«مكتبة» من الجليد القديم في كوبنهاغن لفهم تغير المناخ

تضم 40 ألف كتلة جليد مكدّسة على صفوف طويلة من الرفوف

صناديق من عيّنات الجليد في مستودع بجامعة كوبنهاجن (أ.ف.ب)
صناديق من عيّنات الجليد في مستودع بجامعة كوبنهاجن (أ.ف.ب)
TT

«مكتبة» من الجليد القديم في كوبنهاغن لفهم تغير المناخ

صناديق من عيّنات الجليد في مستودع بجامعة كوبنهاجن (أ.ف.ب)
صناديق من عيّنات الجليد في مستودع بجامعة كوبنهاجن (أ.ف.ب)

كشف علماء في كوبنهاغن عن ثلاجة عملاقة يطلق عليها «أيس كور أركايف»، وتُخزَّن فيها كتل من الجليد تعود إلى آلاف السنين من غرينلاند، لفهم التغيرات في المناخ.

وقال يورغن بيدر ستيفنسن، أستاذ علم الجليد بجامعة كوبنهاغن، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «ما لدينا في هذا الأرشيف هو تغير المناخ في عصور ما قبل التاريخ، وهو سجل للنشاطات البشرية في عشرة الآلاف سنة الماضية».

يحمل ستيفنسن أستاذ الأبحاث المتعلقة بالجليد في جامعة كوبنهاغن عينة من الجليد (أ.ف.ب)

يذكر أنه بدأ شغف ستيفنسن بكتل الجليد قبل 43 عاماً، وأثناء الحفر في الغطاء الجليدي بغرينلاند التقى زوجته دورثي داهل-ينسن، وهي أيضاً من كبار الخبراء في مجال علم المناخ القديم.

ومنذ عام 1991، يدير ستيفنسن الثلاجة، وهي واحدة من الأكبر في العالم، إذ تضم 40 ألف كتلة من الجليد مكدسة على صفوف طويلة من الرفوف في صناديق كبيرة. والعيّنات المجمّدة فريدة، إذ إنها مكونة من ثلج مضغوط وليس من مياه متجمّدة.

وأوضح ستيفنسن: «كل المجال الجوي بين رقاقات الثلج محصور على شكل فقاعات في الداخل، والهواء الموجود داخل هذه الفقاعات هو من عُمر الجليد». تشبه حجرة الانتظار في الثلاجة غرفة قراءة في مكتبة، حيث يمكن للعلماء فحص الجليد الذي سحبوه من «المكتبة» الرئيسية أو غرفة التخزين، لكن يجب أن يكونوا سريعين، إذ تبلغ الحرارة في حجرة الانتظار -18 درجة مئوية، وهي درجة معتدلة، مقارنة بـ -30 درجة مئوية في غرفة التخزين.

وكان فريق من الباحثين قد أحضر العيّنات الأولى إلى الدنمارك في الستينات من «كامب سنتشوري»، وهي قاعدة عسكرية أميركية سرية في غرينلاند. ويعود تاريخ أحدثها إلى هذا الصيف عندما حفر العلماء الطبقة السفلية من الجليد في شرق غرينلاند على عمق 2.6 كيلومتر.

وتحتوي هذه العيّنات على مستخلصات وصلت إلى القاع قبل 120 ألف عام، خلال الفترة الجليدية الأخيرة عندما كانت درجات حرارة الهواء في غرينلاند أعلى بمقدار 5 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

وقال ستيفنسن: «كان العالم أكثر دفئاً بكثير مما هو عليه اليوم. لكن هذا كان قبل وجود البشر».

ومِن شأن هذا الجليد الذي استحصل عليه العلماء أخيراً، أن يساعد على فهم السبب وراء ارتفاع مستويات سطح البحر، وهو أمر لا يمكن تفسيره إلا جزئياً بتقلص الغطاء الجليدي.

يأتي تفسير ذلك أيضاً من تيارات الجليد، وهي جليد يتحرّك بسرعة على الغطاء الجليدي الذي يذوب بمعدل مُقلق. وأضاف ستيفنسن: «إذا فهمنا تيارات الجليد بشكل أفضل، فيمكننا الحصول على فكرة أفضل عن مدى مساهمتها (في ارتفاع منسوب سطح البحر) من غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية في المستقبل».

وتعدّ العينات الجليدية الطريقة الوحيدة لتحديد حالة الغلاف الجوي قبل التلوث الذي سبّبه النشاط البشري. وقال ستيفنسن: «باستخدام العيّنات، تمكّنا من تحديد طريقة تغير غازات الدفيئة وثاني أكسيد الكربون والميثان مع مرور الوقت». وأضاف: «ويمكننا أيضاً أن نرى تأثير حرق الوقود الأحفوري في العصر الحديث».

وهذا المشروع منفصل عن مؤسسة «أيس ميموري» التي جمعت عيّنات جليدية من 20 موقعاً في كل أنحاء العالم، من أجل حفظها للباحثين المستقبليين في محطة كونكورديا الفرنسية - الإيطالية للبحوث في القارة القطبية الجنوبية، قبل أن تختفي بسبب تغير المناخ.

وقال رئيس المؤسسة جيروم تشابيلاز: «تخزين ذاكرة جليد في غرينلاند أمر جيد جداً»، لكنه أشار إلى أن تخزين العيّنات في ثلاجة صناعية يكون عرضة لخلل تقني أو مشكلات تمويل أو هجمات، أو حتى حروب.

في عام 2017، أدى تعطّل ثلاجة في جامعة ألبرتا الكندية إلى تعريض 13 في المائة من عيّناتها التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين، لدرجات حرارة دافئة، وهو أمر غير مُستحب.

وقال تشابيلاز: «إنهم يملكون كنزاً»، داعياً الدنماركيين إلى الانضمام لمشروع كونكورديا. وختم: «علينا أن نحمي هذا الكنز، ونضمن، قدر الإمكان، انضمامه إلى التراث العالمي للبشرية».


مقالات ذات صلة

استمرار البحث عن ناجين وإحصاء القتلى في مايوت الفرنسية بعد الإعصار

أوروبا دمر الإعصار «تشيدو» أنحاءً شاسعة من مايوت بعد أن صاحبته رياح تجاوزت سرعتها 200 كيلومتر في الساعة (أ.ف.ب) play-circle 00:38

استمرار البحث عن ناجين وإحصاء القتلى في مايوت الفرنسية بعد الإعصار

بحث عمال الطوارئ عن ناجين، الاثنين، وسابقوا الزمن لاستعادة الخدمات الأساسية في مايوت، وهي من الأراضي الفرنسية ما وراء البحار، حيث يُخشى مقتل الآلاف.

«الشرق الأوسط» (موروني)
بيئة درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

صعوبة في تفسير الارتفاع القياسي في درجات الحرارة العالمية

يُعدّ الاحترار الذي يواجهه العالم منذ عقود بسبب غازات الدفيئة المنبعثة من الأنشطة البشرية مسألة معروفة، لكنّ درجات الحرارة العالمية التي حطّمت الأرقام القياسية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الجهاز الجديد يتميز بقدرته على العمل ميدانياً مباشرة في المواقع الزراعية (جامعة ستانفورد)

جهاز مبتكر ينتِج من الهواء مكوناً أساسياً في الأسمدة

أعلن فريق بحثي مشترك من جامعتَي «ستانفورد» الأميركية، و«الملك فهد للبترول والمعادن» السعودية، عن ابتكار جهاز لإنتاج الأمونيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
بيئة جانب من الساحل الشمالي لجزيرة سردينيا الإيطالية (فيسبوك)

باحث بريطاني: «المناطق الزرقاء» المشهورة بعمر سكانها المديد مجرد خدعة

تشكل الفكرة القائلة إنّ «المناطق الزرقاء» المشهورة في العالم بطول عمر سكانها وارتفاع نسبة المعمرين فيها، مجرد خدعة تستند إلى بيانات غير صحيحة؟

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق معرض مستدام وصديق للبيئة من إنشائه إلى تصميمه ومكوّناته (تصوير: تركي العقيلي)

من التصميم إلى الإنشاء… ابتكارات مستدامة تُشكِّل معرضاً دولياً في السعودية

تبرز تقنية «الشجرة التفاعلية» وسط القاعة. فعندما يقترب الزائر تدبُّ الحياة في الشجرة ويُعرَض وجهٌ عليها لتبدأ بسرد قصتها ممثّلةً الأشجار المُعمِّرة في السعودية.

غازي الحارثي (الرياض)

قصص ملهمة وعروض متنوعة تتوج الدورة الثانية لمهرجان الرياض للمسرح

المهرجان يساهم في تسليط الضوء على التنوع الثقافي والإبداعي (تصوير: تركي العقيلي)
المهرجان يساهم في تسليط الضوء على التنوع الثقافي والإبداعي (تصوير: تركي العقيلي)
TT

قصص ملهمة وعروض متنوعة تتوج الدورة الثانية لمهرجان الرياض للمسرح

المهرجان يساهم في تسليط الضوء على التنوع الثقافي والإبداعي (تصوير: تركي العقيلي)
المهرجان يساهم في تسليط الضوء على التنوع الثقافي والإبداعي (تصوير: تركي العقيلي)

اختتم «مهرجان الرياض للمسرح»، الخميس، دورته الثانية التي شهدت على مدى اثني عشر يوماً، مجموعة من العروض المسرحية المتنوعة، ومنصة محورية لدعم المسرحيين السعوديين، واكتشاف وتطوير المواهب الناشئة، والاحتفاء بالأعمال المميزة.

وقال سلطان البازعي الرئيس التنفيذي لهيئة المسرح والفنون الأدائية، إن المهرجان يساهم في تسليط الضوء على التنوع الثقافي والإبداعي، ويعكس أهمية استدامة الجهود لتطوير المشهد المسرحي السعودي، وتعزيز التفاعل مع التجارب المسرحية العالمية.

شارك في نسخة هذا العام 20 عرضاً سعودياً (تصوير: تركي العقيلي)

من جهته، أكد مدير المهرجان الدكتور راشد الشمراني، أن المهرجان شكَّل منصة استثنائية للإبداع المسرحي، حيث نجح في جمع نخبة من المبدعين والمواهب الواعدة على خشبة واحدة، في حدث يُبرز مدى تطور قطاع المسرح في المملكة.

وأشار إلى أن المهرجان أكد التزام المملكة بتعزيز دور المسرح لكونه من الركائز الثقافية المهمة، ويُمثل بداية لحقبة جديدة من الوعي الفني والإبداعي، تُساهم في اكتشاف المواهب وبناء جيل جديد من الفنانين المسرحيين القادرين على مواكبة التطورات العالمية.

المهرجان شكَّل منصة استثنائية للإبداع المسرحي السعودي (تصوير: تركي العقيلي)

وخلال الحفل، أعلنت الأعمال الفائزة وتكريم الفائزين بجوائز الدورة الثانية للمهرجان، وقدمها على خشبة المسرح، رئيس لجنة التحكيم المخرج السعودي عامر الحمود.

ونالت ‏«مسرحية غيمة» جائزة أفضل مكياج مسرحي، و ‏«مسرحية سليق وباقيت» جائزة أفضل أزياء مسرحية، و «مسرحية رشيد واللي سواه في بلاد الواه واه» جائزة أفضل موسيقى مسرحية، و‏«مسرحية كونتينر» جائزة أفضل إضاءة مسرحية، ‏و«مسرحية طوق» جائزة أفضل ديكور مسرحي.

شهد الحفل إعلان الأعمال الفائزة وتكريم الفائزين بجوائز الدورة الثانية للمهرجان (تصوير: تركي العقيلي)

وجائزة أفضل نص مسرحي، نالتها ‏«مسرحية قمم: الكاتب عبد العزيز اليوسف»، وجائزة أفضل إخراج مسرحي لـ«مسرحية كونتينر: المخرج عقيل عبد المنعم الخميس».

‏وعلى صعيد الجوائز الفردية، نالت ‏«آمال الرمضان» جائزة أفضل ممثلة دور ثانٍ، وذهبت جائزة أفضل ممثل دور ثانٍ لـ«سعيد محمد عبد الله الشمراني»، وجائزة أفضل ممثلة دور أول لـ«فاطمة علي الجشي»، وجائزة أفضل ممثل دور أول، لـ«حسين يوسف».

يعكس المهرجان أهمية استدامة الجهود لتطوير المشهد المسرحي السعودي (تصوير: تركي العقيلي)

واختتمت سلسلة الجوائز، بتتويج «مسرحية طوق» بجائزة أفضل عرض مسرحي متكامل (المسار المعاصر)، و ‏«مسرحية حارسة المسرح» بجائزة أفضل عرض مسرحي متكامل (المسار الاجتماعي).

وتمثل الدورة الثانية للمهرجان امتداداً للنجاح الذي حققته الدورة الأولى، مع تطلعات طموحة لتقديم مزيد من الإبداع والتميز في السنوات المقبلة.

نجح المهرجان في جمع نخبة من المبدعين والمواهب الواعدة على خشبة واحدة (تصوير: تركي العقيلي)

وشارك في نسخة هذا العام، 20 عرضاً سعودياً مع برنامج شمل 3 ندوات، و6 ورشات عمل، و20 قراءة نقدية، وتوزعت العروض المشارِكة على مسارين؛ أحدهما للمسرح المعاصر وضم 11 عرضاً، والآخر للمسرح الاجتماعي وضم 9 عروض.

وشهدت الدورة الثانية من المهرجان، تكريم رائد المسرح السعودي، أحمد السباعي، الذي ساهم في إدخال المسرح إلى المملكة، وتطوير الفنون المسرحية، وأُقيم معرض فني يستعرض مسيرته الرائدة تضمّن عرضاً لمؤلفاته المسرحية والأدبية ومقتنياته الشخصية، إلى جانب الجوائز والشهادات التكريمية التي حصل عليها خلال مسيرته، وفيلماً وثائقياً يُبرز أبرز محطاته وإنجازاته الأدبية منذ الخمسينات، وصولاً إلى تأسيسه أول مسرح سعودي عام 1961م تحت اسم «دار قريش للتمثيل القصصي».