«يوم عاصم جداً» تنتقد هوس الأجيال الجديدة بـ«السوشيال ميديا»

المسرحية الكوميدية المصرية تمزج الواقعية بالفانتازيا

مفارقات ضاحكة بين الأجداد والأحفاد (تصوير: خالد مهيب)
مفارقات ضاحكة بين الأجداد والأحفاد (تصوير: خالد مهيب)
TT

«يوم عاصم جداً» تنتقد هوس الأجيال الجديدة بـ«السوشيال ميديا»

مفارقات ضاحكة بين الأجداد والأحفاد (تصوير: خالد مهيب)
مفارقات ضاحكة بين الأجداد والأحفاد (تصوير: خالد مهيب)

عبر المزج بين الواقعية و«الفانتازيا»، تثير مسرحية «يوم عاصم جداً» التي تُعرض حالياً وبشكل يومي باستثناء الثلاثاء من كل أسبوع على «مسرح السلام» بشارع قصر العيني بوسط القاهرة الكثير من التساؤلات المتعلقة بتناقضات زمن الأجداد والأحفاد.

وبدا واضحاً أن العرض منذ يوم الافتتاح يحظى بإقبال جماهيري لافت، لا سيما أن العمل يدور في أجواء مبهجة، وينتمي إلى الطابع الكوميدي، حيث تفاعل الحضور إيجابياً مع أحداثه؛ سواء بالضحك الشديد أو عند تحية طاقم التمثيل في نهاية العرض.

المسرحية تناقش هوس «السوشيال ميديا» (تصوير: خالد مهيب)

تمزج حبكة العمل بين الواقعية والخيال المحلّق، من خلال قصة تجمع بين ثلاثة أجيال في عائلة «السرياقوسي» العريقة، وكيف يواجه جيل الأحفاد العديد من المشكلات والأزمات، بعد أن بلغوا مرحلة الشباب وأصبحوا محاصَرين بتحديات شديدة على جميع المستويات، أبرزها الغرق في عالم الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل تتراجع معه قيم اجتماعية وأخلاقية كثيرة.

وحين تصطدم الأم التي تمثل الجيل السابق بجدار من اليأس في لحظة ما، وتخشى ألا تتمكن من السيطرة على الأمور، تجد نفسها على موعد مع مفاجأة لا تخطر ببال. تتمثل المفاجأة في عودة مؤسس العائلة من الجيل الأول، وهو عاصم السرياقوسي، إلى الحياة، عبر حركة فانتازية، حين يحرِّك أحدهم كتاباً مهمَلاً في مكتبة الجد، فيثير غباراً متراكماً على غلافه، ومن وسط الغبار يظهر الجد وتنضم إليه زوجته.

عرض مفعم بالبهجة (تصوير: خالد مهيب)

وتستدعى المسرحية إلى الذهن بالطريقة التي عاد بها الجد للحياة القصة الشهيرة لمصباح علاء الدين والفانوس السحري، التي تم استلهامها في العديد من الأعمال الفنية، مثل «الفانوس السحري» لإسماعيل ياسين، إنتاج 1960، و«علاء الدين»، بطولة النجم الأميركي ويل سميث، إنتاج 2019.

ويتقاطع اسم المسرحية مع عمل مسرحي آخر شهير، وإن كان مختلفاً في موضوعه، هو «يوم عاصف جداً»، بطولة مديحة كامل وصلاح قابيل، ومن إنتاج 1984، حيث غُير حرف الفاء واستبدل به «الميم» لصنع مفارقة كوميدية أو «إفيه»، ضمن ظاهرة قديمة عرفتها السينما المصرية تتمثل في التلاعب بالكلمات مع أسماء أعمال شهيرة، مثل فيلم «حبيبي نائماً» بطولة مي عز الدين، وخالد أبو النجا إنتاج 2008 الذي يتقاطع بدوره مع الفيلم الشهير «حبيبي دائماً» بطولة نور الشريف وبوسي إنتاج 1980.

ويناقش العمل اختلاف القيم وتغيُّر المبادئ عبر الأجيال المختلفة، وكيف يولّد الصراع بين القديم والحديث العديد من المفارقات الضاحكة.

وقال الناقد المسرحي ناصر العزبي لـ«الشرق الأوسط» إن «مؤلف العمل أيمن النمر لا يقدم حبكة تقليدية تقوم على وحدة الموضوع من البداية إلى النهاية بقدر ما يرتكز على العديد من النقلات والمواقف السريعة والمتضادة التي تصنع مفارقات ساخرة، بينما استطاع المخرج عمرو حسان السيطرة على حركة الممثلين وإبراز المتناقضات في المواقف والمفاهيم والأزمنة، فجاء العمل في مجمله سريع الإيقاع، مبهجاً، باستثناء المشاهد الأولى التي كانت بحاجة إلى بعض التكثيف».

كوميديا اجتماعية تعتمد على المفارقات (تصوير: خالد مهيب)

وأضاف العزبي أن «طاقم التمثيل كان موفَّقاً للغاية، لا سيما الثنائي مجدي البحيري وشيريهان الشاذلي اللذين جسَّدا شخصيتَي الجد والجدة»، لافتاً إلى أن «الكوميديا التي تضمَّنها العمل راقية ومناسبة جداً للمشاهدة العائلية».

وتابع: «نجحت استعراضات حسن شحاتة وديكورات محمد فتحي وأزياء مها عبد الرحمن في تجسيد التناقض بين أزمنة ومفاهيم مختلفة، وتعميق حالة البهجة والخفة التي يتميز بها العمل ككل».

من جانبه، قال مؤلف العمل أيمن النمر في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «رسالة العمل تكمن ببساطة في فكرة أن التكنولوجيا الحديثة و(السوشيال ميديا) أخذت منا أكثر مما أعطتنا؛ فقد أصبح الاتصال سريعاً وفورياً، لكن الجيل الحالي يعاني من نقص الدفء الإنساني، وأصبح فريسة للقلق والاكتئاب».

ووفق النمر، فإن «الكوميديا في المسرحية قائمة على كوميديا الموقف التي تنبع من التناقضات الصارخة بين قيم زمن الجد والأحفاد، ولا تتبع نمط (الإفيهات) أو الضحك للضحك، وإنما تحمل فكرة ومعنى، وتتضمن رسائل غير مباشرة».


مقالات ذات صلة

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

يوميات الشرق الفنانة المصرية منة شلبي تقدم أول أعمالها المسرحية (حسابها على «فيسبوك»)

منة شلبي تخوض أولى تجاربها المسرحية في «شمس وقمر»

تخوض الفنانة المصرية منة شلبي أولى تجاربها للوقوف على خشبة المسرح من خلال عرض «شمس وقمر» الذي تقوم ببطولته، ويتضمن أغاني واستعراضات.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق عرض مسرحي

مهرجان للمسرح في درنة الليبية ينثر فرحة على «المدينة المكلومة»

من خلال حفلات للموسيقى الشعبية الليبية والأغاني التقليدية، استقطب افتتاح المهرجان أعداداً كبيرة من سكان درنة، لينثر ولو قليلاً من الفرح بعد كارثة الإعصار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق حفل ختام مهرجان شرم الشيخ المسرحي شهد غياب مشاهير الفن (شرم الشيخ المسرحي)

«شرم الشيخ المسرحي» يُختتم بعيداً عن «صخب المشاهير»

اختتم مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فعاليات دورته التاسعة، مساء الأربعاء، بعيداً عن صخب المشاهير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مجموعة نشاطات فنّية يقدّمها الفريق في كل مركز (فضاء)

مؤسّسة «فضاء» تؤرشف للمسرح خلال الحرب

يختصر عوض عوض أكثر ما لفته في جولاته: «إنهم متعلّقون بالحياة ومتحمّسون لعيشها كما يرغبون. أحلامهم لا تزال تنبض، ولم تستطع الحرب كسرها».

فيفيان حداد (بيروت)

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
TT

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)

في حوارات جدّية تتّسم بالموضوعية وبمساحة تعبير حرّة يطالعنا الإعلامي زافين قيومجيان ببرنامجه التلفزيوني «شو قولك» وعبر شاشة «الجديد» ينقل للمشاهد رؤية جيل الشباب لمستقبل أفضل للبنان.

ويأتي هذا البرنامج ضمن «مبادرة مناظرة» الدّولية التي تقوم على مبدأ محاورة أجيال الشباب والوقوف على آرائهم. اختيار الإعلامي زافين مقدّماً ومشرفاً على البرنامج يعود لتراكم تجاربه الإعلامية مع المراهقين والشباب. فمنذ بداياته حرص في برنامجه «سيرة وانفتحت» على إعطاء هذه الفئة العمرية مساحة تعبير حرّة. ومنذ عام 2001 حتى اليوم أعدّ ملفات وبرامج حولهم. واطّلع عن كثب على هواجسهم وهمومهم.

يرتكز «شو قولك» على موضوع رئيسي يُتناول في كل حلقة من حلقات البرنامج. وينقسم المشاركون الشباب إلى فئتين مع وضد الموضوع المطروح. ومع ضيفين معروفَين تأخذ الحوارات منحى موضوعياً. فيُتاح المجال بين الطرفين للنقاش والتعبير. وبتعليقات قصيرة وسريعة لا تتجاوز الـ90 ثانية يُعطي كل فريق رأيه، فتُطرح سلبيات وإيجابيات مشروع معيّن مقترح من قبلهم. وتتوزّع على فقرات محدّدة تشمل أسئلة مباشرة وأخرى من قبل المشاهدين. ولتنتهي بفقرة الخطاب الختامي التي توجز نتيجة النقاشات التي جرى تداولها.

ويوضح قيومجيان لـ«الشرق الأوسط»: «يهدف البرنامج إلى خلق مساحة حوار مريحة للشباب. ومهمتي أن أدير هذا الحوار بعيداً عن التوتر. فلا نلهث وراء الـ(تريند) أو ما يُعرف بالـ(رايتينغ) لتحقيق نسبِ مشاهدة عالية. وبذلك نحوّل اهتمامنا من محطة إثارة إلى محطة عقل بامتياز».

تجري مسبقاً التمرينات واختيار الموضوعات المُراد مناقشتها من قبل الشباب المشاركين. فالبرنامج يقوم على ثقافة الحوار ضمن ورشة «صنّاع الرأي»؛ وهم مجموعات شبابية يخضعون سنوياً لتمارين تتعلّق بأسلوب الحوار وقواعده. ويطّلعون على كلّ ما يتعلّق به من براهين وحجج وأخبار مزيفة وغيرها. فيتسلّحون من خلالها بقدرة على الحوار الشامل والمفيد. ويوضح زافين: «عندما يُختار موضوع الحلقة يجري التصويت لاختيار المشتركين. وبعد تأمين الفريقين، يلتقي أفرادهما بضيفي البرنامج. ومهمتهما دعم الشباب والوقوف على آرائهم. ونحرص على أن يكونا منفتحين تجاه هذا الجيل. فأهمية البرنامج تتمثل في التوفيق بين المشتركين بمستوى واحد. ولذلك نرى الضيفين لا يتصدران المشهدية. وهي عادة متّبعة من قبل المبادرة للإشارة إلى أن الشباب هم نجوم الحلقة وليس العكس».

يمثّل المشاركون من الشباب في «شو قولك» عيّنة عن مجتمع لبناني ملوّن بجميع أطيافه. أما دور زافين فيكمن في حياديته خلال إدارة الحوار. ولذلك تختار المبادرة إعلاميين مخضرمين لإنجاز هذه المهمة.

طبيعة الموضوعات التي تُثيرها كلّ مناظرة حالياً ترتبط بالحرب الدائرة في لبنان.

ويستطرد زافين: «عادة ما تُناقش هذه المناظرات موضوعات كلاسيكية تهمّ الشباب، من بينها الانتحار والموت الرحيم، ولكن هذه الاهتمامات تقلّ عند بروز حدث معيّن. فنحاول مواكبته كما يحصل اليوم في الحرب الدائرة في لبنان».

ضرورة فتح مطار ثانٍ في لبنان شكّل عنوان الحلقة الأولى من البرنامج. وتناولت الحلقة الثانية خدمة العلم.

ينتقد قيومجيان أسلوب بعض المحاورين على الشاشات (زافين قيومجيان)

«شيخ الشباب» كما يحبّ البعض أن يناديه، يرى زافين أن مهمته ليست سهلةً كما يعتقد بعضهم. «قد يُخيّل لهم أن مهمتي سهلة ويمكن لأي إعلامي القيام بها. فالشكل العام للبرنامج بمثابة فورمات متبعة عالمياً. والمطلوب أن يتقيّد بها فريق العمل بأكمله». ويستطرد: «يمكن عنونة مهمتي بـ(ضابط إيقاع) أو (قائد أوركسترا)؛ فالمطلوب مني بصفتي مقدّماً، التّحكم بمجريات الحلقة ومدتها ساعة كاملة. فالتجرّد وعدم التأثير على المشاركين فيها ضرورة. أنا شخصياً ليس لدي هاجس إبراز قدراتي وذكائي الإعلامي، والمقدم بصورة عامة لا بدّ أن ينفصل عن آرائه. وأن يكون متصالحاً مع نفسه فلا يستعرض إمكانياته. وهو أمر بتنا لا نصادفه كثيراً».

يقول زافين إن غالبية إعلاميي اليوم يتّبعون أسلوب «التشاطر» على ضيفهم. وهو أمر يبيّن عدم تمتع الإعلامي بالحرفية. ولنتمكّن من الإبقاء على هذا الأسلوب المرن لا بدّ أن نتدرّب على الأمر. وأن نملك الثقة بالنفس وهو ما يخوّلنا خلق مساحة حوار سليمة، تكون بعيدة عن الاستفزاز والتوتر وتأخذ منحى الحوار المريح».

يستمتع زافين قيومجيان بتقديم برنامجه «شو قولك»، ويقول: «أحب اكتشاف تفكير الشباب كما أني على تماس مستمر معهم من خلال تدريسي لطلاب الجامعة، وأنا أب لشابين».

يحضّر زافين قيومجيان لبرنامج جديد ينوي تقديمه قريباً عبر المحطة نفسها. ولكنه يرفض الإفصاح عن طبيعته. ويختم: «سيشكّل مفاجأة للمشاهد وأتمنى أن تعجبه».