معرض سعودي ثم عالمي وجوها مختلفة للمرأة السعودية كان أمرا جديدا وساحرا في تلك الفترة.

«أنا مواطنة سعودية» منال الضويان 2005

لم تتوقف الضويان عن ملاحقة القضايا التي تهمها، وتهم نساء كثيرات مثلها، تتابعت أعمالها بعد ذلك لتظهر منها أعمال مثل «في الهوا سوا» (2011) و«اسمي» (2012) و«شجرة الذاكرة» (2014) و«يا ترى هل تراني» (2021).

اختارت أن تعبر عن نساء بلدها، وهي منهن، تحدثت عن التقاليد التي تعتبر أن ذكر اسم المرأة علنا يعتبر أمرا مخجلا، سارعت بالاتصال والإعلان لمن ترغب من النساء بالمشاركة معها في هذا العمل الفني، أرسلت لكل واحدة قطعة خزفية، وطلبت منهن كتابة أسمائهن عليها، لتجمع القطع بعد ذلك في «سبح» عملاقة علقتها في قاعة العرض ضمن معرض «إيدج أوف أرابيا» في جدة.

«اسمي» 2012 من معرض ضمن مبادرة «إيدج أوف أرابيا» تحت عنوان «يجب أن نتحاور» جدة 2012 (الفنانة)

الأعمال التشاركية أطلقت فن الضويان ليلمس كل امرأة شاركت فيه، وكل شخص رآه، وأحس فيه بشيء يلمسه من الواقع والتقاليد المجتمعية، وأصبحت السمة التشاركية من العلامات المميزة لأهم أعمال الضويان بعد ذلك. من الأعمال التي تستحق مكانة خاصة في تاريخ الحركة الفنية السعودية المعاصرة هي «في الهوا سوا» الذي شاركت فيه عشرات النساء السعوديات.

استلهمت الضويان العمل من فكرة وواقع مؤرق لآلاف النساء في السعودية في حقبة ماضية حيث كان السفر خارج المملكة يتطلب إذنا مكتوبا من ولي أمر المرأة، كان عائقا لكثيرات وصداعا لأخريات وجدن فيه تقييدا للحركة وإضافة لتقاليد اجتماعية صارمة. وقتها طلبت الضويان من سيدات كثيرات إرسال نسخ تلك التصريحات بالسفر لتطبع كل نسخة على مجسم حمامة بيضاء من البورسلين. علقت المجسمات في تشكيلات بديعة، كان العنوان بالإنجليزية «معلقات سويا»، لا يمكن التعبير ببلاغة عن الأثر الذي أحدثه ذلك العمل وقتها، ولا يزال يثير المشاعر المختلفة لدى الكثيرات عند رؤية تلك الحمامات المعلقات بالخيوط حيث الحركة محدودة، سواء حصلن على تصريح السفر أم لم يحصلن.

«في الهوا سوا» 2011 منال الضويان صورة للعمل التركيبي في المتحف العربي للفن الحديث قطر (الفنانة)

استخدمت الفنانة ذات الأسلوب لتكوين عملها الفذ التالي، وهو «شجرة الذاكرة» الذي استعانت فيه بالنساء من خلال ورش عمل أقامتها في إحدى الجامعات الخاصة، وطلبت من كل منهن رسم شجرة العائلة النسائية لكل منهن. عند عرضه تحول العمل الذي قدمته الضويان بأسلوب جمالي بديع إلى نقطة للحديث والفخر لمن شاركن ولمن شاهدن التأثير الذي يمكن أن ينبع من فكرة بسيطة، ولكنها عميقة تفصح عن تقاليد وتراث غني ومتشعب. هذا الاتجاه الذي استخدمته الفنانة أثبت أنه الأكثر تأثيرا وتجاوبا مع الجمهور الذي يشاهد نفسه وأقاربه ومعارفه في كل قطعة. ولا يمكننا سوى الانتظار لما ستقدمه الفنانة للجناح السعودي في بينالي فينيسيا 2024 الذي يحمل عنوان «أجانب أينما حللنا»، تحت إشراف أدريانو بيدروسا، الذي يدعو الفنانين إلى النظر في الاختلافات والفوارق المتأتّية من الهوية والجنسية والعرق.



«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
TT

«دماغ السحلية»... أسباب انشغالنا بآراء الآخرين عنا

صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)
صورة لمسح الدماغ أثناء التصوير بالرنين المغناطيسي (جامعة نورث وسترن)

وجدت دراسة جديدة، أجراها فريق من الباحثين في كلية الطب بجامعة نورث وسترن الأميركية، أن الأجزاء الأكثر تطوراً وتقدماً في الدماغ البشري الداعمة للتفاعلات الاجتماعية -تسمى بالشبكة المعرفية الاجتماعية- متصلة بجزء قديم من الدماغ يسمى اللوزة، وهي على اتصال باستمرار مع تلك الشبكة.

يشار إلى اللوزة تُعرف أيضاً باسم «دماغ السحلية»، ومن الأمثلة الكلاسيكية لنشاطها الاستجابة الفسيولوجية والعاطفية لشخص يرى أفعى؛ حيث يصاب بالذعر، ويشعر بتسارع ضربات القلب، وتعرّق راحة اليد.

لكن الباحثين قالوا إن اللوزة تفعل أشياء أخرى أكثر تأثيراً في حياتنا.

ومن ذلك ما نمر به أحياناً عند لقاء بعض الأصدقاء، فبعد لحظات من مغادرة لقاء مع الأصدقاء، يمتلئ دماغك فجأة بأفكار تتداخل معاً حول ما كان يُفكر فيه الآخرون عنك: «هل يعتقدون أنني تحدثت كثيراً؟»، «هل أزعجتهم نكاتي؟»، «هل كانوا يقضون وقتاً ممتعاً من غيري؟»، إنها مشاعر القلق والمخاوف نفسها، ولكن في إطار اجتماعي.

وهو ما علّق عليه رودريغو براغا، الأستاذ المساعد في علم الأعصاب بكلية فاينبرغ للطب، جامعة نورث وسترن، قائلاً: «نقضي كثيراً من الوقت في التساؤل، ما الذي يشعر به هذا الشخص، أو يفكر فيه؟ هل قلت شيئاً أزعجه؟».

وأوضح في بيان صحافي صادر الجمعة: «أن الأجزاء التي تسمح لنا بالقيام بذلك توجد في مناطق الدماغ البشري، التي توسعت مؤخراً عبر مسيرة تطورنا البشري. في الأساس، أنت تضع نفسك في عقل شخص آخر، وتستنتج ما يفكر فيه، في حين لا يمكنك معرفة ذلك حقّاً».

ووفق نتائج الدراسة الجديدة، التي نُشرت الجمعة في مجلة «ساينس أدفانسز»، فإن اللوزة الدماغية، بداخلها جزء محدد يُسمى النواة الوسطى، وهو مهم جدّاً للسلوكيات الاجتماعية.

كانت هذه الدراسة هي الأولى التي أظهرت أن النواة الوسطى للوزة الدماغية متصلة بمناطق الشبكة المعرفية الاجتماعية التي تشارك في التفكير في الآخرين.

لم يكن هذا ممكناً إلا بفضل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، وهي تقنية تصوير دماغ غير جراحية، تقيس نشاط الدماغ من خلال اكتشاف التغيرات في مستويات الأكسجين في الدم.

وقد مكّنت هذه المسوحات عالية الدقة العلماء من رؤية تفاصيل الشبكة المعرفية الاجتماعية التي لم يتم اكتشافها مطلقاً في مسوحات الدماغ ذات الدقة المنخفضة.

ويساعد هذا الارتباط باللوزة الدماغية في تشكيل وظيفة الشبكة المعرفية الاجتماعية من خلال منحها إمكانية الوصول إلى دور اللوزة الدماغية في معالجة مشاعرنا ومخاوفنا عاطفياً.

قالت دونيسا إدموندز، مرشح الدكتوراه في علم الأعصاب بمختبر «براغا» في نورث وسترن: «من أكثر الأشياء إثارة هو أننا تمكنا من تحديد مناطق الشبكة التي لم نتمكن من رؤيتها من قبل».

وأضافت أن «القلق والاكتئاب ينطويان على فرط نشاط اللوزة الدماغية، الذي يمكن أن يسهم في الاستجابات العاطفية المفرطة وضعف التنظيم العاطفي».

وأوضحت: «من خلال معرفتنا بأن اللوزة الدماغية متصلة بمناطق أخرى من الدماغ، ربما بعضها أقرب إلى الجمجمة، ما يسهل معه استهدافها، يمكن لتقنيات التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة استهداف اللوزة الدماغية، ومن ثم الحد من هذا النشاط وإحداث تأثير إيجابي فيما يتعلق بالاستجابات المفرطة لمشاعر الخوف والقلق».