الطيور على أشكالها... تقف خلال نومها!

تتوازن بأقل جهد حتى على سلك كهربائي أو غصن تهزّه الريح

يعتمد الطيور على ثني الأطراف السفلية للمشي (رويترز)
يعتمد الطيور على ثني الأطراف السفلية للمشي (رويترز)
TT

الطيور على أشكالها... تقف خلال نومها!

يعتمد الطيور على ثني الأطراف السفلية للمشي (رويترز)
يعتمد الطيور على ثني الأطراف السفلية للمشي (رويترز)

لدى البشر والطيور، بين سائر الكائنات الحية، وحدهم قدرة المشي على قدمين؛ لكنّ الطيور تعتمد في ذلك على آلية شديدة الخصوصية تُعرف بالانشدادية، ويؤمل في التوصّل إلى تطبيقات لها في علم الروبوتات، وفق دراسة نُشرت الأربعاء.

وذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية» أنّ الفارق الأساسي هو أنّ المشي على قدمين لدى البشر يتطلّب الوقوف بشكل مستقيم. وبينما تعتمد الطيور على ثني الأطراف السفلية، وهو الذي لا يستطيع الإنسان القيام به إلا لوقت قصير ويستلزم منه جهداً، لا يمنع 10 آلاف نوع من الطيور في العالم من النوم وقوفاً، على ما لاحظت الدراسة التي نشرت في مجلة «إنترفايس» التابعة لأكاديمية «رويال سوسايتي» البريطانية.

يستطيع 10 آلاف نوع من الطيور في العالم النوم وقوفاً (رويترز)

ورأت المعدّة الرئيسية للدراسة أنيك أبو رشيد من مختبر ميكاديف لآليات التكيف والتطور التابع للمتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس، أنّ عدم إثارة السؤال عن السبب سابقاً يعود ربما إلى أنّ العصفور «حيوان قريب جداً وبعيد جداً في الوقت نفسه من البشر»، الذين أولوا اهتمامهم خصوصاً «لطيرانه وسلوكه».

عند البشر، يعتمد التوازن على هيكل عظمي يعمل بطريقة الانضغاط. وتنتشر القوى في الجسم عمودياً، بفعل الجاذبية، من الرأس إلى القدمين.

أما الطير، فبنيته مختلفة، إذ إنّ جذعه أفقي أكثر، يمتدّ من ذيل عظمي قصير، ويمرّ بعمود فقري شبه صلب، وينتهي برقبة طويلة، ثم بالرأس.

لا تعود الطيور بحاجة إلى طاقة لتبقى واقفة عند تعرّض هيكلها للشدّ (رويترز)

ويبدو هذا الجذع متوازناً على ساقين، تتألّف كل منهما من 3 عظام طويلة إلى حد ما، تشكل نوعاً ما حرف «Z» قبل الوصول إلى القدمين، وهذا الهيكل ورثته الطيور من أسلافها الديناصورات.

وشرح فريق «ميكاديف» أنّ هذا النظام يعتمد على الانشدادية. فهي تسمح للحيوان بالبقاء «مستقراً بأقل قدر من استهلاك الطاقة، أي من دون أي جهد عضلي تقريباً، بفضل الشدّ السلبي»، وفق الدراسة.

وتشير كلمة الانشدادية (Tensegrity) إلى قدرة هيكل ما على الحفاظ على توازنه من خلال لعبة الشدّ والانضغاط، كما هي حال جسر معلّق يكون سطحه ثابتاً بفعل التوازن بين الكابلات والأعمدة، على عكس جسر تقليدي يعتمد فقط على ضغط السطح وأساساته.

للطائر نحو 40 عضلة تمكّنه من البقاء واقفاً (رويترز)

وشرحت أنيك أبو رشيد أنّ الطيور «لا تعود بحاجة إلى طاقة لتبقى واقفة عند تعرّض هيكلها للشدّ»، وبالتالي تحافظ على توازنها بأقل جهد، حتى على سلك كهربائي أو غصن تهزّه الريح، وهو ما لا يستطيعه البشر، إلا أولئك الذين يمارسون رياضة «المشي على الحبل المشدود»، ولكن يُستحسن أن يكون ذلك من دون ريح.

ولاختبار فرضيتهم، صمّم باحثو «ميكاديف» بمساعدة مختبر العلوم الرقمية بجامعة نانت، نموذج رياضيات يجمع بين علم الأحياء والروبوتات.

واستخدموا دراسات على أحد الطيور النادرة، وهو من فصيلة طيور الحمار الوحشي، الذي دُرِست وضعية جسمه بالأشعة السينية. وأوضحت الباحثة أنها «الطريقة الوحيدة لفهم وضعية الهيكل العظمي، لأنّ كل ما نراه من الطير هو طبقة من الريش، مع المنقار من جهة والقدمين من جهة أخرى». ويعمل النموذج بأربعة كابلات تحلّ محل أوتار ساق الطائر وعضلاته، وتمتدّ من العُصعص (عظم العَجُز) إلى الساق عبر كل مفصل.

تعتمد الطيور في المشي على آلية شديدة الخصوصية تُعرف بالانشدادية (رويترز)

ويتيح شدّ الأسلاك الصحيح للحيوان المستخدم نموذجاً للدراسة، أن يحقق توازنه مع ثني ساقيه. في الواقع، للطائر نحو 40 عضلة تمكّنه ليس فقط من البقاء واقفاً، ولكن أيضاً، اعتماداً على النوع، من الجري أو السباحة أو الطيران أو تناول الطعام أو الدفاع عن نفسه.

ويدرس الباحثون نماذج أكثر تعقيداً لإعادة إنتاج سلوك الطيور خلال حركتها، ويطمحون للتوصّل إلى تطبيق في مجال الروبوتات، علماً أنّ الروبوتات ذات القدمين غالباً ما تكون مستوحاة من النموذج البشري.

وسيتيح نموذج الطيور للروبوت ذي القدمين إبقاء وضعيته ثابتة لوقت طويل، بهدف المراقبة مثلاً، مع الحد الأدنى من استهلاك الطاقة.


مقالات ذات صلة

يوميات الشرق موسيقى الشهر: عودة متعثّرة لشيرين... وأحلام تنفي الانفصال بالصور والغناء

موسيقى الشهر: عودة متعثّرة لشيرين... وأحلام تنفي الانفصال بالصور والغناء

بدل أن يصل صدى أغنيات شيرين الجديدة إلى جمهورها العربي، طغى عليها ضجيج المشكلات التي واكبت عودتها. ماذا أيضاً في الجديد الموسيقي لهذا الشهر؟

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق مشهد يُشارك فيه فغالي ضمن مسلسل «البيت الملعون» (صور الفنان)

عماد فغالي لـ«الشرق الأوسط»: لم أحقّق طموحي الكبير في عالم التمثيل

يتساءل اللبناني عماد فغالي، أسوةً بغيره من الممثلين، عن الخطوة التالية بعد تقديم عمل. من هذا المنطلق، يختار أعماله بدقة، ولا يكرّر أدواره باحثاً عن التجديد.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق العقل هو مَن حلَّق أولاً (الباريزيان)

تحليق شراعي حُرّ لمُقعدين فرنسيين مع كراسيهم المتحرّكة

في بلدة أندليس بشمال فرنسا، يمكن للمُقعدين ممارسة التحليق الشراعي الحُرّ. فاستقبل نادٍ عدداً من ذوي الحاجات الخاصة ممّن دُرِّبوا على ممارسة هذه الرياضة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق «يوان يوان» احتفلت بعشرينها (أ.ب)

باندا عملاقة صينية المولد تحتفل بعامها الـ20 في حديقة بتايوان

الباندا العملاقة «يوان يوان» احتفلت بعيد ميلادها الـ20 في العاصمة التايوانية تايبيه، وسط تهاني حارّة من المعجبين بها.

«الشرق الأوسط» (تايبيه)

الموسيقى تحسّن قدرات الطلاب على التعلّم

الباحثة ييرين رين تعزف على البيانو (معهد جورجيا للتكنولوجيا)
الباحثة ييرين رين تعزف على البيانو (معهد جورجيا للتكنولوجيا)
TT

الموسيقى تحسّن قدرات الطلاب على التعلّم

الباحثة ييرين رين تعزف على البيانو (معهد جورجيا للتكنولوجيا)
الباحثة ييرين رين تعزف على البيانو (معهد جورجيا للتكنولوجيا)

تُعدّ الموسيقى جزءاً من تجربتنا الإنسانية، فهي تؤثر في عواطفنا وذكرياتنا. وغالباً ما نربط موسيقى معينة بحدث ما أو بلحظة مهمة في حياتنا، كما ترافقنا في المهام التي نؤديها في أثناء العمل والقيادة والدراسة.

ووفقاً لدراسة جديدة منشورة، في دورية «بلوس وان»، يمكن للموسيقى أن تعزّز قدرتنا على تعلّم معلومات جديدة، وتغيير ذكرياتنا بصورة إيجابية.

ووجد باحثو الدراسة أن الموسيقى العاطفية، خصوصاً الموسيقى الإيجابية التي تُشغّل في الخلفية في أثناء إعادة تنشيط الذاكرة يمكن أن تغيّر النغمة العاطفية للذكريات المعقّدة غير المرغوبة.

تقول طالبة الدكتوراه في كلية «علم النفس» في معهد «جورجيا للتكنولوجيا» الأميركي، الباحثة الرئيسية للدراسة، ييرين رين، في بيان منشور الجمعة، على موقع الجامعة: «تستكشف الدراسة تطبيقات مبتكرة للموسيقى في تعديل الذاكرة، وتقدّم رؤى للتطبيقات اليومية، مثل عملية التعلّم، وكذلك في الطب السريري».

عندما نشاهد فيلماً يحتوي على موسيقى قوية، أي موسيقى أُنشئت لإثارة المشاعر، فإن ما نسمعه يرشدنا بالضبط إلى المكان الذي يريدنا المؤلف أن نصل إليه. وفي دراستهم التي أجروها، أفاد الباحثون بأن هذا النوع من «الموسيقى المزاجية» قد يكون قوياً بما يكفي لتغيير الطريقة التي نتذكر بها ماضينا.

وكان الباحثون قد طلبوا من 48 مشاركاً، تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً من طلاب جامعة «جورجيا للتكنولوجيا»، تعلّم سلسلة من الأشكال المجردة في أثناء الاستماع إلى موسيقى بنبرة وإيقاع ولحن مألوف ثم إلى موسيقى غير متناغمة وغير منتظمة.

وكان بوسع الباحثين أن يراقبوا كل هذا يحدث باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي. وقد تمكّنوا من رؤية النشاط الدماغي المتغير لدى المشاركين في الدراسة، والاتصال المتزايد بين اللوزة الدماغية، إذ تُعالج العواطف، والمناطق الأخرى في الدماغ المرتبطة بالذاكرة ودمج المعلومات.

وانطلاقاً من النظرية التي تقول إن الذكريات يمكن تحديثها عند استرجاعها، قدّم الباحثون موسيقى عاطفية في أثناء استرجاع الذاكرة للتحقيق فيما إذا كانت قادرة على تغيير محتوى الذاكرة.

وتوضح رين: «هذا يلقي الضوء على قابلية الذاكرة للتطويع استجابة للموسيقى، والدور القوي الذي يمكن أن تلعبه في تغيير ذكرياتنا الحالية».

وبينما كوننا غير قادرين على تغيير ذكرى سيئة عن طريق إدخال موسيقى سعيدة في وقت تشكيلها، يقول الباحثون إن نتائجهم تشير إلى أن الاستماع إلى موسيقى إيجابية في أثناء استرجاع تلك الذكرى القديمة يمكن أن يعيد تشكيلها من جديد.

وتركز رين، في بحثها، على نوعية الموسيقى التي تشعر معها بالراحة؛ لأن هذه هي الطريقة التي تعمل بها الموسيقى التي نعرفها وقد نحبها، فالموسيقى التي تبدو مألوفة ومريحة يمكن أن تساعدنا في الدراسة والتعلّم.

واكتشفت رين أيضاً أن أنواعاً أخرى من الموسيقى يمكن أن تؤثر في عواطفنا وتُعيد تشكيل الذكريات القديمة.

ووفق النتائج فإن الاستماع إلى موسيقى مألوفة ومنتظمة، يمكن التنبؤ بنغماتها بدرجة كبيرة، مكّن المشاركين من تعلّم تسلسل الأشكال وتذكّرها بشكل أسرع، في حين أن الموسيقى غير المنتظمة أضعفت بشكل كبير ترميز الذاكرة لتلك الأشكال.

ويعزو الباحثون التعلّم والتذكّر السريعين إلى قدرة الدماغ على إنشاء «سقالة» أو إطار منظم للمعلومات المكتسبة حديثاً في الدماغ. وهو ما تعلّق عليه رين: «اعتماداً على مدى مألوفيتها وبنيتها، يمكن للموسيقى أن تساعد ذاكرتنا أو تعوقها».

ويرى الباحثون أن نتائجهم لديها القدرة أيضاً على تطوير العلاجات القائمة على الموسيقى لحالات مرضية، مثل اضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب، أو استراتيجيات إعادة التأهيل لكبار السن، خصوصاً أولئك الذين يعانون من الخرف.

تقول رين: «أنا متحمسة للجمع بين حبي مدى الحياة للموسيقى واهتمامي بالذاكرة البشرية. لأنني أعتقد أن المرحلة التالية من بحثي يمكن أن توفّر أدلة قيمة لدعم تطوير التدخلات القائمة على الموسيقى للصحة العقلية والوظيفة الإدراكية».